شعار قسم ميدان

تطبيقات الهواتف الذكية.. هل سنشهد عصر نهايتها؟

ميدان - التطبقات

لا يعتمد نجاح المشاريع الناشئة -بنسبة كبيرة- على قوّة الفكرة، ولا على قوّة تنفيذها، فتوقيت طرحها يلعب دورا مهما(1). "ستيف جوبز" ركب موجة تطوّر أنصاف النواقل والشرائح الإلكترونية وبدأ بإنتاج حواسب شخصية. أما "بيل غيتس" فهو تنبّه إلى ضرورة وجود نظام تشغيل وبرامج للاستفادة من تلك الحواسب. في وقتنا الراهن، ومع مرور عشر سنوات منذ ظهور متاجر التطبيقات، يعتقد البعض أن عصر التطبيقات ونجاحها شارف على الانتهاء، ويحتاج روّاد الأعمال إلى ترقّب الموجة القادمة، لأن الحالية في طور الركود، إلا أن الواقع لا يدل على ذلك أبدا.

 

افتراضات

خلال الأعوام القليلة الماضيّة، بدأت المُساعدات الرقمية التي تعتمد على الصوت كوسيلة إدخال بالانتشار على نطاق واسع، فما أن قدّمت شركة أمازون مُساعد "إيكو" (Echo) المنزلي، حتى بدأت الشركات الواحدة تلو الأُخرى في إطلاق أجهزة من الفئة نفسها. ومن هنا، فإن الجميع افترض أن الصوت هو الصيحة التقنية القادمة التي ستطغى على الشاشات اللمسية بعد مرور أكثر من عقد على وجودها في السوق.

  

تلك الفرضية دُعمت بعد ظهور الساعات الذكية التي أصبحت بشاشات أصغر، متبوعة بالنظّارات الذكية التي تحمل أيضا شاشة صغيرة، ليؤكّد البعض أن الصوت هو أفضل وسيلة لاستخدام تلك الأجهزة لأن لمس الشاشة الصغيرة سيكون صعبا وغير عملي مع مرور الوقت.

     

undefined

   

وعلاوة على ما سبق، يرى البعض أن موجة التطبيقات ومتاجرها، وبسبب ركوبها من قِبل ملايين الأشخاص، لم تعد تتسع للمزيد، فهناك تطبيق لكل فكرة تخطر على البال في الوقت الراهن، ولا يفصل بين رائد الأعمال وبين فقاعة أحلامه سوى بحث بسيط داخل المتجر الذي سيحمل فكرة مُشابهة بكل تأكيد.

  

المُستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال بدورهم حوّلوا أنظارهم نحو تقنيات المُستقبل كالقيادة الذاتية، "بلوك تشين" (Blockchain)، بالإضافة إلى التعلّم الذاتي للآلة والذكاء الاصطناعي. ولأن هذا النوع من المشاريع حديث العهد، فإنه يحظى بتغطية إعلامية وانتشار أوسع من أي تطبيق جديد يصل إلى المتجر حاليا، حتى لو كانت فكرته ثورية ورائدة ولا مثيل لها. رياح التغيير موجودة بالفعل. لكن هذا لا يعني أبدا أن نجاح أي شركة تقنية، بفكرة جديدة تعتمد على تطبيق للأجهزة الذكية، مُستحيل أو صعب في الوقت الراهن. حتى إن فرصة نجاحها تكاد تكون أكبر مما كانت عليه في السابق لأسباب عديدة.

 

العصر الذهبي

عندما بدأ روّاد الأعمال، على شاكلة "جاك دورسي" (Jack Dorsey) أحد مؤسّسي تويتر، أو "براين تشيسكي" (Brian Chesky) أحد مؤسّسي "إير بي إن بي" (Airbnb)، في تطوير تطبيقاتهم قبل عشر سنوات، كان من الصعب العثور على موجّه (Mentor) لمُساعدتهم على النهوض في شركاتهم لأن هذا النوع من التجارب كان حديث العهد نوعا ما، وكان أصعب بالنسبة لأشخاص مثل "زوكربيرغ" الذي أسّس فيسبوك في عام 2004. لكن، ومع الكم الهائل من الشركات الناشئة الفريدة (Unicorn) في الوقت الراهن، يُمكن لأي رائد أعمال جديد الاستفادة من خبرات التجارب السابقة سواء عبر توجيه مباشر منهم، أو من خلال الاستفادة من الكتب التي تتناول مسيرة واحدة من تلك الشركات.

  

وبالحديث عن مشاريع مثل "فيسبوك" أو "تويتر"، أو حتى "إنستغرام" و"واتس آب"، فإن القائمين عليها اضطروا في ذلك الوقت إلى تطوير البنية التحتيّة بشكل شخصي، أي كتابة برامج لتنظيم تدفّق البيانات من، وإلى، الخوادم لضمان عمل التطبيق بأفضل شكل مُمكن، دون نسيان تطوير خوارزميات خاصّة للبحث، أو بثّ المحتوى، وهذا كُلّه دون الحديث عن التطبيق ذاته الذي سيتم استخدامه من قِبل مُستخدمي الأجهزة الذكية.

    

   

اليوم، وبفضل مُزوّدات التخزين السحابي، على غرار (AWS) من أمازون، و(Firebase) من غوغل، و(Azure) من مايكروسوفت، يُمكن للمُطوّرين الحصول على خادم مرن قادر على ضبط موارده بشكل آلي بحسب نِسب الاستخدام. وبالقليل من الأسطر البرمجية، يُمكن إنشاء تطبيق بنظام قوي لتسجيل الدخول، أو حتى تخزين البيانات وتحديثها بشكل آني عند جميع المُستخدمين، وهذا يعني تكلفة ماديّة أقل من جهة، وجهدا أقل من جهة أُخرى.

 

الهواتف الذكية باقية

بالنظر إلى مشاريع مثل إنستغرام وفيسبوك، أو سناب شات، فإنها لم تأتِ لحل مُشكلة كبيرة يُعاني المُجتمع منها، أي إنها لم تأتِ لتلبية حاجة موجودة يبحث الجميع عن حل تقني لها. لكن مع مرور الوقت، ومع تعقّد الحياة اليومية، كان لا بُد من تقديم حلول تقنية للحد من المشاكل الكبيرة، فظهور أكثر من متجر إلكتروني خلق مُشكلة تكمن في ضرورة تفقّد كل متجر على حدة قبل إتمام الطلب لضمان الحصول على أفضل سعر. هذا بدوره يعني فرصة لمشروع جديد يقوم بمُقارنة الأسعار في جميع المتاجر وعرضها للمُستخدم في مكان واحد، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

  

وبعدما ظهرت أجهزة تقنية جديدة وخدمات يحتاج المُستخدمون إلى الدفع لقاء الحصول عليها، كان لا بُد من توفير وسائل للحصول على دخل إضافي للفرد، ومن هنا خرجت منصّات التوظيف عن بُعد أو البحث عن أصحاب المهن للقيام بمهام مأجورة. الاعتماد اليومي على التقنية خلال العقد الأخير فتح المجال أمام أفكار لمشاريع جديدة يُمكن تطويرها في الوقت الراهن بالاعتماد على تقنيات المُستقبل التي يرصدها الجميع، كالتعلّم الذاتي للآلة.

  

مثال آخر على ضرورة وجود حل لمُعالجة مُشكلة أوجدتها التقنية يتمثّل في خدمات الترجمة الفورية، فالكثير من التطبيقات تُتيح وجود وسيط للترجمة بين السائح وبين شخص ما في بلد أجنبي، بحيث ينقل الوسيط رغبة السائح ويُترجم إجابة الشخص. لكن بسبب كثرة التطبيقات من جهة، وضرورة وجود تفاعل حقيقي على أرض الواقع بين البشر من جهة أُخرى، خرجت تطبيقات تُتيح طلب المُترجم لمُصاحبة السائح للترجمة.

   

   

أخيرا، وبالعودة إلى الهواتف الذكية والشاشات العاملة باللمس، فإن هذا النوع من الأجهزة باقٍ ولن يختفي، فالشركات تتجه أولا لإنتاج هواتف بشاشات أكبر وبتقنيات عرض ثورية، أي إنها ما زالت تستثمر في هذا المجال. بعض الشركات مثل سامسونغ ذهبت لما هو أبعد من ذلك عبر تقديم هاتف ذكي بشاشة قابلة للطيّ، أي إن الهاتف يُمكن تحويله إلى حاسب لوحي أيضا. حتى المُساعدات الرقمية التي قيل إنها جاءت لإحلال عصر الصوت قامت بإدخال شاشات تعمل باللمس نظرا لطلبها من قِبل المُستهلكين من جهة، ولأهمّيتها من جهة أُخرى.

  

الخبرات البشرية تراكُمية، وكذلك هو الأمر بالنسبة للتقنية التي مهما تطوّرت ستبقى تعتمد على نظام العد الثنائي، الصفر والواحد، لتمثيل البيانات إلى أن تُصبح الحواسب الكمومية جاهزة لاستبدالها. التطبيقات ومتاجرها أيضا لن تختفي بين ليلة وضحاها، فتطبيقات مثل أوبر تعتمد على التعلّم الذاتي لتوقّع فترات الازدحام، كثافة سيّارات الأُجرة والطلبات خلال وقت ما، وهذا يعني تداخلا بين التقنيات الحالية والمُستقبلية. وهنا لم نتحدث عن تطبيقات الواقع المُعزّز (AR) وتطوّر الكاميرات والشاشات في الأجهزة الذكية، وهذه موجة جديدة لم يبدأ ركوبها بالشكل الأمثل بعد.

المصدر : الجزيرة