شعار قسم ميدان

آليون كالبشر.. روبوتات تحاكي حركات الإنسان وتتفوق عليها

midan - روبوت

لم يُخطئ "نيلسون مانديلا" عندما قال إن أي فكرة على الورق تبدو مُستحيلة إلى أن يتم تنفيذها، وشركة "بوسطن دايناميكس" (Boston Dynamics)، المُتخصّصة في مجال تطوير الرجال الآليين، أفضل من ينطبق عليه هذا القول بالنظر إلى أسطول الرجال الآليين الذي قامت بتطويره خلال الأعوام الماضية.

 

بوسطن دايناميكس

من النادر أن تقوم شركة بحجم غوغل في التفريط بأي شركة فرعية بسهولة، فأخبار الاستحواذات التي تقوم بها الشركة تطغى على الأخبار التي تتناول التسريحات أو إيقاف المشاريع الحالمة، إلا أن علاقتها مع "بوسطن دايناميكس" لم تكن كذلك للأسف.

 

في (يونيو/حزيران) 2017، أعلنت غوغل عن بيع "بوسطن دايناميكس" لمجموعة "سوفت بانك" (SoftBank Group)، وهذا بعدما استحوذت عليها في 2013 لتعمل داخل مُختبرات "إكس" (X) التي دائمًا ما تخرج منها مشاريع حالمة تُبهر العالم مثل "وايمو" (WAYMO) للسيّارات ذاتية القيادة على سبيل المثال لا الحصر(1).

  

   

أما تاريخ شركة تطوير الرجال الآليين فيعود إلى عام 1992 بعدما خرجت من مُختبرات جامعة "إم آي تي" (MIT) على يد رئيسها التنفيذي "مارك رايبرت" (Marc Raibert)، وتعاونت لفترة طويلة من الزمن مع وكالة الأبحاث الدفاعية في أمريكا، "داربا" (DARPA)، لتطوير رجال آليين يُمكن استخدامهم في المعارك والحروب كان أولهم "بيغ دوغ" (BigDog) القادر على تحمّل أعتى الظروف البيئية ليكون بذلك خيارًا جيدًا في المعارك طويلة الأمد، بما في ذلك الأراضي الموحلة والثلوج(2).

 

يزن "بيغ دوغ" 109 كيلوغرامات، بطول 1 متر تقريبًا، مع إمكانية حمل 150 كيلوغرام، قامت الشركة بتزويده بأربعة أرجل بـ 16 مفصل، ليُحافظ على توازنه بشكل دائم حتى عندما يتعرّض لصدمات أو لركلات مُباشرة، وهو قادر على السير بسرعة 10 كيلومتر في الساعة، وصعود المُنحنيات بزاوية 35 درجة أيًا كان نوع التربة. ويعتمد الرجل الآلي العسكري على كاميرات ومُستشعرات ضوئية لتجنّب العوائق والتعامل معها بطريقة عقلانية اعتمادًا على حاسب يُنظّم عمل جميع المُستشعرات.

  

   

سبوت ميني

ركّزت الشركة على تصاميم رجالها الآليين بشكل كبير ليظهروا بشكل يُمكن للمستخدمين تقبّله دون فزع، وهذا يظهر بوضوح في النماذج الأولى لـ "سبوت ميني" (SpotMini)، والنماذج الأخيرة الصادرة مع نهاية 2017 وبداية 2018.

  

في 2016، استعرضت الشركة أول نموذج لـ "سبوت ميني" الذي كان يبدو كزرافة صغيرة بأربعة أرجل وبرقبة طويلة في نهايتها يد يُمكنها القيام ببعض الأمور، بحيث تضمن الأرجل توازن دائم للرجل الآلي، بينما تقوم اليد مثلًا بحمل طبق ما، أو بإزاحة الطاولة من نقطة إلى نقطة أُخرى. لكن ومع حلول الربع الأخير من 2017، كشفت الشركة عن الجيل الجديد الذي تنوي طرحه في الأسواق، والذي بدا وكأنه مُحاكاة للرجال الآليين داخل أفلام شركة "ديزني"(3).

  

 

حمل الجيل الجديد أطراف صفراء اللون مع حركة سريعة وسلسة ليبدو وكأنه حيوان حقيقي يتنقّل في المنزل أو الحديقة. كما زوّدت واحد من الإصدارات بكاميرات على الرأس، وزوّدت آخر بيد للقيام ببعض الأمور. وتجدر الإشارة هنا إلى أن "سبوت ميني" يعمل بالكهرباء ببطارية تدوم ساعة ونصف تقريبًا.

 

وكان آخر ما نشرته الشركة بخصوص هذا الطراز هو التعاون بين الإصدارات المُختلفة، فالأول الغير مزوّد بيد فشل في فتح الباب، ليأتي رجل آلي ثاني مزوّد بيد للقيام بهذه المهمّة، الأمر الذي يعني أن نظام الاستشعار والتواصل بين أولئك الرجال فعّال ويُثبت جدارته يومًا بعد يوم، كيف لا والرئيس التنفيذي للشركة يعتبر أن أهميّة الرجال الآليين ستتجاوز أهمّية شبكة الإنترنت في المُستقبل.

   

   

هاندل

لم ترى "بوسطن دايناميكس" أية عوائق في الخروج عن النصّ وفي ابتكار شكل جديد من أشكال الرجال الآليين بعدما زوّدت "سبوت ميني" بطرف إضافي إلى جانب الأطراف الأربعة، فطالما أنه يخدم الفكرة ويُسهّل من قيام الروبوت بالمهام، لا يحتاج مُهندسو الشركة لمُحاكاة الإنسان والحيوانات بشكل دائم.

 

"هاندل" (Handle) جاء بنفس المنطق أيضًا، وهو رجل آلي بأربعة أطراف اثنين تنتهي بعجلات للانتقال بسرعة كبيرة تصل إلى 15 كيلومتر في الساعة(4). كما يُساعد وجود المفاصل على القفز من/إلى المُرتفعات بسهولة تامّة، مع إمكانية ضبط التوازن عندما تكون هناك عوائق فردية يتعرّض لها طرف دون الآخر.

 

بناءً على ما سبق، يُمكن للرجل الآلي القيام بمهام مُختلفة كنقل حمولة بوزن 50 كيلوغرام باستخدام اليدين، مع استخدام العجلات للانتقال بسرعة. كما يُمكن أن يستخدم الأطراف الأربعة مع تجاهل العجلات، ليُحاكي بذلك النماذج السابقة التي نجحت الشركة في تطويرها منذ سنوات عديدة.

   

   

أطلس الرياضي

حاولت الشركة منذ النماذج الأولى لرجالها الآليين التركيز على التوازن بشكل رئيسي، أي أن يكون الروبوت قادرًا على ضبط توازنه طوال الوقت، ولهذا السبب لجأت لاستخدام أربعة أرجل في مُعظم نماذجها. إلا أنها في أطلس (Atlas)، تحدّت كل شيء وقرّرت تقديم رجل آلي بالمعنى الحقيقي، روبوت بشكل إنسان له يدين وأرجل، قادر على التوازن طوال الوقت والنهوض بعد السقوط على الأرض.

 

يعمل أطلس بالطاقة الكهربائية كذلك، وهو مزوّد بمجموعة من المُستشعرات الضوئية على رأسه لرسم خارطة ثلاثية الأبعاد للمشهد المُحيط لتجنّب الحواجز والعوائق، إضافة إلى التفاعل مع الأشياء الموجودة أمامه. وبفضل بعض المُستشعرات الموجودة على الجذع والأرجل، يُمكن للرجل الآلي أن ينحني دون مشاكل، مع إمكانية حمل الكراتين ونقلها من مكان للآخر أيضًا.

    

    

وللاقتراب خطوة من المُستقبل الذي سيكون فيه للرجال الآليين دور أساسي، طوّرت الشركة نظامًا للتوازن، أفضل من ذلك الموجود عند بعض البشر، وهذا يظهر واضحًا بعدما نشرت فيديو لأطلس وهو يقوم بالقفز وبإتمام دورة عكسية 180 درجة بتوازن كامل، وكأنه رياضي مُتمرّس على القيام بهذا النوع من الحركات. وقبل هذا التمرّس، كان أطلس بالأساس قادرًا على التصدّي للصدمات التي يتعرّض لها حتى وإن سقط، فهو يقف على قدميه من جديد بالاعتماد على كلتا يديه، وكأنه طفل صغير في مراحل مشيه الأولى.

   

   

كل شي يبدأ من "داربا"

دائمًا ما صوّرت أفلام الخيال العلمي فكرة وجود رجال آليين قادرين على مُحاكاة البشر في مهامهم المُختلفة، والتفوّق حتى على البشر في بعض الأوقات والتعايش معهم على أنهم جزء أساسي وشريك في هذا الكوكب. إلا أن تلك الأفكار ما هي سوى وقود لفريق الأبحاث داخل وكالة الأبحاث الدفاعية في أمريكا، "داربا"، التي تُجري مُسابقة على نطاق عالمي لتطوير رجال آليين قادرين على اجتياز مجموعة مُختلفة من المهام.

 

يمتلك كل مُتسابق في المرحلة الأخيرة ساعة كاملة لإتمام ثمان مهام تقريبًا. المقصود بالمُتسابق هو الرجل الآلي والفريق المسؤول عن تطويره. أما المهام فهي تبدأ بقيادة سيّارة واجتياز بعض الحواجز، ثم النزول من السيّارة، ثم التوجّه للباب وفتحه من مقبضه، وهنا يتدخّل الفريق في حركة الرجل الآلي الذي وبعد دخوله من الباب يجب أن يقوم ببقيّة المهام بشكل آلي كإنشاء حُفرة في الحائط، أو فتح صنبور الماء، أو صعود الدرج.

 

ولا تهدف "داربا" من تلك الاختبارات لتعقيد المهام فقط، بل تسعى لتطوير رجال آليين يُمكن الاعتماد عليهم في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية لمحاولة إنقاذ البشر. كما أن استخدامات أُخرى قد تكون حاضرة، ولعل "بيغ دوغ" خير مثال على هذا الأمر.

   

  

لا تُعتبر "بوسطن دايناميكس" الوحيدة في هذا المجال، فشركة "شافت" (SCHAFT Inc)، التي استحوذت عليها غوغل(5)، تُعتبر من أبرز المُنافسين في هذا المجال، إلا أن نشاطها على الشبكات الاجتماعية رُبمّا محدود مُقارنة بالجهود التي تقوم بها شركة "بوسطن دايناميكس". وإضافة لما سبق، هناك مُختبرات "آي إتش إم سي" (IHMC Robotics)(6)، وتلك شركات كان لها دور فعّال في مُسابقة "داربا".

 

لم تعد فكرة العيش مع الرجال الآليين مُستهجنة أبدًا، خصوصًا أن مشاريع على نطاق أصغر مهّدت لها على غرار المُساعدات الرقمية التي جعلت الحديث مع الآلة أمر طبيعي يتعوّد عليه البشر مع مرور الوقت. ومع انتشار الرجال الآليين في بعض المطارات(7)، أصبح غزو الرجال الآليين -بالمعنى السلبي أو الإيجابي- لحياتنا اليومية مسألة وقت فقط لا غير.