شعار قسم ميدان

كيف تراقب فيسبوك جميع مستخدمي الإنترنت؟

midan - فيسبوك
لم يسبب خبر بيع شبكة فيسبوك بيانات مُستخدميها لشركة "كامبريدج آناليتيكا" (Cambridge Analytica) صدمة كبيرة بقدر الصدمة التي خلّفتها أخبار جمع فيسبوك لبيانات مُستخدمي شبكة الإنترنت الغير مُشتركين بفيسبوك أساسًا، فجمع بيانات مُستخدميها أمر طبيعي، لكن أن تتمادى وتجمع بيانات عامة المستخدمين هو الأمر الذي قُرعت لأجله نواقيس الخطر(1)(2).

 

مُنتجات فيسبوك

تمثل شبكة فيسبوك الاجتماعية الواجهة الرئيسية لسلسلة منتجات شركة فيسبوك التي يديرها "مارك زوكربيرغ"، فالشبكة الاجتماعية هي جزء بسيط من الشركة، وهي في ذات الوقت المنتج الذي كثر الحديث عنه بعد حادثة تسريب بيانات أكثر من 85 مليون مُستخدم، فضيحة شركة "كامبريدج آناليتيكا" التي أخفتها شبكة فيسبوك منذ 2014 تقريبًا.

   

ما تقوم به الشركة عبر شبكتها الاجتماعية طبيعي جدًا تقوم به أي شبكة اجتماعية أُخرى، فالشبكة تجمع البيانات التي يقوم المستخدم بإدخالها كالاسم وشهر الميلاد ورقم الهاتف وحساب البريد الإلكتروني، والفرق الرياضية التي يُشجّعها، والأطعمة والمطاعم التي يُفضّلها، أو الكتب والمقالات التي يقرأها، ثم تقوم بتصنيفها وتجهيزها للاستخدام في بعض المنتجات الأُخرى.

   

نفس الأمر ينطبق على الصفحات أو المجموعات التي يقوم المُستخدم بمتابعتها، أو حتى مُنتجات الشركات ومُشاركاتها وطريقة التفاعل معها، فتلك البيانات يُمكن أن تُستخدم على سبيل المثال لا الحصر داخل شبكتها الإعلانية لاستهداف المستخدمين الذكور الذين تفاعلوا بشكل إيجابي مع أحد إعلانات مقاهي "ستاربكس".

          

undefined

        

لكن للحديث بقية، فشركة فيسبوك تمتلك أيضا إضافات اجتماعية تتيح لأصحاب المواقع، والتطبيقات، إضافة زر الإعجاب أو المُشاركة داخل صفحاتهم لنشرها بسهولة أكبر. كما تقدم أيضًا زر تسجيل الدخول باستخدام حساب فيسبوك، فعوضا عن الحاجة لإنشاء حساب جديد بشكل يدوي، يُمكن تسجيل الدخول باستخدام حساب فيسبوك وإتمام العملية بشكل آلي. أضف إلى ذلك منصة الإحصائيات التي تسمح لأصحاب المواقع، والتطبيقات، معرفة عدد الزوّار اليومي وموقعهم الجغرافي ونوع الأجهزة التي يتصفّحون منها، وهذا لتحسين الموقع، أو التطبيق، باستمرار. أخيرا، تُقدّم الشركة أيضا شبكة إعلانية مع منصّة إضافية للحصول على إحصائيات حول تأثير تلك الإعلانات، بحيث يمكن معرفة الحملات الناجحة من العادية للتركيز على الأولى، ونبذ الثانية(2).

   

الظل الرقمي

أجاب "زوكربيرغ" على أكثر من 500 سؤال أثناء مثوله أمام أعضاء الكونغرس الأمريكي، إلا أن سؤالا  أثار حفيظة الجميع تمثّل في وجود ممارسات تقوم بها شركة فيسبوك تقوم على جمع بيانات مستخدمي شبكة الإنترنت، أولئك الذين لا يملكون حسابًا على شبكة فيسبوك، وكانت الإجابة بنعم. ما سبق يعني أن شركة فيسبوك تمتلك حسابات شخصيّة تحتوي على بيانات مُستخدميها، وحسابات ظل (Shadow Profiles) لمستخدمي شبكة الإنترنت تُحاول فيها جمع أكبر قدر ممكن من البيانات لاستخدامها في الكثير من الوظائف(3).

 

ما تقوم به الشركة على أرض الواقع يعتمد بشكل رئيسي على معظم المُنتجات التي توفرها، فبعض مُستخدمي فيسبوك يقومون برفع سجل الأسماء الخاص بهم للعثور على المزيد من الأصدقاء بسهولة أكبر، وهنا تبدأ أولى خطوات إنشاء حساب ظل لغير المُشتركين، فلو فرضنا وجود المُستخدم آ والمستخدم ب، وهما ليسا بأصدقاء على فيسبوك، وقاما برفع سجلّات الأسماء الخاصّة بهم، ستحاول الشبكة العثور على الأسماء المُشتركة بينهما، وفي حالة العثور عليها، فهذا يعني أنهما قد يعرفان بعضهما البعض، ومن هنا، ستقترح المُستخدم آ على ب، والعكس، ضمن صندوق أشخاص قد تعرفهم (People You May know)، وهذا ينطبق على جميع مُستخدمي الشبكة(4).

 

وتستمر مُمارسات فيسبوك في جميع مُنتجاتها، فزر الإعجاب الموجود داخل المواقع، أو زر تسجيل الدخول باستخدام حساب فيسبوك، ما هي سوى أدوات تُتيح لها معرفة بيانات جميع الزوّار بما في ذلك عنوانهم الإلكتروني (IP Address) رفقة نوع المُتصفّح، والموقع الجغرافي واللغة، حتى أنها تقوم بجمع سجل المواقع التي قام المُستخدم بزيارتها سابقًا، وهذا أمر تقوم به -على حد قولها- للحد من البرمجيات الخبيثة، فزيارة مجموعة كبيرة من المواقع خلال فترة زمنية قصيرة يعني وجود برمجية تقوم بهذا الأمر بشكل آلي، حيث لا يُمكن لإنسان تصفّح هذا القدر بهذه السرعة.

    

   

أما الاستفادة من مثل تلك البيانات فيُمكن أن يتم بأكثر من طريقة، فالشركة ستقوم بمُطابقة العناوين الإلكترونية الخاصّة بزوّار المواقع التي تستخدم خدماتها ثم تقوم بمطابقتها مع مُستخدمي شبكتها الاجتماعية، وبهذا الشكل بإمكانها معرفة المُشتركين من غير المُشتركين لعرض إعلانات الانضمام لشبكة فيسبوك لغير المُشتركين.

 

وتحصل فيسبوك على الملفّات المؤقّتة "كوكيز" (Cookies) أيضًا، وهذا أيضًا لتحليل تفاعلات الزائر السابقة ومعرفة اهتماماته لعرض إعلانات مُلائمة أكثر. أما مُستخدميها، فسيلاحظون أن المُشاركات الظاهرة في صفحة آخر الأخبار (News Feed) لها علاقة أكبر بالمواقع التي يقومون بزيارتها، وهذا يعني أن الشركة تتبّع مُستخدميها حتى بعد مُغادرتهم للشبكة الاجتماعية.

  

الحد من جمع البيانات؟

شدّد "زوكربيرغ" على الصلاحيات الواسعة التي يتمتّع بها مُستخدمو فيسبوك وذلك عبر توفير أدوات للحد من حجم البيانات التي يُمكن الاستفادة منها في الشبكة الاجتماعية. ما سبق يعني أن مُستخدمي شبكة فيسبوك الاجتماعية قادرين على تقرير مصير بياناتهم من داخل إعدادات الخصوصيّة. ومن قام مثلًا برفع سجل الأسماء الخاص به بإمكانه حذفه من خوادم الشركة بشكل يدوي في أي وقت. لكن ما هو مصير بقيّة مُستخدمي شبكة الإنترنت؟ أولئك الذين لا يملكون حسابًا على الشبكة بالأصل؟

 

تتراوح فترة الاحتفاظ ببيانات غير المُشتركين بين 10 أيام حتى 90 يوم، فالبيانات التي تجمعها عبر زر الإعجاب الموجود في بعض المواقع تبقى لمدة 10 أيام، بينما تحتفظ بالبيانات التي تُجمع عبر أدوات التحليل لفترة تصل إلى 90 يوم.

    

   

ما سبق صحيح على الورق، أي أنها وعندما تحصل على بيانات أحد الأشخاص في الأول من (مايو/أيار) على سبيل المثال، ستقوم بحذفها مع حلول 10 (مايو/أيار). لكن ماذا عن البيانات التي تجمعها في اليوم الثاني من نفس الشهر؟ أو الثالث والرابع؟ ستُحذف تباعًا في اليوم الحادي عشر ثم الثاني عشر، وهكذا. أي أن المُستخدم وباستمرار استخدامه لشبكة الإنترنت، ولتطبيقات الهواتف الذكية، ستبقى بياناته موجودة على خوادم فيسبوك، والحل الوحيد هو التوقّف عن استخدام الإنترنت والتطبيقات لمنع وصول فيسبوك لبياناته ولسجّل المواقع التي تصفّحها، وهو أمر شبه مُستحيل.

 

وتجدر الإشارة هُنا إلى مُنتجات فيسبوك متوفّرة للمواقع الإلكترونية ولتطبيقات الهواتف الذكية أيضًا. كما أن شركة فيسبوك ليست الوحيدة التي تمتلك هذا النوع من المُنتجات، فشركة غوغل على سبيل المثال لديها أيضًا منصّة للإعلانات وللإحصائيات تُستخدم على نطاق واسع حول العالم. دون نيسان أزرار الإعجاب والمُشاركة التي توفّرها شبكتا تويتر أو إنستغرام مثلًا، الأمر الذي يعني أن فيسبوك ليست وحدها هُنا، وأن الجميع يقومون بنفس المُمارسات ويجمعون بيانات جميع مُستخدمي شبكة الإنترنت قاطبة حتى في حالة عدم امتلاكهم لحسابات على تلك الخدمات.

      

    

لا يوجد شيء دون مُقابل ومجّاني، فالشبكات الاجتماعية وللحصول على عائد مادّي يُساعدها على الاستمرار تحتاج لاعتماد نموذج ربحي، لذا فمُستخدميها هم السلعة، ولن تخرج بين ليلة وضُحاها لتغيير هذا الأمر حتى لو ادّعت ذلك، فعدم وجود نموذج ربحي آخر يعني أنها مُستمرة في نموذجها الحالي، فشركة ألفابت مثلًا، تحصل على أكثر من 80٪ من دخلها من شبكتها الإعلانية، الأمر الذي يعني أنها هي الأُخرى لن تكون قادرة على تغيير هذا الأمر. أما مايكروسوفت في المُقابل، فـ 7٪ من عائداتها تأتي من الإعلانات، وهي الأجدر بذلك لتصديقها لو قالت إنها ستتخلّى عن تعقّب مُستخدمي شبكة الإنترنت.