شعار قسم ميدان

فضائح فيسبوك الجديدة.. خداع مستخدمي أندرويد وبيع البيانات لأعلى سعر

ميدان - فيسبوك

دخلت شبكة فيسبوك الاجتماعية عام 2018 وسعر سهمها يصل إلى 176 دولارا أميركيا، لتصل إلى مُنتصف العام والسعر يتجاوز 217 دولارا أميركيا على الرغم من القضايا والتسريبات التي طالتها. لكن اليوم، وعلى بُعد أمتار قليلة من نهاية 2018، هبط سعر السهم إلى قيمة تترنّح بين 130 و140 دولارا أميركيا، وهذا بسبب تسريبات جديدة أشد قسوة من تلك التي طالتها في النصف الأول من العام ومرّت مرور الكرام بشكل أو بآخر(1)(2).

جشع النمو

في وقت كانت تنمو فيه شبكة فيسبوك كالنار في الهشيم، عمل "مارك زوكربيرغ"، المؤسّس والرئيس التنفيذي، على إيجاد أفضل الوسائل لضمان استمرار هذا النمو أيا كان الثمن، سواء أكان ماديا أو على صعيد المُستخدمين. ومن هنا، بدأ بتبادل سلسلة من الرسائل البريدية مع بعض المسؤولين في الشبكة لمُناقشة الأفكار التي يُمكن تطبيقها على أرض الواقع(3).

  

 
تلك الرسائل خرجت للعموم على يد برلمان المملكة المُتحدة على خلفية قضية احتكار رُفعت ضد فيسبوك من قِبل أحد المُطوّرين، وتفضح الكثير من النقاشات التي لا تقف في صف الشبكة الاجتماعية التي دائما ما تُنكر أي اتهامات تواجهها، وتعود للاعتذار إذا ما خرجت وثائق تُثبت عكس ذلك، لتلعب بذلك على وتر المُتهم بريء حتى تثبت إدانته.

 

في 2012، أو عصر النمو، فكّرت فيسبوك جديّا في فرض رسوم على المُطوّرين الراغبين بالاستفادة من الواجهات البرمجية التي توفّرها الشركة، وتلك واجهات تُتيح لأي شخص توفير إمكانية تسجيل الدخول باستخدام حساب فيسبوك في تطبيقه، أو الحصول على بعض البيانات الشخصية التي يُشاركها المُستخدم، دون نسيان قائمة أصدقائه التي كانت سببا من أسباب فضيحة "كامبريدج آناليتيكا" (Cambridge Analytica).

 

حوار "زوكربيرغ" المُسرّب كان حول رغبته في منع التطبيقات من الوصول إلى بعض بيانات المُستخدمين الخاصّة رفقة البريد الإلكتروني، ليعود في الرسالة نفسها ويُشكّك في احتمالية تسريب تلك البيانات ونقلها من مُطوّر للآخر. هذا الحوار كان بالأساس جزءا من فكرة لفرض رسوم على المُطوّرين الراغبين بالحصول على تلك البيانات الشخصية. ولتشجيع استخدامها، يُمكن للمُطوّر الحصول على نقاط أكثر كُلّما استخدم منصّة فيسبوك الإعلانية لنشر إعلاناته، وهي نقاط ستُخوّله فيما بعد لدفع رسوم استخدام تلك الواجهات البرمجية. بمعنى آخر، فكّرت فيسبوك في توفير صلاحيات أكثر للمُطوّرين الذين يقومون بنشر إعلانات أكثر، إلا أن تلك الفكرة لم تر النور أبدا وحافظت فيسبوك على مجّانية استخدام الواجهات البرمجية حتى يومنا الحالي.

 

وما هي سوى أشهر قليلة حتى اكتشفت فيسبوك أمر التطبيق الذي باع بيانات مُستخدميه لمؤسّسة "كامبريدج آناليتيكا"، ليكون اعتقاد "زوكربيرغ" خاطئا في عدم وجود احتمالية لبيع البيانات من مُطوّر للآخر.

صلاحيات من تحت الطاولة

وعلى الرغم من التغييرات الكبيرة التي قامت بها فيسبوك على مُستوى وصول التطبيقات إلى بيانات المُستخدمين، فإن أساليبها المُلتوية كانت حاضرة وبقوّة، تارة مع الشركات وتارة أُخرى ضدّهم، دون وجود سياسة واضحة تتعامل فيها مع الجميع.

 

بحسب المُستندات، المأخوذة أساسا من مُحادثات جرت بين مسؤولين في الشبكة، استمرّت فيسبوك في منح بعض التطبيقات، مثل "ليفت" (Lyft) و"إير بي آن بي" (Airbnb) إضافة إلى "نتفليكس" (Netflix)، صلاحيات للوصول إلى قائمة الأصدقاء الخاصّة بالمُستخدم، على الرغم من إيقافها لهذا الأمر قبلها بفترة. أما التبرير الرسمي للشركة فكان حرصا منها على ضمان عمل تلك التطبيقات -على سبيل المثال لا الحصر- بالصورة الأمثل، لأن بعض الخصائص فيها تعتمد على تلك الواجهات البرمجية.

 

وأضافت الشبكة قائلة إن الإغلاق التدريجي هو الأمر الذي كانت تتبعه مع تلك الشركات، فهي عوضا عن قطع الوصول بشكل كامل، قامت بتخفيف حجم البيانات التي تحصل عليها أولا، لتتمكّن تلك الشركات من تعديل تطبيقاتها لتتوافق مع النظام الجديد، وهذا ما يُعرف بالنسخ التجريبية (Beta) حسبما ذكرت فيسبوك في تدوينتها الأخيرة(4)(5).
   

 

إلى هنا يُمكن أخذ تلك النقاشات بحُسن نيّة، فالشبكة لا ترغب في التسبّب في مشاكل لتطبيقات كبيرة بحجم "إير بي آن بي" مثلا. لكن ما قامت به قبل ذلك مع شبكة تويتر وتطبيق "فاين" (Vine) يُظهر عدم احترام سياسة واتفاقية الاستخدام المنشورة في مركز المُطوّرين.

 

وصل تطبيق "فاين" إلى متجر التطبيقات يوم 24 يناير/كانون الثاني من عام 2013. وفي اليوم نفسه أرسل أحد المسؤولين في فيسبوك رسالة لـ "زوكربيرغ" يُخبره فيها بأن تويتر قامت بإطلاق تطبيق يُتيح تسجيل مجموعة من مقاطع الفيديو ونشرها بطول 6 ثوانٍ فقط. مُضيفا أنهم سيقومون بحظر صلاحيات وصول التطبيق إلى إحدى الواجهات البرمجية، كما سيقومون بتجهيز بيان رسمي للرد على أي احتجاجات إن حصلت. رد "زوكربيرغ" كان مُختصرا ووافق على العملية دون طرح أي أسئلة، الأمر الذي يُظهر مُمارسة احتكارية نوعا ما، فالشبكة إما أن تمنح وصولا بالتساوي للجميع لتلك الوجهات، وإما أن تحظرها.

التحايل على مُستخدمي أندرويد

لم يكن احتواء المُستندات على أدلّة تُثبت جمع شبكة فيسبوك لسجل المُكالمات والرسائل الخاصة بمُستخدمي نظام أندرويد أمرا مُستغربا، فتلك تفاصيل سبق وأن خرجت للعموم منذ أشهر عديدة، برّرت الشبكة الاجتماعية موقفها وقتها بأهميّة تلك البيانات لتحسين الخوارزميات وتقديم اقتراحات للاتصال بالمُستخدمين، أو للعثور على أصدقاء جُدد. إلا أن التفاصيل الجديدة تمحو من جديد تلك الصورة البريئة التي دائما ما تحاول الشبكة رسمها(6).

 

دار حوار عبر البريد الإلكتروني بين فريق النمو والفريق المسؤول عن العلاقات العامّة، فمُدير المشروع حاول العثور على نقطة التقاء بين الفريقين لتجنّب أي ضجّة إعلامية قد تُسبّبها الميزة الجديدة التي ستقوم بجمع سجل المُكالمات والرسائل من مُستخدمي نظام أندرويد. أجراس الخطر سُرعان ما توقّفت بعدما تمكّن فريق التطوير من العثور على طريقة لتجنّب رسالة تأكيد الصلاحيات التي يعرضها نظام أندرويد للمُستخدمين عند تثبيت تطبيق جديد، أو تحديثه، وبالتالي الوصول لسجل المُكالمات دون الحاجة إلى إظهار هذا الأمر في تلك الرسالة.
  

الرسائل تؤكّد أن الشركة ستعرض رسالة أُخرى داخل التطبيق لإخبار المُستخدم بهذا الأمر، مع زر للموافقة، وكأنها كانت تحاول العثور على طريقة أُخرى لتقديم الخبر الصادم دون أن يشعر المُستخدم أن هناك انتهاكا لخصوصيّته. ومن جديد، كانت حجّة فيسبوك حاضرة بقولها إن المُستخدم هو من يوافق على مُشاركة السجل والرسائل مع إمكانية الانسحاب في أي وقت يرغب به.

 

وبالمثل، عادت قضيّة تطبيق "أونافا في بي إن" (Onavo VPN)، للواجهة من جديد، وهو تطبيق يوفّر شبكة افتراضية خاصّة مهمّتها حماية هوية وبيانات المُستخدم أثناء التصفّح، إلا أن القائمين على التطبيق قاموا بجمع البيانات مثل عادات المُستخدم والتطبيقات التي يقوم باستخدامها مع تقديمها على طبق من ذهب لشبكة فيسبوك التي أكّدت أن الهدف منها كان الحصول على إحصائيات لفهم عادات المُستخدمين وتحسين تجربة الاستخدام كذلك.

  

 

أما عن جمع البيانات، فتقول فيسبوك في بيانها الأخير إن مُشاركة تلك الإحصائيات كان أيضا طوعيا وكانت الرسالة التي تظهر عند تشغيل التطبيق لأول مرّة تُخبر الجميع بهذا الأمر مع التنويه إلى إمكانية إيقافه في أي وقت من داخل الإعدادات(4).

   

أسابيع قليلة تفصلنا عن نهاية العام الميلادي، وهو ما يعني مُشاركة جديدة من "زوكربيرغ" يُشارك فيها أهدافه في العام المُقبل، فبالنظر إلى هدفه في عام 2018 القائم على إعادة فيسبوك إلى طريقها الصحيح، وإلى التسريبات والفضائح التي نالت من الشبكة خلال هذا العام، يُمكن القول إن هدفه لم يكتمل، ليكون 2019 إما عاما للمُتابعة حتى النهاية، وإما عاما لتحويل التركيز لاتجاه آخر وكأن شيئا لم يكن.

المصدر : الجزيرة