شعار قسم ميدان

ما الذي يُخفيه تلغرام عن منافسيه؟

ميدان - تلغرام

لم تكن صفقة الاستحواذ التاريخية التي قامت بها شبكة فيسبوك على تطبيق واتس آب لقاء 19 مليار دولار أميركي محصورة بين مارك زوكربيرغ مؤسس الشبكة الاجتماعية وجان كوم وبرين أكتون مؤسسا تطبيق واتس آب، فالقائمون على تطبيق تلغرام كان لهم نصيب من تلك الصفقة أو كعكة الاحتفال بالصفقة إن صحّ التعبير.
 

فقد توقف تطبيق واتس آب عن العمل لأربعة ساعات تقريبا، وذلك بعد ساعات قليلة من الإعلان عن صفقة الاستحواذ، وهي أطول فترة توقّف تطال التطبيق عبر تاريخه، وهو ما دفع كوم للاعتذار من جميع مُستخدميه عن هذه الكارثة التقنية على حد تعبيره [1].
 

في هذه الأثناء كان تلغرام يُحلّق عاليًا فقد حصل تقريبًا على خمسة ملايين مُستخدم جديد في وقت قياسي، كما نجح في احتلال المركز الأول في قائمة أفضل التطبيقات المجانية في أكثر من 46 متجر تطبيقات حول العالم، كما أنه اعتلى قائمة أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي في الولايات المُتحدة الأميركية مُتفوّقًا على فيسبوك وواتس آب وكيك (Kik) وغيرهم الكثير [2].
 

البداية

undefined

 

ظهر تطبيق تلغرام للمرّة الأولى في عام 2013 أي بعد ثلاثة أعوام من افتتاح واتس آب لسوق المحادثات الفورية على الأجهزة الذكية؛ لكنه -أي تلغرام- بدا وكأنه محاولة لاستنساخ واتس آب ولمُعالجة عيوبه في نفس الوقت لكسب ود مُستخدميه؛ فالواجهات مُشابهة تمامًا لتلك المُستخدمة في واتس آب، خصوصًا إذا ما نظرنا إلى خلفية الشاشة الكرتونية المُستخدمة في كلا التطبيقين، كما أن تأكيد وصول الرسائل وقراءتها من خلال عرض إشارتي تأكيد باللون الأخضر ليس بغريب أبدًا على مُستخدمي واتس آب، وهو ما يُمكن مُشاهدته فوريًا عند استخدام تلغرام.

 

وبعيدًا عن اقتباس الواجهات وطريقة الاستخدام فإن مُعالجة عيوب واتس آب في ذلك الوقت هي التي منحت تيليغرام قوّته، سواء أكانت مقصودة أم مُجرّد صدفة، فالتطبيق الذي استحوذت عليه فيسبوك لم يوفّر حماية قوّية للمحادثات؛ أي أن مُستوى التشفير لم يكن قويًا بما فيه الكفاية لمنع الجهات الحكومية أو المخترقين من قراءة محتويات الرسائل إذا ما رغبوا بذلك، هذا من جهة وفي الجهة المُقابلة لم يوفّر تطبيق واتس آب إمكانية استخدامه -في ذلك الوقت- عبر الحاسب أو المُتصفّح، عكس تطبيق مسنجر من فيسبوك الذي سهّل عملية التواصل الفوري ما بين المُستخدمين.
 

ساهمت هذه العوامل إلى جانب توفير إمكانية مُشاركة الملفّات والصور ومقاطع الفيديو دون نسيان إمكانية إنشاء قنوات لإرسال الرسائل لعدد غير محدود من المُتابعين، بشهرة تلغرام الذي نجح في استقطاب شريحة كبيرة من المُستخدمين حتى قبل توقّف واتس آب عن العمل، فهو كان الأول في متاجر التطبيقات العربية وبعض المتاجر الأُخرى في أميركا اللاتينية كذلك [3].
 

أقوى نظام تشفير
بافيل دوروف أحد مؤسسي تطبيق تلغرام  (رويترز)
بافيل دوروف أحد مؤسسي تطبيق تلغرام  (رويترز)

لم تكن نيّة نيكولاي دوروف، وبافيل دوروف، مؤسسي تطبيق
 تلغرام، الخروج بتطبيق للمحادثات الفورية أبدًا، فالفكرة كانت اختبار بروتوكول (MTProto) الذي قام  نيكولاي بتطويره لتشفير المحادثات؛ لكنه طوّر تطبيقا لاختبار قوّة هذا البروتوكول، ومن هنا بدأت حكاية تلغرام.
 

(MTProto) هو بروتوكول تشفير خاص أو شخصي إن صحّ التعبير؛ أي أنه لا يعتمد على المعايير القياسية المُستخدمة في بقيّة بروتوكولات التشفير الشهيرة؛ وبحسب نيكولاي فإن الهدف كان بناء نظام تشفير لا يُمكن لأجهزة الاستخبارات الروسية تعقّبه أو فك تشفيره، ويبدو أنه نجح في تحقيق هذه الغاية خلال السنوات الماضية.
 

يوفر تلغرام خاصيّة الرسائل المُشفّرة ذاتية التدمير، وهي عبارة عن غرفة سرّية يتم إنشاؤها؛ بحيث يتم تبادل مفاتيح التشفير ما بين الطرفين فقط

القائمون على التطبيق أطلقوا مسابقة لفك تشفير محتويات الرسائل المُشفّرة في تلغرام؛ حيث يحصل المُخترق على 300 ألف دولار أميركي إذا نجح بهذا الأمر، وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير لم يحصل أحد على هذا المبلغ، وهو ما يؤكّد قوّة تلغرام من الناحية الأمنية [4].

ولتأكيد هذا الأمر كشفت التحقيقات أن مُنفّذي الهجوم الإرهابي في باريس عام 2015 استخدموا تلغرام في محادثاتهم وتنسيقاتهم، كما أن القائمين على التطبيق قاموا بإغلاق الكثير من القنوات التابعة لجهات إرهابية، وهو ما طرح تساؤلات كبيرة جدًا على هوّية التطبيق، في حين أن البعض وصفه بتطبيق الجهاديين [5].
 

آلية التشفير المُستخدمة في تلغرام تختلف كذلك عن بقية التطبيقات، وهنا لا نتحدّث عن البروتوكول المُستخدم بل عن طريقة العمل؛ فالتطبيق يُخزّن الرسائل المُشفّرة في خوادم خاصّة موزّعة في أماكن مُختلفة حول العالم، كما يُخزّن مفاتيح فك التشفير في خوادم أُخرى، وبالتالي حتى ولو تمكّنت أي جهة من الوصول إلى الرسائل فلن تتمكّن من فك تشفيرها لأن المفتاح غير موجود.

 

ويوفر تلغرام أيضًا خاصيّة الرسائل المُشفّرة ذاتية التدمير وهي عبارة عن غرفة سرّية يتم إنشاؤها؛ بحيث يتم تبادل مفاتيح التشفير ما بين الطرفين فقط، وبالتالي إذا كانت احتمالية قراءة محتويات الرسائل في المحادثات العادية موجودة، لن تكون موجودة عند إنشاء غرفة محادثة سرّية، وهي خاصيّة على غرار فكرة تطبيق سناب شات.
 

آلية التخزين

undefined

تفوّق تلغرام على واتس آب في بداياته عندما وفّر إمكانية إجراء المحادثات عبر المُتصفح أو باستخدام التطبيق على الأجهزة الذكية، وهنا يكمن الاختلاف الأساسي ما بين بناء واتس آب وبناء تلغرام.
 

تلغرام هو تطبيق محادثات سحابي؛ أي أن الرسائل تمر عبر الخوادم بشكل أساسي للوصول من مُستخدم للآخر، ولهذا السبب يتم تشفير محتوياتها أولًا وتخزينها في خوادم مُنفصلة تمامًا عن الخوادم التي تحتوي على مفاتيح فك تشفير تلك الرسائل، فبعد وصول الرسالة إلى الجهة المطلوبة، يتم العثور على مفتاح التشفير الخاص بها، وهو ما يُفسّر تخزين الرسائل في خوادم بالأساس [6].
 

الجميع يتحدث عن استخدام التلغرام لبروتوكولات خاصّة لا تُعرف آلية عملها، لكن هل هذه البروتوكولات تقف عائقًا بالفعل في وجه الجهات الحكومية؟ أم أن هناك أبوابا خلفية لا يُعرف عنها؟

أما في واتس آب فالوضع مُختلف قليلًا، ففي البداية تم استخدام بروتوكول(XMPP) لتبادل الرسائل ما بين المُستخدمين؛ لكن الشركة نبذته فيما بعد وطوّرت بروتوكولها الخاص لضمان السرعة في إيصال الرسائل، خصوصًا أن تلغرام تفوّق في البدايات أيضًا من هذه الناحية وقدّم سرعة في المحادثات غير مسبوقة.
 

أخبار الاختراقات

خرجت الكثير من الأخبار التي تتناول اختراق تطبيق تلغرام، وتسريب الرسائل المُتبادلة ما بين المُستخدمين، كما طالت تلك الاختراقات حسابات لمسئولين كبار في الحكومة الأميركية؛ ولكن القائمين على التطبيق وبعض المُحللين التقنيين أكدوا أن الأمر لا علاقة له بفك تشفير الرسائل أبدًا.
 

فعند الرغبة في استخدام نفس حساب تلغرام على جهاز آخر وليكن حاسبا لوحيا؛ فإن المُستخدم سوف يستلم رسائل قصيرة تحتوي على رمز الأمان الذي يجب إدخاله في الجهاز الجديد لمُتابعة عملية تسجيل الدخول، وهنا تتدخل بعض الجهات الحكومية أو هيئات الاتصالات وتقوم بتحويل مسار الرسالة والسيطرة عليها وقراءة رمز الأمان، وبالتالي تقوم بإدخال رقم المُستخدم ثم رمز الأمان والوصول إلى رسائله بسهولة تامّة.
 

undefined

 

تكررت هذه الحوادث في إيران وروسيا والولايات المُتحدة الأميركية؛ بحيث تتمكن جهة -حكومية أو فردية- من اختراق حساب أحد المُستخدمين والاطلاع على رسائله كاملة دون أن يعلم هو بذلك، لكن ما يحصل حقيقة هو السيطرة على حساب المُستخدم، وليس على مفاتيح التشفير أو الرسائل المُتبادلة من الخوادم.
 

وقد تعرّض التطبيق وخدماته إلى الحظر أكثر من مرّة في بعض الدول وعلى رأسها إيران؛ حيث قامت الحكومة بتعقّب رسائل التفعيل ومنعها من الوصول إلى المُستخدمين، وبالتالي لم يعد استخدامه مُمكنًا مثلما كان الحال عليه سابقًا [7].
 

وتأكيدًا على صعوبة اختراق الرسائل المُشفّرة المُتبادلة في التطبيق، طلبت كل من فرنسا وألمانيا من الاتحاد الأوروبي سن قوانين جديدة تتناول تشفير المحادثات الفورية وضرورة توفير أدوات لفك تشفيرها عند وجود أوامر رسمية من المحكمة، وهو شيء تُطالب به جميع الحكومات حول العالم [8].
 

حجّة الحكومات كانت القلق من الهجمات الإرهابية فقط، خصوصًا أن تلغرام استُخدم فيها من قبل؛ لكن القائمين على التطبيق كانوا أكثر ذكاءً ووعدوا بتطوير خوارزميات تقوم بتتبّع هذا النوع من النشاطات وإغلاق القنوات المُخصّصة لهذا الغرض، وهي قامت بالفعل بإغلاق أكثر من 80 قناة وشاركت مع الحكومات بشكل سرّي تفاصيل مُستخدميها أملًا في السيطرة عليهم [9].
 

واتس آب وتلغرام

undefined

رُبما كانت الواجهات المُتشابهة عاملًا رئيسًا في مُقارنة واتس آب بتطبيق تلغرام على الدوام، خصوصًا أن توقّف الأول عاد بالفائدة على الثاني وقدّم له 5 ملايين مُستخدم على طبق من ذهب، وهذه لم تكن المرّة الوحيدة، فالحكومة البرازيلية قررت إيقاف واتس آب لمدة 48 ساعة، وهو ما دفع أكثر من 1.5 مليون مُستخدم جديد نحو تلغرام؛ بل حتى إن الحساب الرسمي للتطبيق على تويتر غرّد قائلًا إن بوابة الرسائل القصيرة لتفعيل الحسابات أصبحت مُثقلة من كثرة الإقبال، لكن الشركة ستقوم بإرسال الرسائل بالسرعة القصوى [10].
 

لكن وعلى الرغم من هذا لا يكترث القائمون على التطبيق -على ما يبدو- بالتطبيقات الأُخرى أيًا كانت، فاسم واتس آب لوحده مُرعب في ظل وجود شبكة فيسبوك خلفه، لكنهم ما زالوا مُستمرّين في طريقهم الخاص غير آبهين بما يحصل حولهم، وهو ما لم يصب في صالح مُستخدمي تلغرام بشكل أو بآخر.
 

القائمون على واتس آب أكّدوا أن عملهم مع فيسبوك فتح المجال أمامهم لإطلاق ميزات عظيمة على غرار مُكالمات الفيديو، في حين أن تلغرام لا يوفّر حتى هذه اللحظة خاصيّة المُكالمات الصوتية، مع شائعات ظهرت في بداية 2017 تتحدّث عن قرب وصول هذه الميّزة، وهو أمر رُبما قلّص من جمهوره بشكل أو بآخر، في حين أن ميزات مثل القنوات التي يُمكن الوصول إليها عبر رابط ثابت تُعوّض -ولو قليلًآ- النقص الحاصل.
 

خاصيّة المُكالمات الصوتية والمرئية أصبحت أساسية وضرورية في جميع تطبيقات المحادثات الفورية؛ لكن القائمين على تلغرام تأخّروا في إطلاقها عن عمد، لأن التشفير هو أهم ما يجول في خاطرهم، وبكل تأكيد ضمان جودة صوت عالية مع تشفير عالٍ أمر يحتاج للكثير من الجهود، وهو ما تم في تطبيقات مثل فيسبوك مسنجر أو واتس آب بفضل التقنيات العالية والموارد التي توفرّها فيسبوك والتي نجحت في تطويرها.
 

undefined

 

وبما أن الحديث عن القائمين على تطبيق تلغرام فإن هوّية فريق العمل غير معروفة بالكامل أو على الأقل، لا يُمكن الوصول للأشخاص الذين يعملون بالشركة أو حتى المقرّ الخاص بها، فالبعض ذكر أنها موجودة في ألمانيا، في حين أن البعض الآخر ذكر أن فريق العمل ينتلقون من مكان لآخر باستمرار، وهي عادة بافيل -أحد مؤسسي التطبيق- في الانتقال من مدينة للثانية باستمرار [11].
 

السؤال الذي يجول في خاطرنا جميعًا هو أيهما أكثر تأمينا من الآخر تلغرام أم واتس آب؟ والإجابة على هذا السؤال صعبة أو شبه مُستحيلة؛ لأن الحقائق مخفية ولا يُمكن لنا كمُستخدمين معرفتها، فقبل فترة قصيرة تم اكتشاف وجود ثغرة أمنية متروكة عن قصد على الأغلب تسمح بفك تشفير محادثات واتس آب الذي يعتمد على بروتوكولات شركة (Open Whisper Systems) المُطوّرة لتطبيق (Signal)  الذي يُعتبر الأفضل من ناحية الأمان؛ لكن الثغرة غير موجودة بالبروتوكول نفسه، وبالتالي وبعد أن ظننّا أن واتس آب آمن بالفعل تبيّن وجود إمكانية لاختراق الخصوصية [12].
 

نفس الأمر في تلغرام فالجميع يتحدث عن استخدامه لبروتوكولات خاصّة لا تُعرف آلية عملها، لكن هل هذه البروتوكولات تقف عائقًا بالفعل في وجه الجهات الحكومية؟ أم أن هناك أبوابا خلفية لا يُعرف عنها؟ لذا ولتحرّي الدقة من الناحية التقنية لا يجب اعتقاد أن درجة الحماية والأمان في تلغرام أو واتس آب أو حتى مسنجر قليلة، بالعكس هي عالية جدًا لكن احتمالية اختراق نظام الحماية الخاص بأي تطبيق على الإنترنت أمر مُمكن الحدوث، ولا يُمكن استثناء أحد أيًا كان حتى لو كان الحديث عن سيجنال!

المصدر : الجزيرة