شعار قسم ميدان

بعد سنوات من السيطرة المطلقة.. هل اقتربت نهاية "نتفليكس" فعلا؟

ميدان - نيتفليكس

غالبا، وحين التطرق لخطاب النهايات في النقاشات الشعبية، فإننا نُرجع نهاية شيء ما لعامل واحد، ونتجاهل كثير من التعقيدات والتفاصيل التي يمكن أن تؤثر على مآل المشهد. هذا الاختزال للأحداث محبب للنفس، أن تنستنج شيئا وفقا لعامل واحد، فتتعامل مع العالم بتعقيداته باعتباره واضحا، ولا شك أن التصنيف أمرٌ ممتع، ويجعلك في موقف الحَكَم على الأحداث. هذه الآلية في التفكير يمكن أن نعكسها كذلك حين الحديث عن نهايات الشركات التقنية؛ كتوقّع نهاية آبل مع رحيل "ستيف جوبز"، أو نهاية مايكروسوفت مع استقالة "بيل غيتس"، أو حتى نهاية "سناب شات" بعد سرقة فيسبوك لخاصيّة الحكايات. الدور اليوم على "نتفليكس" (Netflix) التي يرى البعض أن سطوتها على سوق بثّ المحتوى على الإنترنت ستنتهي قريبا مع توقّع تراجع كبير أيضا في قيمتها السوقيّة(1)(2).

حسنا، دعنا نعود للبدايات قليلا، حيث لم يكن الإيمان بفكرة بثّ المحتوى على الإنترنت كبيرا جدا مع بداية العقد الثاني من الألفيّة الجديدة، وهو ما سمح لشركة "نتفليكس" بتوقيع اتفاقيات مع كُبرى شركات إنتاج المحتوى للحصول على حقوق بثّ الأفلام والمُسلسلات على الإنترنت؛ فبحسب بعض المصادر، دفعت "نتفليكس" مليار دولار أميركي فقط للحصول على مُحتوى من إنتاج شركة "إيبكس" (Epix)، والمبلغ نفسه لشركة "سي دبليو" (CW)، التي تعمل تحت مظلّة "سي بي إس" (CBS)، وهذا للحصول على مجموعة كبيرة من المُسلسلات والأفلام التي وصلت إلى ملايين المُشاهدين حول العالم(3).

بالأرقام، فإن تلك الإستراتيجيّة سمحت للشركة بالنمو بشكل كبير جدا، فسعر السهم بلغ في يوليو/تموز 2009 ما يُعادل 6.2 دولار أميركي فقط. لكنه اليوم في يوليو/تموز 2019 وصل إلى 315 دولارا تقريبا، لتكون من أكبر الشركات الأميركية نموًّا في التاريخ(4). إلا أن تلك الأرقام، من وجهة نظر البعض، ما زالت لا تكفي!

المنافسون قادمون بقوة

مع حلول 2020 ستخسر "نتفليكس" حقوق بث مجموعة كبيرة جدا من المُسلسلات مثل "فريندز" (Friends) أو "ذا أوفيس" (The office)، دون نسيان مجموعة كبيرة جدا من أفلام شركة "ديزني" (Disney)، وهذا بسبب انتهاء العقود أولا، ولأن الشركات المالكة لتلك الأفلام والمُسلسلات -"ديزني" و"إن بي سي" (NBC)- تنوي دخول سوق بثّ المحتوى على الإنترنت أيضا، وبالتالي ستتوفّر تلك الأسماء التي أحبّها الجميع على منصّات مُنافسة(5).

"لاكاسا دي بابيل" اعتُبر مع حلول 2018 أكثر مُسلسل أجنبي من ناحية المُشاهدات على شبكة نتفليكس
 

ما سبق قد يؤدّي من الناحية النظرية إلى توجّه المُستخدمين نحو خدمة "ديزني+" التي ستبلغ تكلفة الاشتراك فيها 7 دولارات أميركية تقريبا. أو إلى خدمة "إيه تي آند تي تي في" (AT&T TV)، المالكة بالأساس لشركة "وارنر ميديا" (WarnerMedia) المالكة لشبكة "إتش بي أو" (HBO) المُنافس المُباشر لشركة "نتفليكس" والتي أنتجت مُسلسل "صراع العروش" (Game Of Thrones)، وبالتالي فإن "نتفليكس" بصدد مواجهة مُنافسة شرسة ستؤدّي بحسب التوقّعات إلى نزول سعر سهمها إلى 240 دولارا أميركيا تقريبا، لتنخفض قيمة الشركة من 165 مليار دولار إلى أقل من 100 مليار دولار أميركي، والحديث هنا عن أفضل الاحتمالات، لأن البعض يتوقّع نزول سعر السهم لما دون الـ 200 دولار أميركي(1)(6).

الأرقام لا تكذب

في الحقيقة، فإن وضع "نتفليكس" من الناحية المالية فعلا ليس مُستقرّا أبدا، فالشركة تصرف ما يُقارب الـ 15 مليار دولار أميركي لإنتاج محتوى جديد خاص بها يُساهم في جذب المُستخدمين. إلا أن أرباحها لم تتجاوز حاجز الـ 1.2 مليار دولار أميركي، فهل تكفي قاعدة مُستخدميها وتُساعدها على الاستمرار؟

تمتلك "نتفليكس" حاليا أكثر من 149 مليون مُشترك شهريا حول العالم. لذا، فإن الوصول للمُستخدمين ليس بمُشكلة أبدا سواء بمحتوى قديم أو بمحتوى جديد خاص بها، وهو ما تعمل عليه في الوقت الراهن، ولعل أسماء مثل "لاكاسا دي بابيل" (La Casa De Papel)، "دارك" (Dark)، "هاوس أوف كاردز" (House of Cards)، دون نسيان "ناركوس" (Narcos)، كفيلة بإنقاذ اسم الشركة التي لن تسقط بسهولة.

"لاكاسا دي بابيل" اعتُبر مع حلول 2018 أكثر مُسلسل أجنبي من ناحية المُشاهدات على الشبكة عالميا(7). ومع صدور الجزء الثالث، ووضع إعلانات شركات كبيرة مثل سامسونغ داخل المُسلسل يعني أن النموذج الربحي الذي منح شبكة فيسبوك إمبراطوريّتها يُمكن استخدامه في "نتفليكس" أيضا، لتتنوّع بذلك مصادر دخلها، تارة من المُشتركين، وتارة أُخرى من الإعلانات داخل المحتوى الذي تقوم بإنتاجه.

إعلان شركة سامسونغ داخل الحلقة الأولى من الجزء الثالث من 
إعلان شركة سامسونغ داخل الحلقة الأولى من الجزء الثالث من "لاكاسا دي بابيل"

 

أما المُنافسون، وعلى الرغم من إنتاجهم، وامتلاكهم، لمجموعة كبيرة من الأسماء، فإن مناطق تغطيتهم الرئيسية هي الولايات المُتحدة الأميركية، السوق التي تُشكّل 45٪ تقريبا من إجمالي مُشتركي "نتفليكس"، أي إن 67 مليونا من مُشتركيها في أميركا، و83 مليونا موزّعين حول العالم، وهو رقم كبير لن تقوى بقيّة الشركات على حصده بسهولة لأن التوسّع في أسواق جديدة يعني الامتثال لقوانين كل دولة والحصول على موافقات لبثّ المحتوى فيها، دون نسيان البنية التحتية التقنية وتطويرها، الأمر الذي برعت "نتفليكس" به والذي سمح لها بتقديم حلقة تفاعلية في الجزء الخامس من مُسلسلها الشهير "بلاك ميرور" (Netflix) غيّرت شكل استهلاك المحتوى على الإنترنت وفتحت بابا جديدا من الاحتمالات(8).

وتجدر الإشارة هُنا إلى أن التقارير التي تحدّثت عن التراجع القريب لشبكة "نتفليكس" قديمة العهد وتعود لعام 2015 تقريبا، وتلك تقارير اعتمدت أيضا على فكرة وجود مُنافسين قادمين للشبكة التي غرّدت وحيدة لفترة طويلة من الزمن، بالإضافة إلى المحتوى الذي سيُحذف بسبب انتهاء العقود، إلا أن الشركة منذ تلك الفترة وهي تقوم بإنتاج مُسلسلات وأفلام قويّة ساعدتها على الاستمرار في رفع سعر سهمها طوال الوقت(9).

اقتباسات

undefined

لعلّ أقرب الأمثلة التي يُمكن لشبكة "نتفليكس" الاعتبار منها هي شركات بثّ المحتوى الصوتي على الإنترنت، فشركة "سبوتيفاي" التي تمتلك حاليا أكثر من 215 مليون مُستخدم نشط شهريا، بالإضافة إلى أكثر من 100 مليون مُشترك شهريا، لديها مُنافسون ظهروا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، "آبل ميوزك" (Apple Music) على سبيل المثال لا الحصر، التي نجحت في حصد أكثر من 60 مليون مُشترك حول العالم. لكن هذا لم يحدّ لا من نموّها، ولا حتى من نمو "سبوتيفاي"(10)(11).

ماذا عن خدمات بثّ الفيديو مثل يوتيوب أو فيسبوك "ووتش" (Watch)، صحيح أن يوتيوب تُسيطر منذ فترة طويلة جدا على هذا السوق بأكثر من ملياري مُستخدم نشط شهريا(12)، إلا أن هذا لم يمنع فيسبوك وخدمتها لبثّ الفيديو في الحصول على أكثر من 400 مليون مُستخدم خلال الأشهر الثلاث الأولى فقط منذ إطلاقها(13)، لترتفع الأرقام إلى أكثر من 700 مليون مُستخدم شهريا مع حلول 2019(14).

وفي سوق أخرى، ليس ببعيد عن "نتفليكس"، تتنافس مايكروسوفت مع أمازون على صعيد خدمات التخزين السحابي، فخدمة أمازون "إيه دبليو إس" (AWS) التي انطلقت في 2006 أدخلت أكثر من 25 مليار دولار أميركي على خزينة الشركة في 2018، في وقت أدخلت فيه خدمات مايكروسوفت السحابية مُجتمعة، التي تضم "آجر" (Azure)، أكثر من 30 مليار دولار أميركي(15)(16).

الأمثلة السابقة، وغيرها الكثير، تؤكّد أن السوق يتّسع لأكثر من اسم وبإمكان أي شركة الحصول على حصّة لا بأس بها عندما تتوفّر الشروط الصحيحة. وفي حالة "نتفليكس"، تقف عوامل كثيرة في صفّها كالبنيّة التحتيّة القوية التي تُتيح لها بثّ المحتوى بأفضل جودة مُمكنة في أماكن مُتفرقّة حول العالم، دون نسيان امتلاكها لمجموعة كبيرة من المُسلسلات والأفلام التي ستُساعدها على الاستمرار لفترة طويلة. لذا، فإن سيناريو تراجع قيمتها خلال عامين لأقل من النصف هو تشاؤم، أو مُبالغة إن صحّ التعبير، لأن ظهور المُنافسين لو كان عاملا قاتلا لكان من الأجدر أن يقضي على "سبوتيفاي" مثلا أو على "أنغامي" مع ظهور "آبل ميوزك" أو "غوغل ميوزك".

المصدر : الجزيرة