شعار قسم ميدان

فيسبوك يجب أن تدفع لمُستخدميها.. وليس العكس!

midan - mark

خلال جلسة استجواب "مارك زوكربيرغ" التي جرت أمام أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، والتي استمرّت أكثر من تسع ساعات جرت على مدار يومين، أشار "زوكربيرغ" إلى أن النموذج الربحي الحالي لفيسبوك يقوم على الإعلانات بشكل كامل. لكن وإذا ما كان هذا الأمر يُغضب المُستخدم، فنموذج آخر قد يرى النور يُتيح للمُستخدم دفع اشتراكات شهرية لحذف بياناته ومنع الشبكة من استهدافه بالإعلانات(1).

   

بالنظر إلى بقيّة الشركات التقنية ونماذجها الربحية المُختلفة، فإن فيسبوك هي التي تحتاج للمُستخدم وليس العكس، وهي التي تحتاج لدفع مبالغ مالية لمُستخدميها عوضًا من أن يقوموا هم بهذا الأمر.

 

من خلف الكواليس

كشفت جلسة الاستماع وجود قصور، أو اختلاط للحقائق، عند مُعظم النوّاب الذين وجّهوا أسئلتهم لمؤسس شبكة فيسبوك، فالجميع يُدرك أن الشبكة الاجتماعية تحصل على ملايينها وتموّل مشاريعها من الإعلانات. لكن نظرتهم للأمر قائمة على أن المُعلنين لديهم صلاحيات للاطلاع على بيانات المُستخدمين بشكل مُجرّد، أي أنهم يستهدفون المُستخدم بالنظر إلى بياناته، وهذا أمر خاطئ تمامًا.

     

  

ليس دفاعًا عن فيسبوك. لكن ولتحرّي الحقيقة التقنية فإن فيسبوك توفّر تصنيفات مُحدّدة يُمكن للمُعلن اختيارها وهذا لتحديد نوع الشريحة المُستهدفة، فالمُعلن بإمكانه مثلًا إنشاء حملة إعلانية تستهدف المُستخدمين الذكور ضمن فئة عمرية تتراوح بين 19 إلى 25 سنة فقط من طُلاب الجامعات. درجة تعقيد تلك الأدوات تزداد أيضًا، إلا أن المُعلن لن يرى بيانات الأشخاص الذين ظهر الإعلان لهم إلا لو تفاعل المُستخدم مع ذلك الإعلان كتسجيل إعجاب عليه أو ترك تعليق، ففي هذه الحالة، المُستخدم هو من كشف عن هوّيته(2).

  

ومن هنا، فإن ما تقوم به فيسبوك بسيط جدًا قائم على تصنيف كل مُستخدم بناء على أصدقائه، والصفحات التي يُتابعها، إضافة إلى نوع المشاركات التي يتفاعل معها باستمرار، دون نسيان المُنتجات والمؤسّسات والكُتب والأفلام التي قام بتسجيلها ضمن أداة "الإعجاب" (Like) الموجودة في الصفحة الشخصية لكل مُستخدم. ومن هنا، فإن تلك البيانات لا تمر مرور الكرام أمام خوارزميات فيسبوك، بل تُساعد المُعلنين في استهداف المُستخدمين بدقّة أكبر لتحقيق أكبر استفادة مُمكنة من الحملة الإعلانية.

  

المعادلة السابقة تُظهر دور مُهمّش للمُستخدم، فالمُعلن يدفع نقودًا ليصل لشريحة أكبر، وفيسبوك تحصل على نقود المُعلن، بينما كان المُستخدم هو السلعة التي بيعت. لكن لـ "زوكربيرغ" رأي آخر، فهو أكّد أن المُشكلة ليست في الإعلانات أبدًا، فالمُستخدم لا ينزعج من ظهورها بقدر ما ينزعج من ظهور إعلانات لأمور لا دخل له بها. بمعنى آخر، البيانات التي يُقدّمها المُستخدم لفيسبوك تُساهم في إرضائه عبر عرض إعلانات تُلائم احتياجاته، ليكون الجميع فعلًا راضين، على الأقل، حسبما يرى "زوكربيرغ".

  

نماذج ربحية من العالم التقني

لا تمتلك بعض الشركات مُنتجًا حقيقيًا لبيعه، فآبل أو مايكروسوفت، أو حتى أمازون، هي شركات بمنتجات مع هامش ربح يسمح لها إعادة تدوير الأرباح لاستثمارها في مجالات جديدة للاستمرار في السوق. أما شركات مثل غوغل أو فيسبوك، أو حتى تويتر، فهي لا تمتلك مُنتج حقيقي، فالمُنتج هو خدمة، ولا يوجد أفضل من كتاب "بيع المخفي" (Selling the Invisible) الذي وصف هذا الأمر، فبيع الخدمات هو كبيع مُنتج لا يراه أحد(3).

     

   

تتنافس تلك الشركات في خدماتها عبر تقديم جودة لا مثيل لها، فغوغل طوّرت مُحرّك البحث، وفيسبوك طوّرت منصّتها الشهيرة، دون نسيان تطبيق "واتس آب" أو خدمة "دروب بوكس" لتخزين الملفات سحابيًا، وتلك خدمات لم تمتلك نموذج ربحي عند البدء. "دروب بوكس"، على سبيل المثال، وفّرت مساحات تخزين أكبر يحتاج المُستخدم للدفع لقاء الحصول عليها، وبالتالي تحقيق عائد مادّي لمُساعدتها على الاستمرار. لكن فيسبوك أو غوغل لم تجدا أفضل من الإعلانات كحل منطقي، ففرض اشتراك شهري للاستفادة من تلك الخدمات سيؤدّي للنفور بعيدًا عنها.

   

وإضافة للشركات السابقة، تأتي شركات مثل "سبوتيفاي" على سبيل المثال، الشركة التي توفّر بثّ المحتوى الصوتي حسب الطلب، فهي توفّر الخدمة مجانًا مع عرض إعلانات فيها، مع نسخة مدفوعة بدون إعلانات يحصل المُستخدم فيها على خدمات إضافية مثل تحميل قوائم التشغيل للعودة لها لاحقًا عند عدم وجود اتصال بالإنترنت. نفس الأمر قامت به يوتيوب مع خدمة "ريد" (RED)، فالمُشتركين فيها يحصلون على محتوى حصري من جهة، وعلى نسخة من يوتيوب بدون إعلانات من جهة أُخرى، أي أن هناك قيمة إضافية إلى جانب التخلّص من الإعلانات.

   

لكن فيسبوك غير الشركات السابقة، فهل ينفع استخدامها لنفس النموذج؟ هل ينفع أن تفرض الشركة اشتراكات شهرية للراغبين بحماية خصوصيّتهم وبعدم ظهور إعلانات لهم؟ أم أن السير في مثل هذا الطريق سيؤدّي للابتعاد عنها والذهاب للبدائل؟

       

    

الدفع للمُستخدمين

تعتمد مُعظم تطبيقات الإنترنت على المُستخدمين وبياناتهم كوقود أساسي لها، فالهدف الرئيسي هو جذب مُستخدمين جُدد لاستخدام التطبيق مع الحفاظ عليهم قدر الإمكان، أي أن دورة التطوير تقوم على هذا المبدأ بشكل رئيسي، وكُل شيء داخل التطبيق يُضاف لضمان هذا الأمر(4).

   

فيسبوك ليست باستثناء أبدًا، فهي في أمسّ الحاجة لقاعدة مُستخدميها التي تتجاوز حاجز الـ 2 مليار مُستخدم. ليس هذا فحسب، بل هي بحاجة أيضًا لتفاعل المُستخدمين ولإدخال بيانات جديدة باستمرار، وإلا فإن المُعلنين سيجدون في منصّات أُخرى ضالتهم، ولعل إعلانات غوغل وانتشارها الكبير أفضل مكان يُمكن للجميع التوجّه إليه. وانطلاقًا من هذا، سيجد المُستخدم أدوات جديدة تصل للشبكة الاجتماعية باستمرار، أدوات لطريقة التفاعل مع المُحتوى لا تقتصر على الإعجاب وترك التعليقات فقط، أدوات على غرار التصويت بشكل افتراضي للمُرشّح الرئاسي، أو تقييم الهيئات المسؤولة عن نشر الأخبار، أو حتى الفريق الذي يشجّونه في نهائي بطولة ما. ففي وقت تبدو فيه تلك الخطوات محاولة للتقرّب من المُستخدم، تعمل فيسبوك على جمع تلك البيانات بحيث يُمكن للمُعلن الاستفادة منها فيما بعد.

   

لكن التخلّص من الإعلانات لا يجب أن يتم عبر دفع المُستخدم لمبلغ مادّي لأن فيسبوك سوف تستفيد ماديًّا من طرفين، من المُعلنين من جهة، ومن المُستخدمين من جهة أُخرى، وسينتقل هدفها من تعزيز التواصل بين المُستخدمين إلى تحقيق أكبر قدر مُمكن من الأرباح تحت ذريعة تطوير منصّة تربط الجميع. لكن وعلى أرض الواقع، يُمكن للمُستخدمين التوجّه لخدمات أُخرى، "تيليغرام" لتبادل الرسائل الفورية وقراءة آخر الأخبار والاستفادة من البرمجيات الذكية (Bots)، وتويتر لمُشاركة الحالة والأفكار، وسناب شات لمُشاركة الحكايات، فما تُقدّمه اليوم ليس حصريًا أو لا توجد بدائل له.

   

ولا تحتاج فيسبوك للدفع لقاء بيانات المُستخدمين للإبقاء على المُستخدم ولإرضاء المُعلنين فقط، فهذا الهدف صغير جدًا أمام أهدافها المُستقبلية، فالمشاريع التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وعلى تعلّم الآلة تحتاج لبيانات جديدة باستمرار، بيانات تحصل فيسبوك عليها الآن مجانًا. لكنها لو فكّرت في الدفع للمُستخدمين ستضمن بيانات أنظف وأكثر مُلائمة للمُستقبل، بيانات تُقدّم للآلة للاستفادة منها بشكل حقيقي. ولا يخفى على أحد وجود مُساعد منزلي ضمن قائمة المُنتجات المُستقبلية للشركة، وهذا النوع من المُساعدات يتغذّى على بيانات المُستخدمين لتقديم إجابات أفضل باستمرار.

         

       

في 2018، تحتاج فيسبوك لمُستخدميها أكثر من أي وقت مضى لضمان مكان لها في المُستقبل، وعليها اتباع نماذج رابحة تقوم بها شركات تقنية كُبرى أثبتت نجاحها، فآبل مثلًا تُشارك مُطوّرو التطبيقات الأرباح الواردة من الإعلانات، ونفس الأمر تقوم بها منصّة مثل "ميديوم" (Medium). أما أمازون، فهي تحاول تقديم أفضل العروض على البضائع، وأفضل خيارات الشحن لإرضاء المُستخدم. "سبوتيفاي" في المُقابل، تُحاول إرضاء المُستخدم عبر توفير أحدث الألبومات الموسيقية فور صدورها مع ضمان تحسين جودة الخدمة باستمرار.

 

في جميع الأحوال، هناك قيمة مُضافة يحصل المُستخدم عليها عند الدفع لقاء خدمة ما على الإنترنت تتجاوز التخلّص من الإعلانات فقط. وعلى فيسبوك التمّعن بهذا النموذج فهي ليست فوق الجميع، والحاجة لها نظرية في ظل وجود بدائل، صحيح أنها ليست جاهزة بشكل كامل، إلا أن الاتجاه صوبها سيجعلها أفضل، وتطبيق "تيليغرام" خير مثال على هذا الأمر بعدما نجح في اكتساب ملايين المُستخدمين خلال ساعات قليلة عندما توقّف "واتس آب" عن العمل(5).

  

واقع فيسبوك تغيّر كثيرًا بعد فضيحة تكتّمها على تسريب بيانات أكثر من 87 مليون مُستخدم في أمريكا. وأعضاء الكونغرس الأمريكي أشاروا أكثر من مرّة لنجاح النموذج الأوروبي في تشريع خدمات وتطبيقات الإنترنت(6)، النموذج الذي إن تم اعتماده في أمريكا، فإن فيسبوك ستتغيّر بشكل كبير جدًا وستُسحب منها تلك الحرّية المُطلقة التي تمتّعت بها على مدار عقد ونيّف من الزمن. وبغض النظر عن النموذج المُتّبع، فإن تشريعات قادمة لا محالة لتنظيم عمل مثل هذه التطبيقات، تشريعات قد تحد من دور فيسبوك ومن سيطرتها لتُعطي فرصة لشبكات وتطبيقات أُخرى، فمُجرّد اعتبار "زوكربيرغ" تويتر كشبكة مُنافسة رفع سعر سهمها إلى 29.98 دولار أميركي.، فما الذي سيحدث لو تم تشريع المُنافسة والخدمات التي تُقدّمها تلك الشركات؟