شعار قسم ميدان

هل خرجت آبل من عباءة ستيف جوبز؟

midan - apple

يبدو أن شهر العسل الذي استمرّ لفترة طويلة ما بين شركة آبل والإعلام شارف على الانتهاء، أو انتهى تمامًا بعد رحيل ستيف جوبز ، فمعظم الوكالات الإعلامية جلدت آبل وتيم كوك الرئيس التنفيذي الحالي للشركة، مُعتبرين أنه قتل الإبداع في الشركة لأنها وخلال الأعوام الخمسة الماضية لم تبتكر أي شيء بحجم آبل والمُنتجات التي اعتاد الجميع عليها.

 

ما زاد الأمور تعقيدها هو النتائج المالية الأخيرة للشركة في الربع المالي الرابع من عام 2016، والتي سجّلت فيها آبل أول انخفاض في المبيعات والعوائد منذ عام 2001 تقريبًا، دون نسيان تراجع مبيعات هواتف آي فون كذلك للمرّة الأولى [1].

 

وفي وقت يرى فيه مُتتبّعي الأخبار التقنية عمومًا، وعُشّاق شركة آبل خصوصًا، أن كوك لا يصلح لأن يكون رئيسًا تنفيذيًا لشركة آبل، يمكننا الاستناد على بعض النقاط المنطقية لمُخالفة هذه الرؤية، بل ويُمكن اعتبار أن كوك يلعب حاليًا دور المُنقذ الذي يقوم بوضع حجر الأساس لشركة آبل المُستقبلية، بعيدًا عن جوبز، أو أي اسم آخر يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة.

 undefined

آبل هي ستيف جوبز
لعب ستيف جوبز دور الأب الروحي لشركة آبل، خصوصًا أن المُنتجات التي رأت النور في عهده كانت بالفعل سابقة لعصرها من جهة، وناجحة من جهة أُخرى؛ فأجهزة مثل حواسب آي ماك جي 3 (iMac G3) المُلوّنة -ماكنتوش (Macintosh)- جعلت شهرة آبل تصل إلى جميع أنحاء العالم، دون نسيان أجهزة آيبود iPod للاستماع إلى الموسيقى، وهواتف آيفون  بكل تأكيد.

 

بالحديث عن هواتف آبل، فإن بعض القصص طفت مؤخّرًا على السطح وأعطتنا صورة عمّا جرى خلف الكواليس قبل أن تُبصر الهواتف النور. باختصار، لجأ جوبز إلى طوني فاضل ، أحد المُهندسين في آبل الذي كان مسؤولًا عن تطوير أجهزة آيبود، وطلب منه أن يقوم بتحويل نموذج لشاشة كبيرة تعمل باللمس إلى جهاز صغير يوضع بالجيب. ولتطوير نظام تشغيل جهاز فاضل الجديد -هواتف آيفون-، أوكل جوبز تلك المهمّة إلى سكوت فورستول ، وهو أيضًا أحد مُهندسي البرمجيات داخل الشركة [2].

 

باختصار، حرص جوبز على العمل جنبًا إلى جنب مع فرق الهندسة في شركة آبل لتحويل أفكاره المجنونة أو الحالمة إلى مُنتج حقيقي.

undefined

الحمض النووي للشركات الكبيرة
قبل الخوض في شركة آبل في عهدة كوك، ارغب بالحديث عن الشركات وهيكلها الإبداعي بشكل عام، فالشركات الكبيرة تعتمد على التسويق بشكل أساسي للوصول إلى غاياتها، وهنا لا اتحدّث عن التسويق كأداة للترويج للمُنتج وإنشاء حملات إعلانية له، بل اقصد التسويق بمفهومه الكامل والصحيح الذي يبدأ من دراسة واقع السوق للبحث عن مُنتجات يحتاج المُستخدم لها، ثم إنشاء هذا المُنتج، ولمس تعليقات الزبائن لتحسين المُنتج، وبالتالي دفع عجلة المبيعات [3].

 

بشكل عام، يُمكن تخيّل الشركات الحديثة وكأنها قائمة على فريق التسويق الذي يقوم بدراسة السوق للبحث عن فُرصة لدخوله بقوّة أو تعزيز تواجده، ليقوم فيما بعد برفع هذه المُقترحات إلى فريق الهندسة ليقوم بدوره بدراستها والتأكّد من إمكانية تحويلها إلى مُنتج حقيقي، دون إهمال دور مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للموافقة على الأفكار الجديدة.

 

جوبز لعب دور عرّاب التسويق في شركة آبل خلال فترة تواجده فيها، فهو كان قادرًا على رصد الفراغ الموجود في السوق وابتكار المُنتج الذي يحتاجه المُستخدم دون أن يدري أنه يحتاجه بالأساس، وهو ما لخّصه جوبز أكثر من مرّة في مؤتمراته بقوله إن آبل تُلبّي حاجات المُستخدم قبل أن يشعر أنه بحاجتها للفعل [4]، ليتواصل بعدها مُباشرةً مع المُهندسين، وهو ما بدا واضحًا خصوصًا في القصص التي انتشرت ذكرناها سابقًا.

 

جوبز في آبل كان رئيسيًا تنفيذيًا من جهة، ومسؤولًا عن التسويق من جهة ثانية. لكننا وكمستخدمين، بدا لنا الأمر وكأنه رئيسًا تنفيذيًا يتواصل مع فريق المهندسين لتنفيذ بعض الأفكار، ولم يكن لفريق التسويق دورًا كبيرًا في الحكاية، على الأقل بالنسبة لنا كمُراقبين خارجيين.

 

آبل مع تيم كوك

undefined

توالت المصائب على كوك أثناء قيادته لشركة آبل، فمشاكل مثل انحناء هواتف آيفون 6، أو مشاكل مُعالجات الرسوميات في الجيل الجديد من حواسب ماك بوك برو (MacBook Pro) المحمولة، كانت من أسوء الأمور التي يتمنّاها رئيس أي شركة، دون تجاهل الجيل الثاني من ساعة آبل (Apple Watch Series 2) الذي لم يحمل أي جديد على صعيد التصميم، وهو ما جعل المُنتج مُمل من وجهة نظر المُستخدمين.

لكن ولفهم القصّة بشكل كامل، يجب الاستماع إلى القصص الواردة من داخل الشركة لتنكشف المعالم المخفية للصورة، على غرار تلك المعالم التي لم تنكشف سوى بعد انقضاء ست سنوات على وفاة جوبز، بالتزامن مع مرور عشر أعوام منذ الكشف عن هواتف آيفون للمرّة الأولى.

 

بحسب أحد العاملين في الشركة، وتعقيبًا على مشاكل البطاريات ومُعالجات الرسوميات في حواسب ماك بوك برو الأخيرة، فإن خلافات داخلية نشبت في آبل في السنوات الأخيرة بخصوص حواسب الشركة المحمولة؛ فمُهندسي الشركة رغبوا إطلاق الجيل الثاني من ماك بوك بعد تزويده بقارئ للبصمة (Touch ID)، وهو ما نبذه فريق التسويق بشكل كامل.

 

المُهندسون رغبوا فيما بعد بتغيير تصميم خلايا البطارية في ماك بوك برو 2016 أملًا في الحفاظ على السماكة القليلة إلى جانب استعيابها لكمية أكبر من الطاقة، لكن النموذج الأولي فشل في الاختبارات، ومن هنا طالب فريق التسويق باعتماد التصميم القديم للخلايا لإطلاق الأجهزة بأسرع وقت مُمكن لكسب موسم الأعياد، وهو ما حصل بالفعل [5].

 

ما يُمكن استنتاجه من هذه الأخبار هو سيطرة فريق التسويق على القرارات النهائية، فهو الآمر الناهي الآن، وتتفوّق قراراته على آراء فريق الهندسة الذي يمتلك مهارات تكفيه للخروج بابتكارات جديدة تُرضي الجميع. إضافة إلى ذلك، نرى أن اسم كوك غير موجود تمامًا في مثل هذه الأحداث، عكس سلفه جوبز، الذي كان مُسيطرًا على المشهد بصورة شبه كاملة.

 

المظاهر خدّاعة
undefined

طغت صورة جوبز وعمله مع مُهندسي آبل على دور ووجود فريق التسويق في الشركة بشكل كبير. بينما طغت صورة فريق التسويق وعمله مع فريق الهندسة على دور ووجود تيم كوك في الشركة، لكن المظاهر خدّاعة وبشكل كبير.

ما حدث في عهد جوبز لا يختلف كثيرًا عمّا يحدث في الوقت الراهن؛ ففريق التسويق حرص على التواصل بشكل مُباشر مع فريق الهندسة في كلتا الحالتين. الاختلاف فقط في أعضاء هذا الفريق،؛ ففي عهد جوبز كان هو نفسه الفريق الكامل تقريبًا، أما في عهد كوك، فالأسماء كثيرة، ولا مكان له بينها بكل تأكيد. بمعنى آخر، كوك ليس الرئيس التنفيذي الذي يتواصل مع فريق الهندسة بشكل مُباشر مثلما كان الحال عليه أيام جوبز.

 

آبل بعيدًا عن الأسماء
ما يقوم به كوك حاليًا هو إعادة تمكين دور فريق التسويق الذي تلاشى بشكل كبير في عهد جوبز على ما يبدو، فجميع الشركات الحديثة دون استثناء تعتمد على هذا التسلسل الهرمي.
ما يقوم به كوك حاليًا هو إعادة تمكين دور فريق التسويق الذي تلاشى بشكل كبير في عهد جوبز على ما يبدو، فجميع الشركات الحديثة دون استثناء تعتمد على هذا التسلسل الهرمي.

ما يقوم به كوك حاليًا هو إعادة تمكين دور فريق التسويق الذي تلاشى بشكل كبير في عهد جوبز على ما يبدو، فجميع الشركات الحديثة دون استثناء تعتمد على هذا التسلسل الهرمي، أي أن الرئيس التنفيذي يتواصل مع فريق التسويق، الذي بدوره يتواصل مع فريق المُهندسين المسؤول عن تحويل الأفكار إلى مُنتجات حقيقة، والأمثلة على ذلك كثيرة.

 

بهذا الأسلوب أو بهذه الطريقة يُمكن لشركة آبل الاستمرار بعيدًا عن الاسم. بمعنى آخر، ما يقوم به كوك هو تخليص آبل من الدور الذي لعبه جوبز لفترة طويلة داخل الشركة، فهو شغل منصب الرئيس التنفيذي من جهة، والمسؤول عن التسويق من جهة أُخرى، حتى ولم يُذكر هذا الأمر صراحة. في حين أن كوك هو الرئيس التنفيذي فقط، الذي يسعى إلى تفعيل دور كل فريق بالطاقة الكاملة، وبالتالي حتى وإن لم يأت جوبز آخر ستكون الشركة قادرة على الاستمرار من خلال فريق تسويقي ذكي يحوّل احتياجات السوق إلى مُنتج يعكس ثقافة الشركة ويدفعها للاستمرار في هذا السوق المُزدحم.

 

وجود جوبز على رأس آبل تنفيذيًا وتسويقيًا كان له الكثير من الإيجابيات بكل تأكيد، لكن السلبيات كثيرة أيضًا، فتيم كوك لا يُلام على عدم الخروج بمنتجات جديدة ومبتكرة لأنه لا يمتلك مهارة جوبز التسويقية أولًا، ويعمل على إحياء فريق التسويق الذي قُتل تمامًا في عهد جوبز ثانيًا، فهذا الفريق هو من يجب أن يكون مسؤولًا عن الخروج بمنتجات وأفكار جديدة باستمرار، وليس الرئيس التنفيذي.

 

حتى لو عاد جوبز رئيسًا تنفيذيًا فقط مع نفس فريق التسويق الغير قادر على استشراق المُستقبل، النتيجة ستكون واحدة تقريبًا، أي توقّف آبل عن الابتكار.

المصدر : الجزيرة