هل تُحوّل غوغل "أندرويد" من أداة للربح لأداة للحرب؟
نادرًا ما تلعب الصدفة دورًا محوريًا في نجاح المشاريع التقنية على وجه التحديد، فحاجة السوق وتلبية رغبات المستخدمين من أفضل الأمور التي يُمكن لأي شركة اتباعها للوصول إلى شريحة أكبر بسهولة مُطلقة، وكأمثلة على هذا الموضوع لدينا نظام لينكس الذي نجح في الوصول إلى شريحة كبيرة من المستخدمين بعد احتكار أنظمة ويندوز Windows من مايكروسوفت وOS X من آبل، فهي كانت أنظمة تجارية مدفوعة لا يمكن الحصول عليها مجانًا.
وبعد سنوات طويلة شاءت الأقدار أن تكون نواة نظام لينكس هي المُنقذ من جديد في وجه الاحتكار المادّي، لكن هذه المرّة في مجال أنظمة تشغيل الأجهزة الذكية وتحديدًا في وجه أنظمة مثل بلاك بيري أو إس BlackBerry OS، أو سيمبيان Symbian، وأخيرًا iOS من آبل [1]، فهي أنظمة تجارية بشكل مُبالغ فيه، لتكون نواة لينكس المُستخدمة في نظام أندرويد هي الحل الأمثل، وهو نظام قام على أساس مفتوح المصدر لتوفير نظام تشغيل للأجهزة الذكية يمكن للجميع تطويره والمساهمة فيه.
وبالفعل، ومنذ إطلاق أندرويد لأول مرة عام 2008 تقريبًا وحتى يومنا الحالي كسب شهرة كبيرة جدًا ونجاح لا يُمكن حصره، حيث يمكن لأي شركة الحصول على النظام ودفع مبالغ مادية لشركة جوجل من أجل الاستفادة من بعض الخدمات أو إزالة بعض الخدمات الافتراضية الأُخرى، فهو الأول عالميًا من ناحية الاستخدام، ويأتي خلفه iOS، وويندوز موبايل من مايكروسوفت الذي لم يجد له مكانًا حتى هذه اللحظة.
لكن بعض الرياح عصفت في جوجل مؤخرًا على ما يبدو، أو بمعنى أدق، هناك تغييرات في طريقة التعامل مع نظام أندرويد الذي أعتُبر لفترة طويلة الملاذ الأول أمام الشركات الراغبة بتطوير هواتف ذكية.
تايزن Tizen من سامسونج، وفايرفوكس أو إس Firefox OS من منظمة موزيلا يُعتبران من أبرز أنظمة التشغيل التي كادت أن ترى النور على الهواتف الذكية، دون نسيان BB OS 10 من بلاك بيري، الذي كان هو الآخر نظام تشغيل واعد من وجهة نظري الشخصية. لكن جوجل وخلال تلك الفترة كانت ما تزال تبتسم في وجه الجميع، وتُصر على أنها الحامي الأول لعرين حرية الاستخدام والمصادر المفتوحة، وأحقيّة الجميع بالحصول على نظام بالميّزات الكاملة، عكس العادات المُتّبعة من قبل مايكروسوفت أو آبل اللتان تحصران مجموعة من الميّزات في الأجهزة الجديدة فقط، أو حتى معاملة الميّزات الجديدة على أنها تحديثات مُنفصلة يحتاج المستخدم لدفع مبلغ مادي للحصول عليها مثلما هو الحال في ويندوز 10 [2].
هذا بدوره أدى إلى استمرار التوجه نحو أندرويد كنظام تشغيل للأجهزة الذكية، فلا توجد شركة ترغب بالمجازفة باستثماراتها من أجل تركيب نظام تشغيل دون متجر تطبيقات كبير مثل جوجل بلاي Google Play، وبالتالي توقفت شركة موزيلا عن تطوير فايرفوكس أو إس، وبلاك بيري عن تطوير BB OS 10، وأخيرًا سامسونج عن تطوير تايزين الذي قامت بحصره فقط في الساعات الذكية كبديل عن نظام أندرويد وير Android Wear.
لكن ظهور أندرويد نوجا Android Nougat وتحديدًا الإصدار 7.1 كان غريبًا بعض الشيء وكسر عادات جوجل وطريقة تعاملها مع هذا النظام، فبعد سنوات من توفير جميع ميّزات أندرويد على جميع الأجهزة أيًا كانت قدراتها من ناحية المعالجة أو ذاكرة الوصول العشوائي، قررت الآن جوجل حصر بعض الميّزات في أجهزتها الخاصّة، فهي لم تحصر الميّزات في الأجهزة ذات المواصفات العالية، لا، بل حصرتها في أجهزتها فقط، تاركة جميع الشركات مُعلّقة مع نظرة من الحقد نوعًا ما، خصوصًا أن هذه الميّزات هي واجهات استخدام جديدة بتجربة استخدام مُميّزة، ومساعد رقمي عظيم بحجم Google Assistant [3].
وكمحب لنظام أندرويد أمامك الآن خيارين، الأول الحصول على هواتف بيكسل Pixel الجديدة من جوجل للاستمتاع بميّزات حصرية لن تصل لبقية مُستخدمي أندرويد، أو أن تحصل على جهاز جالاكسي مثلًا أو HTC 10 ومشاهدة ميّزات هواتف جوجل عبر موقع يوتيوب فقط!
من جهة أُخرى قد يكون نظام مايكروسوفت ويندوز موبايل Windows Mobile 10 هو الحل المناسب بالنسبة لبعض الشركات خصوصًا أنه يمتلك متجرًا للتطبيقات، مع دعم من شركة كبيرة بحجم مايكروسوفت، ومساعد كورتانا الرقمي، ومُحرّك بحث Bing، وأخيرًا بريد إلكتروني بحجم آوت لوك OutLook.
أمازون على سبيل المثال توفّر متجرها الخاص لتطبيقات أندرويد، لذا فتوفيره بشكل افتراضي داخل نظام التشغيل الجديد يعني نسبة أمان بالنسبة للمستخدم الذي لا يرغب بتحميل التطبيقات من أي مكان خوفًا من التطبيقات الخبيثة، وهو يعني أيضًا الوصول إلى أكثر من 600 ألف تطبيق تقريبًا، وهو رقم لا بأس به ويُشكّل 30٪ تقريبًا من إجمالي التطبيقات المتوفرة في جوجل بلاي والتي تصل إلى أكثر من مليوني تطبيق تقريبًا [6].
لماذا المتجر؟ لأن الأجهزة الذكية تحصل على وظائف إضافية تُلبي كافة الرغبات، فالراغبين بالتسلية بإمكانهم تثبيت مجموعة كبيرة من الألعاب، والراغبين بالتعلّم تتوفر أمامهم مجموعة كبيرة جدًا من التطبيقات المتوفرة لهذا الغرض. دون نسيان تطبيقات الأدوات التي تساعد في تنظيم الوقت أو تحسين العادات اليومية والتخلّص من العادات السيئة كالتدخين على سبيل المثال لا الحصر، فالهاتف الذكي لم يعد مجرد وسيلة لإجراء المكالمات، بل تحوّل لجزء أساسي لا يُمكن الاستغناء عنه شريطة أن يدعم مجموعة كبيرة من التطبيقات.
خصوصًا أن بعض الشركات الصينية مثل هواوي Huawei بدأت تكتسح الأسواق وحصلت في الربع الثالث من عام 2016 على 2.4٪ خلف آبل [7]، وبالتالي قد لا تجد شركات تعتمد على أندرويد مثل سوني مكانًا لها بعد الآن بسبب منافسة OnePlus وغيرها من الشركات الصينية، التي تلعب على وتر السعر، من جهة، ومنافسة من جوجل نفسها من جهة أُخرى.
في السابق كانت المنافسة ما بين الشركات المُصنّعة للأجهزة العاملة بنظام أندرويد من أجل الوصول إلى شريحة أكبر، وكأن جوجل المُدرّب الأكبر الذي رمى الكُرة -أندرويد- داخل الملعب. لكن الآن لم ترمي جوجل الكرة فقط، بل دخلت بخبرتها الطويلة إلى الملعب للمشاركة مع الجميع، وهو ما قد يجعلنا نصل إلى فترة نعيش فيها على هواتف iPhone، وجالاكسي من سامسونج، وبيكسل من جوجل فقط، أما البقية، فهي مُجرّد فواصل عشرية أمام أرقام هذه الشركات الضخمة.