شعار قسم ميدان

الحقوق المنسية.. لاجئ أم مهاجر؟

midan - refugee

قبل عشر سنوات من بداية تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى شواطئ أوروبا، وإجبار واضعي السياسات في هذه الدول على الانتباه لهذه الظاهرة الإنسانية، نقل الشريط الوثائقي "في هذا العالم" (In this World) الذي أنتجه مايكل وينتربوتوم سنة 2002 ، القصة الخفية للهجرة الدولية.

 

من خلال رسم مسار الرحلة السرية الخطيرة نحو أوروبا، لاثنين من المواطنين الأفغان- المراهق جمال وعناية الله، 30 سنة تقريبا، من مخيم شامشاتو للاجئين في شمال غرب باكستان – يبين هذا الشريط الوثائقي الحقيقة البسيطة التي لا جدال فيها، جمال وعناية الله هما لاجئان ومهاجران في وقت واحد. وكغيرهم من العديد من المهاجرين، يبحثان بكل بساطة عن حياة أفضل، حياة الحرية والفرص والكرامة، لكن هذان الأفغانيان هما في نفس الوقت لاجئان، شخصان نزحا من مدنهما وقراهما نتيجة الصراعات القائمة والفقر المدقع- يسعون إلى حياة أفضل.

 

انطلاقا من عيشهم المزري في بيشاور، ثم سفرهم الخانق على متن شاحنة خلال عبورهما إلى أوروبا، ثم العمل في لندن دون أوراق، يجسد مسارهما الصورة الأكثر تعبيرا عن قصة النزوح والكفاح والتهميش. إنها أيضا قصة الحدود الاقتصادية والسياسية التي تسجن الناس بداخلها، ولتجاوز هذه الحدود غير المرئية، يضطر الناس ركوب مخاطرة مهولة. بالنسبة لعناية الله هذه المغامرة الخطيرة قد كلفته حياته. أما قصة جمال فقد كانت نهايتها أكثر سعادة، فبعد تقدمه بطلب للحصول على اللجوء في إنجلترا، تم تبنيه من قبل عائلة بريطانية بعد مشاهدتها شريط وينتيربوتوم، ومنحت الصبي مكانًا يعيش فيه يمكنه اعتباره موطنا له.

 

اليوم العالمي للاجئين
بموجب القانون الدولي فإن حقوق اللاجئين الذين يجبرون على ترك بلدانهم بسبب الحرب أو الاضطهاد مكرسة في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها اللاحق لعام 1967
بموجب القانون الدولي فإن حقوق اللاجئين الذين يجبرون على ترك بلدانهم بسبب الحرب أو الاضطهاد مكرسة في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها اللاحق لعام 1967
  
20 يونيو هو اليوم العالمي للاجئين، وهو مناسبة للتفكير ليس في اللاجئين فحسب وإنما في الأشخاص مثل جمال وعناية الله، اللذان يعتبران لاجئين ومهاجرين في آن واحد. يأتي الاحتفال بهذا اليوم في لحظة تاريخية، فللمرة الأولى من نوعها على الإطلاق، تعمل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة معا لوضع اتفاقيتين عالميتين جديدتين، الأولى تتعلق بالمسؤولية المشتركة لفائدة اللاجئين، والثانية من أجل اعتماد مقاربة أكثر إنسانيةً وتنسيقًا وكرامةً لإدارة قضية الهجرة العالمية.

 

بدأ المشروع في سبتمبر 2016، عندما اعتمدت الأمم المتحدة إعلان نيويورك التاريخي لتشكيل هيكل منسق للإدارة العالمية للاجئين والمهاجرين في غضون عامين. ومن المقرر أن ينتهي إعداد كلا الاتفاقين بحلول عام 2018، لكن من أجل تحقيق ذلك، يجب على واضعي السياسات النظر في ملايين الأشخاص الذين يمرون حاليا بمرحلة انتقالية، ويوجدون في وضع، يُصَّعِب من عملية الفصل التقليدية المعتمدة حتى الآن للفرز بين وضعي اللاجئين والمهاجرين.

 

بموجب القانون الدولي، فإن حقوق اللاجئين – الذين يجبرون على ترك بلدانهم بسبب الحرب أو الاضطهاد – مكرسة في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها اللاحق لعام 1967. بالمقابل، لا يتمتع الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم ساروا على هذا الدرب بمحض إرادتهم وباختيار منهم، بأي حقوق عالمية شاملة أو حماية. ويستفيد المهاجرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقع في عام 1948 للاستجابة لتدفقات اللاجئين الناجمة عن الحرب العالمية الثانية.

 

لكن إذا صرفنا النظر عن بعض أشكال الحماية الأساسية، فإن العديد من النازحين اليوم يتجاوز بوضعهم بعض المعايير الأساسية التي يستخدمها واضعو السياسات لتحديد من يحق له التمتع بالحقوق، وهذا المأزق القانوني يضع العديد من المهاجرين في خطر كبير.

 

مهاجر أم لاجئ؟
هناك من يبحر في رحلاتهم الخطيرة كمهاجرين، سعيا وراء فرص العمل وغيرهما من سبل الأمل. عدد كبير جدا من بين هؤلاء لن يعرفوا النهاية السعيدة ولن يظفروا بتلك الفرص (رويترز)
هناك من يبحر في رحلاتهم الخطيرة كمهاجرين، سعيا وراء فرص العمل وغيرهما من سبل الأمل. عدد كبير جدا من بين هؤلاء لن يعرفوا النهاية السعيدة ولن يظفروا بتلك الفرص (رويترز)
 
كل من يعبر الحدود الدولية دون أوراق، سواء كانوا من أمريكا الوسطى، الذين يتنقلون عبر القطارات انطلاقا من المكسيك للوصول إلى الولايات المتحدة أو الإثيوبيين الهاربين من الجوع في مراكب هشة غير صالحة للإبحار، يغامرون في الواقع بحياتهم ويواجهون مخاطر لا تعد ولا تحصى، بما في ذلك وقوعهم ضحايا العالم الخفي للمهربين والمعاملة اللاإنسانية من جانب السلطات والأخطار العقلية والبدنية للإخفاء والاستغلال.

 

ومثال على ذلك، أفاد مقال نشر مؤخرا في صحيفة الغارديان أن العصابات الإجرامية في ليبيا تحتجز مئات المهاجرين للحصول على فدية. ومنذ عام 2015، شهدت مياه البحر الأبيض المتوسط أحداثا مرعبة وصادمة، ناجمة عن محاولات يائسة من المهاجرين واللاجئين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والصومال وإثيوبيا وإريتريا إلى باكستان وبنغلاديش وسوريا وأفغانستان، الوصول إلى أوروبا. وقد تتحقق في بعض هؤلاء الأشخاص المواصفات المتضمنة في التعريف القانوني للاجئين، لكن هناك من يبحر في رحلاتهم الخطيرة كمهاجرين، سعيا وراء فرص العمل وغيرهما من سبل الأمل. عدد كبير جدا من بين هؤلاء لن يعرفوا النهاية السعيدة ولن يظفروا بتلك الفرص. في عام 2016، أفادت التقديرات بأن أكثر من 5000 شخص لقوا مصرعهم أثناء عبورهم البحر المتوسط، مما يبرز الحاجة الماسة لتقديم شكل من أشكال الحماية الإنسانية للمهاجرين، بصرف النظر عن وضعهم القانوني.

 

الأطفال على الطريق
يشكل القصر أبرز الأمثلة تأثيرا وتوضيحا لطبيعة هذا المأزق. خذ على سبيل عبد الله، الشاب البالغ الآن 19 سنة من العمر، الذي حظي في فبراير 2017، بدعم من مؤسسة بيت الثقافة في برشلونة، وهي منظمة تساعد على إعادة توطين المهاجرين الشباب.

 

قبل عقد من الزمن، عندما كان عمره تسعة أعوام فقط، اتخذت أسرة عبد الله في المغرب قرارًا يحدد مستقبله دون علم منه أو خياره الشخصي، فقام عمه بتهريبه من قرية في جبال الريف إلى مدينة سبتة الاستعمارية الإسبانية. وبعد أن تُرك عبد الله في الشوارع، لجأ إلى التسول لعدة أسابيع حتى التقطته السلطات المحلية. وبعد قضائه بعض الوقت في مركز للقاصرين، أرسل إلى برشلونة حيث قضى السنوات التسع التالية في منزل للأطفال من أمثاله، الذين عبروا هم أيضا الحدود الدولية دون أوراق. ومع مرور الوقت، حلَ أقرانه من الأطفال والمرشدين محل أسرته، وتعلم الاسبانية والكاتالانية، واكتسب مهارات الكمبيوتر وحصل على شهادة الثانوية العامة.

  

في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة إلى تلبية الاحتياجات، لا ينبغي لها نسيان أن الملايين من المهاجرين واللاجئين كل ما يسعون إليه هو الحصول على مكان يصبح بمثابة وطن لهم
في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة إلى تلبية الاحتياجات، لا ينبغي لها نسيان أن الملايين من المهاجرين واللاجئين كل ما يسعون إليه هو الحصول على مكان يصبح بمثابة وطن لهم
  

وفي عيد ميلاده ال 18، نفد الوقت، لأن التصريح بالإقامة كان يسمح له فقط بالإقامة في برشلونة، وليس للعمل، وكان من حق اسبانيا القانوني أن تعيد عبد الله إلى بلده وأسرته التي لم يعد يتذكرها جيدا. لكن أين يمكن تحديد مكان البيت الحقيقي والفعلي بالنسبة لشخص مثل عبدالله، الذي ترعرع وأمضى سنوات التكوين بعيدا عن مسقط رأسه من دون أي خيار منه؟ وما هي الالتزامات التي يتعين على البلدان الوفاء بها لحماية هؤلاء الشباب؟

 

مجرد "مهاجرين عاديين"
مثلما كتبت حنة أرندت، المنظرة السياسية البارزة وهي نفسها لاجئة، في مقالها في عام 1943 بعنوان نحن اللاجئون: "بادئ ذي بدء، نحن لا نحب أن نسمى "اللاجئين"…. لقد بذلنا قصارى جهدنا لإثبات أننا مجرد مهاجرين عاديين.. أردنا أن نعيد بناء حياتنا، وهذا كان كل شيء". وهذه الفكرة نفسها تغذي أسس كفاح النازحين اليوم، سواء أكانوا بدافع الصراع ضد الجوع أو العنف أو الفقر، فإنهم يصلون إلى الدول المضيفة على أمل أن يصبحوا أشخاص عاديين – ربما مختلفين من حيث الانتماء العرقي والثقافي، لكنهم مواطنون منتجون، وليسو عالة على غيرهم.

 

وفي الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها إلى تلبية الاحتياجات الناجمة عن التنقل البشري، بشكل عام، وتطوير اتفاق واحد لكل من اللاجئين والمهاجرين، فلا ينبغي لهم نسيان أن الملايين من المهاجرين واللاجئين يواجهون حالات غير واضحة ومترابطة، وكل ما يسعون إليه، هو الحصول فقط على مكان يصبح بمثابة وطن لهم.

 

______________________________________

المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة