شعار قسم ميدان

العملاق يتألم.. كيف ستواجه غوغل طعنة أوروبا في الخاصرة؟

midan - androied

نجح نظام أندرويد في وضع شركة غوغل في المرتبة الأولى في مُعظم القوائم العالمية المُتعلّقة بالأجهزة الذكية، قوائم قد تكون أحيانا ذات معنى وأثر مُختلف، ففي وقت تنعم الشركة فيه بكون نظام تشغيلها الأكثر استخداما على مستوى العالم بنسبة 85٪(1)، تعرّضت بسببه لغرامة تصل إلى 4.34 مليار يورو، أي ما يُعادل 5 مليارات دولار أميركي، بسبب قضيّة لمنع الاحتكار في دول الاتحاد الأوروبي، القرار الذي قد يُغيّر نموذج النظام الربحي ويدفع الشركة إلى التوقّف عن توفيره مجانا(2).

       

       

حقوق استخدام أندرويد

منذ اليوم الأول لتطوير أندرويد، أكّدت شركة غوغل أن نظامها المبني على نواة "لينكس" (Linux) سيبقى مفتوح المصدر للجميع، حاله حال نواته من أجل دفع عجلة التطوير وتوفير نظام يُمكن للجميع دون استثناء الاستفادة منه، عكس شركة آبل ونظام "آي أو إس" المُغلق والمحصور في الأجهزة الذكية لشركة آبل. هذا النموذج، أي فتح مصدر أندرويد، سمح للنظام بالانتشار في شتّى أنحاء العالم، إذ يتوفّر اليوم في الأسواق أكثر من 24 ألف جهاز بشرائح سعرية مُختلفة من إنتاج 1300 شركة مُختلفة(3).

  

وللحصول على النظام، تحتاج الشركات أولا إلى الحديث بشكل مُباشر مع غوغل التي توفّر خيارين أمام مُصنّعي الهواتف الذكية، الأول تمنح بموجبه النظام للشركة دون أي قيود، لكن هواتف تلك الشركة لن تكون قادرة على تثبيت متجر التطبيقات الرسمي، "غوغل بلاي" (Google Play)، كما لن تعمل عليه بعض التطبيقات التي تعتمد على خدمات غوغل (Google Services) وواجهاتها البرمجية. أما الخيار الثاني فهو عكس الأول تماما، تحصل بموجبه الشركة على حقوق استخدام النظام مع متجره وخدمات غوغل شريطة تثبيت 11 تطبيقا من تطبيقات غوغل بما في ذلك تطبيق البحث، يوتيوب، متصفّح غوغل كروم، وبريد "جي ميل" (Gmail) أيضا.

  

النموذج الأول مُفيد في الأسواق التي لا تعمل فيها خدمات غوغل بالأساس ومنها الصين على سبيل المثال لا الحصر، فخدمات غوغل محجوبة هناك بما في ذلك المتجر، لذا فإن الشركات التي ترغب في طرح أجهزتها الذكية في الصين لا تحتاج إلى أكثر من هذا الخيار. وللتوضيح، فإن تحميل تطبيق "أوبر" (UBER) مثلا من أي موقع لن يحل المُشكلة، فالتطبيق ولأنه يعتمد على خدمات غوغل سيتوقّف عن العمل، وبالتالي لن تستفيد لا الشركة ولا المُستخدم من الالتفاف على غوغل عبر هذا الخيار.

  

وبما أن النموذج الثاني للحصول على أندرويد أكثر شمولية، تستفيد الشركات التقنية بجذب شريحة أكبر من المُستخدمين بفضل متجر التطبيقات الذي تجاوز عدد تطبيقاته حاجز المليون، وتستفيد غوغل منه كذلك كون خدمات مثل تطبيق البحث تعني إعلانات أكثر، وبالتالي عائدا ماليا أعلى.

        

  

انحياز أوروبي؟

حافظت غوغل على نفس خيارات استخدام أندرويد منذ عقد من الزمن تقريبا، فهي لم تُغيّر أيا من مُمارساتها في الآونة الأخيرة، وهو ما رسم علامات الاستفهام حول خطوة الاتحاد الأوروبي ومؤسّساته القضائية التي تبدو مُتأخّرة نوعا ما في إصدار هذا الحُكم.

   

بحسب ما ورد في نصّ القرار النهائي، فإن ما تقوم به شركة غوغل احتكاري 100٪ لأنها تضع مُصنّعي الهواتف الذكية أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحصول على نظام تشغيل بدون أهم عناصره، متجر التطبيقات، وإما الحصول عليه كاملا شريطة تثبيت 11 تطبيقا بشكل سابق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن غوغل خفّفت من قبضتها الحديدة، ففي السابق كانت تمنع أيضا الشركات من تطوير تطبيقاتهم الخاصّة، إلا أن تشديدات من جهات قضائية أوقفت هذا الأمر. وعلاوة على ما سبق، دفعت غوغل لمجموعة من الشركات مبالغ مالية للحفاظ على غوغل كروم وعلى مُحرّك البحث كخيارات افتراضية أيضا(4).

    

تلك الأسباب، وبالنظر إليها من زاوية واحدة تبدو غير منطقية لتغريم غوغل هذا المبلغ الطائل. لكن الاتحاد الأوروبي نظر من زاوية ثانية وهي أن كروم هو المُتصفّح الأكثر استخداما على مستوى العالم بنسبة 60٪. كما يُسيطر مُحرّك بحث غوغل على 90٪ من سوق مُحرّكات البحث العالمية، دون نسيان حصّة أندرويد السوقية ووجود أكثر من مليار ونصف المليار مُستخدم لخدمة يوتيوب حول العالم، ومليار مُستخدم آخرين لبريد "جي ميل". ولأن أكثر من 50٪ من عائدات غوغل تأتي من الإعلانات على الأجهزة الذكية، فإن جميع خطواتها في أندرويد تأتي لتعزيز تلك الأرقام فقط لا غير، ومن هنا تحرّك الاتحاد الأوروبي لتغيير هذا الواقع(5)(6)(7).

  

لم تقف غوغل ساكنة ونشر رئيسها التنفيذي تدوينة رسمية قال فيها إن نظام أندرويد وفّر خيارات أكثر مُستشهدا بأرقام الأجهزة والتطبيقات، فهي لا تكذب(3). كما أكّد أن الخيارات متروكة أمام المُستخدمين عبر نشر فيديو يستعرض إمكانية إزالة أي تطبيق مُثبّت سابقا على الجهاز، بما في ذلك تطبيقات أندرويد الافتراضية في عملية لا تتجاوز 10 ثوانٍ. كما يُمكن البحث عن بدائل في المتجر وتثبيت ما يرغب المُستخدم به، ليكون مجموع الوقت اللازم لإزالة تطبيق وتثبيت آخر ما لا يزيد على 30 ثانية، في ردّ مُباشر على ادعاءات القيود التي تفرضها غوغل حسبما عبّر الاتحاد الأوروبي.

       

  

الدفع للحصول على النظام

تضع تلك القيود شركة غوغل تحت خيارات محدودة على المدى البعيد، فهي وفي عام 2017 عرضت على الاتحاد الأوروبي تخفيف تلك القيود مُقابل الإفلات من المُحاكمة والغرامة، إلا أن الاتحاد الأوروبي وقتها اعتبر أن صحوة الشركة جاءت مُتأخّرة ولا بُد من تغريمها(8). وهذا يعني أن استمرارها في توفير الخيارات نفسها لن يفي بالغرض وتحتاج إلى العثور على نموذج جديد يُضاف إلى النماذج السابقة.

      

  

قد تجد غوغل نفسها مُضطرة إلى فرض رسوم على الشركات التقنية الراغبة في استخدام النظام مُستقبلا، وهذا لقاء إزالة تطبيقات مثل مُحرّك البحث أو المُتصفّح، بحيث يُترك الخيار تماما للمُستخدم الذي يحتاج إلى تثبيت كل شيء بشكل يدوي، وبالتالي تحصل هي على تعويضات لأن عائداتها الإعلانية من انتشار أندرويد الكبير قد تتأثّر بشكل أو بآخر، إلا أن بعض الجهات أكّدت أن تأثير إزالة التطبيقات قد يكون محدودا، لأن المُستخدمين يرغبون في استخدام خدمات غوغل المُختلفة في جميع الأحوال، وخير دليل على ذلك هو عدم تأثّر سعر سهم الشركة على الرغم من حجم الغرامة الهائلة التي تُعتبر الأكبر على مستوى الاتحاد الأوروبي حتى الآن.

  

لم ترضخ غوغل لقرار المحكمة، فهو ليس نهائيا وستقوم بالاستئناف لتخفيف الغرامة على أقل تقدير مع المحاولة لإيجاد حلول جديدة خلال مدّة لا تتجاوز 90 يوما من تاريخ القرار، ليُصبح السوق الأوروبي شائكا مثلما هو الحال مع السوق الصيني، وقد تقوم الشركة بفرض مبالغ على الأجهزة التي ستُباع في القارّة العجوز فقط، مع الحفاظ على النموذج نفسه في الدول الأُخرى. أو قد تقوم بالسير على خُطى مايكروسوفت التي لم تسلم هي الأُخرى في السابق من غرامات الاتحاد الأوروبي، فطرح نظام أندرويد بشكل مدفوع قد يُساعدها على الاستمرار في تطويره بانتظار نظام "فوشيا" (Fuchsia OS) الذي قد يبدأ بالوصول خلال ثلاثة أعوام والذي قد تقوم الشركة باستخدام نماذج مُغايرة لترخيص استخدامه هربا من قضايا أُخرى(9).

    

undefined