شعار قسم ميدان

آخر فضائح غوغل.. تراقب المستخدمين دون هاتف ذكي وإنترنت

midan - mastercard

 

تجد مُعظم الشركات التقنية ملاذا آمنا لها في شروط الاستخدام لحماية نفسها عند انتهاك خصوصيّة المُستخدمين الذين يوافقون على هذا الأمر عند التسجيل في الخدمة، فإضافة فقرة عامّة مثل "يحق للشركة الاستفادة من بيانات المُستخدم لأغراض التسويق" يعني أن شركة مثل فيسبوك، على سبيل المثال لا الحصر، قادرة على تبادل بيانات المُستخدمين مع شركات أُخرى تحت مظّلة قانونية كاملة، مظّلة تختبئ تحتها غوغل التي بدأت مؤخّرا بتتبّع نشاط المُستخدمين حتى عند عدم اتصالهم بالإنترنت أو عدم استخدامهم للهاتف الذكي!

    

شبكة غوغل الإعلانية

تُسيطر غوغل بشبكتها الإعلانية على أكثر من 50٪ من سوق الإعلانات على الإنترنت(1)، فهي توفّر أدوات تسمح للمُعلنين استهداف فئات مُختلفة من المُستخدمين على حسب الموقع الجغرافي، أو العمر، أو الجنس، أو حتى كلمات البحث والمواقع التي يقومون بزيارتها باستمرار. تلك الأدوات تُقدّم أيضا للمُعلن إحصائيات كاملة ودقيقة للوقوف على جدوى تلك الحملة من أجل تكرارها أو تعديل بعض الخيارات قبل استكمالها(2).

  

وبالأرقام، فإن عائدات غوغل من تلك الشبكة تجاوزت حاجز الـ 100 مليار دولار أميركي في 2017، لهذا فإن تطوير خيارات جديدة باستمرار أمر لا بُد منه للحفاظ على نسبة النمو السنوية التي لا تقل عن 20٪(3).

   

وتجدر الإشارة هُنا إلى أن جميع الإحصائيات التي تُقدّمها غوغل للمُعلن تأتي نتيجة لتتبّع نشاط المُستخدم على الإنترنت. فعند البحث عن "حذاء رسمي أسود اللون" ستظهر مجموعة من الإعلانات ضمن نتائج البحث، وفي حالة الضغط على أحدها، سيتم إخطار المُعلن بأن المُستخدم شاهد إعلانه عندما بحث باستخدام كلمة ما، وقام بالضغط أيضا على الإعلان. نشاط غوغل لم يقف عند هذا الحد فقط، فهي حرصت على معرفة المواقع التي يأتي المُستخدمون منها لعرض إعلانات داخل المواقع، وهذا يعني من جديد تتبّعا لنشاط المُستخدم طوال الوقت. ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر بها إلى قراءة محتوى البريد الإلكتروني الوارد في "جي ميل" (Gmail) من أجل عرض إعلانات أكثر مصداقية(4).

           

        

ولا يجب أن ننسى بعض "المصادفات" التي تحدّث عنها البعض، فنظرا لوجود مُساعدات رقمية -سواء داخل الهواتف أو داخل أجهزة الترفيه المنزلي تستمع لحديث المُستخدم- أكّد البعض أنهم وعند الحديث عن موضوع ما تفاجأوا بظهور إعلانات لهم عند تصفّح الإنترنت، وتلك حوادث قد تكون عشوائية، أو قد تكون ناجمة عن الانتشار الكبير لنظام أندرويد الذي تُطوّره شركة غوغل بالأساس.

     

لكن، وعلى الرغم من تلك السيطرة، لم تهدأ غوغل، فالمُستخدم وعند البحث عن بنطال على سبيل المثال، قد لا يقوم بشرائه عبر الإنترنت ويُفضّل عوضا عن ذلك التوجّه إلى متجر الشركة لتجربته ومن ثم شرائه، وهذا أمر شكّل مُعضلة للشركة التي تعرض الإعلان للمُستخدم، لكنها لا تدري إن أتمّ عملية الشراء. ومن هنا، ظهر ما يُعرف بمحفظة غوغل (Google Wallet)، وهي عبارة عن محفظة إلكترونية يقوم المُستخدم بإضافة بطاقاته الائتمانية لها أملا في استخدامها عند شراء أي شيء، وبهذه الحالة تكون غوغل قادرة على الربط بين عمليات البحث وعمليات الشراء التي يقوم بها المُستخدم في الحياة خارج الإنترنت.

  

بطاقات الائتمان

لم تنجح محفظة غوغل في جذب شريحة كبيرة. كما لم تنجح أيضا مُحاولات أُخرى لتتبّع الأماكن التي يقوم المُستخدم بزيارتها اعتمادا على خاصّية تتبّع الموقع الجغرافي داخل الهواتف الذكية، وهذا يعني أن حلقة مفقودة في عمليات التسويق عبر الإنترنت لا تزال موجودة، فالمُعلن عبر شبكة غوغل الإعلانية لا يدري فيما إذا كان إعلانه قد دفع المُستخدم بالفعل لإتمام عملية الشراء. ومن هنا، كان لا بُد من تطوير أداة جديدة تُعرف بـ "قياس مبيعات المتجر" (Store Sales Measurement) بالتعاون مع شركة "ماستر كارد" (Mastercard) حسبما ورد في تقرير وكالة "بلومبيرغ" العالمية(5).

       

    

أعلنت شركة غوغل في 2017 عن أداتها الجديدة التي تهدف من خلالها إلى تحسين جودة الإعلانات وإظهار الجدوى الكاملة للمُعلنين(6)، وهي أداة تقوم بتتبّع عمليات الشراء التي يقوم بها المُستخدم العادي خارج شبكة الإنترنت باستخدام بطاقته الائتمانية، دون تسمية شركات بعينها، إلا أنها أكّدت أن 70٪ من المُستخدمين في الولايات المتحدة الأميركية يُمكن تتبّعهم بواسطة الأداة الجديدة. لكن بعض الحوالات المالية بين غوغل وشركة "ماستر كارد" تُبيّن دفع غوغل لمبالغ طائلة تصل إلى عشرة ملايين دولار أميركي على الأقل لإتمام تلك الصفقة(5).

       

نشاط غوغل لم يتغيّر، فالمُستخدم يقوم بالبحث عن نظّارات للشمس على سبيل المثال ويقوم باستعراض الخيارات والضغط على الإعلانات الظاهرة، وستقوم هي بتخزين تلك النقرات كما جرت العادة. لكنها ستنتظر، خلال 30 يوما على الأكثر، من شركات بطاقات الائتمان تقريرا مُفصّلا عن عمليات الشراء التي قام المُستخدم بها لمُطابقتها مع عمليات البحث والنقرات التي جرت عبر شبكة الإنترنت. وبهذه الحالة، يُمكن للشبكة الإعلانية إخطار المُعلن تحت بند "عمليات خارج شبكة الإنترنت" بأن المُستخدم بالفعل توجّه لمتجر ما لشراء القطعة بعد البحث عنها ومُشاهدة الإعلان على الشبكة(7).

      

وبعد انتشار تفاصيل هذه الاتفاقيّة السرّية، أكّد الطرفان أن البيانات لا تظهر بشكل نصّي دون تشفير، فلا غوغل قادرة على معرفة ما قام المُستخدم بشرائه بالتفصيل، ولا "ماستر كارد" قادرة على هذا الأمر أيضا، لأن كل شيء يتم تشفيره ويتم ربطه عبر تواقيع إلكترونية لا تكشف هوّية المُستخدم ولا أي بيانات شخصية حسبما أكّدت أيضا أطراف أُخرى كانت شاهدة على المُحادثات التي جرت بين الشركتين والتي امتدت لأكثر من أربع سنوات، وبالتالي فإن رقم بطاقة الائتمان، واسم المُستخدم، أو حتى موقعه الجغرافي لن يظهروا أبدا، بل سيتم الربط فقط باستخدام مُعرّف رقمي عشوائي يختفي بعد مُطابقة العمليات وتسجيلها ضمن السجل الذي سيظهر للمُعلن.

   

ما سبق يعني بشكل أو بآخر أن نشاط المُستخدم عبر شبكة الإنترنت يتم رصده وتسجيله بشكل كامل، وهذا أمر أصبح مفروغا منه في الوقت الراهن. ويعني أيضا أن نشاط المُستخدم خارج الشبكة مرصود بالكامل، حتى دون استخدام الهاتف الذكي أو أي جهاز آخر يعمل بنظام أندرويد، وكل هذا تحت غطاء قانوني 100٪ لا يُمكن مُحاسبة الشركة عليه، فأقصى ما يُمكن للجهات التشريعية القيام به هو إجبار الشركات على تغيير تلك المُمارسات وكأن شيئا لم يكن. ومن يدري، قد يكون رقم الهاتف الذي تطلبه بعض المحلّات التجارية لطباعة الفاتورة أداة مُستقبلية تسعى غوغل للحصول عليها لتقديم نتائج تُرضي المُعلنين الذين يدفعون المليارات سنويا، وتلك مليارات تُساوي 88٪ تقريبا من إجمالي دخل غوغل -ألفابت حاليا- السنوي(8)، وهذا يُفسّر شراهة الشركة الدائمة لإضافة مزايا تجذب المزيد في ظل مُنافسة شرسة أيضا مع كل من أمازون وفيسبوك.