شعار قسم ميدان

بين مايكروسوفت وغوغل.. إبداع تقني بلا حدود

midan - microsoft

منذ عام 2003 -تقريبًا- ومايكروسوفت تشعر بالضجر من شكل الحواسب التي كانت تُستخدم آنذاك؛ فباستثناء الحواسب المحمولة والمكتبية، لم تكن هناك أية مُنتجات ثورية تُثير حماسة المُهندسين، وهو ما دفعهم لابتكار نوع جديد كُليًّا.

 

وفي حقيقة الأمر لم يبدأ تململ العاملين في مايكروسوفت من سنة 2003، بل منذ 2001. لهذا السبب قرّروا تطوير شيء آخر يختلف عمّا هو متواجد في الأسواق، ليقوموا بعدها بعامين بالاجتماع مع "بيل غيتس" (Bill Gates) مؤسس شركة مايكروسوفت لعرض مشروع حواسب "سيرفس"(1) (Surface). وما إن يرد اسم "سيرفس" حتى يتم ربطه مُباشرةً مع حواسب الشركة المحمولة أو اللوحية، والتي بدأت إطلاقها منذ 2012 تقريبًا. لكن خلف هذا الاسم تاريخ طويل ودورة طويلة جدًا بدأت في 2001 ووصلت لمبتغاها في 2016.

 

الطاولة الذكيّة
بدأ كل شيء عندما قرّر مُهندسو مايكروسوفت الشروع في تطوير حاسب جديد على شكل طاولة. أو بمعنى آخر، تضمينه بداخل طاولة. وبعد عامين من التجارب حصلوا على موافقة "غيتس" لبدء تطوير المشروع على نطاق واسع والاستعانة بخبرات إضافية لتقديم منتج وطرحه في الأسواق.

 

الجيل الأول من تلك الحواسب حمل اسم مايكروسوفت "سيرفس 1.0" وهو بشاشة 30 بوصة ودقّة عرض 1024×768 بكسل، مع وجود خمسة مُستشعرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء لرصد يد المُستخدم ولمس الأصابع للشاشة. باختصار، كان الحاسب عبارة عن طاولة ذكية مزوّدة بشاشة بحيث يُمكن للأصدقاء الجلوس حولها وتشغيل لعبة ما والاستمتاع بشكل فوري، مع إمكانية تشغيل الوسائط والأغاني كذلك. الأهم من هذا كانت تقنيات التعرّف على اللاصقات الذكيّة (Tags) التي تقوم بعرض معلومات على الشاشة بمجرّد تقريبها.

  

  

 أما الابتكار التقني السابق لأوانه في ذلك الوقت، فكان إمكانية قراءة محتويات الهواتف والكاميرات المتوافقة مع "سيرفس 1.0″، فبمجرد وضع الكاميرا على الطاولة ذاتها سيتم عرض الصور على الشاشة مُباشرةً. والأمر ذاته يتكرّر عند وضع الهاتف الذكي.

 

نجحت الشركة في 2008 بطرح الحاسب في الأسواق للمرّة الأولى، واستمرّت في بيعه حتى عام 2011 تقريبًا لإفساح المجال أمام الجيل الثاني "سيرفس 2.0" الذي تعاونت في تطويره مع شركة سامسونغ وحمل اسم "إس يو آر 40" (SUR 40).

 

الجيل الجديد حمل شاشة "إل إي دي" (LED) بحجم 40 بوصة، وبدقّة 1920×1080 بكسل مع مُستشعرات أفضل. لكن سامسونغ وبشكل صامت توقّفت عن إنتاجه، فاسحة المجال أمام مايكروسوفت للعمل بسرّية من جديد للخروج بمنتجات جديدة(2).

  

   

اللوح الذكي
استخدمت مايكروسوفت علامة "سيرفس" التجارية في حواسبها اللوحية والمحمولة الجديدة، دون التطرّق إلى تلك الحواسب الحالمة التي قدّمت الاسم للعالم للمرّة الأولى قبل عقد من الزمن تقريبًا. لكنها ومع نهاية 2015 عادت من جديد بفئة جديدة من الحواسب أفضل بكثير من الطاولة الذكية، وتستهدف شريحة الشركات الكُبرى، فمن هي الشركة التي لا تحتوي على قاعة للاجتماعات.

 

آمنت مايكروسوفت بفكرة الطاولة الذكية، لكنها وجدت أن استخدامها لم يكن واسع النطاق خصوصًا أن زوايا الرؤية قد تختلف ويحتاج المستخدمون لتدوير الصورة لمشاهدتها وما إلى ذلك. كما آمنت أيضًا بضرورة جعل قاعات الاجتماعات أكثر ذكاءً، ومن هنا قدّمت للعالم حاسبها الجديد "سيرفس هاب" (Surface Hub)، أو لوحها الذكي الجديد بمعنى تقني أدق(3).

 

"سيرفس هاب" هو عبارة عن لوح ذكي يختلف عن بقيّة الحواسب التقليدية التي نراها في الأسواق، فهو موجّه لعالم الأعمال وقاعات الاجتماعات بشكل رئيسي، وهو يتوفّر بقياسين؛ الأول بشاشة 84 بوصة، والثاني بشاشة 55 بوصة.

  

  

تقنيًا، يُقدّم القياس الأكبر دقّة شاشة 3840×2160 بكسل بمعدّل تحديث 120 هيرتز. ودعم للمس في 100 نقطة في ذات الوقت؛ أي أن المستخدم وزُملاءه بإمكانهم لمس اللوح في ذات الوقت وتنفيذ مهام مُختلفة دون مشاكل. أما دقّة شاشة القياس الأصغر فهي 1920×1080 بكسل. ويعمل كلا اللوحين بالجيل الرابع من معالجات شركة إنتل "آي 7″ (i7) في الكبير، و"آي 5" (i5) في الصغير مع ذواكر وصول عشوائي 8 غيغابايت، ومساحة تخزين 128 غيغابايت.

 

وزوّدت مايكروسوفت ألواحها الذكية بمستشعرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وبمستشعر للإضاءة كذلك. بالإضافة إلى نظام توزيع صوت ومايكروفونات وكاميراتين بدقّة "إتش دي" (HD). أما ولإدخال البيانات فيُمكن إلى جانب استخدام اليد، استخدام القلم الضوئي أو لوحات المفاتيح والماوس أيضًا. ويأتي الجهاز بنظام ويندوز 10 مع حزمة أوفيس. استخدامات هذا النوع من الأجهزة كثيرة فهي لا تقف عند قاعات الاجتماعات فقط، بل يُمكن استخدامها في المُختبرات الطبيّة، والورشات الهندسية المُختلفة؛ فبعد الاستفادة من التقنيات والبرامج المتوفّرة لنظام ويندوز، يُمكن وبفضل الشاشة الكبيرة استعراض كل شيء بدقّة عالية والتحكّم به وتطبيقه على أرض الواقع بسهولة تامّة.

 

اكتفت غوغل بمشاهدة ما حدث في مايكروسوفت بعد فشل الجيلين الأول والثاني من الطاولة الذكية. وليس المقصود هنا بكلمة فشل عدم نجاح الجهاز، بل عدم وصوله لشريحة كبيرة أو تحقيقه للغاية المطلوبة، وإلا لحافظت عليه سامسونغ قبل مايكروسوفت. لكن التغيير الذي أحدثته مايكروسوفت بعد سنوات دفع غوغل للتحرّك سريعًا هذه المرّة، فمايكروسوفت إن فشلت في التجربة الأولى لن تفشل في الثانية. وبالفعل، ما كان من غوغل سوى أن كشفت هي الأُخرى بعد عام، وأكثر بقليل، عن لوحها الذكي أسوةً بمايكروسوفت.

 

اختارت غوغل اسم "جام بورد" (Jamboard) للجهاز، وهو جهاز يعمل بإصدارات مُعدّلة من نظام أندرويد بعد دمجه مع حزمة "جي سويت" (G Suite) لتطبيقات الشركات(4).

  

  

أما الشاشة، فهي بحجم 55 بوصة وبدقّة "4 كيه" (4K)، ومعدّل تحديث 120 هيرتز. وهي قادرة على تمييز 16 نقطة لمس في ذات الوقت، وقادرة على التفرقة بين لمس الشاشة العادي وبين لمسها لمسح عنصر ما، مع وجود كاميرا بدقّة "إتش دي"، ومُكبّرات صوت ومايكروفون أيضًا. تقنيات أُخرى مدعومة مثل الاتصال قريب المدى "إن إف سي" (NFC) و"غوغل كاست" (Google Cast) لبث المحتوى على الجهاز.

 

الأهم من هذا هو حزمة "جي سويت" من غوغل، رفقة تسلّح الشركة بخدماتها القوية للتخزين السحابي التي تسمح بحفظ ما يجري على اللوح بشكل آني، وبالتالي يُمكن للوح موجود في الدوحة أن يتزامن مع لوح موجود في إسطنبول ليظهر كل شيء بشكل فوري على اللوحين. ولتعزيز التواصل، يُمكن استخدام تطبيقات غوغل للمحادثات الفورية ومكالمات الفيديو في ذات الوقت، وبالتالي تُصبح قاعات الاجتماعات المُنتشرة حول العالم وكأنها قاعة واحدة كبيرة. ويُمكن أيضًا إدخال البيانات والتحكّم باللوح عن طريق الأجهزة الذكية، وهذه نقطة تُحسب لغوغل لتسهيل العملية قدر الإمكان.

 

يتفوّق لوح غوغل على لوح مايكروسوفت في الكثير من النقاط أهمّها السعر، فلوح مايكروسوفت يبدأ سعره من 9000 دولار أميركي، بينما يبدأ سعر لوح غوغل من 5000 دولار أميركي تقريبًا. دون نسيان التقنيات الحديثة في الأخير نظرًا لوصوله بعد عام كامل إلى الأسواق.

 

وأخيرًا، تتفوّق غوغل بحزمة التطبيقات المتنوعة التي توفّرها، فحزمة مستندات غوغل إلى جانب حزمتها للتخزين السحابي، تجعل استخدام اللوح مناسب للجميع خصوصًا أن كل شيء يتزامن بشكل فوري. صحيح أن الوضع ذاته في "سيرفس هاب"، لكن تطبيقات غوغل أكثر استخدامًا إلى حد ما. لم تحظى هذه الفئة من الحواسب بانتشار كبير نظرًا لكونها موجّهة، فسوق الأعمال والشركات الكُبرى هو المُستفيد الأول منها. لكنها وبكل تأكيد فئة لا يجب إهمالها أبدًا، فبعد الحواسب المكتبية، واللوحية، والمحمولة، لدينا الآن الألواح الذكية.

  

ترتبط كلمة
ترتبط كلمة "سيرفس" داخل مايكروسوفت بالإبداع الدائم وعدم الاقتناع بما تصل إليه من ابتكار، وما بدأ من طاولة ذكية يومًا ما بين جدرانها، تحوّل فيما بعد إلى لوح ذكي مُعلّق على جدران غوغل
  

الترجمة الحرفية لكلمة "سيرفس" من اللغة الإنكليزية تعني السطح، لكنها وفي مايكروسوفت على ما يبدو تعني شيء آخر له علاقة بالابتكار والخروج بأفكار سبّاقة لم تكن موجودة سابقًا. "سيرفس 1.0" قدّم للعالم أول حاسب ضمن طاولة -حاسب ذكي-، وذلك منذ 2007 تقريبًا. لتعود الشركة فيما بعد وتطوّر "سيرفس هاب" كفئة جديدة أُخرى بعد عقد كامل من الزمن إيمانًا منها أن هذا النوع من الأجهزة مطلوب في مجالات مُحدّدة.

 

ويبدو أن حالة التململ عادت من جديد لمُهندسي الشركة حتى بعد الكشف عن "سيرفس هاب" في منتصف 2015. فهم قاموا بالتسلّح من جديد بكلمة "سيرفس" لإعادة تعريف الحواسب من فئة الكل-في-واحد وهذه المرّة عن طريق حواسب "سيرفس ستوديو" التي تُقدّم شاشة بحجم 28 بوصة وبدقّة 4500×3000 بكسل تعمل باللمس، مع مُلحقات ثورية على غرار "سيرفس دايل" (Surface Dial) القرص الذي يُعتبر كوسيلة إدخال جديدة.

 

وبناءً على ذلك، ترتبط كلمة "سيرفس"، داخل مايكروسوفت على الأقل، بالإبداع الدائم وعدم الاقتناع بما تصل إليه من ابتكار، وما بدأ من طاولة ذكية يومًا ما بين جدرانها، تحوّل فيما بعد إلى لوح ذكي مُعلّق على جدران غوغل.

المصدر : الجزيرة