شعار قسم ميدان

"اسأل الشيخ غوغل".. كيف أصبح محرك البحث قادرا على فهم عقولنا؟

midan - رئيسية غوغل1

بعد ٢٠ عاما من إنشاء غوغل أصبحت منتجات وخدمات هذه الشركة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لقد غيرت هذه المنتجات من بنيتنا المعرفية ذاتها، مما أدّى إلى توّسع عقولنا إلى الفضاء الإلكتروني كنتيجة مباشرة لذلك. هذا ليس خيالا علميا. إنه نتيجة لما يعرف بـ "نظرية التفكير الممتد"، وهذه النظرية اليوم هي وجهة نظر مقبولة على نطاق واسع في عالم الفلسفة وعلم النفس وحتى علم الأعصاب.

 

دون أدنى شك، يشكّل ذلك تحوّلا جذريا في النفسية البشرية، بل قد يكون أكبر تحوّل من نوعه نضطر للتعامل معه كجنس بشري في تاريخنا. إن هذا التحوّل يجري بسرعة مذهلة، فمحرّك غوغل في نهاية المطاف عمره ٢٠ سنة فقط اليوم! لكن على الرغم من أن هذا التحول له بعض النتائج الحميدة، إلا أنه توجد هناك بعض القضايا المثيرة للقلق التي نحتاج إلى معالجتها بشكل لا يحتمل التأخير.

  

إن الأبحاث حول الموضوع تمتد لتشمل مسائل مثل الهوية الشخصية والعقل وعلم الأعصاب والأخلاق. من وجهة نظرنا، فإنه كلّما أقبلنا على ميزات غوغل "المخصصة" لشخصياتنا ولكن المستندة على الذكاء الصناعي، فإننا نتخلى عن المزيد من الفضاء المعرفي الشخصي لدينا لصالح غوغل. هذا يعني أن كلا من الخصوصية العقلية والقدرة على التفكير بحرية لدينا هي في طور التآكل.

    

undefined

     

الأكثر من ذلك هو أنه قد بدأت تظهر بعض الأدلة التي تشير إلى أنه قد يكون هناك ارتباط بين استخدام التكنولوجيا واضطرابات الصحة العقلية. وبعبارة أخرى، ليس من الواضح أن عقولنا يمكنها أن تتحمل المزيد من الإجهاد الناتج عن امتدادها إلى العالم الافتراضي. ربما نكون قريبين من نقطة الانهيار.

  

أين يتوقف عالم العقل وأين يبدأ العالم الحقيقي؟

كان هذا هو السؤال الذي تم طرحه في عام ١٩٩٨ (يصادف ذلك نفس العام الذي أطلقت فيه شركة غوغل) من قِبل اثنين من الفلاسفة والعلماء المعرفيين (آندي كلارك وديفيد تشالمرز) في مقال نشرته مجلة علمية بعنوان "العقل المتمدد". قبل عملهم هذا كانت الإجابة المعتادة على هذا السؤال بين العلماء هي القول بأن العقل يتوقف عند حدود جلد الإنسان وجمجمته (أي حدود الدماغ والجهاز العصبي).

   

لكن كلارك وتشالمرز اقترحا إجابة أكثر جذرية فقالا إنه عندما ندمج الأشياء من البيئة الخارجية في عمليات تفكيرنا، فإن تلك الأشياء الخارجية تبدأ بلعب نفس الدور المعرفي الذي تقوم به أدمغتنا، ونتيجة لذلك تصبح هذه جزءًا من عقولنا مثلها مثل العصبونات والمشابك في الجهاز العصبي. أدّى زعم كلارك وشالمرز إلى الكثير من النقاش والجدل، ولكن العديد من الخبراء الآخرين الذين يدرسون العقل انضموا إليهما في نظرتهما هذه منذ ذلك الحين.

 

عقولنا ترتبط بغوغل

كان كلارك وتشالمرز يتحدثان قبل ظهور الهواتف الذكية والإنترنت السريعة، وكانت أمثلتهم التوضيحية خيالية إلى حد ما. مثلا.. تحدثا عن رجل دمج مفكرة في حياته اليومية، فقالا إنها كانت بمثابة ذاكرة خارجية له، ولكن كما أوضحت الأبحاث الأخيرة، فإن نظرية التفكير الممتد تنطبق مباشرة وبشكل أكبر على هوسنا بالهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة المتصلة بالويب.

   

ديفيد تشالمرز (مواقع التواصل)
ديفيد تشالمرز (مواقع التواصل)

   

إن عددًا متزايدًا منا اليوم هو أسير هواتفه الذكية من الصباح حتى الليل، أصبح استخدام خدمات غوغل التي تتضمن محرك البحث والتقويم والخرائط والمستندات ومساعد الصور.. وما إلى ذلك طبيعة ثانية لنا. إذن.. فإن تكاملنا المعرفي مع غوغل قد أصبح حقيقة واقعة وقد تعيش أجزاء من عقولنا بشكل ما على خوادم شركة غوغل.

 

لكن هل هذا الأمر مهم؟ الجواب هو نعم، وذلك لسببين رئيسيين. أولاً، لا تمثل غوغل مجرد أداة معرفيّة سالبة، ترتكز أحدث تحديثات غوغل التي تدعمها أنظمة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على تقديم الاقتراحات. لا تخبرنا خرائط غوغل فقط عن كيفية الوصول إلى الأماكن التي نريد الذهاب إليها (سواء سيرًا على الأقدام أو بالسيارة أو بوسائل النقل العامة)، ولكنها تعطينا أيضا اقتراحات حول أمكنة تعتقد أنها ستثير اهتمامنا.

 

أما مساعد غوغل الآلي، الذي يمكن استحضاره باستعمال كلمتين فقط ("Hey Google")، فهو لا يقدم لنا معلومات سريعة فحسب، بل يمكنه أيضا حجز المواعيد لنا وإجراء حجوزات في المطاعم نيابة عنا.

 

يقدم Gmail الآن اقتراحات حول ما قد نريد كتابته في بريدنا، وتبرز لنا أخبار Google الآن مقالات تعتقد أنها ذات صلة بنا شخصيًا. المشكلة هنا أن كل هذا يغنينا عن الحاجة إلى التفكير واتخاذ القرارات بأنفسنا، فغوغل حرفيا اليوم تملأ الفجوات في عملياتنا المعرفية، وبالتالي تملأ الفجوات في أذهاننا، وهكذا تتآكل الخصوصية العقلية والقدرة على التفكير بحرية بسبب ذلك.

   

undefined

   

الإدمان أم التكامل؟

ثانيًا: لا يبدو أنه أمر جيد لعقولنا أن تمتد عبر الإنترنت. أحد الأمور الداعية للقلق بشكل متزايد هو ما يسمى "إدمان الهواتف الذكية" الذي لم يعد مشكلة غير شائعة. وفقًا للتقارير الأخيرة، فإن ​​مستخدم الهاتف الذكي في المملكة المتحدة يتحقق من هاتفه كل ١٢ دقيقة في المعدّل. هناك مجموعة كاملة من التأثيرات النفسية السيئة التي يمكن أن يحدثها ذلك ونحن فقط بدأنا الآن في فهمها، وقد يكون الاكتئاب والقلق هما أبرز هذه التأثيرات.

 

لكن كلمة "إدمان" هنا هي مجرد كلمة أخرى للتكامل والامتداد الذي ذكرناه أعلاه. يبدو أن السبب في أن الكثير منا يجد صعوبة في وضع هواتفنا الذكية جانبا هو أننا قمنا بدمج استخدامها في عملياتنا المعرفية اليومية. فنحن عندما نقوم باستخدامها فإننا نقوم حرفيا بالتفكير من خلالها، وبالتالي لا عجب أنه من الصعب التوقف عن استخدامها، إذ إن التخلص من هاتفك الذكي فجأة هو أمر شبيه بإزالة جزء من دماغك. بدلا من ذلك، ولكسر الإدمان / التكامل واستعادة صحتنا العقلية، يجب علينا أن نتعلم أن نفكر بشكل مختلف، وأن نستعيد عقولنا.

  

——————————————

ترجمة (كريم طرابلسي)

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان