شعار قسم ميدان

مارك وإيلون ماسك.. خلاف رؤى أم غيرة ضرائر؟

ميدان - زوكربيرغ موسك
اضغط للاستماع
 
عند الحديث عن شبكة فيسبوك الاجتماعية في 2017، لم يعد الكلام محصورًا عن إمكانية التواصل مع الأصدقاء، وتبادل الملفّات معهم عن طريق تطبيق ماسنجر، وما إلى ذلك. بل هو حديث يبدأ وينتهي تقريبًا بعنوان واحد لا يتغيّر يتمثّل في الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence).

 

ولا يختلف الأمر كثيرًا عند هرم تقني آخر هو شركة تِسلا (Tesla) ومؤسّسها إيلون ماسك (Elon Musk)، فالشركة ليست مُجرّد اسم لإنتاج سيّارات كهربائية، بل هي شركة اشتهرت بفضل نظامها للقيادة الذاتية، وهي أنظمة تعتمد بشكل شبه كامل على الذكاء الاصطناعي.

 

ما سبق يعني أن رؤية ماسك ومارك زوكربيرغ يجب أن تكون واحدة، كيف لا وشركاتهم تحمل نفس الفكر من الناحية التقنية. لكن الواقع عكس ذلك تمامًا، والخلافات بينهما في 2017 طافية على السطح وتطغى حاليًا على الانجازات في هذا المجال.

 

 مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك (يمين)، وإيلون ماسك مؤسس تسلا (يسار) (مواقع التواصل)
 مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك (يمين)، وإيلون ماسك مؤسس تسلا (يسار) (مواقع التواصل)

 

مُعسكر واحد

عند النظر إلى صندوق "أشخاص قد تعرفهم" في شبكة فيسبوك، فإننا -كمُستخدمين- ننظر إلى أبسط شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي المستخدم في الشبكة الاجتماعية. القائمة في هذا المجال تطول عند زوكبيرغ، وبالعودة عكسيًا بالزمن كان آخر ما تحدّثت الشبكة عنه يتثمّل بنظام لنقل الصوت عن طريق الجلد، وآخر لالتقاط أوامر المستخدم عن طريق التفكير فقط لا غير.

 

وبأخذ خطوة أُخرى للخلف يُمكن العثور على أخبار فيسبوك إم  المساعد الرقمي الموجود داخل تطبيق ماسنجر. وخلفه يظهر خارفيس (Jarvis)، المساعد الرقمي الذي قام زوكبيرغ ببناءه بنفسه للتحكّم بمنزله عن طريق هاتفه الذكي خلال 2016، وذلك رغبة منه في فهم المسألة بشكل أعمق عن طريق التجربة التي تُعتبر الأمثل للتعلّم.

 

الحديث عن فيسبوك والذكاء الاصطناعي يطول جدًا، لكن وباختصار، يُمكن رصد الحرص على إقحام خوارزميات ذكية لجعل حياة المستخدمين أفضل، فعند رفع صور إلى الألبوم ستخرج تلك الخوارزميات لاقتراح أسماء للإشارة إليها (Tag) بعد التعرّف على أصحابها بشكل آلي.

 

قبل أسابيع قليلة، قال تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، إن الأنظمة ذاتية القيادة تُعتبر أساس الذكاء الاصطناعي، أو كما قالها حرفيًا "أُمُّ جميع المشاريع في هذا المجال"(1). وبالفعل، عند النظر إلى تِسلا، وبقيّة شركات ماسك، يُمكن رؤية أفضل مثال على الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، وهو نظام يجب أن تكون نسبة الخطأ فيه شبه معدومة.

 

عبّر ماسك أكثر من مرّة، ومنذ سنوات طويلة، أن الذكاء الاصطناعي مُخيف ولا تجب مُعاملته بتلك اللطافة أبدًا
عبّر ماسك أكثر من مرّة، ومنذ سنوات طويلة، أن الذكاء الاصطناعي مُخيف ولا تجب مُعاملته بتلك اللطافة أبدًا
 

في 2017، حوّل ماسك الأحلام إلى حقيقة، وأصبح بالإمكان تشغيل نظام القيادة الآلي في سيّارات شركته والجلوس لتتحكّم الخوارزميات بكل شيء تقريبًا. هذا يعني أن العالم على مقرُبة من مُشاهدة سيّارات ذاتية القيادة تجوب شوارع المُدن خلال العامين المُقبلين بنسبة كبيرة جدًا. وما تلك الأمثلة السابقة سوى دليل على ولع ماسك بذكاء الآلة، رفقة زوكربيرغ بطبيعة الحال.

 

صمّام الغضب

بعد تلك الانجازات التي حقّقها زوكربيرغ في مجال الذكاء الاصطناعي، لا يُمكن بسهولة القول إن فهمه للمسألة محدود. لكن ماسك فعلها وقالها بصريح العبارة "فهم مارك زوكبيرغ للذكاء الاصطناعي محدود"، لتبدأ بذلك شرارة الخلاف بينهما(2).

 

الخلاف بين زوكبيرغ وماسك ليس حديث العهد أبدًا، فهو حتى وإن لم يكن ظاهرًا للعلن، كان موجودًا أمام أعيّن الجميع، فالأول يُعامل الذكاء الاصطناعي بلطافة، إذ يعتبر أن الوصول لأنظمة ذكية سيجعل حياة البشر الأفضل على كثير من الأصعدة كالطبيّة، أو تلك الأنظمة التي تعنى بالقيادة الذاتية. في المُقابل، عبّر ماسك أكثر من مرّة، ومنذ سنوات طويلة، أن الذكاء الاصطناعي مُخيف ولا تجب مُعاملته بتلك اللطافة أبدًا(3).

 

في منتصف (يوليو/تموّز) 2017، توجّه الرئيس التنفيذي لشركة تِسلا لحضور مؤتمر الحُكّام الوطني في الولايات المتحدة الأميركية مُصرّحًا وقتها أن الذكاء الاصطناعي هو الخطر المُحدق الذي يُهدّد البشريّة. ولم يكتفي بهذا القدر، بل قال إنه اطّلع على الحدود التي يُمكن للذكاء الاصطناعي الوصول لها، وأكّد أنه شيء مُخيف يجب على البشر الانتباه له(4).

 

يرى ماسك أنه في مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن تستبق الحكومات الأمور وتقوم بتنظيم تطوير تلك التقنيات قبل أن تُصبح جاهزة، لأن تشريعها بعد وصولها يعني فوات الأوان (مواقع التواصل)
يرى ماسك أنه في مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن تستبق الحكومات الأمور وتقوم بتنظيم تطوير تلك التقنيات قبل أن تُصبح جاهزة، لأن تشريعها بعد وصولها يعني فوات الأوان (مواقع التواصل)

 

كلام ماسك يأتي من حرصه على البشرية بشكل عام، فهو شرح وجهة نظره قائلًا إن التشريعات عادةً ما يتم وضعها بعد أن تُصبح التقنية جاهزة أملًا في تنظيمها قبل إطلاقها الرسمي في الأسواق. لكن وفي مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن تستبق الحكومات الأمور وتقوم بتنظيم تطوير تلك التقنيات قبل أن تُصبح جاهزة، لأن تشريعها بعد وصولها يعني فوات الأوان. جميع ما سبق كلام عادي ومنطقي، فبالنظر إلى فاتورة ماسك الطويلة وتصريحاته، لم يغب عنه الحرص عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي، وهذا يعكس خبرته بشكل أو بآخر وكلامه المبني على تجارب عملية.

 

وبعد أيام قليلة من تصريحات ماسك، لم يكن زوكربيرغ يدري أن تعزيز تواجده الاجتماعي وخروجه في بثّ مُباشر بالفيديو خلال عطلة نهاية الأسبوع سيؤدّي إلى صدام تقني، فأحد مُتابعي البث قال إنه شاهد تصريحات ماسك الأخيرة عن الذكاء الاصطناعي التي كانت سلبية، ويرغب بمعرفة رأي الرئيس التنفيذي لشبكة فيسبوك حول هذا الأمر وعن وجهة نظره أيضًا، ليبدأ تراشق الكلام بعدما قال زوكربيرغ إنه لا يفهم أبدًا الأشخاص الرافضين للذكاء الاصطناعي والذين يُمهّدون لسيناريو يوم القيامة بمجرّد الحديث عنه. مُضيفًا أن تلك التصريحات السلبية تُمثّل تصرّفات غير مسؤولة من أصحابها(5).

 

ذلك الكلام لم يُشر لشخص بعينه، ولا حتى لـماسك، فـزوكربيرغ معروف بحُبّه لذكاء الآلة وانبهاره به كذلك، وإلا لما كان البناء "إف8" مركزًا للمشاريع الضخمة التي تعمل عليها فيسبوك في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تطمح من خلالها لتغيير حياة البشرية نحو الأفضل. لكن ماسك شعر بالإهانة وانتظر بذكاء للرد على تلك التصريحات.

 

وما هي سوى ساعات قليلة قبل أن يصبّ أحد مُستخدمي تويتر الزيت على النار بعد إعادة نشر إحدى المقالات التي تتحدّث عن تصريحات زوكربيرغ مع الإشارة إلى اسم ماسك في التغريدة، لينتهز بدوره الفرصة ويقول بصريح العبارة "لقد تحدّثت مع مارك حول هذا الأمر، وبدا لي أن فهمه للمسألة محدود"(2). لتكون تلك الإجابة أول مواجهة رسمية أو تراشق للتصريحات بشكل مُباشر، فاسم زوكبيرغ أُقحم في الإجابة هذه المرّة، وتم الابتعاد عن الدبلوماسية بشكل كامل.

 

بعد كل هذا، حافظ زوكبيرغ على هدوئه، ونشر مشاركة يُبارك فيها لفريق الذكاء الاصطناعي في فيسبوك على فوزه بجائزة أفضل ورقة بحث في مجال الرؤية الحاسوبية مُشيرًا إلى أهمّية تلك الأنظمة في تغيير حياة الكثيرين حول العالم(6)، ومتناولًا بعض الأمثلة وكأنه يقول لـماسك أن الأنظمة الذكية لها الكثير من الأمور الإيجابية بعيدًا عن المخاوف التي تنشرها هنا وهناك.

 

الغلبة لمن؟

لا يوجد شخص على صواب وآخر على خطأ في هذه المسألة، فوجهة النظر تختلف من حالة لأُخرى ولا يوجد شيء مُطلق. في العالم التقني، بشكل عام، يجب الحذر أيًا كان المشروع أو التقنية، والموازنة أمر ضروري جدًا لفهم ما يحدث في الأنظمة الحديثة، ويجب تجنّب الإفراط أيًا كان نوعه؛ فالهواتف الذكية على سبيل المثال من الأجهزة التي جاءت لتحسين حياة البشر وتحتوي على الكثير من التطبيقات التي تهدف لمساعدة المُستخدم في حياته اليومية. لكن إفراط استخدامها يؤدّي إلى أمراض ومشاكل نفسية قبل أن تكون صحيّة، وهنا تكمن المُشكلة.

 

يرى زوكربيرغ أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي بلطف هو الحل الأمثل، ولذلك فهو يسعى لتوسيع مجال الذكاء الاصطناعي ليشمل مجالات أكثر من مواقع التواصل فقط  (غيتي)
يرى زوكربيرغ أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي بلطف هو الحل الأمثل، ولذلك فهو يسعى لتوسيع مجال الذكاء الاصطناعي ليشمل مجالات أكثر من مواقع التواصل فقط  (غيتي)

 

زوكربيرغ يُعامل الذكاء الاصطناعي بلطافة ويرى أنه الحل الأمثل للكثير من المُشكلات. وبناءً على ذلك، خرجت الكثير من الأنظمة من أبنية ومختبرات شبكة فيسبوك لتحسين حياة البشر، مع وعود بجهود جديدة أيضًا لا تتوقّف على الشبكات الاجتماعية فقط، بل تطمح للوصول لمجالات أُخرى منها الطبّي على سبيل المثال لا الحصر.

 

ذلك التفاؤل يُعكّر صفوه ما حدث بعد تراشق التصريحات عندما خرجت برمجيات ذكيّة آلية عن السيطرة وقامت بتطوير لغتها الخاصّة للتواصل داخل مُختبرات فيسبوك، بعدما كانت اللغة الإنجليزية هي الأساس(7). ما حصل في تلك الحادثة هو أن نظام الذكاء الاصطناعي كان مفتوحًا نوعًا ما، أي أن المُبرمجين سمحوا للبرمجيات بإيجاد الطريقة الأفضل بالنسبة لها للتواصل فيما بينها. لكن الناتج كان نماذج باللغة الإنجليزية غير مفهومة بالنسبة للبشر، ولهذا السبب تم إيقافها فورًا لأنها لم تعد تعمل بالشكل المطلوب، وليس خوفًا مما حدث مثلما تناقلت وسائل الإعلام(8). كما أن تلك البرمجيات سيتم وضعها تحت الاختبار لفهم كل شيء وفهم الآلية التي طُوّرت بها تلك الإمكانية لتفاديها مُستقبلًا.

 

ما حدث باختصار قديم العهد وليس وليد اللحظة، فالرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك يُمثّل مُعسكر مختلف تماما عن المعسكر الذي يمثله إيلون ماسك في مجال الذكاء الاصطناعي

ماسك بدوره يتحدّث عن شيء، ويقوم بشيء آخر مُختلف تمامًا، فسيّارات شركة تِسلا ونظام القيادة الذاتية أوضح مثال على الذكاء الاصطناعي الذي يُمكنه التسبّب بقتل أرواح لو حصلت نسبة خطأ بسيطة جدًا، وعلى الرغم من ذلك يدفع جهود المُطوّرين حتى دون وجود جهود تنظيمية أو تشريعية حتى الآن. كان من الأفضل لـماسك أن يقوم بإبقاء أنظمة القيادة الذاتية داخل المُختبرات حتى تُصبح آمنة بنسبة 99.9٪. لكنه على العكس فضّل إطلاقها لتحسين تجربة الاستخدام على أرض الواقع، تمامًا مثلما يقوم زوكبيرغ.

 

لو أخطأت برمجية آلية في تطبيق ماسنجر لن تحدث كوارث أبدًا ويُمكن السيطرة على الأضرار بشكل أو بآخر. عكس الأخطاء التي يُمكن أن تحدث في أنظمة القيادة الذاتية. لذا فإن ما يقوم به زوكبيرغ يُمثّل السير خطوة بخطوة لفهم كل شيء ومحاولة التعلّم منه قبل أن يبني نظامًا بتعقيد القيادة الذاتية. مخاوف ماسك في ذات الوقت منطقية لأن درجة الذكاء الاصطناعي التي وصل لها في سيّارات شركته مُتقدّمة جدًا، وهذا يعني أن التجارب التي يقوم بها في مُختبرات الشركة تصل لحدود لم يصل إليها أحد مثلما ذكر سابقًا، وهذا يُفسّر خوفه بشكل أو بآخر.

 

ما حدث باختصار قديم العهد وليس وليد اللحظة، فالرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك يُمثّل مُعسكر مختلف تماما عن المعسكر الذي يمثله إيلون ماسك في مجال الذكاء الاصطناعي.

المصدر : الجزيرة