شعار قسم ميدان

الواقع المعزز.. هل أصبح الواقع الحقيقي مهددا؟

ميدان - غوغل واتش - 2
في مؤتمر فيسبوك السنوي للمطورين، ومن على منصة "إف 8″، في (أبريل/نيسان) الفائت، أعلن مارك زوكربيرغ: "إن كنتم ستخرجون بجديد من لقاء اليوم، فإليكم التالي: سنقوم بتطوير كاميرا الهاتف الذكي بحيث تكون أول منصة للواقع المعزز". 

بدأ فيسبوك بالفعل في إضافة مؤثرات الكاميرا إلى تطبيقاته، متيحا لمستخدميه إضافة أغراض ورسوم متحركة، وفلاتر إلى صورهم، في ضربة عديمة الخجل لعدسات الواقع المعزز التي اشتهر بها سناب شات. مع منصة جديدة يتمكن المطورون فيها من إبداع ما يخصهم من مؤثرات، وفنون وألعاب ثلاثية الأبعاد، يراهن فيسبوك أن في وسعه أن يصبح وجهة مخصصة لخبرات الواقع المعزز، أو مستودعا لتطبيقات أخرى أسوةً بتطبيقِ وي شات.

عادت الضجة حول الواقع المعزز تتصاعد من جديد، بعد سنوات من الركود. فبالإضافة إلى طموحات فيسبوك المعززة، التي تتضمن جهازًا ملبوسًا، يصدر قريبا، ثمة نظارة غوغل التي مضى على إصدارها أربعة أعوام وعدسات "هولولينس" لمايكروسوفت، وإصدار شركة "ماجيك ليب" الغامض، بالإضافة إلى جهاز يشاع أن شركة "آبل" تعمل على تصنيعه. وفقًا لشركة أبحاث السوق "سي بي إنسايتس"، فإن 49 شركة واقع معزز قد أمنت صفقات التمويل السهمي منذ الربيع الفائت، وهي زيادة بنسبة 75% عن العام الذي سبقه.

تحاول هذه الشركات الهيمنة على مستقبل يكون فيه الحد الفاصل بين المادي والافتراضي بالغ الهشاشة، حيث لن تحتاج إلى لوحة مفاتيح أو شاشة لمس للإبحار فيه. "الواقع المعزز سيكون حاسوب كف اليد التالي، نظام التشغيل التالي، منصة التواصل الاجتماعي التالية"، بحسب أوري إنبار، مؤسس "سوبر فينتشرز"، وهي شركة رأس مال استثماري متخصصة في الواقع المعزز. مضيفا أن "الهاتف الذكي ميت؛ لكنه لا يعلم ذلك بعد". لكن، أي هذه المبالغات سيبرهن عن جديته؟ إليكم دليلا من ثلاثة أجزاء لكيفية انتشار الواقع المعزز.
 

للوقت الحالي ستكون الهواتف الذكية هي منفذ الواقع المعزز
لعبة
لعبة "بوكيمون غو" حصدت 100 مليون تحميل، أثناء انطلاق الناس في الشوارع بهواتفهم الذكية لاصطياد بوكيمونات "تشارمندر" و"سكويرتل"  (رويترز)

كان المطورون، لقرابة عقد من الزمن، يعدون باستخدام كاميرات الهواتف الذكية لتحسين رؤيتنا للعالم. قدمت شركة "ييلب"، عام 2009، ميزة "مونكول" التي تزود عدسات كاميرات المستخدمين بتقييمات لمشاريع تجارية محلية. صدر بعدها العديد من التطبيقات المشابهة، دون أن ينال أي منها اهتمامًا ملحوظا.

كان من دفع بهذه التقنية إلى الأضواء أبناء الألفية متقيّئي قوس قزح، في مؤتمر عقدته سناب شات، في (أيلول/سبتمبر) 2015، لتقديم عدساتها الإدمانية المحسنة للسيلفي. بحلول شهر (آب/أغسطس) التالي، كانت لعبة "بوكيمون غو" قد حصدت 100 مليون تحميل، أثناء انطلاق الناس في الشوارع بهواتفهم الذكية لاصطياد بوكيمونات "تشارمندر" و"سكويرتل".

قد يبدو من السخيف إمكانية استبدال أنفك بخطم كلب، أو الإمساك ببوكيمون "جيغليباف" يختبئ خارج مقهاك المفضل. لكنها في الحقيقة، كانت طريقة ألمعية لجذب المستهلكين نحو الواقع المعزز، بشكل غير مباشر.

يمتلك سناب شات الآن منصة واعدة للإعلانات، بفضل إصدار العدسات المدعمة، التي يمكن وصلها بأماكن محددة. أما شركة "نيانتك" التي طورت لعبة "بوكيمون غو" فقد بلغ صافي عائداتها مليار دولار أميركي. وقد يعتمد نجاح الشركات في سعيها المحموم لإطلاق تطبيق الواقع المعزز المهم التالي -من ألعاب متنوعة وتطبيقات عملية، كإرشادات السفر التفاعلية ومساعدات التسوق- كليا على المزيج الذي أرسته هاتان الشركتان: التفاعل الاجتماعي وذكاء الأمكنة الفائق.

بغض النظر عن نجاح "سناب شات" و"بوكيمون غو"، إلا أن لا أحد يعتقد بأن مستقبل الواقع المعزز يقوم على التحديق في شاشة الهاتف الذكي، لمطاردة كائنات أسطورية

في الوقت نفسه، بدأت الهواتف الذكية تصبح أشد تطورًا منذ 2014، وشركة غوغل تعمل على تطوير "منصة تانغو"، التي توفر للهواتف الذكية قدرة التمييز المكاني. نهاية العام الفائت، أطلقت لينوفو هاتفها الذكي "فاب 2 برو" بتكلفة 500 دولار أميركي للمستهلك، وهو أول هاتف ذكي تتاح فيه منصة تانغو. باستخدام الكاميرات المتعددة، ومجسات تعقب الحركة المتقدمة، ينشئ "فاب 2" خرائط ثلاثية الأبعاد من صور ثنائية الأبعاد.

إن جربتم عدسات الهاتف في غرف معيشتكم، سيعلم تانغو أن مصباح الإنارة بطول 6 أقدام وأنه إلى اليسار من الأريكة. كما سيكون في وسعكم استخدام تطبيق تانغو المحسن من عملاق التجارة الإلكترونية "واي فاير" لرؤية كيف ستبدو طاولة قهوة افتراضية بينهما. تمتلك شركة "لوي" لكماليات البيوت تطبيقًا مشابهًا، بالإضافة لآخر يسمح للزبائن باستخدام كاميرا الهاتف لرصد محالها التجارية.

ما تزال هذه الجهود في بدايتها؛ فتنفيذها ما يزال أوليا. استخدام لينوفو لمنصة تانغو هو أكثر منه تأكيد على المفهوم عن أن يكون إيذانا بانطلاق جهاز رائد. لكن هذا قد يتغير بسرعة. حيث يصدر الهاتف التالي الذي يتيح استخدام تانغو، "آسوس زين فور"، هذا الصيف. ووفقا للشائعات، فإن هاتف آيفون 8 أيضا مزود بكاميرا ذات استشعار متقدم لتمكين تطبيقات الواقع المعزز. من اللافت أن شركة آبل تنتظر أن تصبح تكنولوجيا معينة مألوفة لدى المستهلكين، قبل دمجها بمنتج رئيسي. ويزعم إنبار بأنه"حالما يعتمد آيفون تلك الكاميرا، فإنها ستصبح معيارًا بحكم الأمر الواقع".

الأجهزة الملبوسة ستراعي بيئات العمل
تستخدم شركة
تستخدم شركة "بوينغ" نظارات غوغل لعرض الرسوم البيانية التقنية لعمال تجميع ألجمة الأسلكة الكهربائية  (رويترز)

بغض النظر عن نجاح "سناب شات" و"بوكيمون غو"، إلا أن لا أحد يعتقد بأن مستقبل الواقع المعزز يقوم على التحديق في شاشة الهاتف الذكي، لمطاردة كائنات أسطورية. وذلك لأن الهاتف الذكي واجهة دون-مثالية. "فلنقل أنك تمشي في سوق للمشتريات يتاح فيه الواقع المعزز"، يقول تونغ نجيوين، المحلل الرئيسي لشركة "غارتنر" للأبحاث، "كم مرة أثناء جولة تسوقك ستكون عازمًا على سحب هاتفك من جيبك؟ لأي وقت ستحمله؟"، أعتقد أن العقبة الوحيدة أمام الواقع المعزز، كما يشير نجيوين، أن "عليه أن يكون ضمن النظارات التي أرتديها سلفا".

اليوم، ثمة في الإنتاج أكثر من 50 جهاز واقع معزز للرأس، يتراوح من النظارات العادية التي يمكنها عرض صور ثلاثية الأبعاد إلى خوذة مقوّاةٍ صناعيا بـ 20.000 دولار أميركي من شركة "داكري". لكن أيا منها ليس صغير الحجم، أو رخيص الثمن، أو أنيقًا بما يكفي ليجذب الجماهير. لذا، للسنوات القليلة القادمة، ستوجد أجهزة الواقع المعزز مبدئيا في بيئات العمل، حيث لا يهم كلفتها أو مظهرها إلى هذا الحد. وتشير شركة "آي.بي.آي ريسيرتش" بأن سوق الواقع المعزز سيرتفع إلى 96 مليار دولار أميركي بحلول 2021 في حين سيعزى 60% من هذا الارتفاع للاستخدامات الصناعية والتجارية.

وجدت نظارات غوغل، على سبيل المثال، ملجأً في المصانع بعد فشلها في الانتشار بين المستهلكين؛ حيث تستخدم شركة "بوينغ" نظارات غوغل لعرض الرسوم البيانية التقنية لعمال تجميع ألجمة الأسلكة الكهربائية الخاصة بالطائرات، وهو ما كان يترك أيديهم حرة لأداء المهام. (عندما توفر 25% من وقت التجميع لن يلقبك أحد بأخرق النظارات). ولا يقتصر الأمر على نظارات غوغل فقد أصدرت شركة "سكوبيس" للتقنيات الطبية تطبيق "هولولينس" لإرشاد الجراحين في عمليات العمود الفقري. أما في شركة "مينيابوليس مورتينسون" للبناء، يستطيع المتعاقدون ارتداء "خوذة داكري الذكية"، والتجوال في نموذج ثلاثي الأبعاد لمشفى قيد الإنشاء، لرؤية أماكن تركيب أنابيب المياه قبل البدء بتركيبها بالفعل.

لكن الاستخدام الصناعي واسع الانتشار لن يغير طريقة عملنا؛ بل سيكون مفيدًا للمنتجات المستقبلية الموجهة للمستخدمين. تماما مثلما يستخدم العمال الواقع المعزز في استدعاء مساعدةٍ عن بعد خلال العمليات المعقدة، فإن أصحاب البيوت الذين يرغبون في إعادة تصميم غرف الحمامات قد يلجأون في أحد الأيام إلى زوج من النظارات للاستطلاع الافتراضي والرسوم البيانية.

الواقع المعزز سيحيط بنا

في الوقت الحالي، يستمر الواقع المعزز في الظهور ضمن أجهزة الاستخدام اليومي. إن كانت الكاميرا الخلفية في سيارتك تظهر خطا أحمر متعرجا بينما أنت على وشك الاصطدام بشجرة، فأنت تستخدم الواقع المعزز. فضلا عن لجوء محال "سيفورا" لمساحيق التجميل، لاستخدام المرايا الذكية، لإتاحة عمل اختبار افتراضي لمساحيقها، بينما تتيح سلسلة محال "نيمان ماركوس"، للزبائن تغيير ألوان ألبستهم أو تجربة النظارات الطبية. بذات الطريقة التي يقودنا بها "نظام التحكم الذكي" و"مساعد تغيير المسلك" نحو السيارات الأوتوماتيكية، سينسلّ الواقع المعزز إلى حياتنا بميزةٍ إضافية تلو أخرى.

أطلقت شركة
أطلقت شركة "دوبلر لابس" سمّاعاتها اللاسلكية الذكية باسم "هير وان" وتتيح لك هذه السماعات تضخيم ترددات صوتية معينة وتصفية أخرى عن البقية، أي أنها ستقوم عمليا بتعزيز واقعك السمعي

من المرجح أيضا تسرب مزايا الواقع المعزز إلى ملبوسات أخرى غير مكلفة، كما نرى في نظارات التقاط الفيديو التي أطلقها سناب شات وسماعات الأذن اللاسلكية التي أطلقتها آبل. وقد أطلقت شركة "دوبلر لابس" سمّاعاتها اللاسلكية الذكية باسم "هير وان" وتتيح لك هذه السماعات تضخيم ترددات صوتية معينة وتصفية أخرى عن البقية، أي أنها ستقوم عمليا بتعزيز واقعك السمعي. بينما يرى المدير التنفيذي "نواه كرافت" مستقبلا يوجد فيه الواقع المعزز بشكل عضوي في أذنك. "لنقل أنك ستمشي في الشارع بينما يصدر صوت "سيري" فجأة في رأسك ليقول ‘مرحبا، موعدك القادم سيكون في غضون 15 دقيقة'"، مضيفًا أنه "في عالمنا، ليس هذا تشتيتًا عما يحدث حولك".

ومع ذلك، تظل التطبيقات الصناعية الذكية والموثوقة لجهاز يتلاءم بسهولة تامة مع حياتنا اليومية مهمة صعبة. فالتحديات التقنية تمثل منعرجا، ومن غير الواضح بعد إذا ما كان الجهاز الجديد سيلاقي استحسان الجمهور، أو إن كان المحتوى ليكون جيدا بما يكفي لإقناعهم به في المقام الأول. وبالرغم من ذلك، تمضي آبل قدما نحو هذه الخطوة، كما تفعل غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت والعديد من الشركات الأخرى.

بالنسبة لشركات التقنية، قد يكون الاستثمار في ميدان الواقع المعزز مسألة حياة أو موت. مثلما غير الانترنت والهاتف الذكي من المشهد التقني، سيكون بوسع الواقع المعزز خلق عمالقة جدد على حساب إذلال عمالقة قدامى، بحسب بيرس هاردينج رولز، مدير أبحاث الألعاب لدى "آي.إتش.إس تكنولوجي" وهي شركة أبحاث مقرها لندن. المستقبل، بكلمات أخرى، سيكون معززا. وسيحدث ذلك قبل أن نلحظه حتى.

– في عين الرائي
لكن كيف سيستخدم الناس الواقع المعزز؟ لعل من الأسهل إدراج مجالات عدم استخدامه. هاكم بعض التطبيقات التي يجري العمل عليها، من البسيط حتى المعقد.

التفاعل مع الإعلانات

لأجل "بيت شازام"، برنامج الألعاب الذي يقدمه الممثل جايمي فوكس، صممت قناة "فوكس" التلفزيونية لوحات إعلانية ضخمة بوسعها استحضار صورة ثلاثية الأبعاد لمقدم البرنامج على هواتف المشاهدين. 

تعمل شركة "إيرا" على تصميم نظارات ذكية لفاقدي البصر، تقوم بإرسال تغذية فيديو إلى عميل خدمات للمستخدمين يتولى إخبار مستخدمي النظارات عما يرونه

صالونات التجميل الافتراضية

تتيح شركات مثل "سيفورا" و"لوريال" و"كوفر جيرل" عروضا وتطبيقات هواتف داخل محالهم التجارية، تمكن الزبائن من رؤية مظهر مساحيق التجميل على وجوههم دون الحاجة لاستخدام المسحوق التجريبي. 

– مساعد الطريق 

ألواح أمامية ذكية للسيارات، تعرض معلومات حول الوجهة التي تسير إليها، وقد أصبح استخدامها منتشرا في إطار محاولة شركات السيارات والشركات الناشئة على السواء ابتكار طرق جديدة لجذب السائقين. 

مساعدات الصف 

تعمل شركة "مايكروسوفت" مع شركة التكنولوجيا التعليمية "لايفلايك" على منهج دراسي بتقنية "هولولينس"، يتيح جولات افتراضية كتلك التي داخل جهاز الدورة الدموية. 

– دواء عن بعد

تتيح شركة "بروكسيميه" الناشئة للجراحين المخضرمين عرض العمليات الجراحية عن بعد وتوفير تعليمات واقع معزز للأطباء الذين يقومون بها.
 
– أعين يرون بها
تعمل شركة "إيرا" على تصميم نظارات ذكية لفاقدي البصر، تقوم بإرسال تغذية فيديو إلى عميل خدمات للمستخدمين يتولى إخبار مستخدمي النظارات عما يرونه.

================================

مترجمٌ عن: (فاست كومباني)

المصدر : الجزيرة