شعار قسم ميدان

كيف أفسد اللايك عالم الإنترنت؟

MIDAN - LIKE FACEBOOK
مقدمة المترجم

"يروي جيمس سومرز حكايته مع برنامج قارئ غوغل، وهو برنامج أوقفته شركة غوغل عن العمل عام 2013، بدعوى انخفاض أعداد المستخدمين. ويتطرق في المقال -الذي لا يخلو من نبرة تهكّمية على حال محتوى الويب اليوم-، إلى دور "الترافيك" والخدمات التي توفّره، في إفساد نوعية الحوارات التي كانت تدور على الشبكة العنكبوتية. مع معالجةٍ جادة للأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة وآثارها المستقبلية."

 

سأروي لكم حكاية قصيرة. لقد كان لي صديق أحبّ قارئ غوغل إلى درجة أنّه صمم نسخة عنه عندما أعلنت الشركة عن إيقافه. وكانت النسخة مماثلة للأصل، باستثناء أنك تستطيع إضافة صور لمنشوراتك، بالإضافة إلى إمكانية ضغط زرّ الإعجاب على التعليقات. لقد هيمنت على المحادثات في قارئ غوغل، نبرة جادّة وفكرية. بينما كان السائد في النسخة التي صممها هو الصور المتحركة (GIF) وكانت شريحة مستخدميه من أولئك المستظرِفين.

 

وقد صممت أنا نفسي نسخة خاصة بي عن قارئ غوغل -وقد كان هذا السبب الذي جمعني أنا وصديقي، فقد أحبّ كلانا تلك المنصة-. لكن نسختي كانت محافظة أكثر: حيث تخليت عن إضافة خيار الإعجاب، وجعلت من الصعب إضافة الصور إلى التعليقات. في الحقيقة، أنني لم أُتح الصور في المقام الأول.
 

تقول القاعدة الأولى في تصميم البرامج أنه كلما زاد التفاعل كلما كان حال المنصة أفضل. وبأن الطريقة التي تحصل فيها على تفاعل أكبر تتمثل في إضافة مزايا من قبيل زر الإعجاب والإشعارات
تقول القاعدة الأولى في تصميم البرامج أنه كلما زاد التفاعل كلما كان حال المنصة أفضل. وبأن الطريقة التي تحصل فيها على تفاعل أكبر تتمثل في إضافة مزايا من قبيل زر الإعجاب والإشعارات

وكنت أفكر في إضافة مزايا اجتماعية جديدة على نسختي إلى أن سمعت حكاية صديقي. تقول القاعدة الأولى في تصميم البرامج أنه كلما زاد التفاعل كلما كان حال المنصة أفضل. وبأن الطريقة التي تحصل فيها على تفاعل أكبر تتمثل في إضافة مزايا من قبيل زر الإعجاب والإشعارات. لكن آخر ما أردته كان إفساد الحوارات القائمة في نسختي، ذلك أنّ التحاور كان الغاية الأساسية منها.

 

 لقد كان قارئ غوغل ممتعا، لكنه احتاج عددا من المزايا التي تتعلق بالتفاعل. فقد كان سيئا فيما يتعلق بالتغذية الراجعة (Feedback). كنت تستطيع، في نهاية الأمر، أن تضغط بالإعجاب على المقالات التي يشاركها الناس، لكن هذه الإعجابات كانت تهوي إلى فجوة سحيقة؛ وبالتالي إن أردت رؤية الإعجابات الجديدة، كان عليك الرجوع بتاريخ المقالات التي شاركتها، كي تلحظ الفارق في عدد الإعجابات عن المرة السابقة. وينطبق الأمر نفسه على التعليقات الجديدة: فإن توجهت إلى منصة القارئ ونقرتَ على رابط "التعليقات"؛ ستلحظُ أن الصفحة مصممة بشكل رديء يصعّب من معرفة عدد التعليقات الجديدة بالضبط. وكنت لتواجه الأمر نفسه عند قيامك بنشر تعليق يخصك. حيث لم يكن يظهر إشعار بأن أحدا ما أعجب به، فضلا عن أن تعلم أنه قد قرأه.

 

عندما تكتب في ظل غياب التغذية الراجعة يكون عليك الاعتماد على حكمك الشخصي. قد تود أن تسعد جمهورك، بالطبع. لكن لتفعل ذلك سيكون عليك تخيل ما سينال إعجاب هذا الجمهور، وبما أن الأمر صعب، ينتهي بك الأمر للاعتماد على ما يعجبك أنت. في اللحظة التي يبدأ الناس فيها بإخبارك ما يحبونه من خلال زر الإعجاب، فإنك حتما ستبدأ بالتماهي مع فكرتهم عما هو جيد. وبما أن "الناس يميلون إلى التشابه في اهتماماتهم السفيهة والشهوانية والخرقاء وإلى الاختلاف الواسع في اهتماماتهم الجمالية والنبيلة والمهذبة"، فإن المواضيع التي تنشرها ستبدأ في التماثل إلى حد كبير مع المواضيع التي ينشرها أي شخص آخر، لأن الجميع يفضّل الشيء ذاته نوعا ما والجميع يريد حصد الإعجابات.
 

undefined

إن ما أحببته في قارئ غوغل أن عدم معرفة ما يحبه الناس كان يمنحك نوعا مميزا من الحرية. ولعل الوصف الأدق للأمر هو قابلية الإنكار المعقول: ما يعني أنه يتعذّر عليك الجزم بأن المنشور السابق لم يعجب أصدقاءك. ما يعني أن منشورك التالي لن يكون مقيّدا بمزايا وعيوب المنشور الذي سبقه في إطار معايير عدد مرات الإعجاب أو المشاهدات. كان دليلك الوحيد هو الذائقة وجمهور مبهم نوعا ما.

 

كان للصحف والمجلات جمهور مبهم أيضا.  وكان العمل يتم بطريقة لم يكونوا واثقين معها بشأن عدد مرات قراءة كل مقال من محتواهم؛ كان يتعذر عليهم رؤية مساحة التفاعل الاجتماعي الذي نالته كل قطعة مقابل مقالات أخرى على لوحة القياس. كانت لديهم مساحة أكبر للتجربة، لأن نوع المقالات التي قد تفشل لم يكن واضحا سلفا. يمكن لهذا، بالطبع، أن يؤدي إلى التسامح مع المقالات التي لن يقرأها أحد؛ لكنه سيؤدي أيضا إلى سحر غير متوقع.

 

أهي مصادفة، إذن، أن يكون انحطاط الإعلام إلى القاع -نحو العناوين البراقة، والمحتوى السفيه والشهواني والأخرق، والموادّ المثيرة إنما المبالغ بها- قد تسارع بقوة مع تطور تقنيات جديدة لقياس التفاعل؟
 

إننا نستمر في تصميم برامج لمنح الناشرين تغذيات راجعة حول أداء المحتوى بحيث يمنحون الناس ما يريدونه بالضبط. ولا ينطبق الأمر على وسائل الإعلام العادية فقط وإنما على وسائل التواصل الاجتماعي
إننا نستمر في تصميم برامج لمنح الناشرين تغذيات راجعة حول أداء المحتوى بحيث يمنحون الناس ما يريدونه بالضبط. ولا ينطبق الأمر على وسائل الإعلام العادية فقط وإنما على وسائل التواصل الاجتماعي

قد لا يستغرق منك الأمر قضاء أكثر من 10 دقائق مع أحد مزوّدي المحتوى على الويب لكي تدرك أن السؤال الذي يؤرقه ليلا هو كيفية تحسين أداء منشوراته لكي تلاقي قياسات تفاعل معينة. ومن السهل رؤية العواقب المنطقية لهذا الحافز: في مذيّلة صفحات المقالات وعلى كل موقع كبير تقريبا ستجد شريطً يحوي في داخله عددا من المقالات بعنوان "حول الويب" (Around the Web) والذي يتم تشغيله إما من خلال شركة " أوتبرين " (Outbrain) أو "تابولا" (Taboola). هذه الأشرطة مجهزة بحيث تجذب الناس للنّقر عليها -والناس، في الحقيقة، يضغطون على تلك المواضيع، أنا نفسي أتصفحُّها-. وفي وسعك أن ترى بأن المحتوى في غالبه قمامة جنسية، وجنسوية ومتعيّة. وكلما سمحت لقياسات التفاعل بأن توجّه سياستَك التحريرية، كلما تشابه موقعك أكثر مع المحتوى الذي يقدّمه شريط "تابولا". وهذا هو الاستنزاف الذي يقوم عليه.

 

ومع ذلك نستمر في تصميم برامج لمنح الناشرين تغذيات راجعة حول أداء المحتوى بحيث يمنحون الناس ما يريدونه بالضبط. ولا ينطبق الأمر على وسائل الإعلام العادية فقط وإنما على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا، بحيث يتمكن حتى ابن 11 عاما من تطوير حس فريد بنوع المنشور الذي سينال إعجابات أعلى.

 

على  أيام قارئ غوغل، عندما كان السائد في الويب هو ملخص الموقع الغني "آر آر إس" (RSS)، كان انتشار المنشورات على الإنترنت -بما فيها المدونات، التي ازدهرت بفضله– يرتكز على المشتركين. وكان هذا هو المعيار الرئيسي. وقد كانت هناك أهمية لمنشورات الأفراد، لكن من خلال تجميع المحتوى في باقة، إذ كان الأمر أشبه بمجلة، حيث يتم ربط مجموعة من المقالات معا لتكون باقة تدفع مقابلها المال، وتود قراءتها.
 

تجد اليوم أن الكثير مما تقرأه على الإنترنت معنونٌ بادعاء لا يقاوم أو سؤال في العنوان لا يسهب المقال فيه، وذلك لأن على المقالات أن تكون إعلانها الخاص في نفس الوقت (بكساباي)
تجد اليوم أن الكثير مما تقرأه على الإنترنت معنونٌ بادعاء لا يقاوم أو سؤال في العنوان لا يسهب المقال فيه، وذلك لأن على المقالات أن تكون إعلانها الخاص في نفس الوقت (بكساباي)

لكن الإعلام في الويب، كما أشار لي الصحفي أليكسيس مادريغال، لم يعد يستخدم الباقات، ودون أدنى تقدير للعواقب التي نجمت عن الأمر. فعندما يتم تجميع عدد من المقالات والمنشورات سويا، لا يعود عبء التميز ملقى على كاهل مقال أو منشور واحد وحسب. كانت الفكرة من التجميع -بطريقة تراكمية- هي أن يتوزّع عبء الجودة على عدد من المقالات. وأعتقد أن التخلي عن هذا الأمر كانت له عواقب حقيقية. وفي اعتقادي أن صناع تلك الباقات لم يكونوا يتعرضون لضغط جنسنة المحتوى كما يحدث اليوم.

 

كان في وسعهم إضافة محتوى غير جذاب، وهم يعلمون بأن القراء سيجدُونه على أي حال لأنه جزء من الباقة. وكان ثمة مساحة لغياب السردية، والتنوع، ومساحة لأمورٍ، على سبيل المثال، ليست ذات أهمية في الوقت الحالي. كَمقالة بحثية حول كيفية صنع عصير البرتقال بلغت من الطول ما دفع المحررين إلى تقسيمها لجزئين.

 

أما في حالة المحتوى المبعثر، الذي يعني أن على كل مقال تبرير الغاية من وجوده في حيزّ المحتوى، سيقع على الأفراد ضغط أكثر مما يستطيعون احتماله. لهذا السبب تجد أن الكثير مما تقرأه اليوم على الإنترنت معنونٌ بادعاء لا يقاوم أو سؤال في العنوان لا يسهب المقال فيه، في الحقيقة. لأن على المقالات أن تكون إعلانها الخاص في نفس الوقت، إذ إنهم لا يستطيعون الاعتماد على الباقة لجذب القراء. وأفضل إعلان هو المبالغ به أو الشهواني.
 

لقد اقترح مادريغال بأن أنجح باقة إعلامية هي النشرة الصوتية. ولعل السبب الذي كان وراء تصاعد شعبية النشرة الصوتية ووجود مزيج من العمق والسعة في ذلك النمط، هو أن الحلقات الفردية ليست ذات أهمية
لقد اقترح مادريغال بأن أنجح باقة إعلامية هي النشرة الصوتية. ولعل السبب الذي كان وراء تصاعد شعبية النشرة الصوتية ووجود مزيج من العمق والسعة في ذلك النمط، هو أن الحلقات الفردية ليست ذات أهمية

لقد اقترح مادريغال بأن أنجح باقة إعلامية هي النشرة الصوتية (Podcast). ولعل السبب الذي كان وراء تصاعد شعبية النشرة الصوتية ووجود مزيج من العمق والسعة في ذلك النمط، هو أن الحلقات الفردية ليست ذات أهمية. ما يهم حقا هو الحصول على المشَتركين، وفي وسعك النفث في الميكروفون، أو القيام بشيء غريب من حين لآخر، وتظل ناجحا.

 

تخيل لو كانت النشرات الصوتية على طراز تويتر، بمعنى أن يقتطع الناس من النشرة الصوتية ويتفاعَلوا بمقاطع منفردة، لا يتجاوز طولها عدة دقائق. قد ينحرف عندئذ سوق المحتوى عن الباقة -التي يهم فيها الاشتراك- إلى المقاطع الفردية. ستتطور الحوافز باتجاه إنتاج مقاطع تحصد الإعجابات. وإن هيمن هذا النموذج. بحيث لا يعود مهما في أي نشرة تشترك، فإن من الواضح أن البرامج المطولة المخصصة لهذه النشرات ستعاني نقصا حادا. 

 

لا يستخدم الناس نسختي من قارئ غوغل كثيرا اليوم. جزء من هذا يرجع إلى أن أصدقائي وحدهم من يستخدمونها، وأصدقائي لديهم وظائف الآن، وبعضهم لديه عائلات، لكن في جزء منه، أعتقد، أن كل قطعة أخرى من البرنامج تلاقي تفاعلا أكبر، في النمط الدوباميني المتبع اليوم. ولربّما لم تكن الوتيرة المرتفعة في محادثات القارئ – لمتمثلة بعدد من الردود من يوم لآخر، من قبل قلة من الناس، في أحسن الأحوال- لتضاهي ما يحدث اليوم على تويتر أو فيسبوك، حيث تبدأ في حصد الإعجابات بعد عدة دقائق على النشر، لكن المحادثات على القارئ، كانت جيدة جدا، جدا. 

———————————————————————————————-
المادة مترجمة عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة