شعار قسم ميدان

لماذا تسعى الحكومات والأجهزة الأمنية لمحاربة "أندرويد"؟

midan - android
تعرّضت شركة غوغل على مدار الأعوام الماضية لكمّية لا حصر لها من الانتقادات نتيجة للحرّية الكبيرة التي يوفّرها نظام أندرويد التي جعلته مقصدًا للمُخترقين والبرمجيات الخبيثة. لكن تلك الحرّية، في ظل تزايد الضغوط والتدخّلات الحكومية، قد تكون فرصة ذهبية للنظام لتضييق الخناق على آبل التي يُعاني نظامها "آي أو إس" (iOS) على أكثر من صعيد.

 

قيود التحميل من المتجر

منذ اللحظة الأولى لوصول متاجر التطبيقات إلى أنظمة تشغيل الهواتف الذكية سعت كل من آبل وغوغل إلى إجبار المُستخدمين على التحميل منها فقط لأكثر من غاية من بينها الأمان وضمان الحصول على عائدات من المُطوّرين والمُستخدمين على حد سواء. في" آي أو إس"، أغلقت شركة آبل جميع الأبواب واستخدمت أكثر من أداة داخل نواة النظام لمنع تحميل التطبيقات من خارج المتجر، ليُصبح الحل الوحيد أمام مُستخدمي أجهزة آبل الذكية هو القيام بعملية" جيل بريك"(Jailbreak)، الأمر الذي لا يُمكن ضمان نتائجه لأنه يستغل ثغرات أمنية في نواة النظام ويمنح المُستخدم صلاحيات كاملة قد تُساهم في اختراقه فيما بعد.

          

غوغل في المُقابل، ولأنها تسير عكس آبل، قرّرت عدم تقييد تجربة استخدام نظام أندرويد وفتحه أمام جميع الخيارات، فإلى جانب متجر التطبيقات الرسمي،" غوغل بلاي"(Google Play)، سمحت غوغل لشركات مثل أمازون أو سامسونغ توفير متاجرهم الخاصّة كخيار آخر خصوصًا في الدول التي لا يُمكن لمُستخدميها الاستفادة من خدمات غوغل نتيجة للعقوبات الدوليّة. وإلى جانب تلك المتاجر الرسميّة، تتوفّر متاجر أُخرى بنفس الجودة. كما يُمكن للمُستخدم تحميل أي تطبيق من أي موقع طالما أنه بلاحقة APK، اللاحقة الرسمية المُعتمدة في نظام أندرويد، وهذا بعد تفعيل خيار التحميل من خارج المتجر في إعدادات الأمان داخل نظام أندرويد(1).

   

وبهذا الشكل، كان نموذج المتجر الحل الأمثل الذي حاولت شركة مايكروسوفت على سبيل المثال تقليده في ويندوز 10، فتوفير بيئة للمُطوّرين والمُستخدمين أمر مُفيد على أكثر من صعيد، خصوصًا المادّي. لكن دوام الحال من المُحال، والكثير من التغييرات طرأت في الآونة الأخيرة، وهو ما قد يعصف بمتاجر التطبيقات أولًا، وبقيود شركة آبل ثانيًا.

      

  

التشفير الكامل

سعت الكثير من الشركات التقنية خلال الأعوام الأخيرة إلى تغيير أنظمة الحماية المُستخدمة، خصوصًا تلك التي تقوم بتطوير تطبيقات للمحادثات الفورية وتبادل البيانات بين المُستخدمين، والتي عادة ما تكون هدفًا ومقصدًا للوكالات الأمنية والحكومات التي ترغب في تتبّع ورصد بعض المطلوبين أو المُتّهمين.

 

قدّم تطبيق" سيغنال"(Signal) للمحادثات الفوريّة نظام كامل للتشفير يمنع معرفة محتويات الرسائل عند وجود اختراق أو تجسّس، فمفاتيح فك تشفير الرسالة موجودة فقط على أجهزة المُرسل والمُستقبل، ولا يُمكن للمُتطفّلين (Man-in-the-Middle)، فك التشفير إلا فيما ندر. أثبت نظام "سيغنال" جدواه ليندفع المسؤولون عن "واتس آب" لاستخدام نفس النظام جنبًا إلى جنب مع مسنجر من فيسبوك و"آلو" (Alo) من غوغل(2). أما" تيليغرام"، فالقائمين عليه قرّروا تطوير نظامهم الخاص، وهو الطريق ذاته الذي سلكته آبل في خدمة" آي مسج"(iMessage).

 

اشتكت الكثير من الجهات الحكومية من تلك الأنظمة من مبدأ أنها تمنح الخارجين عن القانون فرصة لا تُعوّض، فرسائلهم لا يُمكن تعقّبها، وبالتالي لا يُمكن رصد الهجمات الإرهابية أو اكتشاف المؤامرات التي يُحاك لها بسهولة تامّة. ولم يقف الأمر عند الشكاوي فقط، بل اتّجهت بعض الوكالات الأمنية -في الدول المُتقدّمة- لدور القضاء لإجبار الشركات التقنية على توفير أبواب خلفية أو أدوات لفك التشفير وقراءة البيانات(3)(4).

     

    

الحكومة الصينية بدورها لم تتّبع نفس البروتوكولات المُستخدمة في أمريكا، بل أمهلت الشركات التقنية فترة لتخزين البيانات في خوادم موجودة جغرافيًا فيها، وإلا فإن الحظر قد يكون مصير تلك الشركات وخدماتها، الأمر الذي أجبر شركة بحجم آبل على تقديم مثل هذا التنازل في وقت سابق ونقل بيانات المُستخدمين الصينيين إلى خوادم تُديرها بالتعاون مع شركة صينية مُتخصّصة في مجال التخزين السحابي. وهذا يعني بشكل أو بآخر تحكّم أكبر فازت به الحكومة هناك.

    

القبضة الحديديّة

لم يكن تدخّل الحكومة الصينية، وقيودها على شركة آبل، وليد اللحظة أبدًا، فالحكومة أجبرت آبل في وقت سابق على إزالة بعض التطبيقات من المتجر لأنها لا تتوافق مع الأنظمة والقوانين هناك، بما في ذلك تطبيقات على غرار سكايب وتطبيق صحيفة "نيويورك تايمز" (NYTimes)، وهذا استجابة لأوامر المُشرّعين هناك(5)(6). ما سبق يعني أن متاجر التطبيقات في الدول التي تتوفّر فيها رسميًا تعمل وفقًا للقوانين والتشريعات الحكومية، وأي تطبيق يُخالفها، أو وجود أمر قضائي رسمي، يعني أن آبل بحاجة للانصياع فورًا دون تردّد.

  

الحديث عن آبل فقط في الصين يأتي نظرًا لعدم وجود متجر" غوغل بلاي"رسميًا فيها، فالحكومة وغوغل لم يتوصّلا لاتّفاق يُرضي جميع الأطراف. لكن الأخيرة، أي غوغل، تعمل على نسخة خاصّة من متجر تطبيقاتها موجّهة للسوق الصينية فقط، إلا أن موعد وصولها الرسمي غير معروف حتى اللحظة(7).

    

    

ولم تتدخّل الحكومة الصينية لوحدها في محتويات متاجر التطبيقات، فالحكومة الروسية هي الأُخرى طلبت من آبل وغوغل إزالة تطبيق" تيليغرام"من المتجر بسبب نظام التشفير المُستخدم فيه والذي يمنع أي جهة حكومية من قراءة محتويات الرسائل، وهو ما يعني تهديد للأمن القومي (8). وتجدر الإشارة هُنا إلى أن نفس الأمر قد يتكرّر مُستقبلًا في أمريكا، وأوروبا التي لا تتهاون أبدًا في مثل هذه القضايا، الأمر الذي يعني أن المُستخدمين قد يُصبح وصولهم لتطبيقات شهيرة مثل فيسبوك مسنجر أو "بروتون ميل" (ProtonMail) شبه مُستحيل لأنها ستُحذف من المتجر لو استمرّت بإحكام أنظمة التشفير المُستخدمة.

     

    

فرصة أندرويد الذهبية

تسري الأوامر السابقة الخاصّة بإزالة التطبيقات من المتاجر في حالة عدم توافقها، أو امتثال القائمين عليها لأوامر الجهات الحكومية، على كل من آبل وغوغل. لكن نظام أندرويد أمام فرصة ذهبية على الرغم من تلك القيود، فالعامل الذي كان يلعب ضدّه -بحسب رأي الخُبراء التقنيين- في يوم من الأيام، سيُصبح نعمة يقصدها جميع المُستخدمين الراغبين باستخدام تطبيقات مثل سكايب أو تيليغرام، وبقيّة التطبيقات التي تنوي استخدام نظام التشفير الكامل.

   

ستلعب إمكانية تحميل التطبيقات من خارج المتجر دورًا هامًّا خلال الأشهر القادمة التي تبدو فيها الجهات الحكومية عاقدة العزم على تشديد الخناق، فإزالة أسماء كبيرة من المتجر ستدفع المُستخدمين للبحث عن حلول بديلة، حلول قد تتفاوت درجات تعقيدها. لكن وفي ظل وجود نظام أندرويد الذي يُتيح التحميل من أي مكان، فإنه الحل الأمثل خصوصًا في ظل وجود مجموعة كبيرة جدًا من الأجهزة التي تُلائم جميع شرائح المُستهلكين دون استثناء. وبالتالي، فإن قائمة الحلول أمام الحكومات قصيرة، فهي إما ستحاول العدول عن موقفها، أو ستستمر به، أو ستُحارب حتى النهاية وتبدأ بمُلاحقة مُقدّمي الحلول، ومن بينها نظام أندرويد، وهو شيء صعب الحصول.

     

       

حرب المُشرّعين ضد الشركات الكبيرة خاسرة، فشبكة فيسبوك أجلست مجلس النواب الأمريكي ودفعتهم للتفكير في إنشاء قوانين جديدة لتنظيم عمل الشبكات الاجتماعية، وهذا ليس لقوّتهم، بل لضعفهم، فالسجّلات الموجودة في قاعدة بيانات فيسبوك كبيرة ولا حصر لها، وصندوق أسود لا يرغب أحد في معرفة خباياه الكاملة لأنه قد يحتوي على فضائح لا حصر لها. وبالتالي، فإن مُحاولتها مثلًا لمحاربة أندرويد أمر صعب الحدوث، وإن حصل، فإن كونه مفتوح المصدر يعني عدم وجود باليد حيلة، وستقع بذلك آبل ضحيّة لقيودها الكبيرة، لسيتفيد نظام أندرويد ويقتنص حصّة أكبر في سوق الأجهزة الذكية.