ألفابت وغوغل من جاء لإنقاذ الآخر؟
باختصار؛ في عالم رقمي مؤلف من مجموعة من التصنيفات على غرار البحث، والإعلان، والشبكات الاجتماعية، والواقع الافتراضي، وغيرها الكثير، نجد أن لشركة غوغل مكانة في جميع تلك التصنيفات؛ فهي لا ترضى بدور المُتفرّج أبدًا.
هذا -بدور- دفع القائمين على شركة غوغل، "لاري بيج" و"سيرجي برين"، للإعلان بشكل مُفاجئ عن شركة جديدة تحمل اسم ألفابت آي إن سي (Alphabet Inc) ألفابت [1]، بل وتنحّى "بيج" عن الرئاسة التنفيذية لشركة غوغل، مانحًا إياها لـ"سوندار بيتشاي" [2]، وهو ما أربك العاملين داخل الشركة قبل المُتابعين على مستوى العالم، فقرار إعادة الهيكلة عُرف داخليًا على نطاق صغير ومحدود فقط.
ولفهم الصورة بشكل أوضح يمكننا تمثيل غوغل قبل عام 2015 على أنها منطاد كبير مُحمّل بأثقال مُختلفة -إشارة إلى الشركات الفرعية-، هذه الأثقال صعّبت من حركة غوغل ونموّها وطريقتها في التعامل مع الشركات الفرعية، دون نسيان الأمور المادية التي كانت مُتداخلة بشكل كامل؛ فالنتائج المالية كانت تصدر باسم غوغل فقط، دون معرفة مشاريعها الفرعية والأرقام الرسمية التي قامت بتحقيقها [4]. وبالتالي؛ وعوضًا عن رمي هذه الأثقال والتخلّص منها، قرر "بيج" و"بيرن" إنشاء منطاد آخر لحمل تلك الأثقال، مع حمل شركة غوغل واعتبارها ثقلًا آخر يُعلّق على المنطاد.
بالنظر الآن إلى شركة ألفابت والشركات الفرعية تحتها نجد أن غوغل هي أول وأكبر شركة فرعية، تليها شركات مثل مُختبرات إكس، وكاليكو (Calico)، وجي في (GV)، وكابيتال جي (CapitalG)، وفيرالي (Verily)، وأخيرًا سيارة غوغل ذاتية القيادة (Waymo) التي تُعتبر آخر الشركات الفرعية المُنضمة لألفابت [5].
لكن ماهي "كاليكو"؟ هي شركة مُتخصصة في البحث والتطوير في مجالات التكنلوجيا الحيوية. أما شركة "GV" فهي عملت سابقًا تحت مظلّة غوغل وحملت اسم (Google Ventures)، أي غوغل للاستثمارات. شركة "كابيتال جي" عملت -هي الأُخرى- في السابق تحت مظلّة غوغل تحت اسم "Google Capital"، وهي مُتخصصة في مجال الاستثمارات أيضًا. أما شركة "Waymo" فهي اختصار لـ "A New Way Forward in Mobility"، أو باختصار؛ هي مشروع سيارة غوغل ذاتية القيادة بعدما فُصلت من غوغل وأصبحت تعمل تحت مظلّة ألفابت.
بمعنى آخر؛ قامت ألفابت بإعادة تسمية بعض المشاريع؛ لكي لا تبقى عائدة على غوغل بشكل مُباشر، كما قامت بمعاملتها بشكل فردي؛ أي أن لكل مشروع من تلك المشاريع رئيس تنفيذي مُنفصل. إضافة إلى ذلك، تحتاج كل شركة إلى دفع مبالغ مادية للاستفادة من خدمات شركات ثانية؛ فمثلًا غوغل تُقدّم خدمة "فايربيس" (Firebase)، وهي منصّة تسمح باستضافة التطبيقات وتخزين بياناتها، ولو رغبت "مختبرات إكس" أو شركة "Waymo" في الاستفادة من منصّة "Firebase"، فهي بحاجة لدفع اشتراكات شهرية مثلها مثل أي زبون أو مستخدم آخر، فالكيانات الآن أصبحت مُنفصلة تمامًا. نفس الأمر بالنسبة لغوغل نفسها إذا ما رغبت بالاستفادة من نظام القيادة الذاتية للسيارات أو الحصول على تمويل من صندوق الاستثمارات "GV"، فلا توجد استثناءات داخل ألفابت [6].
بقيت غوغل على حالها، فهي ما زالت تلك الشركة المُتخصصة في مجال الإنترنت وتطبيقاته، لكن مشاريع البحث العلمي أو البحث في مجال التكنلوجيا الحيوية ليست من اختصاصها بشكل مُباشر، ومن هنا جاءت ضرورة فصلها.
"سوندار بيتشاي" يُدير غوغل تنفيذيًا، وهو الوجه الرئيس للشركة في مؤتمر المطورين I/O الذي يجري كل عام في شهر يونيو/حزيران، والذي تكشف فيه الشركة عن أحدث تقنياتها في مجال الويب والهواتف الذكية.
وتعمل الآن تحت مظلّة غوغل الكثير من الشركات، أو بمعنى آخر، تقوم غوغل بتطوير مجموعة كبيرة من المشاريع منها أندرويد، وكروم (Chrome)، وغوغل للأعمال (Google for Work)، وموقع يوتيوب (Youtube) كذلك، كل هذه المشاريع يقع تطويرها على عاتق العاملين في غوغل بإدارة "بيتشاي". أما تلك المشاريع الحالمة مثل "غوغل فايبر" الخاص بتوفير إنترنت بسرعات عالية جدًا، أو شركة نيست (Nest) المتخصصة في مجال إنترنت الأشياء، فمسئولية تطويرها تقع على عاتق الرئيس التنفيذي لكل مشروع وفريق عمله، وفشلهم لا يعني أبدًا فشل غوغل؛ بل فشل في مشروع جانبي من مشاريع شركة ألفابت.
خلال الربع المالي الثالث من عام 2016، حققت شركة ألفابت عائدات تجاوزت الـ 22 مليار دولار أمريكي، بنسبة زيادة بلغت 20٪ مُقارنة بنفس الأرقام في الربع المالي الثالث من عام 2015 [8]؛ حيث كانت وقتها غوغل هي الشركة الرئيسة، ولم تكن ألفابت موجودة. هذه الأرقام تعكس أن الخطوة التي قام بها "بيج" و"برين" لم تكن خاطئة أبدًا، فشركة ألفابت نجحت مع بداية فبراير/شباط 2016 في تجاوز شركة "آبل" (Apple) من ناحية القيمة السوقية، واستمر هذا الوضع لمدة ثلاثة أيام قبل أن تعود "آبل" من جديد للسيطرة على لقب أكثر الشركات من ناحية القيمة السوقية [9].
تُطلق ألفابت على جميع منتجاتها أو مشاريعها -باستثناء غوغل- اسم المُراهنات (Bets)، لذا -وفي بيان النتائج المالية- نجد أن هناك بندا يحمل اسم المُراهنات الأُخرى إلى جانب اسم غوغل. والمُثير في الأرقام المالية ليست قيمة الشركة السوقية، ولا حتى حجم العائدات المالية الذي ما زال ينمو على الرغم من إعادة الهيكلة؛ بل مُساهمة غوغل الجبّارة في تلك الأرقام. ساهمت جميع مُراهنات ألفابت بـ197 مليون دولار أمريكي فقط لا غير خلال الربع المالي الثالث من عام 2016، أي أنها ساهمت بـ0.0089٪ وبقية المبلغ جاء من غوغل، لذا فإن غوغل ليست مُجرّد شركة فرعية؛ بل هي كامل الأبجدية تقريبًا بمشاريعها الناجحة [10].
هذا لا يعني أن بقية المشاريع فاشلة، فهي من ناحية الابتكار رائدة بكل تأكيد؛ لكنها وحتى تصل إلى المرحلة التي تستطيع فيها الخروج بعائدات مادية تسمح لها بالاستمرار دون الاعتماد على أحد ستبقى تحت مظلّة ألفابت، وهذا من الأسباب الرئيسة التي شجّعت على عملية إعادة الهيكلة، فالمستثمرون في السابق كانوا يرون فشل المشاريع الجانبية من فشل غوغل نفسها، أما الآن فغوغل كيان ناجح لا يشوبه أي فشل حسبما تُظهر الأرقام، وهذه خطوة قد تُقدم عليها سامسونج أيضًا؛ أي فصل الشركة إلى أكثر من شركة فرعية، فقطاع الهواتف لا يجب أن يبقى مع قطاع إنتاج المعالجات أو الأدوات الكهربائية المنزلية على سبيل المثال [11].
وجد القائمون على غوغل أن ضمّها تحت مظلّة شركة ثانية أفضل بالنسبة للاستثمارات وبالنسبة للفرق المسئولة عن تطوير المنتجات فيها، ففشل المشاريع الحالمة لن يؤثر على همّة وعزيمة الفرق المسئولة عن تطوير أندرويد على سبيل المثال. ومعاملتها على أنها ثقل على منطاد ألفابت قد يبدو معقولًا على الورق أو من الناحية النظرية فقط؛ لكن وعلى أرض الواقع، غوغل هي المُحرّك المسئول عن بث الغازات الساخنة الخفيفة لرفع المنطاد نفسه والتحليق به عاليًا، بغض النظر عن التسمية أو أي شيء آخر.