شعار قسم ميدان

كيف جمعت الإعلانات بين فيسبوك وسناب شات؟

midan - fb and snapchat

عاد الحديث مُجددًا عن فيسبوك وسناب شات، وهذه المرّة ليس بسبب حكايات فيسبوك -وبقيّة تطبيقاتها- المنسوخة من سناب شات، بل بسبب الجهود المبذولة من كلاهما في مجال الإعلانات.

 

سناب شات اتّبعت مبدأ الشفافية وقرّرت الحديث بشكل صريح وواضح عن الإعلانات. بينما قرّرت فيسبوك الالتفاف قليلًا؛ فأعلنت عن منصّة "ووتش" (Watch) لمشاهدة الفيديو التي ستفتح لها آفاقًا تصب بشكل أو بآخر أيضًا في البحر نفسه، الإعلان.

 

"سناب آدس"
حاولت شركة "سناب" (Snap Inc) تنويع مصادر الدخل أكثر من مرّة، فأطلقت متجرًا لشراء المؤثّرات والفلاتر أملًا في الحصول على دخل إضافي إلى جانب الإعلان على منصّتها، لكن جهودها فشلت وعادت من جديد لمصدر دخلها الوحيد(1). وكرّرت محاولاتها من جديد وحاولت خارج نطاق التطبيق عبر نظّارات "سبيتكلز" (Spectacles) التي تسمح بالتصوير والنشر على حساب المستخدم بشكل مُباشر، إلا أن هذه الخطوة أيضًا لم تحمل النتائج المرجوّة(2).

  undefined

  

إلقاء مرساة ثانية لوقاية مركبها من الأمواج العاتية هو أفضل تشبيه لتلك المحاولات، فالمرساة الأساسية، الإعلانات، موجودة لكنها لا تفي بالغرض، أو لم يتم التعامل معها بالشكل الأمثل إن صحّ التعبير، وهو أمر قرّر القائمون على تطبيق سناب شات مواجهته بصراحة منذ 2016، ليصل إلى الشكل المطلوب مع حلول الربع الثالث من 2017.

 

وفّر تطبيق سناب شات، لفترة طويلة، منصّة إعلانية تسمح للشركات بنشر الإعلانات أو إنشاء ملصقات خاصّة وما إلى ذلك، لكن شكاوي المُعلنين كانت كثيرة، تبدأ من عدم وجود أدوات كافية سهلة الاستخدام لإنشاء حملات إعلانية، مثل تلك الموجودة في فيسبوك، كما لا توفّر المنصّة تحليلات وأرقام حول عدد مُشاهدي الإعلان، وعدد من قام بزيارة الرابط أو تحميل التطبيق بعد الترويج له. وزاد الطين بِلّة، أطلقت فيسبوك ميّزة الحكايات، وجذبت مجموعة كبيرة من مشاهير الشبكات الاجتماعية، الأمر الذي دفع المُعلنين كذلك للسير ورائهم، لأن المُستقبل بطبيعة الحال للشبكات الاجتماعية والمنصّات الآخذة بالنمو، وليست لتلك التي تحتضر وتموت بالتدريج(3).

 

صحيح أن "غلطة الشاطر بألف"، لكن القائمين على سناب شات لم يستسلموا للواقع، وقرّروا التعامل مع الأمر وكأنهم بدأوا للتو. وبالفعل أعلن تطبيق مُشاركة المحتوى ذاتي التدمير عن إطلاق أدوات جديدة في النصف الثاني من 2017 تسمح للمُعلنين بإنشاء حملات إعلانية احترافية، وهي أدوات تُعرف باسم "آد مانيجر" (Ad Manager)(4).

  undefined

  

باستخدام الأدوات الجديدة، يُمكن للشركات وللراغبين بالإعلان إنشاء حملات إعلانية عن طريق الفيديو، أي عرض مقطع للمستخدم أثناء انتقاله بين حكايات أصدقاءه مع إمكانية سحب الإعلان نحو الأعلى للتوجه للموقع أو للمتجر لتحميل تطبيق الشركة بشكل مُباشر. كما أن إنشاء العدسات (Lenses) والفلاتر أمر مُمكن، وهذا يعني أن الشركة بإمكانها تصميم تأثير لوني وزخارف ليقوم المستخدم بوضعها قبل مشاركة الصورة، بينما تسمح العدسات بإضافة تأثيرات حركية على الفيديو قبل مشاركته.

 

في 2017 تتنوع إعلانات سناب (Snap Ads) بين الفيديو التفاعلي الذي يظهر بين الحكايات، وصفحات الويب التي تظهر أيضًا بالطريقة نفسها، ويُمكن أيضًا إنشاء فيديو قصير استدراجًا للمستخدم، بحيث يدفعه لسحبه نحو الأعلى والاستمتاع بالنسخة الكاملة(5).

 

وكغيرها من الشبكات الاجتماعية، تسمح منصّة سناب شات الإعلانية باستهداف الشريحة العمرية المطلوبة بسهولة تامّة، مع إمكانية تحديد الفئات؛ أي المُهتمين مثلًا بالسياحة فقط، أو بالموضة، أو كلاهما، إذ توفّر الشركة حاليًا أكثر من 300 فئة مُختلفة للاختيار من بينها والاستهداف بشكل دقيق(6).

    

بالنسبة للمُعلنين، لا تعني تلك الجهود -مهما تضاعفت- أي شيء دون وجود أدوات لقياس حجم ومستوى تأثيرها، وهي نقطة لم تُغفلها سناب أبدًا، فالآن يُمكن معرفة الميزانية المصروفة على كل إعلان لوحده، مع عدد مرّات ظهوره، وعدد مّرات الضغط عليه لزيارة الموقع، أو لمشاهدة الفيديو، أو للتوجّه إلى لمتجر وتحميل التطبيق. ولأن عملية قراءة التقارير قد تكون مُعقّدة مع كثرة الحملات الإعلانية، وفّرت الشركة إمكانية تصفية التقارير، بحيث يصل المُعلن للتقرير المطلوب بسهولة تامّة(7).

   undefined

 

ولزيادة المصداقية، تعاونت سناب مع 15 جهة مُتخصّصة في مجال قياس أداء الحملات الإعلانية على الإنترنت، وبالتالي ستتنوع الأدوات المتوفّرة للجهة المُعلنة ولن تبقى حملاته رهينة سناب وأدواتها فقط، فتلك الشركات تسعى أيضًا للتنافس فيما بينها، وبالتالي تقديم أدوات ذات قيمة للمُعلنين.

 

ولم ينتظر "إيفان سبيغل" (Evan Spiegel)، أحد مؤسّسي تطبيق سناب شات والرئيس التنفيذي للشركة، كثيرًا قبل أن تعود تلك الجهود بالفائدة والنفع، فالرئيس التنفيذي لشركة "دبليو بي بي" (WPP)، إحدى أكبر الوكالات الإعلانية على مستوى العالم، أعلن بشكل صريح أنه سيضاعف إنفاقه في الإعلانات على سناب شات مؤكّدًا أنه سيدفع 200 مليون دولار أميركي لإنشاء حملات إعلانية(8)، وهذا بدوره سيدفع سعر سهم الشركة في سوق الأوراق المالية مع مرور الوقت.

 

فيديو فيسبوك
تتوقّع شركة "سيسكو" (Cisco) أن يُشكّل المحتوى المرئي 82٪ من إجمالي ما يتصفّحه المُستخدمون على الإنترنت، وهذا مع حلول عام 2021(9). ما سبق يعني أن حجم الإنفاق على الإعلانات داخل الفيديو سيزداد تباعًا مع مرور الوقت، وهو الذي وصل إلى 4 مليار دولار أميركي في 2017 لوحده(10). بمعنى آخر، ستنجح الشبكات الاجتماعية والمنصّات التي تُركّز على الفيديو في الحصول على دخل كبير جدًا من الإعلانات داخل مقاطع الفيديو خلال السنوات القليلة القادمة، وهذا يُفسّر بدوره سبب استعداد آبل لدفع مبلغ مليار دولار أميركي من أجل إنشاء محتوى مرئي وبرامج خاصّة بها(11).

   

قرّرت فيسبوك الانفراد وتخصيص تجربة جديدة تحمل اسم
قرّرت فيسبوك الانفراد وتخصيص تجربة جديدة تحمل اسم "ووتش"، داخل تطبيقات الشبكة على الحاسب، والأجهزة الذكية، وأجهزة التلفاز أيضًا، بحيث يُمكن للمستخدم مشاهدة برامج خاصّة وذات استمرارية وحلقات (مواقع التواصل)

  

فيسبوك، وعلى الرغم من إمكانية رفع مقاطع الفيديو ومشاركتها المتوفّرة منذ زمن طويل، قرّر أيضًا الانفراد وتخصيص تجربة واضحة عن طريق منصّة جديدة تحمل اسم "ووتش"، وهي منصّة مُدمجة داخل تطبيقات الشبكة على الحاسب، والأجهزة الذكية، وأجهزة التلفاز أيضًا، بحيث يُمكن للمستخدم مشاهدة برامج خاصّة وذات استمرارية وحلقات(12).

 

خطّة الشركة في منصّتها الجديدة قائمة على وجود سلسلة من البرامج المتنوعة، فهي لا ترغب في أن يكون المحتوى مثل الموجود في يوتيوب، أو في فيسبوك نفسها، بل ترغب أن يكون هناك رابط بين الحلقات المُختلفة بحيث ينتظر المستخدم المحتوى بشكل يومي أو أسبوعي، المهم بشكل دوري.

 

مِن ناحية الميّزات، فالمنصّة الجديدة توفّر للمستخدم قائمة خاصّة بالبرامج التي يُتابعها، وبالتالي ما أن تصدر حلقة جديدة، حتى يتم تنبيه المستخدم وإضافتها لتلك القائمة. كما أن قوائم مُخصّصة ستكون متوفّرة، وهي قوائم مصدرها تفضيلات الأصدقاء وتفاعلهم مع الحلقات المُختلفة؛ فالتفاعل مع حلقة على أنها مُضحكة باستخدام الوجه التعبيري الضاحك، سيُضيف تلك الحلقة لقائمة البرامج المُضحكة، كما أن الحلقات التي تحظى بكثير من التفاعلات سيتم عرضها للمستخدم على اعتبارها مهمة، ونجحت في جذب انتباه شريحة كبيرة.

 

وترغب الشبكة في الاستفادة من قاعدة مُستخدميها الكبيرة التي تجاوزت 2 مليار مستخدم، وذلك من خلال توفير إمكانية التفاعل مع الحلقات أثناء مشاهدتها، حيث توفّر المنصّة إمكانية ترك تعليقات وإجراء نقاشات مع من يُشاهد الحلقة نفسها، سواءً من الأصدقاء، أو من بقيّة مُستخدمي الشبكة، وذلك على غرار التفاعل الآني أثناء مشاهدة البث المُباشر للفيديو.

 

المنصّة الجديدة بدأت في شق طريقها للمستخدمين في الولايات المتحدة الأميركية. وللتشجيع على استخدامها، قامت الشبكة بتمويل بعض البرامج وصُنّاع المحتوى لتقديم حلقات أملًا في الإقلاع بالتدريج قبل الوصول لبقيّة المناطق الجغرافية حول العالم. كما ذكرت أنها على استعداد لدفع ثلاثة ملايين دولار أميركي لإنتاج حلقة واحدة من برامج خاصّة بها(13). أما مُعادلة الأرباح فهي واضحة منذ البداية، 45٪ تذهب للشبكة، بينما تذهب 55٪ لصانع المحتوى، وهنا الحديث عن العائدات من الإعلانات التي ستبدأ شيئًا فشيئًا في الظهور على تلك الحلقات.

   undefined

  

من زاوية، تبدو خطوة فيسبوك في منصّة "ووتش" وكأنها لمنافسة يوتيوب، المنصّة التي تمتلك حاليًا أكثر من 1.3 مليار مستخدم نشط شهريًا، والتي تُعتبر الأكبر على مستوى العالم والمقصد الأول لمشاهدة مقاطع الفيديو. لكن وبسبب التجربة الاجتماعية، تنوي فيسبوك استغلال هذا الأمر وتوفير خيارات أكثر أثناء مشاهدة المقاطع للتفاعل معها ومع الأصدقاء. لكن ومن زاوية أُخرى، ستسمح لها هذه الخطوة بتأمين دخل جديد من الإعلانات التي أدخلت إلى خزينتها أكثر من 9 مليار دولار أميركي خلال الربع الثاني من 2017 لوحده، بنسبة نمو وصلت إلى 47٪ مُقارنة بعائداتها خلال نفس الربع في 2016(14).

 

بالعودة للحديث عن شركة "دبليو بي بي"،  فإن مجموع ما أنفقته الشركة خلال 2016 وصل إلى 1.7 مليار دولار أميركي، مع وعود برفعه إلى 2 مليار دولار أميركي خلال 2017، وهذا يعكس الفارق الكبير بين سناب شات وبين فيسبوك وشبكاتها المُختلفة من ناحية الإعلانات.

 

من الناحية العملية، أتقن فيسبوك مجال الإعلانات وأصبح قوّة عُظمى إلى جانب غوغل الذي يمتلك باعًا طويلًا في مجال الفيديو عبر منصّة يوتيوب. لتبدو بذلك جهود فيسبوك وكأنها موجّهة صوب غوغل بعدما تخلّص من سناب شات العام الماضي عبر نسخ ميّزاته الواحدة تلو الأُخرى. لكن وبعيدًا عن الربط بين الأحداث، فإن سناب شات يحاول علاج مشاكله وتقديم منصّة إعلانية تُرضي المُعلنين. بينما يسير فيسبوك في الطريق الذي تسلكه بقيّة الشركات في مجال المحتوى المرئي وإنتاجه.

المصدر : الجزيرة