شعار قسم ميدان

أدوات تساعدنا على تقليل إدماننا الرقمي للأجهزة الذكية

midan - iphone

لا يُمكن لشركة أن ترفض ارتفاع مُعدّل استهلاك مُنتجاتها لأي سبب من الأسباب، كما أنها تستثمر مبالغ طائلة للبحث عن أساليب لرفع تلك الأرقام ولزيادة تعلّق الزبائن بها. لكن بعض شركات التقنية، وهي غوغل وآبل وفيسبوك، بدأت بالسير عكس ذلك الاتّجاه للحد من استهلاك مُنتجاتها تحت ما يُعرف بالتهذيب التقني (Digital Wellbeing)، الأمر الذي يُخالف التوقّعات ويزيد من ولاء المُستخدمين وتعلّقهم بتلك المُنتجات من جديد.

  

التهذيب الرقمي

تؤمن مُعظم المُنظّمات الحقوقية بأن على الشركات التقنية(1)، بسبب وصولها إلى شريحة كبيرة جدا من المُستخدمين من مُختلف الشرائح، مسؤولية الحفاظ على الاستقرار النفسي للمُستخدمين خصوصا مع انتشار بعض الأعراض النفسية التي تدل على وجود تعلّق بالأجهزة الذكية وتحديدا الهواتف، مع تأثيرات سلبية أيضا للشبكات الاجتماعية على صحّة الإنسان العقلية(2)(3). لهذا بدأت الكثير من الأصوات تُطالب تلك الشركات بالعثور على حلول للحد من تلك الظواهر الغريبة عوضا عن صرف الجهد والمال في تطوير مُنتجات جديدة فقط.

       

   

بالفعل لم تتوان الشركات عن تلبية تلك الدعوات، والبداية كانت مع شركة غوغل التي كشفت عن خاصيّة التهذيب الرقمي القادمة في أندرويد "بي" (Android P) الذي سيصل في وقت لاحق من خريف 2018، وهي عبارة عن أداة تعرض للمُستخدم الوقت الذي قضاه في استخدام التطبيقات المُختلفة على الجهاز، مع إمكانية استعراض الوقت الخاص بتطبيق مُحدّد. ولم تكتف الشركة بهذا القدر، بل قدّمت أيضا وضعا للتهدئة (Wind Down) تقوم من خلاله بتغيير ألوان الشاشة للاعتماد على الأبيض والأسود والرمادي فقط، في ساعات الليل الأخيرة لإراحة عيون المُستخدم وحثّه على ترك الجهاز (4).

    

ويُمكن لمُستخدمي الإصدار القادم من نظام أندرويد ضبط فترة استخدام التطبيقات بحيث يقوم النظام بتنبيههم عند تجاوز المدّة، في مُحاولة لتذكير المُستخدم بالوقت الذي يقضيه طوال الوقت أملا في حثّه على الترشيد من استخدام الأجهزة الذكية.

  

بعد أن فرغت غوغل من مؤتمر المُطوّرين الخاص بها بدأت آبل مؤتمرها الخاص الذي لم يُقدّم أي جديد هذا العام باستثناء بعض المزايا البسيطة، منها التهذيب الرقمي أيضا الذي لا يختلف كثيرا عمّا قدّمته غوغل، فمُستخدمو "آي أو إس 12" (iOS 12) سيحصلون على قسم خاص داخل الإعدادات للاطلاع على الوقت الذي يقضونه في استخدام أجهزتهم الذكية، وذلك عبر تقرير أسبوعي مُفصّل مع مجموعة من الأدوات منها الإبعاد القصري عن استخدام الجهاز أو تحديد وقت استخدام التطبيقات(5).

  

وقد حاولت آبل في أداتها تصنيف التطبيقات على حسب نوعها، بحيث يظهر للمُستخدم الوقت الذي يقضيه في استخدم الشبكات الاجتماعية، أو الألعاب، أو حتى تطبيقات التسلية المُختلفة ليُصبح على دراية تامّة من جهة، ويوضع القرار النهائي على عاتقه من جهة أُخرى. كما تُمكّن تلك الأدوات الأهالي من ضبط أجهزة الأطفال لتخصيص وقت مُحدد يوميا للألعاب لا يُمكنهم بعده فتح أي تطبيق يقبع تحت ذلك التصنيف.

       

   

اللعب على العامل النفسي

بالنظر إلى الشريط الزمني لمبادرات التهذيب الرقمي، يُمكن اعتبار أن شبكة فيسبوك هي أول من قام بهذا الأمر بعد قرار مؤسّسها بإعادتها إلى الطريق الصحيح خلال عام 2018 عندما تحوّلت إلى أداة للتسويق الرقمي، وهي التي كانت وسيلة للتواصل بين الأصدقاء وأفراد العائلة. من هنا، بدأت الشبكة بعرض المزيد من مُشاركات الأصدقاء والأقارب عوضا عن مُشاركات الصفحات والشركات، وهو ما أدّى بحسب فيسبوك إلى انخفاض فترة استخدام الشبكة يوميا بمُعدّل 50 مليون ساعة على مستوى العالم، لأن المُشاركات الظاهرة أصبحت قليلة وذات معنى أكبر (6).

     

     

لكن وسيرا على خُطى آبل وغوغل، بدأت الشركة بالعمل سرا على أداة تُعطي مُستخدميها مُلخّصا أسبوعيا عن الوقت المقضي على الشبكة مع إمكانية تعطيل التنبيهات أو ضبط رسائل تذكير لتنبيه المُستخدم عندما يتجاوز فترة مُعيّنة من الاستخدام أملا في أن يكون لها دور في ترشيد استهلاك الشبكات الاجتماعية(7).

  

قبل تطوير خاصّية الحصول على مُلخّص أسبوعي على فيسبوك، أكّد الرئيس التنفيذي لشبكة إنستغرام وجود الأداة نفسها، بعد أن كشفت شفرة برمجية مخفيّة داخل النظام وجود أداة للغرض نفسه، تُتيح للمُستخدمين معرفة الوقت الذي يقضونه داخل إنستغرام(8)، ليحصلوا بذلك على مجموعة مُختلفة من الأدوات التي من المُفترض أنها ستُساعدهم في تقليل فترة الاستخدام اليومية. لكن بالنظر إلى تلك المُبادرات من جهة الشركات، فما الذي سيدفعها حقا للمُخاطرة بمثل هذا الأمر؟ إذ إن تقليل مُعدّل الاستخدام يعني تقليل مُعدّل الاستهلاك، وبالتالي ستتناقص أرباح تلك الشركات سواء بسبب انخفاض عدد الإعلانات المعروضة، أو بسبب تراجع المبيعات.

  

من الطبيعي أن تذهب جميع التوقّعات نحو التأثير السلبي لمثل تلك الخطوات على الشركات، صحيح أنها تُلمّع صورتها، لكن العائدات ستتأثّر وتراجع مُعدّل استخدام فيسبوك خير دليل على ذلك. وبتناول بعض المُسلّمات النفسية البسيطة على غرار "كل ممنوع مرغوب"، فإن النفس البشرية ستبدأ لعبتها المُعتادة.

     

      

بعيدا عن الأمور العشوائية فإن تلك الشركات، فيسبوك وآبل وغوغل، تقف بالنسبة إلى البعض في صفّ الأشرار، ففيسبوك تسعى للسيطرة على العالم لبثّ الأفكار السامّة هنا وهناك وتفكيك المُجتمعات عند الحاجة، وآبل لا تختلف عنها على اعتبار أنها تسعى لإبراز الأنا الذاتية والرغبة في التفاخر بين مُستخدمي أجهزتها عبر رفع أسعارها لتُصبح من فئة مُقتنيات الرفاهية. أما غوغل، فهي أساسا تُسيطر على العالم عبر مُحرّك بحثها ومؤسّستها الإعلانية، كما أنها تتتبّع المُستخدم في أي مكان لتسجيل كل شيء عنه. وبناء عليه، فإن توفير أدوات التهذيب الرقمي سيجعل تلك الصورة أنظف بشكل أو بآخر، وسيشعر المُستخدمون للمرّة الأولى أنها تهتم لأمرهم، وبالتالي سيعود الجميع لاستخدامها دون قلق، تماما مثل شركات الأغذية التي تضع مُلصق "مُنخفض السعرات الحرارية" على بعض المُنتجات، فضرر السُكّريات والشحوم ذاته، لكنها بلعبة بسيطة تُقنع الجميع أن المُنتج أصبح صحّيا.

  

بفضل أدوات ترشيد الاستهلاك والحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال في استخدام تلك الأجهزة، قد يشعر الآباء براحة عند شراء الهواتف الذكية لأطفالهم في ظل وجود تحكّم أكبر الآن وأدوات تحد من الاستهلاك غير الطبيعي، وهذا يصبّ في مصلحة الشركات مرّة أُخرى.

 

هناك بعض الأصوات التي تعتقد أن ما يحصل هو محاولة من كُبرى الشركات لدفع المُستخدمين بعيدا عن استخدام الهواتف الذكية أملا في تسهيل انتقالهم لاستخدام أجهزة أُخرى كالساعات الذكية أو النظّارات، لكن تلك الأجهزة لم تأت لإزاحة الهواتف الذكية بشكل كامل، كما أن النظّارات ليست جاهزة كفئة، وبالتالي لن تُغامر الشركات بإبعاد المُستخدمين دون توجيههم لمكان ما، فالخسائر قد تكون حينها كبيرة.

  

الله وحده يعلم النيّات، وبعيدا عمّا إذا كانت تلك الشركات تكترث بالفعل لصحّة مُستخدميها أو كانت ترغب باللعب عكسيا على العامل النفسي، فإن تلك الأدوات موجودة ومتوفّرة الآن بين يدي المُستخدمين، والحرّية متروكة للجميع للاستفادة منها لتقليل مُعدّل الاستهلاك اليومي، أو تجاهلها والاستمرار على الوتيرة نفسها، وقد أخلت كل من آبل وغوغل وفيسبوك أمام الجميع المسؤولية عن عاتقها، ووضعت الشره الرقمي على عاتق المُستخدم.

     

undefined