شعار قسم ميدان

كي تنجح تحتاج لتغيير جلدك أحيانا!

midan - youtube
ركبت القصص والمقالات التي تتناول ريادة الأعمال موجة واحدة فقط، تُركّز على ضرورة القفز من مركب الوظائف التقليدية الغارق، وتدعو كل شخص إلى اكتشاف روح الريادة الموجودة بداخله لإخراجها وبناء مشروعه الخاص.

 

التفكير الإيجابي والطموح من الأمور الرائعة بكل تأكيد، وهي ليست وليدة اليوم، فالأمثلة على النجاح موجودة منذ اكتشاف الإنسان للنار، وتطويره لوسائل الصيد كذلك؛ لكنها الآن أصبحت أكثر واقعية لأننا نعتمد عليها بشكل يومي، وهُنا الحديث عن روّاد الأعمال الذين تركوا وظائفهم وتعليمهم ليُقدّموا لنا مشاريع على غرار شبكة فيسبوك الاجتماعية، أو تطبيق "واتس آب" للمحادثات الفورية.

 

لكن ما يخفى على البعض هو أن مُعظم تلك المشاريع لم تكن كتفاحة إسحاق نيوتن؛ أي أنها لم تأت كأفكار جاهزة ومُقشّرة تمامًا؛ بل تحوّلت من شكل لآخر، أو نقلتها الصدفة إلى ما هي عليه اليوم؛ تويتر -على سبيل المثال- بدأ كتطبيق للتواصل ما بين أعضاء فرق العمل؛ ليتحوّل فيما بعد إلى شبكة اجتماعية. فيسبوك -أيضًا- بدأ كشبكة لتبادل الملفّات ما بين طُلاب الفصل الواحد؛ لتتحوّل فيما بعد إلى شبكة لتسهيل التواصل ما بين المُستخدمين. قائمة هذه المشاريع تطول، والتغيّرات في بعض المشاريع لم تكن بتلك البساطة، فبعض التطبيقات التي نستخدمها اليوم تغيّرت بشكل كامل قبل أن تصل إلى شكلها الحالي.

 

"إنستغرام"
لم تكن انطلاقة تطبيق إنستغرام عاديّة أبدًا، وهي خير مثال على قصص النجاح التي يُمكن كتابتها في كتب ومقالات التحفيز وريادة الأعمال. القائمون على التطبيق عملوا لمدة ثمانية أسابيع على تطويره، ثم قاموا بإطلاقه بعد مُنتصف الليل أملًا في الحصول على قسط من الراحة بعد هذا التعب، فهم اعتبروا أن الوصول للتطبيق سيبدأ مع صباح اليوم التالي.

 undefined

المُفاجأة كانت أن أكثر من 10 آلاف مُستخدم قاموا بتحميل التطبيق واستخدامه بُعيد ساعات قليلة من إطلاقه؛ ليصل العدد إلى 100 ألف تقريبًا خلال الأسبوع الأول، وهو رقم لا يحلم به أي رائد أعمال عاقل. لنصل بعدها إلى النهاية السعيدة باستحواذ فيسبوك عليه لقاء مليار دولار أمريكي تقريبًا. لكن إنستغرام لم تولد بالأساس لتكون شبكة اجتماعية لمُشاركة الصور بعد تطبيق بعض التأثيرات اللونية عليها؛ بل كانت في الأصل شبكة اجتماعية لتسجيل التواجد في مكان ما، (Check-In)، على غرار تطبيق فورسكوير (Foursquare).

 

كيڤن سيستروم (Kevin Systrom)، أحد مؤسسي إنستغرام، كان يحاول تطوير مهاراته البرمجية باستمرار من خلال العمل على بعض الأفكار بشكل سرّي. في ذلك الوقت، مع نهاية 2009، بدأت تطبيقات تسجيل التواجد في الأماكن تحظى باهتمام المُموّلين في الولايات المُتحدة الأميركية، وهو ما دفع سيستروم لتطوير تطبيق يجمع ما بين فكرة "فورسكوير" ولعبة "حروب المافيا"؛ حيث يقوم المُستخدم بتسجيل تواجده مع الأصدقاء في مكان ما، مع مُشاركة صور من المكان، والتخطيط كذلك للقاءات ثانية مع الأصدقاء؛ ليحصل بذلك على نقاط إضافية كُلما عزّز من حياته الاجتماعية في الخارج.

 

بنظرة سريعة لتطبيق إنستغرام في يومنا الحالي نجد أنه يُستخدم من قبل 600 مليون مُستخدم، بعدما كان 500 مليون فقط في منتصف 2016؛ ليصل إلى 600 مليون مع نهاية 2016

التطبيق حمل وقتها اسم "بيربن" (Burbn)، وكان مُجرد نموذج أولي دون واجهات أو تصميم مُميّز، لكن جميع من استخدمه من أصدقاء سيستروم ومعارفه أُعجبوا بالفكرة؛ ليقوم فيما بعد بعرضه على بعض المُستثمرين الذين عبّروا عن اهتمامهم وقدّموا بالفعل تمويلا بقيمة 500 ألف دولار أميركي، وهُنا قام بعدها بتوظيف "مايك كريجر" (Mike Krieger)، الذي ساهم فيما بعد بتأسيس إنستغرام [1].

 

كريجر وسيستروم جلسا معًا لتطوير الفكرة أكثر، فتطبيق Burbn كان عبارة عن مجموعة من الميزات المحشوّة التي تجعل استخدامه مُعقّدًا بعض الشيء، ومن بين تلك الميزات كانت ميزة اختيار الصورة الشخصية مع تطبيق بعض التأثيرات عليها أيضًا. قرار المؤسسيْن كان الخروج بتطبيق مُميّز يختلف عن البقية، ومن هنا وجدا أن التركيز على وظيفة واحدة أفضل من 10، فما كان منهم سوى أن حوّلا التطبيق من Burbn لمشاركة الموقع الجغرافي إلى إنستغرام لمشاركة الصور.

 

سيستروم وكريجر جعلا الصور وتطبيق التأثيرات عليها الوظيفة الأساسية للتطبيق، ثم قاما بتوفير إمكانية اختيار الموقع الجغرافي للصورة قبل مُشاركتها. وبنظرة سريعة لتطبيق إنستغرام في يومنا الحالي نجد أنه يُستخدم من قبل 600 مليون مُستخدم، بعدما كان 500 مليون فقط في منتصف 2016؛ ليصل إلى 600 مليون مع نهاية 2016 [2].

 

تطبيق "أير بي إن بي" ورقائق الذُرة
وصلت قيمة تطبيق "أير بي إن بي" (Airbnb) في منتصف 2016 إلى 30 مليار دولار أميركي تقريبًا، وهو تطبيق لم تتغيّر فكرته الأساسية منذ بداياته؛ لكن الشركة تُدار بمبدأ رقائق الذُرة (Cornflakes)  التي نجحت في إيصاله إلى قيمته الحالية.

 

فكرة
فكرة "أير بي إن بي" تحولت إلى تطبيق استُخدم من قبل أكثر من 100 مليون شخص مع حلول منتصف 2016 (رويترز)

بدايات "أير بي إن بي" كانت عندما وجد ثلاثة أصدقاء أنفسهم غير قادرين على دفع إيجار منزلهم في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، فقرّروا عرض غرفة من المنزل للإيجار واستعانوا ببعض المُدوّنين المحليّين في نفس المدينة للترويج للغرفة. وبالفعل نجحوا في الحصول على 1000 دولار أميركي خلال أسبوع واحد فقط، في حين أن صاحب المنزل كان يُطالب وقتها بـ 1150 دولارا إيجارًا شهريًا.

 

فكرة التطبيق كانت قائمة على فراش النفخ (Air Mattress)، فهم لم يمتلكوا وقتها سريرًا إضافيًا؛ بل امتلكوا وسادة كبيرة يُمكن نفخها بالهواء لتُصبح فراشا صالحا للنوم. وتطوّرت الفكرة مع مرور الوقت من تقديم الوسادة الهوائية ووجبة الفطور، إلى تقديم غرفة في المنزل وعرضها للإيجار مع وجبة الفطور، فاسم الشركة هو اختصار لـ"سرير هوائي وإفطار" (Air Bed and Breakfast).

 

نما استخدام الخدمة وقت المناسبات فقط، فالموقع الإلكتروني الخاص بها كان أشبه بدليل للغرف المتوفرة للإيجار في أي مدينة تجري مناسبات فيها، حتى وسائل الإعلام نظرت إليها على هذا الشكل، لذا فانتهاء المناسبات يعني انتهاء وظيفة الموقع، وهو ما لا يرغب به القائمون عليه بكل تأكيد.

 

لاحظ القائمون على الموقع أنهم خلال الفترة المُنقضية ركّزوا على كلمة "سرير" (Bed) فقط في اسمه، وعملوا على تطويرها من وسادة هوائية إلى فراش كامل؛ لكنهم لم يُركّزوا أبدًا على كلمة "فطور" (Breakfast) [3]. ومن هنا قاموا بتصميم علب خاصّة بهم ووضعوا بداخلها رقائق الذُرة وقاموا بإرسالها إلى بعض المُراسلين والإعلاميين الذين بدأوا بدورهم بطرح الأسئلة حول الموقع وآلية عمله وطموح القائمين عليه، لتنقلب بعدها الفكرة رأسًا على عقب، وتتحول إلى تطبيق استُخدم من قبل أكثر من 100 مليون شخص مع حلول منتصف 2016 [4].

 

"يوتيوب" المكان الأمثل للعثور على شريك الحياة
تُقدّر قيمة منصّة يوتيوب اليوم بـ 104 مليارات دولار أميركي [5]، وهو الموقع الذي استحوذت عليه غوغل في 2006 لقاء 1.65 مليار دولار أميركي فقط. المنصّة بالأرقام تُستخدم مِن قِبَل أكثر من مليار مُستخدم حول العالم، كما يقضي المُستخدم يوميًا ما يُقارب 60 دقيقة في مُشاهدة مقاطع في يوتيوب، ويبلغ إجمالي المقاطع التي تُشاهد في الشهر الواحد ما يُقارب 6 مليارات من الساعات تقريبًا [6]. كل تلك الأرقام لم تكن لتكون موجودة لولا تغيير الفكرة الأساسية للتطبيق الذي بدأ كتطبيق للتعارف والعثور على شريك الحياة المُناسب.

 

تحوّل يوتيوب إلى منصّة تُقدّم مُحتواها الخاص تحت مُسمّى
تحوّل يوتيوب إلى منصّة تُقدّم مُحتواها الخاص تحت مُسمّى "يوتيوب ريد" وهي منصّة فرعية باشتراكات شهرية. إضافة إلى تطبيقات للبث المُباشر، وآخر خاص بالأطفال والعائلة
 

قرر القائمون على المنصّة إطلاق موقع للتعارف الإلكتروني بحيث يُمكن للمستخدم رفع مقطع للفيديو يتحدث فيه عن نفسه لتسهيل العثور على الشريك الأمثل مِن قِبَل بقيّة المُستخدمين. في 14 فبراير/شباط 2005 تم تسجيل عنوان الموقع (Domain Name)، وهو يومٌ يُصادف عيد العُشّاق (Valentine’s day) حول العالم، أملًا في جذب الاهتمام المطلوب. لكن خلال الخمسة أيام الأولى لم يقم أي مُستخدم برفع ولا حتى مقطع واحد؛ ليفقد المؤسسون الثلاثة الأمل تمامًا؛ إلا أن آلية مُعالجة الفيديو شدّت انتباههم ودفعتهم للقيام بالتغيير اللازم للنجاح.

 

قال ستيف تشن (Steve Chen)، أحد مؤسسي التطبيق، إنه جلس مع بقية المؤسسين وقال لهم "فلننسَ فكرة التعارف والمواعدة الإلكترونية، ولنفتح التطبيق لرفع مقاطع الفيديو فقط"، ومن هُنا كانت البداية الحقيقية للموقع الذي نجح خلال عام واحد في جذب انتباه غوغل للاستحواذ عليه؛ ليتحوّل إلى منصّة تُقدّم مُحتواها الخاص تحت مُسمّى "يوتيوب ريد" (Youtube Red)، وهي منصّة فرعية باشتراكات شهرية. إضافة إلى تطبيقات للبث المُباشر، وآخر خاص بالأطفال والعائلة [7].

 

لا تتشارك تلك التطبيقات، وغيرها الكثير، بفكرة أنها تحوّلت من شكل لآخر في بداياتها فحسب؛ بل بكونها -أيضا- بدأت من مكان ما، ولم ينتظر القائمون عليها اللحظة الذهبية، وهو ما يغيب عن أذهان البعض. الفكرة دون تنفيذها على الورق لا تكفي أبدًا؛ فالقائمون على إنستغرام رأوا في "بيربن" (Burbn) ميزة تُستخدم بكثرة، وهي اختيار الصورة الشخصية داخل التطبيق مع اختيار تأثيرات لونية، وبالتالي انتقلت هذه الميزة لتكون تطبيقا مُتكاملا.

 

لو بحثنا على الإنترنت سنجد ملايين التطبيقات أو المشاريع التي بدأت بفكرة وحوّلها الزمن، أو الصدفة، إلى فكرة أُخرى، وهذا ليس بفعل الحظ، فالمثل يقول "الحظ يأتي عندما يجتمع التحضير مع الفرصة".

المصدر : الجزيرة