شعار قسم ميدان

جامعات الضفة.. هل تتجاوز الحركات الطلابية أسوار القمع؟

ميدان - بيرزيت
الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت (وفا)
مُناظر "الشبيبة" يرفع صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يصافح الرئيس "الإسرائيلي" المتوفى شمعون بيرز. كانت هذه أكثر اللحظات شحناً وإثارة ودلالة في دعاية جامعة بيرزيت الانتخابية، الجامعة المقامة بريف رام الله، عاصمة السلطة الفلسطينية السياسية.

 

في اليوم التالي لهذا المشهد، استطاعت الكتلة الإسلامية، ذراع حماس الطلابية، أن تحقق، وللعام الثالث على التوالي، الانتصار في انتخابات مجلس طلبة "بيزيت"، بعد أن أحرزت 25 مقعدا من مقاعده، مقابل 22 مقعدا للشبيبة، ذراع فتح الطلابية، فيما حصل القطب الطلابي، ذراع الجبهة الشعبية على 4 مقاعد، وخرجت باقي الكتل خالية الوفاض من "المعركة الانتخابية".

 

غير أن مشهد المناظرة والدعاية والانتخابات في بيرزيت، لا يعكس واقع الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية، بل يمثّل استثناء لها، لا من جهة النتائج فحسب، بل من جهة واقعها وطبيعتها، ومساراتها التاريخية القريبة، وبيئتها التنافسية الأقل خطرا من الجهة الفلسطينية، ومناخها الديمقراطي، وواقع كتلها الطلابية وإدارتها.

 

 تعتبر الشبيبة ذراع حركة فتح في الحركات الطلابية الجامعية (رويترز)
 تعتبر الشبيبة ذراع حركة فتح في الحركات الطلابية الجامعية (رويترز)

 

قبل انتخابات بيزيت، كانت الشبيبة تفوز في انتخابات أغلب جامعات الضفة ومعاهدها التي شهدت انتخابات طلابية هذا العام، ففازت في جامعة النجاح بنابلس أكبر جامعات الضفة الغربية، وجامعة البولتكنيك في الخليل، بمشاركة الكتلة الإسلامية في الانتخابات؛ وفازت كذلك في جامعات "الأهلية، وخضوري، وبيت لحم"، بمقاطعة الكتلة الإسلامية.

 

لا تكفي نتائج الانتخابات للولوج إلى فهم واقع الحركة الطلابية الفلسطينية في جامعات الضفة، بل لعلّ النظر إليها وحدها وانتزاعها من سياقاتها التاريخية والأمنية والسياسية، يقدّم صورة مشوّهة لواقعها؛ إذ أن الانتخابات هي بنتُ بيئتها، وهي اللحظة التي تُقطف فيها ثمرة التفاعلات النقابية والسياسية داخل الجامعات وخارجها، وعليه، فإنه لا يمكن فهم هذه اللحظة، بمعزل عن زمانها الممتد في الجغرافيا الفلسطينية، والعوامل التي تتشابك لصناعتها والتأثير فيها.

 

إضافة إلى ذلك، فإن الحركة الطلابية الفلسطينية كانت، على مدار تاريخها، حركة وطنية طليعية يسبق فيها الوطنيُّ النقابيَّ، ويتقدم فيها الفعل الرافض للاحتلال على سواه، وتتحدد أوزان كتلها بناء على إسهامها في الحالة الثورية والكفاحية، قبل أن تُفرض على المجتمع الفلسطيني قيمٌ جديدة، تكرّست بقوّة بعد الانقسام.

 

نظرة في التاريخ

مثّلت الحركة الطلابية الفلسطينية رافعة حقيقية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني بشكلها الحديث، ومعناها القديم الذي سبق اللفظ، إذ تشير الإحصائيات إلى أن 65% من القيادات الفلسطينية أيام الانتداب البريطاني كانت جامعية؛ وتؤكد الدراسات التاريخية للحركة الطلابية انخراطها القوي في مقاومة الانتداب أيام الثورة العربية الكبرى (1936-1939)، حيث أغلق الطلبة أيامها كلية النجاح بنابلس، عاما كاملا ضمن الإضراب الذي عمّ الأراضي الفلسطينية، كما استشهد عدد منهم خلال أعمال المقاومة، وكان من أبرزهم، رئيس مجلس طلبة القدس فريد عوري، الذي قتلته قوات الانتداب وهو يحاول إلقاء قنبلة نحوها.

  

 

وبعد إعلان إقامة دولة "إسرائيل" والنكبة الفلسطينية، تفرّق الشعب الفلسطيني داخل حدودها الانتدابية وخارجها، ومضت سنوات قبل أن يستطيع الشعب المتفرّق في الأقطار أن يستجمع شتاته؛ ثمّ كان تفجير مجموعة من حركة فتح نفق عيلبون في اليوم الأخير من عام 1964م هو الإعلان الرسمي عن انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي نشرت بلاغها العسكري الأول في الأول من كانون ثاني 1965.

 

كانت روابط الطلبة الفلسطينيين، لا سيما الرابطة المصرية، رافدا أساسيا من روافد الثورة، وهي تمدها بقادتها المؤسسين كياسر عرفات وصلاح خلف، ثمّ بكوادرها ومثقفيها ومقاتليها.

 

في أواسط السبعينيات بدأت الحركة الطلابية الفلسطينية بالتشكل في جامعات الضفة ومعاهدها على صورتها الحديثة؛ وكانت كتلها الطلابية امتدادا لقوى منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها حركة فتح؛ ثم بدأت الكتلة الإسلامية، التي ستصبح فيما بعد ذراع حماس الطلابية، في الظهور نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، قبل انطلاق حماس الفعلي نهاية 1987، وكان أبرز مظهر لتلك الانطلاقة فوزها الكبير في انتخابات مجلس الطلبة بجامعة النجاح عام 1980، متأثرة بالصدى الواسع الذي صنعته الثورة الإسلامية في إيران، قبل أن يتشكّل الوعي المذهبي عند عموم الناس أيامها.

 

وأسهمت الحركة الطلابية في انتفاضة الحجارة التي انطلقت في 1987 بفاعلية، فأغلق الاحتلال جامعاتها التي شكلّت "صداعا ثوريا" له، وارتفعت نسبة المعتقين في سجونه من 20% قبل الانتفاضة إلى 70% خلالها، ظلّت السيطرة على الساحات الجامعية حكرا على الشبيبة الطلابية ذراع حركة فتح، حتى كانت اتفاقية أوسلو عام 1993، التي أعادت الثورة الفلسطينية من الخارج إلى فلسطين على شكل سلطة حكم ذاتي، بعد سيل طويل من التحولات في مساراتها.

 

الكتلة الطلابية الإسلامية ذراع حماس الطلابي في جامعة النجاح (1995)  (رويترز)
الكتلة الطلابية الإسلامية ذراع حماس الطلابي في جامعة النجاح (1995)  (رويترز)

 

كانت حماس، تكرّس نفسها مع الأيام، فصيلا فلسطينيا متمايزا وقويا ومنافسا، ومع "أوسلو" وقيام السلطة الفلسطينية، أصبحت حماس حركة مقاومة، لا للاحتلال "الإسرائيلي" فحسب، بل لمسار الواقعية التنازلية وعملية التسوية، التي تقودهما فتح والسلطة.

 

في الساحات النقابية المختلفة، كانت حماس تؤكّد على شعبيتها، فسيطرت على انتخابات مجالس الطلبة في معظم مجالس الضفة الغربية منذ منتصف التسعينيات حتى 2006، وشمل ذلك جامعات الضفة الكبرى كالنجاح وبيرزيت والخليل والبولتكنيك والقدس، كما أنها كانت تؤكّد على دورها باعتبارها حركة مقاومة من خلال تفردها، وحركة الجهاد الإسلامي، بالعمل العسكري المقاوم منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى انتفاضة الأقصى؛ وفي ظل استهداف السلطة لحماس ومحاولة إقصائها عن الحياة السياسية والمجال العام، مثلّت الكتلة الإسلامية رافعة حقيقية للحركة الوطنية الفلسطينية، وقدّمت من طلبتها وخرجيها، أكبر أسمائها اللامعة في المجال العسكري خلال تلك الحقبة، كيحيى عياش، ومحيي الدين الشريف، وعماد وعادل عوض الله؛ بالإضافة إلى أبرز أسماء قياداتها السياسية، كجمال منصور وجمال سليم، وحسن يوسف.

 

وعلى المستوى النقابي، استطاعت مجالس الطلبة التي قادتها الكتلة الإسلامية، مواجهة سياسات إدارات الجامعات، لا سيما سياسة رفع الأقساط؛ وقد كان تشكيل هيئة موحدة لمجالس الطلبة في مختلف جامعات الضفة، التي كانت الكتلة تقود أغلبها عام 1997، ثم اعتصامها في وزارة التربية والتعليم العالي برام الله، خطوة مميزة في تاريخ الحركة الطلابية النقابي، انتهت بتدخل "أبي عمار" لمنع رفع الأقساط، بعد مناظرة تاريخية بين محمد صبحة رئيس مجلس الطلبة في جامعة النجاح حينها، وحنان عشراوي، وزيرة التربية والتعليم العالي في وقتها، والتي قالت لعرفات إن "صبحة" سيكون رئيسا قادما لفلسطين.

 

أسهمت أوسلو في تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية عموما، وهو ما امتدّ إلى الجامعات الفلسطينية، وكانت حماس تحاول مقاومة هذا الانحدار، وشكّلت الجامعات ركيزة أساسية في هذا السعي
أسهمت أوسلو في تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية عموما، وهو ما امتدّ إلى الجامعات الفلسطينية، وكانت حماس تحاول مقاومة هذا الانحدار، وشكّلت الجامعات ركيزة أساسية في هذا السعي
 

وفي المقابل، كانت الشبيبة، بالإضافة إلى خساراتها في الانتخابات الجامعية، تتماهى سياسيا مع خطاب السلطة الفلسطينية، وتذوب في بناها، وهو ما انعكس فيما بعد بتقديمها كبار قادة أجهزتها البيروقراطية والأمنية حاليا، مثل محافظي المحافظات الفلسطينية، وقيادات الأجهزة الأمنية، وعلى رأسهم قائدا جهازي المخابرات والأمن الوقائي الحاليان، ماجد فرج وزياد هب الريح.

 

أسهمت أوسلو في تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية عموما، وهو ما امتدّ إلى الجامعات الفلسطينية، وكانت حماس تحاول وحدها مقاومة هذا الانحدار، وشكّلت الجامعات ركيزة أساسية، وحالة مميزة في هذا السعي، غير أن الحملات الأمنية الكبيرة التي شنها الاحتلال والسلطة بحق الحركة، وافتقارها إلى الأدوات الكافية لمواجهة مساراتها، لم يسعفها إلا في تحقيق نجاح جزئي محدود.

 

بعد وصول مفاوضات كامب ديفيد إلى طريق مسدود، ومع اقتحام رئيس حزب الليكود الأسبق أرئيل شارون للمسجد الأقصى، اندلعت انتفاضة الأقصى في 28 أيلول 2000، وكان للحركة الطلابية الفلسطينية دور مميز في انطلاقها، فكانت أول مسيرة في الضفة بدعوة من مجلس الطلبة الذي تقوده الكتلة الإسلامية في جامعة بيزيت، ثمّ اتسعت رقعة المسيرات والمواجهات لتشمل الضفة الغربية.

 

بعد عسكرة الانتفاضة، كانت الحركة الطلابية الفلسطينية، لا سيما الكتلة الإسلامية، واحدا من أهم روافد المقاومة المسلحة، فكانت أبرز قيادات كتائب القسام، جناح حماس المسلح، من طلبة الجامعات وخريجيها، أمثال أيمن حلاوة، وقيس عدوان، ومحمد الحنبلي.

 

خلال مظاهرة لطلاب جامعة النجاح  (رويترز)
خلال مظاهرة لطلاب جامعة النجاح  (رويترز)

 

أما فتح، التي تقود الساحة الفلسطينية بعرفات ورجال الثورة القدماء، فلم تكن قد شطبت الكفاح المسلح من بين خياراتها -من ناحية تكتيكية على الأقل-، وهو ما انعكس في تأسيس كتائب شهداء الأقصى، التي شاركت بقوة في أعمال المقاومة المسلحة خلال انتفاضة الأقصى؛ بدون أن يكون للشبيبة دور واضح وكبير فيها.

 

ومع تسارع الأحداث، وتشكيل الضفة الغربية حالة إزعاج كبرى للاحتلال، لا سيما عبر عملياتها الاستشهادية، قرر رئيس وزراء الاحتلال أرئيل شارون اجتياح ما يسمى بالمناطق "أ" في الضفة الغربية ضمن ما أطلق عليه الاحتلال حينها عملية "السور الواقي"، وهي العملية التي استنزفت، مع شبيهات لها فيما بعد، كوادر الانتفاضة، ومن بينهم كوادر الحركة الطلابية، في الضفة بالشهادة والاعتقال.

 

داخل أسوار أغلب الجامعات، توقفت العملية الانتخابية خلال سنوات ذروة انتفاضة الأقصى ما بين (2000-2003) نظرا للظروف الأمنية المعقدة، وتقطّع أوصال المدن والقرى؛ وبعد تراجع بريق الانتفاضة، عادت الانتخابات من جديد، واستمرت الكتلة الإسلامية في تحقيق نتائج متميزة فيها، مع فوز الشبيبة بالمجالس في بعض الجامعات ما بين (2004-2007).

 

الانقسام.. لحظة صناعة القمع

فازت حماس في الانتخابات المحلية عام 2005، ثمّ في الانتخابات التشريعية عام 2006، ونظرا لرفض نتائج الانتخابات، وسيطرة فتح على جسم السلطة الفلسطينية، والحصار الغربي الذي فرض على الحركة بعد رفضها شروط الرباعية، لم تنجح حكوماتها المتعاقبة في تنفيذ برنامج الحركة، والسيطرة على الضفة والقطاع، وهو ما انتهى إلى أحداث الانقسام الفلسطيني في 14 حزيران 2007.

 

قتل الطالب محمد رداد، داخل حرام جامعة النجاح، إثر شجار بدأ طلابيا بين الكتلة الإسلامية والشبيبة، وذلك بعد أيام قليلة من
قتل الطالب محمد رداد، داخل حرام جامعة النجاح، إثر شجار بدأ طلابيا بين الكتلة الإسلامية والشبيبة، وذلك بعد أيام قليلة من "الحسم العسكري" في غزة
 

بعد أيام من "الحسم العسكري" في غزة، كما تطلق حماس على ذروة أحداث الانقسام، كان الطالب المنتمي للكتلة الإسلامية محمد رداد يقتل برصاصة من مسافة الصفر، داخل حرام جامعة النجاح، إثر شجار بدأ طلابيا بين الكتلة الإسلامية والشبيبة، ثمّ اتسع بدخول عناصر أمنية مسلحة من خارج الجامعة، لينتهي بمقتل رداد، وإصابة عشرة من طلبة الكتلة الإسلامية.

 

بعد يوم واحد من الحادثة، أصدر رئيس الجامعة رامي الحمد الله، الذي يشغل الآن منصب رئيس الوزراء الفلسطيني -دون أن يتخلى عن رئاسة الجامعة-، قرارا بفصل 10 من طلاب الكتلة الإسلامية في النجاح، قبل أن تسجّل قضية مقتل ردّاد ضد مجهول، وتعتقل الأجهزة الأمنية الفلسطينية أغلب الطلبة المفصولين.

 

كانت حادثة مقتل الطالب ردّاد الصورة الأكثر تجليّا لما تتجه إليه أوضاع الجامعات في الضفة الغربية، فقد اتّخذت غالبية إدارات الجامعات، المحسوبة على السلطة وفتح، إجراءات بمنع النشاط الطلابي عموما، ونشاط الكتلة خصوصا، وأُجّلت الانتخابات في كثير من الجامعات، وتساوقت إدارات الجامعات مع السياسية الاستئصالية التي تتخذها السلطة ضد حماس، والتي انفجرت سجنا وتعذيبا وملاحقة.

 

كان الطالب عبد الرحمن اشتية يقف بالقرب من رامي الحمد الله خلال "شجار النجاح"، ومقتل الطالب محمد ردّاد، دون أن ينقذه ذلك من الفصل ثمّ الاعتقال لدى الأجهزة الأمنية. يمثّل اشتية، عضو مجلس الطلبة السابق في النجاح، ومنسق كتلتها الإسلامية، صورة لما تعرضت له الحركة الطلابية عموما، والكتلة الإسلامية خصوصا، خلال فترة ما بعد الانقسام.

 

 

اشتية الذي دخل الجامعة عام 2003 تخرّج منها عام 2015، بعد أن قضى 4 أعوام ونصف في سجون الاحتلال، وعامين في سجون السلطة، وعاما في الفصل الذي أصدرته بحقه إدارة الجامعة، يقول: حظرت الإدارة الأنشطة الطلابية في النجاح، وركّزت المنع على الكتلة، وسبقت السلطة إلى تنفيذ الإجراءات القمعية بحق طلبتها، وقد خسرت الحركة الطلابية الفلسطينية كلها بهذه الإجراءات.

 

السياسات القمعية التي استهدفت حماس وكتلتها الإسلامية، امتدت على نطاق الضفة كاملة، وباستثناء "بيزيت" فإن الانتخابات الطلابية تحولت إلى مناسبة موسمية تحدد إدارات الجامعات المختلفة وقتها وفقا لرؤاها المنطلقة من رؤى السلطة السياسية؛ فهي الآن متوقفة في جامعتي الخليل والقدس، وأجريت هذا العام للمرة الأولى في النجاح بعد انقطاع دام 3 سنوات.

 

وبالإضافة إلى سياسة قمع حماس، بصفتها خصما سياسيا للسلطة وفتح، فإن سياسات تجريف وطني عامة طالت المجتمع الفلسطيني كلّه، رسّخت فيه ثقافة الاستهلاك، وعزّزت لديه أنماطا معيشية ترفية لا تتواءم مع شعب تحت الاحتلال، وأغرقت قطاعات واسعة منه بالقروض البنكية، وحاولت ترسيخ رموز أخرى في ذهنه كالممثلين والمغنين بدلا من المقاومين والشهداء، واستهدفت بناه العسكرية المقاومة بالملاحقة، سواء تلك التي تنتمي إلى حماس، أو إلى غيرها من الفصائل.

 

"الحركة الوطنية الفلسطينية في أسوأ حالاتها".. يقول الكاتب الفلسطيني ساري عرابي، والذي كان قائدا طلابيا في جامعة بيزيت، وقضى 11 عاما ما بين (1998 – 2009) حتى استطاع أن يتخرج من الجامعة، نتيجة الاعتقالات المتكررة لدى الاحتلال، ثمّ 3 سنوات من الاعتقال عند السلطة قضت بها محكمة عسكرية فلسطينية.

  

 ساري عرابي (يسار) في سجن مجدو (1998) (مواقع التواصل)
 ساري عرابي (يسار) في سجن مجدو (1998) (مواقع التواصل)

 

ويرى عرابي أن سبب هذا الضعف هو تمكن السلطة من هندسة المجال الجامعي، من خلال تماهي الإدارات مع سياسات السلطة وتنفيذها بشكل واضح، وذوبان الشبيبة في السلطة وتبني مساراتها، بالإضافة إلى حالة التجريف الوطني العام الذي تمارسه السلطة في الضفة الغربية، وهو ما يتّفق معه اشتية.

 

ويعزّز هذا الرأي، ما نقلته دراسة "دور الحركة الطلابية في التحرر الوطني، فرص ومعيقات" عن عمداء شؤون الطلبة في جامعات الضفة، بأن "جامعاتهم ليست معنية بالتصعيد الحالي، والهبة الشعبية "انتفاضة القدس"، فهي ليست أولوية أو اهتماما، لأن الجامعات منوطة بالتعلم".
 

وتبدو نتيجة هذه السياسات جلية في الإقبال الباهت للطلبة على الانتخابات الجامعية، التي لم يزد معدل نسبها في جامعات الضفة -باستثناء بيرزيت- هذا العام، عن 55%، وفي أرقام عدد من البيانات المسحية التي أظهرت أن أكثر من 61% من طلبة الجامعات لا رغبة لهم في المشاركة السياسة، (استطلاع نماء والجهاز المركزي للإحصاء 2014)، وأن 40% من الشباب الفلسطيني لا يعرف ما هو النهج الذي يجب اتخاذه لحل القضية الفلسطينية (استطلاع أوراد 2017)، وأن ما نسبة 58% لا يثقون في قدراتهم الشخصية في التأثير في القضايا العامة، وأن مستوى الاهتمام في النشاط السياسي في الضفة الغربية سنة 2013 لم يزد عن 22%. ناهيك عن تراجع أولويات الحركة الطلابية والشباب بشكل عام، حيث اعتبر 78% أن أولويتهم القصوى هي الأقساط الجامعية، فيما كانت نسبة من صرحوا أن مشاركتهم في الانتخابات الجامعية تعبر عن موقف سياسي متعلق بالقضايا الوطنية هي 10% فقط، منذ سنة 2012. (استطلاع أوراد 2012-2013)

 

وبحسب عرابي، فإن مهمة عودة الحركة الطلابية الفلسطينية لمكانتها الطليعية، ملقاة على أكتاف الكتلة الإسلامية التي تقوم بدور نضالي على المستوى الوطني في هذه اللحظة التاريخية، غير أنه من المهم كذلك أن يكون هناك استنهاض لدور فتح والشبيبة، لأنها، مثل حماس، متجذرة في وعي الشعب الفلسطيني.

 

خلال السنوات الماضية، لم تكفّ حماس عن محاولة إعادة بناء تنظيمها، وتشكيل حالة جهادية جديدة في الضفة الغربية، وقد حالت الظروف الأمنية المركبة، والتي تستهدف فيها الحركة من الاحتلال والسلطة دون نجاح غالبها؛ وقد كان من بين هذه المحاولات، محاولات طلابية بحتة، من أبرزها إعلان الاحتلال عن اعتقال 25 طالبا من جامعة القدس كانوا يخططون لعمليات تفجيرية داخل الخط الأخضر.

 

بيرزيت.. الاستثناء المؤسِّس

من بين جامعات الضفة، تبدو "بيرزيت" المثال الأقرب الذي يمكن أن تتأسس عليه عودة الحركة الطلابية لدورها الريادي، ولعلّ لذلك أسبابا عدة، أبرزها:

 

انتخابات جامعة  بيرزيت (صفا)
انتخابات جامعة  بيرزيت (صفا)

 

– التميّز التاريخي الذي اتصفت به الجامعة طوال تاريخها القريب، حيث كان استشهاد اثنين من طلابها عام 1986 شرارة مؤسسة لانتفاضة الحجارة، وكانت من أوائل المشاركين بقوة في انتفاضتي الأقصى والقدس.

– نأي إدارتها، إلى حد كبير، بنفسها عن سياسة السلطة في الضفة، والتعامل بتوازن مع الكتل الطلابية، والسماح بالأنشطة الطلابية بدون انقطاع، والالتزام بانتخابات دورية ثابتة لا يتغير موعدها. ويذكر هنا أنه في اللحظة التي كان محمد ردّاد يقتل فيها بجامعة النجاح، كان اعتصام مماثل في بيزيت ينتهي بمفاوضات جادة، وبتدخل حكيم من الإدارة، رغم اعتداء أمن الجامعة على الطلبة المعتصمين.

– قدرة الحركة الطلابية في "بيرزيت"، ولا سيما الكتلة الإسلامية، على مقاومة الظروف المعقدة والملاحقة الأمنية المفروضة عليها منذ اللحظة الأولى بعد الانقسام، وإصرارها على المشاركة في العمل النقابي، والانتخابات.

 

– ارتفاع مستوى الوعي والرغبة في المشاركة السياسية لدى طلبتها، نتيجة انتظام النشاط الطلابي والنقابي، والذي يدلّ عليه نسبة الإقبال على الانتخابات الأخيرة، والتي بلغت 74%.

 

لم تستطع أسوار جامعات الضفة الغربية، في أغلبها، حماية طلبتها، ولم يكن إطلاق لفظ "حرم" على ساحاتها، قادرا على تحويلها إلى أماكن محرمة على الاستهداف، ومع سنوات ما بعد الانقسام، كانت الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية تفقد حيويتها ومبادرتها، متأثرة بحالة المجتمع الفلسطيني، فهل تستطيع الحركة الطلابية تجاوز حالة التأثّر، وصناعة حالة التأثير التي اضطلعت بها تاريخيا؟! 

المصدر : الجزيرة