شعار قسم ميدان

تاريخ أفريقيا الطويل مع الأخبار الكاذبة

ميدان - أفريقيا
 
تلاعبت الحكومات في القارة السمراء على مدى عقود بوسائل الإعلام الحكومية والخاصة مما أثر على مصداقية هذه الوسائل، إلا أنه وبعد الاستقلال سعت الأجيال الجديدة إلى كسر القوالب التقليدية وخلق وسائل إعلام بديلة تنشر الحقائق وتعرض صور الانتهاكات الحكومية عبر السنوات، مما ساهم بالفعل في تحسين الأوضاع بأفريقيا لدرجة كبيرة.
 

لقد رأى البعض في الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وفي ازدرائه للإعلام الشعبي، انتصارا لسياسات ما بعد الحقيقةوسياسات ما بعد الحقيقة هي ثقافة يكون فيها تأثير المشاعر والاعتقاد الشخصي على تشكيل الرأي العام أقوى من تأثير الحقائق الموضوعية.
 

undefined

 

فلم يقتصر الأمر على شن ترمب حربا على الإعلام الشعبي الأمريكي؛ بل يدفعها إلى اتجاه أكثر استبطانا، بوضعها مع وسائل الإعلام الهامشية التي أيدت حملته بالأخبار الكاذبة في الفئة نفسها. وللتجربة الأمريكية والجدل الذي أثارته حول ما بعد الحقيقة، والأخبار الكاذبة، والحقائق البديلة، صلة وثيقة بالوضع في أفريقيا؛ حيث ما تزال نظم الحقيقة فضفاضة ومحل نزاع.
 

من المهم إدراك غباء فكرة عصر ما بعد الحقيقة في أفريقيا؛ لأنها تفترض ضمنيا وجود عصر سابق كانت فيه الحقيقة واضحة. لطالما كانت علاقة معظم وسائل الإعلام الرئيسة في القارة بمؤشر المصداقية علاقة سيئة.
 

لذا فإن عصر ما بعد الحقيقة لا يشكل أي جديد داخل السياق الأفريقي، وهو ما يشرح ظهور أنظمة بديلة للتواصل ومواقع "للحقيقة". ويتراوح ذلك بين الشائعة والصور الثقافية الشعبية مثل الألعاب والموسيقى الشعبية.

 

سنوات ما بعد الاستقلال
أوهورو كينياتا، رئيس كينيا الحالي، هو المالك المباشر لمجموعة إعلامية تضم صحفا وقنوات إذاعية ومحطات تلفزيونية (رويترز)
أوهورو كينياتا، رئيس كينيا الحالي، هو المالك المباشر لمجموعة إعلامية تضم صحفا وقنوات إذاعية ومحطات تلفزيونية (رويترز)


عقب الاستقلال في أوائل ستينيات القرن الماضي، شرعت أغلب الحكومات الأفريقية في
القضاء على وسائل الإعلام الخاصة، بشكل منهجي. لقد ضخت الحكومات استثمارات ضخمة في وسائل الإعلام المملوكة للدولة؛ حيث كان ينظر إليها باعتبارها وسائل هامة لإدارة السلطة.
 

 وبامتلاك الحكومات للإعلام الشعبي تمكنت من "خلق" الحقيقة أو نزع الشرعية عنها وقتما تراها الحكومات خطرا على الوضع الراهن. على سبيل المثال، تحكمت الحكومة الكينية في الإعلام الشعبي عبر التملك، خلال حكم "جومو كيناتا" ومن بعده "دانيال أراب موي". وهو ما مكنها من تحديد أي الأخبار شرعية وأيها ليست كذلك. وفي السنوات الأخيرة من رئاسة "موي"، وخلال حكم "مواي كيباكي"، كان التملك يجري من خلال وكلاء.
 

أما "أوهورو كينياتا"، رئيس كينيا الحالي، فهو المالك المباشر لمجموعة إعلامية تضم صحفا وقنوات إذاعية ومحطات تلفزيونية؛ لكن العقدين الأخيرين قد شهدا نقلة كبيرة؛ حيث كان لعملية تحرير القطاع الإعلامي أثرا محفزا على نمو وسائل إعلام خاصة ذات ثقل.

 

الإعلام الخاص ينضم إلى المعركة

شجعت التشريعات الجديدة على إنشاء الآلاف من شركات الإعلام الخاصة؛ التي لعبت دورا كبيرا في خلق خطاب إصلاحي ديمقراطي في القارة، لا يمكن تجاهله. فكان للإعلام الخاص في بلاد مثل جنوب أفريقيا، وكينيا، وغانا، ونيجيريا، دورا مؤثرا في مساءلة الحكومات، بدرجات مختلفة.
 

لكن من المهم الانتباه إلى القيود المفروضة على الإعلام الخاص. فما تزال الدولة -على سبيل المثال- هي المعلن الأكبر والأوحد في أفريقيا السوداء. كما اشتهرت الحكومات الكينية والجنوب أفريقية بسحب الإعلانات من الصحف التي تمارس النقد. في الواقع، قامت الحكومة الكينية قبل أسابيع بسحب كل الدعاية الحكومية من بعض الجرائد الخاصة. ويؤثر هذا التلاعب على المستويات المتفاوتة من انعدام ثقة القارة في وسائل الإعلام الرئيسة.
 

أما التطور الرئيس الآخر في السنوات الأخيرة، فكان ظهور مجموعة جديدة من الإعلاميين، تضم مدونين وصحفيين مدنيين، قاموا بتغيير الممارسة الإعلامية التقليدية. ولقد تعاظم تأثيرهم مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي.
 

وسائل التواصل الاجتماعي تخلق مساحة كفاح جديدة

undefined

أصبح الإعلام الجديد موقعا لإنتاج ونشر الأخبار، يستحيل تجاهله. وهذا صحيح في حالة مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص. وازدادت جاذبية هذه المواقع مع ظهور الأشكال البصرية مثل الميمات (Meme)، ليتزايد الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة استثنائية.

 

لقد سمح تويتر وفيسبوك للجمهور بتطويق البنية التحتية المعلوماتية التي تسيطر عليها الدولة. وأظهر مسح جديد أن واحدا من كل عشرة من الوسوم (hashtags) الأفريقية الأشهر في عام 2015، كان له صلة بالقضايا السياسية؛ بينما كانت النسبة في أمريكا وبريطانيا 2% فقط.

 

نشاط وسائل التواصل الاجتماعي في أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، يثير قلق الحكومات. حتى إن كثيرا منها راح يستثمر في وسائل لتقييد هذه الظاهرة

يستطيع الناس الآن سرد قصصهم، ومشاركة تجاربهم، بجرأة لا مثيل لها، لا تعيقها القيود المفروضة على الإعلام الخاص. صار هناك افتضاح روتيني لحالات الفساد السياسي، مثل الرشوة، بواسطة أفراد على تويتر وفيسبوك والمدونات.

 

إن نشاط وسائل التواصل الاجتماعي في أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، يثير قلق الحكومات. حتى إن كثيرا منها راح يستثمر في وسائل لتقييد هذه الظاهرة، ما بين بنية تحتية تقنية، أو قانونية. لكن المستخدمين يستغلون الثغرات للاشتراك في أشكال مختلفة من الدعاية، وكسب المال عن طريق الروابط المثيرة. ويكمن التحدي في أن القيود الأخلاقية والقانونية المفروضة على القصص المنشورة في وسائل الإعلام الرئيسة، لا تمتد بالضرورة لتشمل القصص المنشورة إلكترونيا.
 

كذلك يجري استغلال الثغرات القانونية من قبل الحكومات والمؤسسات والمنظمات. ففي جنوب أفريقيا، ظهرت تقارير عن خطة يعدها المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم لزرع "أخبار كاذبة" في وسائل الإعلام الجديدة، لتشويه سمعة منافسيه في الانتخابات المحلية الأخيرة.
 

الإجابة

في الوقت الذي توفر فيه التقنيات الجديدة فرصا غير محدودة لتداول المعلومات، تتوفر للتضليل فرص غير محدودة أيضا. تعتبر تدخلات "أفريقاتشيك" و"آيويتنس نيوز" وغيرها، الهادفة إلى كشف الأخبار الكاذبة، تطورات إيجابية يجب تشجيعها. لكن تحويل توثيق الحقائق إلى صناعة أخرى قد يؤدي بكل بساطة إلى مؤسسة الأخبار الكاذبة.  من وجهة نظري، أرى أن الحل يكمن في تقوية وسائل إعلام القارة بصورها المتعددة، بما يجعلها أقل استجابة للضغوط والمصالح السياسية والاقتصادية الراسخة.

______________________________________
القمال مترجم عن: الرابط التالي
المصدر : الجزيرة