"ويلي 7".. التحكم بالكراسي المتحركة بابتسامة فقط
أخذت تقنية التعرّف على الوجه (Facial Recognition) منحى الاستخدامات الأمنية فقط، فهي استُخدمت في الهواتف الذكية للتأكّد من هوية المُستخدم، ومن قِبل الوكالات الأمنية لكشف الكذب من خلال تعابير الوجه، كما تسبّبت بإحراج كبير للحكومة الصينية بعدما أرسلت مُخالفة لمواطنة صينية تظهر صورتها على عربة نقل ظنّا منها أنها تقوم بقطع الشارع بشكل عشوائي(1). لكنّ الباحثين في البرازيل كان لهم رأي آخر بعدما نجحوا في تطوير نظام يُتيح التحكّم بالكراسي المُتحرّكة عبر الابتسام فقط.
تنبّه الدكتور "باولو بنهييرو" (Paulo Pinheiro) إلى القصور الموجود في الكراسي الموجودة حاليا بعدما شاهد فتاة على كُرسي مُتحرّك في أحد المطارات لا يُمكنها تحريك أقدامها وأرجلها، وتستعين بوالدها لهذا الغرض، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس شركة "هووبوكس" (HooBox) لتطوير تقنيات بديلة تُتيح لمثل هذه الحالة قيادة كُرسيها دون الحاجة إلى مُرافق طوال الوقت(2).
الصوت هو وسيلة فعّالة لمثل هذه الابتكارات، إلا أن الضجيج في الأماكن العامّة قد لا يجعله خيارا مُحبّبا للجميع. ومن هنا، قرّر الفريق الاعتماد على تقنيات التعرّف على الوجه وعلى الذكاء الاصطناعي لتطوير نظام يُتيح التحكّم بأي كُرسي مُزوّد بمُحرّكات وبتكلفة لا تزيد على 300 دولار أميركي في الشهر الواحد، وأهم ما يُميّزه هو عدم اعتماده على شبكة الإنترنت وإمكانية تشغيله على أي حاسب يعمل بمُعالج "آي 5" (i5) من إنتل، وهذا يعني أنه مُتاح تقريبا لجزء كبير جدا من الحواسب الحديثة، وهو متوافق كذلك مع 95٪ من الكراسي المُتحرّكة المتوفّرة في الأسواق(3).
جهود شركة "هووبوكس" التي تمتد لأكثر من عامين في هذا المجال نتج عنها "ويلي 7" (Wheelie 7)، وهو نظام يُمكن تثبيته على أي كُرسي مُتحرّك خلال سبع دقائق فقط، يعتمد على كاميرا "3 دي ريل سينس" (3D RealSense) من شركة إنتل، وعلى مجموعة من الخوارزميات من تطوير الشركة قادرة على التعرّف على تعابير وجه المُستخدم لتنفيذ مهام مُختلفة.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن درجة ميلان تلك الكاميرا لا تحتاج إلى أن تكون متوازية مع وجه المُستخدم، فحتى مع إزاحتها 60 درجة، تبقى قادرة على تحليل الوجه، وهذا يعني قابلية استخدام عالية طوال الوقت. أما عن آلية العمل، فبعد تثبيت الكاميرا على الكُرسي وربطها بالحاسب، يُمكن ضبط الإيماءات على حسب الرغبة، ليُصبح النظام بعدها جاهزا للاستخدام بشكل فوري ومُباشر(3).
تفعيل النظام، أو تعطيله، يتم عبر رفع الحاجب لمدة ثلاث ثوانٍ مُتتالية. كما قام الفريق سابقا بتطوير خوارزميات قادرة على معرفة دخول المُستخدم في حوار مع غيره من الأشخاص لتجنّب تنفيذ أي شيء أو تحريك الكُرسي، إلا أن شكاوى كثيرة دفعت بهذه الميزة خارجا أملا في تطويرها بشكل أكبر. لكن هذا لا يمنع النظام في الوقت الراهن من التعرّف على بعض العمليات التي تتسبّب في تغيّر ملامح الوجه كالسُعال أو العُطاس لتجنّب تنفيذ أي أمر.
ولم يُهمل الفريق أهمّية المُساعدات الرقمية، ولهذا السبب يدعم "ويلي 7" مُساعد أمازون الرقمي، "أليكسا" (Alexa)، للتحكّم بالأجهزة المنزلية الذكية عن طريق الأوامر الصوتية فقط، وبالتالي يُمكن للصوت ولإيماءات الوجه المُختلفة تنفيذ الكثير من المهام وتخليص المُستخدم من ضرورة الاعتماد على شخص آخر لتنفيذ مثل هذه المهام.
ولن يتوقّف فريق التطوير عند هذه الحدود فقط، بل يسعى إلى ما هو أبعد من ذلك، فإلى جانب إيماءات الوجه لتحريك الكُرسي، يتم العمل حاليا على نظام للكتابة وتكوين الجُمل عن طريق تعابير الوجه، وهو تحدٍّ كبير لأن الأنظمة الحالية توفّر مجموعة من الجُمل للاختيار من بينها. لكن فريق "ويلي 7" ينوي إتاحة الإمكانية لكتابة أي شيء دون قيود.
يتّجه العالم التقني بشكل عام إلى تطوير أنظمة لا تحتاج إلى تدخّل المُستخدم بشكل مُباشر، عن طريق الكتابة باستخدام لوحة المفاتيح أو لمس الشاشة لاختيار شيء ما، وهذا عن طريق مجموعة من التقنيات كالتعرّف على الصوت أو على حركة يد، أو رأس، المُستخدم. وتلك تقنيات موجّهة للجميع لا تأخذ الحالات الطبيّة بشكل خاص. إلا أن باحثين من جامعة "إم آي تي" (MIT) مثلا نجحوا في تطوير سمّاعة قادرة على تلقي أوامر المُستخدم الصوتية دون الحديث أساسا، وتلك تقنيات يُمكن أن تُفيد في بعض الحالات الطبيّة، ففاقدو حاسّة النطق بإمكانهم تنفيذ الأوامر الصوتية بفضل تلك السمّاعة.
باحثون آخرون قرّروا التوجّه لمصدر الأوامر سواء أكانت صوتية أم حركية، الدماغ، لقراءة السيّلات العصبية فيه، والتي هي عبارة عن شُحنات كهربائية، لفهم قصد الإنسان حتى لو كان يُعاني من مشاكل تمنعه من الحديث أو الحركة، فالتفكير لوحده يكفي(5)، لتنضم الآن تقنية التعرّف على الوجه إلى المجال الطبّي بتطبيق بسيط لا يحتاج إلى سنوات من الاختبار من جهة، ويُسهّل حياة الآلاف من جهة أُخرى.