شعار قسم ميدان

هواتف صينية تفوقت على أبل وسامسونغ

midan - هاتف

يُفسّر عُلماء النفس الصوت العالي في النقاشات على أنه ضعف موقف صاحبه. وإذا ما أسقطنا تلك النتيجة على الشركات التقنية الكُبرى، فإن ما تقوم به حرفيا هو تكرار لتلك الحالة، فمؤتمراتها تحظى بضجّة إعلامية هائلة في وقت لا تكشف فيه عمّا يشفي الغليل التقني. هذا الكلام ينطبق على شركات بحجم آبل وغوغل، وبدرجة أقل سامسونغ، فما قدّمته تلك الشركات مُقارنة بما تُقدّمه الشركات الصينية مؤخّرا يضعها بشكل أو بآخر في موقف مُحرج.

   

مُستشعر البصمة

تسبّبت مُستشعرات بصمة الهواتف الذكية في أزمة حقيقية بالنسبة إلى بعض الشركات في ظل رغبتها في التوجّه نحو هواتف مؤلّفة من شاشة تمتد على كامل الوجه الأمامي، فتارة ما نُقلت تلك المُستشعرات إلى الوجه الخلفي، وتارة ما دُمجت مع زر التشغيل. وفي بعض الحالات -مثل ما حدث مع آبل- أُزيلت بشكل كامل لاستخدام تقنيات أُخرى على غرار التعرّف على الوجه.

         

undefined

       

جميع الخيارات السابقة أقدمت عليها شركات تقنية كُبرى، تلك التي عادة ما ترفع شعار الابتكار أولا، أو أفعل ما لا يُمكنك فعله، لتبدو خطواتها السابقة وكأنها استسهال أو عدم رغبة في العثور على حل جذري على الرغم من وجود مُبادرات من شركات مُتخصّصة في مجال تطوير المُستشعرات، وهنا الحديث -على سبيل المثال لا الحصر- عن شركة "سينابتيكس" (Synaptics) التي قدّمت في 2017 أول مُستشعر للبصمة يُمكن وضعه داخل الشاشة، لكن تلك الشركات لم تُحرّك ساكنا(1).

   

وكالعادة، حظيت مؤتمرات كل من غوغل، وسامسونغ، وآبل، بالاهتمام المُعتاد، في وقت بقيت فيه الشركات الصينية في الظل على الرغم من أحقيّتها بذلك الاهتمام، وخصوصا شركة "فيفو" (Vivo) التي كشفت للعالم عن هاتف "آبيكس" (Apex)(2)، أول هاتف ذكي بمُستشعر للبصمة موجود تحت الشاشة، لتتخلّص بذلك من مُعضلة تأخّرت بقيّة الشركات عن حلّها، ليس لقصورها التقني بكل تأكيد، إنما بسبب بحثها عن الكمال في ظل المُنافسة الشرسة التي تتعرّض لها.

   

وفي وقت توقّع فيه الجميع أن "آبيكس" هو مجرّد نموذج لن يرى النور كمُنتج حقيقي، خالفت "فيفو" التوقّعات ورفعت سقف التحدّي بعدما خصّصت بطولة كأس العالم كموعد للكشف عن هاتفها الجديد "نيكس" (Nex)(3)(4)، الهاتف الذي سيصل إلى جميع الأسواق العالمية والذي يحمل مُستشعرا للبصمة داخل الشاشة، لتتفوق بذلك على بقيّة الشركات التقنية التي بنسبة كبيرة لن تقوى على الرد في 2018 أيضا.

     

    

النتوء العلوي

سارت الشركات التقنية من جديد في اتجاهات مُختلفة بعدما واجهت مُشكلة أُخرى وقفت في طريقها نحو الوصول إلى شاشة تمتد على كامل الوجه الأمامي، وهذه المرّة مع مُستشعر الإضاءة والكاميرا الأمامية، فتلك أيضا مكوّنات تفوق من ناحية الأهمّية مُستشعر البصمة ووجودها على الوجه الأمامي ضرورة لا بُد منها.

   

وفي وقت اختارت فيه سامسونغ تقليل المساحة المُخصّصة لتلك المكوّنات على الجزء العلوي مع الحفاظ على الشكل التقليدي المُستطيل للشاشة، قرّرت شركة "إيسنشال" (Essential)، متبوعة بشركة آبل ثم بوابل من الشركات الصينية، التخلّي عن التصميم التقليدي لتعتمد على مُستطيل فيه نتوء موجود في الأعلى يحتوي على الكاميرا وعلى المُستشعرات اللازمة لعمل الهاتف بالشكل الأمثل، لينقسم عُشّاق التقنية مرّة أُخرى بين مؤيّد ومُعارض لذلك الاتجاه.

   

من جهة، يُمكن اعتبار أن ما قامت به تلك الشركات هو ابتكار إلى حد ما. لكن ومن جهة أُخرى، وبالنظر إلى جهود الشركات الصينية مرّة أُخرى، نجد أن الابتكار الحقيقي هو ما قامت به، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه.

   

لم تقتصر جُرأة "فيفو" على مُستشعر البصمة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المُستشعر من تطوير شركة "غوديكس" (Goodix) وليس من ابتكار "فيفو"(5)، بل أيضا على الكاميرا الأمامية التي كانت تُعيق إمكانية توفير هاتف بشاشة كاملة، فهي قدّمت للعالم فكرة تضمين الكاميرا داخل هيكل الجهاز على صفيحة مُنزلقة تخرج عند تشغيل الكاميرا وتختفي بعد الانتهاء منها، لتُشعل ساحات النقاش من جديد بين مؤيّد ومعارض، فسرعة فتح الكاميرا وخروجها من داخل هيكل الجهاز عوامل مهمّة جدا بالنسبة إلى البعض، والخوف من عدم استجابتها بشكل دائم، أو من تعرّض تلك الحركة الميكانيكيّة لأعطال، هو ما قد يحد من انتشار الفكرة. لكن ومن جديد، فإن هذا لا يبخس "فيفو" حقّها ورغبتها في الابتكار والخروج عن المألوف دون خوف، فريادة الأعمال واستشراف المُستقبل لم تأت يوما ما من تلك الشركات التي سارت حسبما ورد داخل الكتاب.

     

   

الخروج عن المألوف

       

undefined          

بعدما خرجت "فيفو" أكثر من مرّة عن المألوف، أبت شركة "أوبو" (Oppo) الصينية أيضا، والمالكة لشركة "ون بلس" (OnePlus)، إلا أن تخرج هي الأُخرى عن النص بشكل كامل، فلكي تتفوق في سوق تقني مليء بالهواتف تحتاج هذه الشركات إلى وضع الخوف جانبا، وهو ما قامت به بالفعل في هاتف "فايند إكس" (Find X) الجديد، الذي يُحاكي الماضي بلمسة من المُستقبل(6).

  

ركّزت "أوبو" في هاتفها الجديد على إطلاق جهاز بشاشة تمتد على كامل الوجه الأمامي بتصميم عصري وبحلول مقبولة، لتقوم بتخصيص جزء مُتحرّك من الجهاز يحمل الكاميرتين الأمامية والخلفية، إضافة إلى مُستشعر التعرّف على الوجه أيضا، في تكرار لما قامت به "فيفو" لكن بتصميم أكثر جاذبيّة.

   

تخرج تلك الصفيحة بمُجرّد تشغيل تطبيق الكاميرا، أو بمجرّد تشغيل الشاشة من أجل تفعيل خاصّية التعرّف على الوجه. وبحسب الشركة، فإن الوقت الذي تحتاجه الكاميرا للظهور والعمل هو 0.5 ثانية فقط، وتلك فترة قد تتناقص مع مرور الوقت عبر إرسال تحديثات لنظام التشغيل. المعيب في الجهاز هو عدم وجود مُستشعر للبصمة، وهذا يعني أن فشل الكاميرا في الخروج من الجهاز قد يُسبّب بعض التأخير للمُستخدم، وهنا تظهر أهمّية نظرية اللعب بحذر التي تتبعها الشركات التقنية الكُبرى، فتقديم تجربة استخدام ناقصة يترك انطباعا سيئا لدى المُستخدمين.

  

وعلى عكس "فيفو" في هواتفها الأولى، لن يتوفّر هاتف "فايند إكس" في الصين فقط، بل سيصل كذلك إلى السوق الأميركية خلال الفترة القادمة، وإلى الأسواق الأوروبية بطبيعة الحال، وبسعر قد لا يتجاوز 700 دولار أميركي، لتُنافس بذلك بقيّة الشركات الصينية من جهة، والأميركية من جهة أُخرى.

     

       

لا يُمكن معرفة مصير الأجهزة والأفكار الجديدة بشكل نظري، فالسوق التقني قد يتقبّل أي شيء، والوقت كفيل بإيضاح الصورة بشكل كامل. لكن على أرض الواقع، تفوّقت "فيفو" و"أوبو" على نفسها، وعلى بقيّة الشركات، فهي تُراهن وتتحدّى وتبتكر، وتلك شروط أساسية للنجاح وللوصول إلى مكانة عالمية لم يصل إليها أحد لأن طريق اللعب بحذر عواقبه وخيمة، ولنا في ياهو ونوكيا، وغيرها الكثير، أمثلة للاعتبار منها، بانتظار مؤتمرات الشركات التقنية الكُبرى هذا العام والضجيج الذي ستحظى به، علّها تستفيق من سُباتها بعد ابتكارات الشركات الصينية.