شعار قسم ميدان

لأن التاريخ لا يكذب.. هل نهاية فيسبوك وغوغل قريبة؟

ميدان - فيسبوك غوغل

أصبح من الطبيعي جدا الحديث عن نهاية شبكة فيسبوك الحتميّة نظرا للفضائح التي لحقتها خلال العام الماضي على الرغم من أن قيمتها السوقية تتجاوز حاجز الـ 400 مليار دولار أميركي(2)، حالها حال آبل التي خسرت هي الأُخرى أكثر من 300 مليار دولار من قيمتها. ولم تسلم غوغل أيضا من المقالات التي تتحدّث عن صعوبة استمرارها مُستقبلا لأن التاريخ لا يكذب، فهل تحمل صفحاته فعلا أدلّة منطقيّة تؤكّد اقتراب نهاية كل من فيسبوك وغوغل؟ أم أن تلك الشركات بما أنها فريدة من نوعها مُستثناة من المُقارنات المنطقيّة المألوفة؟(3) 

 

تنويع مصادر الدخل

على الرغم من التخبّط الحاصل حاليا في سوق الأوراق المالية الذي تصدّرته -من ناحية القيمة- شركة آبل لفترة من الزمن بعد وصول قيمتها لأكثر من تريليون دولار أميركي، قبل أن تُزيحها فيما بعد مايكروسوفت ومن بعدهما أمازون، فإن الشركات الثلاث تتمتّع بأمان اقتصادي كبير حسب التعريف النظري للشركات التقنية وقانون الأعمال المُتعارف عليه.

 

تُركّز شركة آبل بشكل كبير على بيع الأجهزة على غرار هواتف آيفون وحواسب آيباد اللوحية، دون نسيان الحواسب المحمولة والساعات الذكية، وبعض المُلحقات مثل السمّاعات وأجهزة الترفيه المنزلي، "هوم بود" (HomePod). أما زبائنها، فهم مُستخدمو تلك الأجهزة على اختلاف شرائحهم، فالشركة نجحت في تطوير مُنتج وفي إيجاد سوق لتصريفه دون أي مشاكل. كما توفّر أيضا متجرا للتطبيقات تحصل منه على نسب شبه ثابتة تبلغ 30٪، مع اشتراكات شهرية في خدمات أُخرى مثل "آبل ميوزك" (Apple Music) أو "آي كلاود" (iCloud) للتخزين السحابي. 

 

ولا تختلف مايكروسوفت كثيرا، فهي الأُخرى تُركّز على تطوير برمجيات للشركات التي تدفع اشتراكات شهرية لقاء الحصول عليها، مع انتقالها مؤخّرا هي الأُخرى لتطوير بعض الأجهزة كحواسب "سيرفس برو" (Surface Pro) كوسيلة لإضافة مصدر جديد للدخل. أما أمازون، فهي تحصل على دخلها من الإعلانات من جهة، ومن بيعها للمُنتجات من جهة أُخرى، لتكون على شاكلة الشركات السابقة التي تتعامل بشكل مُباشر مع المُستهلك.

 

وتُعتبر سامسونغ أفضل مثال على الشركة القادرة على تنويع مصادر الدخل، فهي وإلى جانب الهواتف الذكيّة تقوم بإنتاج الشاشات وأجهزة التلفاز، مع مصانع أُخرى مُتخصّصة في تطوير الشرائح الإلكترونية لتخزين البيانات، وتتعاون معها شركات مُختلفة منها آبل في قطاع الشاشات، و"آودي" (Audi) في قطاع الشرائح الإلكترونية والمعالجات(1). صحيح أن تلك القطاعات تُدار على نحو مُنفصل، إلا أنها تدعم بشكل أو بآخر قيمة الشركة الإجمالية وسوف تُساعدها مُستقبلا على الاستمرار. عكس تويتر، فيسبوك، أو غوغل، التي تحتاج إلى تنويع مصادر دخلها لتجنّب النهاية القريبة، وهذا بحسب مجلّة "Vunela".

 

تُعتبر تويتر وفيسبوك دور نشر حديثة، فهي، وبحسب دراسات كثيرة، المكان الذي يأخذ منه مُعظم المُستخدمين أخبارهم اليومية
تُعتبر تويتر وفيسبوك دور نشر حديثة، فهي، وبحسب دراسات كثيرة، المكان الذي يأخذ منه مُعظم المُستخدمين أخبارهم اليومية
 
دور نشر

تُقدّم كل من مايكروسوفت، وآبل، وحتى أمازون، مجموعة من الخدمات المجانية للمُستخدمين، حالها حال كل من تويتر وفيسبوك، بالإضافة إلى غوغل، إلا أن آلية عمل الشركات الأخيرة تختلف بشكل كامل، فهي -باستثناء غوغل نوعا ما- لا تمتلك مُنتجا تصل من خلاله إلى المُستهلك التقليدي لأنه بالأساس هو المُنتج الذي تحتاج إلى كسبه أولا قبل تمريره فيما بعد للمُستهلك الحقيقي، الشركات أو المؤثّرين الذين يلجؤون لها لعرض الإعلانات فقط.

 

تُعتبر تويتر وفيسبوك دور نشر حديثة، فهي، وبحسب دراسات كثيرة، المكان الذي يأخذ منه مُعظم المُستخدمين أخبارهم اليومية(4). وعندما ينشر المُستخدم بيانات أكثر على تلك الشبكات، يُمكن للخوارزميات هنا التدخّل لعرض محتوى أكثر توافقيّة مع اهتمامات المُستخدم، وهنا الحديث عن المُشاركات وعن الإعلانات أيضا.

 

ترى الشركات في الشبكات الاجتماعية أفضل مكان لنشر الإعلانات بفضل البيانات التي تمتلكها التي تسمح لها باستهداف شريحة دون الأُخرى، تماما مثل المجلات والصُّحف اليومية التي كانت في يوم من الأيام تتوفّر مجانا مُعتمدة بشكل كامل في دخلها على الإعلانات. إلا أن ذلك النموذج لم يسمح لها بالاستمرار أبدا، ولم يبقَ في الميدان إلا من اعتمد بالأساس على اشتراكات شهرية كمصدر دخل إلى جانب الإعلانات(5).

 

وبإسقاط الكلام السابق على كل من تويتر وفيسبوك، وبدرجة أقل غوغل، يُمكن رصد النموذج نفسه، فتلك الشركات تُقدّم منصّة مجانية للمُستخدمين وتعتمد بدرجة كبيرة على الإعلانات كمصدر دخل ثابت. وهذا بحسب الكثير من التقارير ما سيؤدّي إلى نهايتها عاجلا أم آجلا بسبب التغيّرات الحاصلة في السوق التقني، وتحتاج إلى فرض اشتراكات شهرية على مُستخدميها من أجل تجنّب هذا المصير.

 

فيسبوك ليست مُجرّد منصّة لنشر المحتوى وتبادل الأخبار، فهي تُسيطر كذلك على سوق تطبيقات المحادثات الفورية في مسنجر و
فيسبوك ليست مُجرّد منصّة لنشر المحتوى وتبادل الأخبار، فهي تُسيطر كذلك على سوق تطبيقات المحادثات الفورية في مسنجر و"واتس آب"
 
كيانات كبيرة

بالعودة من جديد للتعريف النظري، فإن شركات بحجم فيسبوك وتويتر وغوغل، تعتمد في نموذجها الربحي على مصدر واحد للدخل يعني أنها غير مؤمّنة من التغييرات المُستقبليّة. لكنها وفي ذات الوقت، وباستثناء تويتر، كيانات كبيرة جدا لا يُمكن إيقاعها بسهولة لأنها على أرض الواقع تمتلك أكثر من منصّة لجذب المُنتجات (المُستخدمين) لبيعهم فيما بعد للمُستهلكين (المُعلنين).

 

فيسبوك ليست مُجرّد منصّة لنشر المحتوى وتبادل الأخبار، فهي تُسيطر كذلك على سوق تطبيقات المحادثات الفورية في مسنجر و"واتس آب"، بالإضافة إلى "دايركت" (Direct) في إنستغرام، وهذا يعني أن نبذ الشبكة الاجتماعية بحد ذاته لن يؤثّر كثيرا لأن سوق تطبيقات المحادثات الفورية فيه أسماء مثل "آي مسج" (iMessage) من آبل، و"تيليغرام" (Telegram) فقط، وبالتالي ستُحافظ فيسبوك على وقودها دون مشاكل.

 

ولا يجب تجاهل شبكة إنستغرام التي تنمو بثقة كبيرة بفضل المزايا الجديدة، وخصوصا خاصيّة الحكايات، وهذا يعني أن فيسبوك ككيان لن تذهب وسوف تستمر في الوجود تارة عبر "واتس آب" الذي سيبدأ بعرض الإعلانات قريبا(6)، وتارة عبر إنستغرام الكيان الأبرز في الوقت الراهن.

 undefined

أما غوغل، وعلى الرغم من مجانيّة مُعظم تطبيقاتها، فإن خدمات موجّهة للشركات متوفّرة أيضا باشتراكات شهرية، لتتماثل بذلك مع مايكروسوفت. كما أن مُحرّك بحثها وأرشفته القوية سيجعل من منصّتها الإعلانية هدفا لجميع الشركات. وهنا لم نتحدث حتى الآن لا عن أندرويد، ولا عن خدمة الشركة السحابية، "فايربيز" (Firebase)، ولا عن بعض الحزم البرمجية الموجّهة للذكاء الاصطناعي وللرؤية الحاسوبية. ما سبق ينقض فرضية الأصوات التي ركّزت على المشهد الخارجي الذي تعتمد فيه تلك الشركات على الإعلانات كمصدر دخل، وتجاهلت اللوحة التي يتجسّد فيها ذلك المشهد.

 

الخطر الحقيقي يُداهم تويتر و"سناب شات"، فهي لا تمتلك مُنتجات أُخرى ولا حتى شريحة مُستخدمين يُمكن بيعها والانتفاع منها من المُعلنين لفترة طويلة. ومن هنا، فإن حاجتها إلى فرض اشتراك شهري، أو إلى العثور على نموذج دخل جديد أمر ضروري جدا. تويتر قد تنجح في هذا الأمر، إلا أن شركة "سناب" (Snap Inc) لا تبدو أنها قادرة على ذلك، فهي ومنذ عام 2016 والأمور فيها آخذة بالانحسار شيئا فشيئا، دون أي بصيص من الأمل(7).

 

كُتبت العناوين الرئيسية لصفحات التاريخ عبر المحاولات الفريدة التي قام بها الأفراد والشركات، لتندرج بعدها محاولات مُشابهة كفقرات تحت تلك العناوين. وفي كتاب التاريخ المعاصر، جاءت غوغل وفيسبوك كعناوين رئيسية لأنها فريدة من نوعها، ومن الصعب جدا محاولة إزالتها أو مُقارنتها بفقرات فرعية في كتب التاريخ، فلو التزمت منذ البداية بالتعريفات النظرية الموجودة في كُتب إدارة الأعمال، لما وصلت لمكانتها الحالية أبدا.

المصدر : الجزيرة