شعار قسم ميدان

ما السر وراء نجاح فيسبوك وفشل تويتر؟

midan - facebook twitter

كُتب التاريخ والمدونات الشخصية أو التحفيزية مليئة بقصص نجاح الكثير من الشركات العالمية مثل كوكا كولا ، أو مايكروسوفت، أو حتى سلسلة مطاعم ماكدونالدز، أو مقاهي ستاربكس العالمية. لكنها بشكل أو بآخر لا تعني الكثير بالنسبة للبعض، أي أنها لا تُشعل ذلك الفتيل الذي يدفعنا للمُضي قدمًا في وجه الصعاب للوصول إلى الهدف المنشود.

 

لكن ولكوننا عاصرنا بداية شركات مثل فيسبوك وتويتر، أو نظام آي أو أس من آبل وأندرويد من غوغل، أو حتى تطبيقات مثل إنستغرام وسناب شات، فإننا بشكل أو بآخر نتذكر بداياتها وإلى أين وصلت، وعند قراءة قصص نجاحها أو كيف وصلت إلى ما هي عليه، نشعر أن هناك علاقة واقعية تربطنا بها، وليست مُجرّد أحداث لا تعنينا أبدًا.

 

وما يجهله الكثيرون أن جميع التطبيقات أو المنتجات الناجحة لم تصل إلى ما هي عليه لكون فكرتها مُميّزة أو فريدة من نوعها فقط، بل حققت هذا النجاح لأنها صعدت سُلّم نجاح المنتجات بشكل سليم ولم تستبق الأحداث أو تستعجل درجة على الأُخرى، وهو سُلّم يتألف من ثلاث درجات فقط لا غير.

 

سُلّم النجاح


لا يمكن لأي تطبيق أو منتج أن ينجح دون أن يأتي لحل مُشكلة أو لتقديم فائدة فريدة من نوعها، فالرغبة، التي تُعتبر الخطوة الأولى على سُلّم نجاح أي مشروع، تنبع من صاحب المشروع أو القائمين عليه ورغبتهم الحقيقة في تقديم قيمة إضافية للمستخدم عند الاستعانة بمنتجهم. أما الخطوة الثانية فهي الحاجة، أي تحويل المنتج إلى حاجة لا يُمكن للمستخدمين التخلّي عنها بسهولة، فبعد تجربة المنتج لأول مرّة، يجب أن يُثار فضول المستخدم للعودة إليه من جديد واستكشاف جزئية أُخرى، وهكذا حتى يتحوّل الأمر إلى عادة تتكرر باستمرار. أخيرًا نأتي للمرحلة النهائية التي تفشل مُعظم المشاريع في الوصول إليها وهي التحوّل إلى جزء من خدمات أُخرى، أو بمعنى آخر الانتشار وإيجاد مكان في الخدمات الأُخرى.

 

جميع المشاريع التي نُعاصرها الآن مرّت بالمراحل الثلاث السابقة، أو باثنتين على الأقل، فالوصول إلى المرحلة الثالثة يعني أن المشروع اجتاز مرحلة الفشل تقريبًا، وبإمكانه المُجازفة والابتكار دون الخوف من الفشل بنسبة كبيرة. ولكي لا نُطيل الكلام النظري، سنتناول فيسبوك وتويتر كمثال، فهي مشاريع حديثة العهد مرّت تقريبًا بالمراحل السابقة.

 

فيسبوك وتويتر
جاءت شبكة فيسبوك مثلما يعلم الجميع من رغبة مارك زوكربيرغ في توفير دليل لطلاب جامعته بحيث يمكن لأي طالب الدخول والبحث عن طالب آخر والحصول على معلومات تفصيلية حوله [1]، وبالتالي خطى زوكربيرغ خطوته الأولى في سُلّم المشاريع ونجح في صعودها بنجاح لينتقل بعدها إلى مرحلة الحاجة، فشبكة فيسبوك وفّرت دليلًا إلكترونيًا لطلاب جامعة هارفارد وبعض الجامعات الأُخرى، صحيح أن هناك جامعات امتلكت دليلًا إلكترونيًا، لكنه -الدليل- لم يوفر جميع ميّزات شبكة زوكربيرغ، وهو ما دفع الجميع للتسجيل والحصول على حساب في فيسبوك وإهمال الشبكة الجامعية. وخلال فترة قصيرة تحوّلت شبكة فيسبوك من صيحة جديدة إلى شيء أساسي ليس في حياة طلاب الجامعات فقط، بل في حياة جميع مستخدمي الإنترنت على وجه الكُرة الأرضية [2].
 

لم يقتنع زوكربيرغ بهذه الإنجازات بل تجاوزها لتحويل فيسبوك إلى جزء من خدمات أُخرى، فمهندسي الشبكة لم ينتظروا أن يُقلّد مشروعهم، بل ذهبوا إلى توفير واجهات برمجية (API) تسمح للمطورين ببناء تطبيقات على الشبكة نفسها، أو حتى ربط خدمات الشبكة بمواقعهم أو تطبيقاتهم؛ فعوضًا عن تسجيل حساب جديد في موقع ما، يُمكن الاستفادة من حساب فيسبوك وتسجيل الدخول باستخدامه بكل سهولة [3]هذه عوامل ساهمت بنجاح شبكة فيسبوك في تثبيت أقدامها في العالم التقني وتجربة كل شيء جديد دون خوف، وهو شيء لم تقدر عليه تويتر، أو لم تُحافظ عليه إن صحّ التعبير.

 

شبكة تويتر انطلقت عام 2006 لكنها لم تحظى بالشعبية الكبيرة حتى عام 2009، والسبب وراء ذلك هو عدم فهم جميع المستخدمين لطبيعة الشبكة أو آلية عملها. لكن الضوء سُلّط عليها بعدما استخدمت للحديث عن حادثة تحطّم طائرة [4]، وبالتالي تنبّه الجميع إلى جهود فريق العمل وحاجتهم لبناء شبكة اجتماعية بسيطة لمشاركة الأخبار، ليقوموا باستخدامها ولتتحول تويتر إلى منتج ضروري في حياة معظم المستخدمين، خصوصًا لقراءة الأخبار والوصول إلى جديدها بسرعة كبيرة.
 

ليس هذا فحسب، بل وصلت تويتر إلى الدرجة الثالثة في سُلّم النجاح، لكنها أخفقت فيما بعد حينما قامت بكسر تلك الدرجة ولم تُحاول تقويتها أو تدعيمها أبدًا. تويتر سارت على خُطى فيسبوك ووفرت أيضًا واجهات برمجية تسمح للمطورين ببناء تطبيقات تعتمد عليها، لكنها بعد ذلك وجدت نفسها دون صلاحيات كافية للتحكم بالمحتوى المنشور عبرها، وبالتالي قامت بإغلاق جزء كبير من تلك الواجهات وتحجيم حجم الصلاحيات الممنوحة للمشاريع والمُطورين [5]، وهو ما أدى إلى توقف الكثير من المشاريع وعزوف المُطورين عن التعامل معها من جديد لأنها أضاعت جهود شركات دون أن تكترث أبدًا، ومن هنا بدأ دورها بالاختفاء بشكل تدريجي، فهي الآن تقف على الدرجة الثانية، لكنها قد تسقط من الُسلّم في أي وقت.

 

واتس آب وسناب شات
ظهر واتس آب أيضًا كحل جذري للاعتماد على الرسائل النصيّة القصيرة، فمصداقية الرسائل كانت بسبب رقم هاتف المستخدم، وهو ما قام مُطورو واتس آب بالاستفادة منه حين ربطوا الحساب برقم هاتف صحيح، وبالتالي قضى التطبيق على فكرة استخدام الاسماء المُستعارة التي كانت الصيحة الدارجة في معظم تطبيقات وبرامج التواصل الاجتماعي. بعد ذلك انتقل التطبيق من كونه صيحة جديدة إلى مُنتج هام مُستخدم بشكل يومي، وبالتالي يقف الآن التطبيق على الدرجة الثانية من السُلّم [6].

 

لكن وللوصول إلى الدرجة الثالثة يجب على واتس آب إتاحة الُفرصة أمام البقية لتضمينه ضمن مشاريعهم، وهو أمر لا يمكن تصوّره في الوقت الراهن لتجنّب مشاكل أمنية قد تعصف بخصوصية المستخدمين، لكن المُستقبل قد يحمل اتجاهات أُخرى، خصوصًا بعد استحواذ شبكة فيسبوك على التطبيق [7].

 

أما سناب شات فقد جاء من الحاجة إلى وجود أداة لمشاركة الصور وحذفها بشكل آلي بعد فترة من الزمن، وفي وقت استهدف فيه زوكربيرغ طُلاب الجامعات، استهدف القائمون على سناب شات المُراهقين بصورة أساسية الذين جذبوا بدورهم الانظار نحو التطبيق.
 

وخلال الفترة التي تلت التأسيس، أي منذ عام 2011 وحتى الآن، نجح التطبيق في النمو والحصول على شريحة أكبر من المستخدمين، وبالتالي أصبح الكثير من المستخدمين يعتمدون عليه في حياتهم اليومية [8]، وهنا يقف التطبيق على الدرجة الثانية وبقوّة، مع شجاعة دفعت القائمين عليه لتجربة إطلاق نظّارات (Spectacles) كأول منتج رسمي للشركة [9]، وبالتالي تغيّر اتجاه المنتج قليلًا، لكن وبما أنه يقف على الدرجة الثانية، فكل شيء ممكن طالما أن هذا لا يؤثر على تجربة الاستخدام العامّة.

 

وصول سناب شات للدرجة الثالثة من سُلّم التطبيقات حاله حال وصول تطبيق واتس آب، فتضمين تطبيق للمحادثات الفورية داخل مواقع المستخدمين على سبيل المثال لا الحصر ليس بالأمر الهيّن أو الذي يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، وبالتالي يجب الانتظار للوصول إلى نموذج واضح، أو تجاهل الرغبة في التحوّل إلى جزء من خدمات ثانية والتركيز على تدعيم وتمكين التطبيق في كونه حاجة أساسية لا يُمكن الاستغناء عنها.

 

جميع النماذج الناجحة حرصت على صعود الُسلّم درجة بدرجة، ولم ترغب بتجاوز واحدة بسرعة كبيرة، فالخطوة الكبيرة تبدأ من القيمة الرئيسية للمنتج وإمكانية التوسّع فيها للوصول إلى مُنتج لا يُمكن الاستغناء عنه في الحياة اليومية، وهي غاية أي مشروع. لكن عدم الاستمرار في الحفاظ على مكانة وأهمّية المنتج بالنسبة للمستخدمين يعني أنه في طريقه للفشل بصورة أو بأُخرى، وكلما سعت الشركات في صعود السُلّم للوصول إلى الخطوة الأخيرة، كُلما كانت منتجاتها أكثر تأثيرًا وأهمّية، وتترك أثرًا يدفع الجميع لعدم الاستغناء عنها، ولنا في تجارب انستغرام مثلًا أو أنظمة تشغيل مثل أندرويد من غوغل أو آي أو أس من آبل خير أمثلة على ذلك.

المصدر : الجزيرة