شعار قسم ميدان

"نساء ثائرات".. كيف واجهت المرأة السورية رحى الحرب؟

ميدان - المرأة السورية
مقدمة المترجم

في السنوات الأخيرة، ومنذ بداية الثورة، بدأت المرأة السورية بلعب دور مهم في الحراك السياسي السوري، حتى أصبح العديد منهن يحملن السلاح ويدافعن عن مصير الثورة. هذا التقرير يناقش أحوال وأدوار المرأة في الأزمة السورية، وكيف أثّرت الأوضاع السياسية والاجتماعية على دورها في الداخل السوري.

 

نص التقرير

يبدو أن ملامح المرأة السورية التي كانت عالقة تحت ركام أحد المستشفيات في حلب لم يجذب انتباه رئيس الولايات المتحدة الأميركية (آنذاك) باراك أوباما، عندما علم بنجاة الطفل السوري عمران دقنيش. وهذا يثبت أن وضع المرأة في الأزمة السورية يحتاج إلى مزيد من الاهتمام.

 

بالرغم من احتراق حلب تلك الأيام تحت غارات بوتين والأسد الجوية فإن اهتمام العالم اتجه نحو المشاجرات والمحادثات التي تجري بين أميركا وروسيا. العديد من هذه المحادثات والتي تمحورت حول قصف مواكب المساعدات الإنسانية، وإدانة البربرية في سوريا أدى إلى زيادة التصعيد في المناقشات الأميركية لروسيا. فمحصلة المعاناة السورية، من مقتل 400 ألف مواطن وإزاحة نصف عدد السكان السوريين من منازلهم، لم تحظ باهتمام الرأي العام.

 

الطفل عمران الذي نجا من تحت الركام جراء القصف  (ناشطون)
الطفل عمران الذي نجا من تحت الركام جراء القصف  (ناشطون)

  

لكنّ المتظاهرين من النساء والرجال في سوريا كانوا يطمحون إلى هدف أسمى وأكبر من مجرد جذب أنظار العالم إليهم. كانت "الحرية" و"الكرامة" كلمات مفتاحية تتردد في جميع مظاهرات السوريين السلمية والتي كانت ضمن الحراك السياسي الذي اعتبرته الأطياف السورية جزءا لا يتجزأ من الربيع العربي. وبعد خمس سنين ونصف، أتى تساؤل الأكاديمية والناشطة في حقوق المرأة، سينثيا إنلو، حول الوضع السوري: "أين النساء؟" ضمن دائرة سؤال أوسع وأكثر ترددا على مسامع الكثيرين: "أين الناس؟".

 

ففي الثورة التي تحولت إلى حرب في سوريا، سلّطت العديد من عدسات المستشرقين التي كانت تركز على وضع المرأة في الشرق الأوسط الضوء على هذه التساؤلات.

  

الأمن الإنساني للمرأة

خبرات المرأة في الحرب تتفاوت. كما أظهر كل من الدكتور ناجي العلي ونيقولا برات لنا، فإن التنازلات التي تمت على حساب أمن المرأة في حروب الشرق الأوسط بإمكانها أن تحفز أو تقوّي حراكهن السياسي. لكن الإجابة السريعة عن جميع التساؤلات الناتجة من البحوث المختزلة والإغفال الظاهر في التحقيقات المتعلقة بالجمهورية السورية الممزقة ومجتمعها المفكك تأتي من النساء أنفسهن.

 

فالعنف الموجه ضد المرأة كان وما زال كبيرا في سوريا. فحسب مصادر لمنظمة الأمم المتحدة، فإن 13.5 مليون سوري تأثروا خلال الأزمة السورية، من ضمنهم 4.1 مليون امرأة وطفلة لديهم القدرة على الإنجاب. بالإضافة إلى أن 48٪ من أصل 4.8 لاجئ سوري الذين سجلتهم هيئة الأمم المتحدة هم من النساء أيضا. ومن ضمن الـ 1،521 سوري الذين لاقوا حتفهم (أغسطس/آب) الماضي، حسب الشبكة السورية التابعة لمنظمة هيومان رايتس ووتش، كانوا من النساء والأطفال. 

ولقد استخدمت قوات الأسد الاغتصاب، الذي اعتبره مجلس الأمن الدولي ضمن قائمة جرائم الجماعات الإرهابية غير التابعة للدول حسب قرار 2253، كوسيلة لتعذيب النساء، والأطفال، وحتى الرجال من المحتجزين في سجون النظام.

 

العنف الجنسي يمثل ما وصفه دينيز كانديوتي بمحاولة وحشية لـ"استعادة الرجولة" لنظام ذكوري مهدد من قبل الثورات. في دولة إسلامية وعربية مثل سوريا حيث يكون الدفاع عن العرض والسمعة مهمة تقع على عاتق الأفراد جميعهم، ومن هنا يتم استخدام الاغتصاب للضغط بشراسة على معارضي النظام وإخضاعهم بقوة.

 

   فيلم فرنسي: نظام الأسد استخدم سلاحا لقهر المعارضين


النساء الثوريات

كمثيلاتها من ثورات الربيع العربي، لوحظ أن الثورة السورية فيها أيضا مشاركة واسعة من قبل ناشطات  خبيرات وثوريات مبتدئات في الساحة. النساء السوريات يمثلن رمزا للمقاومة الشعبية ضد نظام المخابرات البعثي في سوريا. فالمدونة تل الملّوحي، والتي حُجزت من قبل القوات المسلحة السورية منذ عام 2009، مثال على ذلك. ولا يمكن لانتفاضة أن تعد شائعة ما لم يكن للمرأة دور يذكر فيها.

 

الناشطات في سوريا هن منشقات سلميات يعبرن عن آرائهن من خلال ساحات إعلامية ناشئة، ويهتممن باليتامى، والأرامل، والنازحين في المنفى بطريقة مؤسسية غير رسمية تحت إشراف غير حكومي. من خلال عملهن كمعيلات لأسرهن، ومحاربتهن بعناد للتفرقة خارج بلادهن، فإن مشاركة المرأة السورية في الصراع السوري تعكس الطبيعة المعروفة لثورة تقاوم القمع المضاد للحراك الشعبي، والعنف الذي يمزق سوريا إربا إربا.

 

لكن من الصعب رسم خطوط واضحة بين الثورة السلمية والثورة المسلحة. فهناك متظاهرات، وإعلاميات، وسياسيات معارضات، وطاهيات يعملون للجيش السوري الحر، وممرضات ميدانيات، ومعلمات في المدارس المؤقتة، ومعاونات في عمليات الانشقاق العسكرية، وحتى مقاتلات ضمن النساء الثوريات في سوريا.

 

التعامل مع التسلح

لقد لاقى وجود المرأة داخل ساحات المعارك أكبر تغطية إعلامية من قبل محطات الأخبار. ومثال ذلك، قصة دعم المراهقات الغربيات المجندات في تنظيم الدولة للتدخل العسكري الأميركي في جبل سنجار أثناء تباريهن مع نساء يزيديّات مُختطفات. تغطية أخرى غطت مقاتلات وحدات حماية الشعب الكردية لتمثيل العنف النسائي والتي ناقضت ضمنيا صور المضطهدين من قِبل تنظيم الدولة في سوريا، البلد التي تحولت إلى خط مواجهة للحرب على الإرهاب.

 

وجود العديد من الناشطين والناشطات في سوريا دفع نظام الأسد إلى التخلص منهم بالتزامن مع تحول الأزمة السورية إلى حرب أهلية وإقليمية. فكل من الناشطة رزان زيتونة والناشطة سمير خليل كانتا من ضمن مجموعة "الدوميّون الأربعة" الذين تم اختطافهم قبل 3 سنوات تقريبا. الحرب حفّزت ووسعت حاجة المرأة ونشاطها في جميع الميادين. فبعض الهيئات غير الحكومية، مثل هيئة بسمات للتنمية، أصبحت تركز بشكل خاص على حاجيات النساء والأطفال داخل سوريا وشقيقتها لبنان.

 

 

قصص وتحديات

أدركت المرأة السورية أن إشهار ما يحدث في الداخل السوري مهم جدا في تشكيل وتوجيه مسار الأحداث السورية. أصبحت النساء السوريات يدعمن قصص الحرب الثورية. فهناك نساء ضمن المؤسسين لصحف محلية في ظل الثورة السورية، مثل: صحيفة "عنب بلدي" التي أصبحت ثنائية اللغة. وهناك أيضا مدونات سوريات يقمن بتغطية أحداث الحرب اليومية ضمن مقالات تترجم لجمهور ناطق باللغة الإنجليزية. ليس هذا فحسب، فالمتظاهرات السوريات في داريا لجأن إلى الاحتجاج عن طريق شجب ما يفعله نظام الأسد من حصار وتجويع كوسيلة عسكرية في مقالاتهن.

 

لكن نسبة حديث النشطاء الإعلاميين والأكاديميين حول تمثيل المرأة في البرلمان والتشريع أصبحت أقل في سوريا من دول الربيع الأخرى، مثل: مصر وتونس. فاستمرار الحرب أدى إلى تضييق مساحة الرأي والتعبير حول ما يجري إلى التعرض الجسدي فقط، الذي سيدوم الحديث عنه ما دام شلال الدم مستمرا في التدفق.

 

وما زالت المرأة السورية تواجه عدة عقبات في نشاطها داخل المدن السورية. فمثلا، هاجمت جبهة النصرة الجهادية عدة مراكز نسائية، من ضمنها "مركز مزايا" داخل إحدى المناطق المحررة في إدلب والذي ترأسه غالية رحال، الحائزة على جائزة "بطلة الثقة بالمرأة" من رويترز. كذلك خسرت غالية رحال ابنها، الصحفي خالد العيسى، في الصيف الأخير بعد أن قضى شهيدا.

 

في ظل حرب يسودها "الطابع الذكوري" وعدم الاستقرار الأمني، فإن ضمان وجود المرأة في مؤسسات غير حكومية حديثة الولادة، مثل المجالس المحلية، أصبح تحديا مستمرا تواجهه المرأة في الداخل السوري. فتمثيل المرأة في الحكم الذي يطمح له الشعب السوري كان أحد الأمور العديدة التي ألهمت المحتجين في الأيام الأولى للانتفاضة السورية.

 

وماذا عن الغرب؟
 الصحفية خلود وليد التي فازت بجائزة الشجاعة في تغطية الأماكن الخطرة من منظمة raw in war (مواقع التواصل)
 الصحفية خلود وليد التي فازت بجائزة الشجاعة في تغطية الأماكن الخطرة من منظمة raw in war (مواقع التواصل)

 

في المجتمعات العربية لفترة ما بعد الكولونيالية لا يزال الماضي والحاضر يتواجه مع الدول الغربية بخطاب سياسي ثابت اللون. برامج "التمكين" التي يوفرها الاتحاد الأوروبي وتلك التي يمولها الاتحاد الأوروبي لنساء المنطقة قد أعيد تغليفها، بحيث تقايض حربهنُّ على الإرهاب بالمزيد من الوكالة المقصودة على أسلوب الربيع العربي. في ظل هذه الظروف، لا يمكن ألا نتوقع المقاومة المحلية.

 

باءت محاولة الأمم المتحدة في تحقيق اتزان بالتمثيل بين الذكور والنساء داخل المعارضة السورية بالفشل، كما حدث في النكسة التي كانت ضد حركة "دي ميستورا للنساء" والتي مثّلتها مستشارات في اللجنة العليا للمفاوضات. مع ذلك، فقد وعدت الهيئة الوطنية للمعارضة السورية بتسليم 30٪ من المقاعد للمرأة السورية.

 

اللامبالاة الواضحة بالأزمة السورية وضعت غمامة على الجوائز التي أُعطيت لثوريين جديرين بها، مثل الصحفية خلود وليد. فالاعتراف بإنجازات المرأة بين النشطاء تعتمد أهميته على مدى مشاركتها في محنة الثورة المستمرة.

 

لكن الجوائز العالمية التي أُعطيت للناشطين والثوريين لم تكن مجدية كثيرا. فشهرة الصحفية زينة رحيم الحائزة على إحدى هذه الجوائز، لم يمنع السلطات البريطانية من مصادرة جواز سفرها في "مزايدة دمشق". وفي هذا السياق، أرسلت مجد شرباجي، إحدى ناشطات مدينة داريا اللواتي تم احتجازهن سابقا، والحائزة على جائزة الشجاعة الدولية لوزارة الخارجية الأميركية، رسالة إلى الرئيس الأميركي لتعطيه خيارا قاسيا كان مفاده:

 

"عندما سيسجل التاريخ اسمك، إما سيذكر أنك أغلقت عينيك وأذنيك عن صرخات وويلات الآلاف من السوريين المُحتجزين في سجون الأسد، وإما سيقول عنك إنك الرجل السلمي الذي استطاع أن ينقذ مئات آلاف من الأبرياء". الحرب في سوريا يجب أن تنتهي، لكن يجب أن يفوز مواطنوها، نساء كانوا أم رجالا، بحريتهم وكرامتهم تحت أي حل سياسي كان، حسب تصريحات كيري ولافروف.

========================================== 

 

المقال مترجم عن: (ذا كونفرسيشن)

المصدر : الجزيرة