شعار قسم ميدان

غوغل و"إتش تي سي".. حان وقت اللعب مع الكبار

midan - google

يُمكن تخيّل ردّة فعل الشركات التقنية عندما ذكرت غوغل أن عدد الأجهزة العاملة بنظام أندرويد على صعيد العالم يفوق الملياري جهاز(1)، فالأمر لا يتعلّق بنظام التشغيل فقط، بل بقطاع الخدمات التابع لشركة غوغل وتطبيقاتها المُختلفة. لكن على أرض الواقع، وعلى صعيد الأجهزة، لا تملك غوغل أكثر من ثلاثة ملايين جهاز من ذلك الرقم الكبير ذي الأصفار التسعة(2)، وهذا يُفسّر قيمة الاستحواذات التي قامت بها على صعيد إنتاج الأجهزة التي وصلت إلى 17 مليار دولار أميركي منذ عام 2011(3) كان آخرها 1.1 مليار دولار دُفعت لشركة "إتش تي سي" (HTC) التايوانية.

 

غوغل و"إتش تي سي"
في سابقة نادرا ما تحدث على المستوى التقني لم تتسرّب أخبار صفقة غوغل و"إتش تي سي" إلا قبل يومين أو ثلاثة من إتمامها، فبعض المصادر ذكرت أن غوغل سوف تستحوذ على الشركة التايوانية بالكامل، لتقوم الشركة بعدها بيوم بتعليق تداول أسهمها في سوق الأوراق المالية، لتتأكّد بنسبة كبيرة تلك الشائعات(4).

 

وما هي سوى ساعات قليلة بعدها حتى أعلنت غوغل و"إتش تي سي" عن إتمام صفقة غريبة نوعا تحصل بموجبها غوغل على جزء كبير من المُهندسين العاملين في قسم البحث والتطوير (Research & Development) مع صلاحيات غير محدودة على براءات اختراع الشركة التايوانية كذلك(5). خرجت "إتش تي سي" بعد ذلك لتُزيل الغموض مؤكّدة أن 50٪ من مُهندسيها سينتقلون للعمل تحت مظلّة غوغل، أي ما يُقارب 2000 مُهندس أغلبهم ممن عمل مع غوغل على تطوير هواتفها الصادرة في 2016، "بكسل" و"بكسل إكس إل". مؤكّدة في ذات الوقت أنها سوف تستمر في تطوير الهواتف الذكية من جهة، والاستثمار في مجال نظّارات الواقع الافتراضي من جهة أُخرى(6).

 

undefined 

 

وهكذا فإن "إتش تي سي" لم تنته وما زالت تعمل ككيان مُنفصل وكشركة مُستقلّة تماما. وحصلت غوغل في المُقابل على 2000 مُهندس بخبرات طويلة في مجال إنتاج الهواتف الذكية تحديدا، وهو أمر أكّده ريك أوستيرلوه (Rick Osterloh) المسؤول عن إدارة فريق العمل الجديد الذي قامت غوغل بالاستعانة به بعد سنوات طويلة في شركة موتورولا.

 

ولا تُعتبر علاقة الشركتين جديدة العهد أبدا، فالشركة التايوانية يُمكن اعتبارها أول من آمن بنظام أندرويد، فأول جهاز يعمل بنظام أندرويد كان من إنتاجها، وهو هاتف "تي-موبايل جي1" (T-Mobile G1) الذي يُعرف كذلك باسم "إتش تي سي دريم" (HTC Dream). كما عملت منذ ذلك الوقت على تطوير مجموعة كبيرة من الأجهزة، منها "ون إكس" (One X) و"ون إم8″ (One M8)، التي ساهمت في سيطرة الشركة في 2011 على أكثر من 8٪ من سوق الهواتف الذكية(7). كما أن هاتفها الأخير "يو 11" (U11) يُقدّم ابتكارا خاصا من خلال أطرافه الجانبية القادرة على استشعار قوّة الضغط عليها لتنفيذ مهام مُختلفة.

  undefined

 

باختصار، تُعتبر "إتش تي سي" من الشركات ذات الصيت الجيّد في مجال إنتاج الهواتف الذكية، فهي تحرص على الابتكار دائما، وعلى استخدام أفضل المواد لإخراج الجهاز وتصميمه المُتميّز بأفضل شكل مُمكن، ليكون بارزا من بين الأجهزة الموجودة في الأسواق. لكن دخول سامسونغ إلى سوق الهواتف الذكية المتوسطة والرائدة كان له الأثر السلبي بكل تأكيد لتتراجع حصّتها إلى 0.9٪ تقريبا(8)، الأمر الذي رفع أهمّية المبلغ الذي ستدفعه غوغل بشكل نقدي عند إتمام الصفقة.

 

صفقة خارج التوقّعات
قامت غوغل في 2011 بالاستحواذ على شركة موتورولا بالكامل لقاء 12.5 مليار دولار أميركي(9)، في خطوة ذكر البعض أنها بهدف إنتاج هواتف ذكية لمنافسة "آيفون" من آبل الذي كان في ذلك الوقت في عزّه قبل أن تدخل سامسونغ بثقلها وتقلب الموازين بشكل أو بآخر. لكن غوغل خالفت التوقّعات وأعلنت بشكل صريح أن موتورولا سوف تستمر في العمل بشكل مُنفصل، لتلعب هي دور المُتفرّج أملا في أن تُقدّم الشركة جهازا يستحق الإشادة وتسليط الضوء لتبنّيه وتقديمه على أنه الهاتف الذي يحمل هويّة غوغل الحقيقية، لكن ذلك الحلم لم يتحوّل إلى حقيقة، لتقوم غوغل ببيع الشركة لقاء 2.5 مليار دولار بعد عامين فقط من شرائها(10).

  

هذه الصفقة تختلف عن الماضي، وشركة غوغل على صعيد الأجهزة نضجت خلال الأعوام السابقة وتُدرك تماما أهمّية هذا القطاع الآن
هذه الصفقة تختلف عن الماضي، وشركة غوغل على صعيد الأجهزة نضجت خلال الأعوام السابقة وتُدرك تماما أهمّية هذا القطاع الآن
  

من جهة قد يعتقد البعض أنها صفقة فاشلة بالنسبة لغوغل، فخسارة 10 مليارات دولار على مدار عامين ليس بالأمر الهيّن. لكن البعض أشار إلى أنها لم تكن أبدا صفقة لإنتاج الهواتف الذكية والحواسب اللوحية، وهذا بدليل أن موتورولا بقيت تعمل دون تدخّل من غوغل، بل كانت صفقة للحصول على براءات اختراع الشركة التي احتفظت غوغل بحقوقها حتى بعد بيعها.

 

في 2014 عادت غوغل من جديد للاقتراب من أحد مُصنّعي الأجهزة الذكية، وهذه المرّة شركة "نيست" (Nest) المُتخصّصة في مجال إنتاج أجهزة إنترنت الأشياء (IoT)، وقامت بالاستحواذ عليها لقاء 3.2 مليار دولار أميركي(11). لكن الشركة حتى يومنا الحالي لم تنجح في إطلاق جهاز جديد ثوري يعكس بالفعل استفادتها من العمل جنبا إلى جنب مع غوغل، الأمر الذي يُمكن تبريره بكون الهدف من مثل هذه الصفقة هو الحصول على بيانات من هذا النوع من الأجهزة عن قرب لتطوير نسخة أندرويد لأجهزة إنترنت الأشياء (Android Things) التي رأت النور في 2016 تقريبا.

 

ولا يُمكن مُقارنة صفقة "إتش تي سي" بالصفقات آنفة الذكر، لأن الوضع مُختلف تماما، وهذا الأمر واضح جدا منذ 2016، العام الذي شهد إطلاق ثُلة من الأجهزة الجديدة في غوغل على غرار هواتف "بكسل"، ومساعدات "هوم" (Google Home) المنزلية، إضافة إلى نظّارات الواقع الافتراضي "داي دريم" (DayDream). تلك الأجهزة تم الكشف عنها في مؤتمر جرى في الرابع من (أكتوبر/تشرين الأول) 2016، مؤتمر حملت دعوته جُملة تتحدّث لوحدها عن المُستقبل: "صُنع بواسطة غوغل" (Made By Google)(12).

  undefined

 

على أرض الواقع لم تصنع الشركة جميع تلك الأجهزة، ففي الهواتف تعاونت مع "إتش تي سي"، لكنها قامت بتصميم وتطوير كل شيء تقريبا، لتبتعد عن استخدام الموجود في السوق أولا، وعن الاعتماد بالكامل على الشركات الأُخرى على غرار هواوي و"إل جي" (LG) التي كانت مسؤولة عن تطوير هواتف غوغل السابقة تحت علامة "نكسوس" (Nexus) التجارية التي دفنتها غوغل في العام الماضي.

 

تمكّنت غوغل بفضل تصميم وتطوير أجهزتها بالكامل من تقديم مُعالج صورة رائع جدا في هواتف "بكسل" مع خوارزميات مُتقدّمة قادرة على معالجة الصور وتصحيح ألوانها، لتحصل تلك الأجهزة على صدارة كاميرات الهواتف الذكية لفترة طويلة، قبل أن تتراجع للمرتبة الثالثة خلف هواتف آبل الأخيرة "آيفون 8″ و"آيفون 8 بلس"(13). الأهم من الأرقام هي النتائج، وبالفعل لاحظت غوغل أن نموذج آبل في تطوير كل شيء يتعلّق بالهواتف، وبالأجهزة الذكية بشكل عام، أمر سيعود بالنفع بكل تأكيد، فالشرائح الإلكترونية سوف يتم تطويرها لتتوافق مع رؤية الشركة، وبالتالي لن تضطر الشركة للتنازل عن بعض الميزات بسبب قصور في العتاد والمكوّنات الداخلية المتوفّرة في الأسواق.

 

فوائد الصفقة يُمكن تلخيصها ببساطة أكبر، فشركة غوغل ترغب في أن تكون المُتحكّم الأول والأخير في مكوّنات هواتفها المُستقبلية وبقيّة أجهزتها الذكية، وشعار "صُنع بواسطة غوغل" ما هو سوى تأكيد لهذا الأمر خصوصا أنها ستحصل على مُهندسين أثبتوا جدارتهم في العام الماضي. لكن الأمر يرتبط أيضا في قطاع الخدمات الذي تُجيده الشركة ويُعتبر أحد أهم مصادر دخلها السنوية.

 

عندما قامت غوغل بتطوير نظام أندرويد وضعت بعين الاعتبار أهمّية فتح مصدره وتوفيره للعموم، لكنها اشترطت وقتها أن تحصل على النسبة الأعلى من عائدات استخدام خدماتها المُختلفة، وخصوصا الإعلانات، الأمر الذي بدأت ثماره تنضب مع مرور السنوات بعدما توجّهت كُبرى الشركات للتخلّي عن خدمات غوغل شيئا فشيئا. سامسونغ مثلا بدأت بتطوير "بيكسبي" (Bixby)، مُساعدها الرقمي البديل لمساعد غوغل "أسيستنت" (Google Assistant). ولم تتوقّف الشركة الكورية عند هذا الحد، فهي قامت تقريبا باستنساخ مُعظم خدمات غوغل. أما "إتش تي سي" فهي قامت كذلك بالتعاقد مع أمازون لتوفير "أليكسا"، المُساعد الرقمي الآخر. كما أن قضايا الاحتكار التي تواجهها غوغل في دول الاتحاد الأوروبي التي وصلت غرامتها إلى 2.7 مليار دولار أميركي تُعجّل من ضرورة التحكّم بكل شيء(14).

  

في 2017 تعاونت غوغل و
في 2017 تعاونت غوغل و"إتش تي سي" من جديد في أحد هواتف الشركة، وهذا يعكس ثقة كبيرة في رؤية الشركة التايوانية والمُهندسين الذين سيبدأون بالعمل مع غوغل مع بداية 2018
  

مع مرور السنوات قد يقلّ الاعتماد على خدمات غوغل داخل الأجهزة العاملة بنظام أندرويد، وبالتالي ستتأثّر عائدات الشركة مع مرور الوقت. وللتأكيد على أهمّية قطاع الخدمات بالنسبة للشركة الأميركية فإن غوغل تدفع مثلا ما يصل إلى 3 مليارات دولار أميركي لشركة آبل للإبقاء على مُحرّك بحث غوغل واعتباره الافتراضي في نظام "آي أو إس" (iOS)(15). ما سبق يعني أنها بحاجة للعب بنفس الإمكانيات التي تلعب بها بقيّة الشركات التقنية، والمؤلّفة من ثلاثة محاور، هي: الأجهزة، والخدمات، إضافة نظام التشغيل، الأمر الذي تُجيده آبل في الوقت الراهن وتسعى إلى تأمينه قدر الإمكان خصوصا على مستوى الخدمات. أما غوغل فهي تُسيطر على محوري نظام التشغيل والخدمات، وتسعى إلى تأمين الثالث أيضا.

 

في 2017 تعاونت غوغل و"إتش تي سي" من جديد في أحد هواتف الشركة التي سترى النور يوم 4 (أكتوبر/تشرين الأول)، وهذا يعكس ثقة كبيرة في رؤية الشركة التايوانية وفي المُهندسين الذين سيبدأون بالانتقال للعمل مع غوغل مع بداية 2018، الوقت المتوقّع لإتمام الصفقة على المستوى القانوني. لكن لتجنّب الحد من الاحتمالات فإن هذه الصفقة تختلف عن الماضي، وشركة غوغل على صعيد الأجهزة نضجت خلال الأعوام السابقة وتُدرك تماما أهمّية هذا القطاع الآن، فوقت التجارب والاختبارت انتهى وولّى، ولضمان المُستقبل والحفاظ على مصادر الربح الحالية يجب كشف جميع الأوراق واللعب دون تردّد، فالخوف والتأخّر في هذا السوق يعني الخروج من السباق، والسُمعة وإنجازات الماضي لا تشفع دائما.

المصدر : الجزيرة