شعار قسم ميدان

مسموح به في أوروبا.. لماذا تحظر مصر "الترامادول"؟

midan - pharmacy
تقبع امرأة إنكليزية تُدعى لورا بلومر في السجون المصرية لاتهامها بتهريب 290 من حبوب الترامادول. عُثر على الحبوب (وهي متاحة للبيع في المملكة المتحدة مادامت مقررة من الطبيب) في حقيبتها عندما فُحصت في مطار الغردقة الدولي في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول. قالت بلومر إنها حصلت عليهم  من زميل لها لمعالجة آلام الظهر التي يعاني منها زوجها المصري، وقالت إنها لم يكن لديها "أدنى فكرة" أن هذه الحبوب غير قانونية في البلاد. فما هو إذًا الترامادول، ولماذا تُقلق هذه الحبوب السلطات المصرية؟

 

استُحدث الترامادول – وهو مستحضر غير طبيعي – لأول مرة عام 1962 عن طريق شركة الأدوية الألمانية "جروننثال" باعتباره مُسكن للألم. اكتسبت الشركة سمعة سيئة منذ 50 عامًا كونها الشركة التي سوقت مهدئ الثاليدومايد، وهو الدواء الذي استخدمته النساء الحوامل باعتباره مهدئ أو لعلاج  الغثيان فأدى إلى ولادة آلاف الأطفال المشوهين أو بدون أطراف. أما الترامادول، فهو دواء مختلف تمامًا، ولكن يوجد احتمال حقيقي لحدوث وفاة في حال استهلاكه بجرعات مفرطة.

  

حصل الترامادول على براءة الاختراع في عام 1972، ثم طُرح في الأسواق في عام 1977. اعتُرف بهذا الدواء بوصفه مسكن للألم بتأثير يبلغ 10% من قوة البروفين واستُخدم لعلاج الآلام المزمنة والآلام الحادة. ومثل المورفين، يعمل الترامادول عن طريق الربط مع مستقبلات أشباه الأفيونات الموجودة في المخ وفي مناطق أخرى من الجسد، مما يعوق رسائل الألم التي يبعثها المخ من الوصول إلى مكان الألم. يمنع الدواء إعادة امتصاص النواقل العصبية لجزيئات النورإبينفرين والسيروتونين، كما يمتلك خصائص مضادة للاكتئاب ومضادة للقلق.

        

ويُهضم الترامادول داخل الجسم ويتحول إلى عدد من الجزيئات المختلفة، وتكون أكثرها جزيئات "أو-ديسميثالترامادول"، التي ترتبط بمستقبلات أشباه الأفيون ارتباطًا أقوى مما يفعله الترامادول، وهو ما يجعله أقوى من المستحضر نفسه. لذا يعتبر الترامادول دواءً إدمانيًا؛ فهو يشكل جزيئًا يتحول عن طريق الأيض إلى إلى مادة أكثر نشاطًا.

  

        

انتشار الاستخدام

ربما لا يشكل هذا مفاجأة، فقد أطل الترامادول برأسه في عالم الرياضة. بعد أن اعتزل الدراج الكندي مايكل باري في عام 2012، كتب في سيرته الذاتية التي حملت عنوان "ظلال على الطريق"، أنه لجأ إلى الترامادول عندما كان لاعبًا في فريق سكاي. تعاطى باري الترامادول (وهو على كل حال مسكن آلام قانوني في معظم البلاد) عندما كُسرت ضلوعه في حادث تصادم. وقال إنه خفف من وطأة الألم، وجعله يشعر بـ "قليل من البهجة"، وأدرك أنه يستطيع أن يبذل مزيدًا من الجهد عند تعاطيه.

 

ونتيجة للقلق بشأن استخدام مسكنات الآلام وإساءة استخدامها في مجالات الرياضة، نادت أصوات من الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات بمنع استخدام الترامادول (مثل كثير من المنشطات، وإريثروبويتين، وأمفيتامين، والمنشطات الأخرى) ووضعها في جدول الأدوية المحظورة، لكنه في الوقت الحالي لا يزال ضمن قائمة الوصفات الدوائية التي يُراقَب استخدامها، مثل الكافيين والنيكوتين والكودين، وأدوية أخرى. يجري حاليًا برنامج بحثي لتحري ما إذا كان الترامادول يمنح الرياضيين مزايا معينة.

    

تعتبر إساءة استخدام مسكنات الآلام وإدمانها من المشكلات الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استمرت حملات التوعية والفعاليات منذ أن كان الهيروين هو المخدر الأشهر، الذي أودى بحياة كثيرًا من نجوم الروك، مثل جيم موريسون وجانيس جوبلين. والآن، صارت المخدرات الأشهر تتمثل في مسكنات الآلام التي يصفها الأطباء، مثل أوكسيكودون (الذي يشبه في تكوينه أوكسيكونتين، وهو "هيروين مغشوش") والفينتانيل (الذي قتل المغني برنس) الذي ثبت أنه يسبب الوفاة إذا وُضع في الأيدي الخطأ.

      

نجم الروك جيم موريسون
نجم الروك جيم موريسون
   

لم تكن العشرون سنة الأولى لطرح الترامادول في الأسواق مذهلة على صعيد المبيعات، فلم يحظى بانتشاره الكبير الذي أمسى عليه قبل أن يُطرح في الأسواق الأمريكية خلال التسعينات، حيث بدأ ظهور مشكلات الإدمان. انتشر هذا الأمر حاليًا ليصل إلى الشرق، بما في ذلك الصين وأفريقيا أيضًا. كما يُساء استخدامه على نطاق واسع في الكاميرون مثلًا، حيث يُعطَى إلى المواشي كي يمكّنهم من الحرث في أكثر الظروف المناخية حرارة.

   

ونتيجة لاستهلاكه عن طريق البشر والحيوانات، يمكن ملاحظة إفرازات الترامادول (وجزيئاته التي تتحول عبر الأيض) في التربة ببعض المناطق في الكاميرون، مما يعني أن النباتات تتعاطاه هي الأخرى. وقد أدى هذا في مرحلة ما إلى أن يعتقد العلماء أنه يُفرَز بصورة طبيعية في شجرة الهاكيا، على الرغم من أنه ظهر بعد ذلك أن النباتات غير قادرة على إنتاجه.

   

المشكلة المصرية

تواجه مصر مشكلة خاصة مع الترامادول؛ فهو يعتبر دواءً طبيًا في المملكة المتحدة ومادة خاضعة للمراقبة ضمن مواد الجدول الرابع في الولايات المتحدة، ولكن في مصر تخضع للرقابة أي مادة أفيونية، بما في ذلك الترامادول والكودين. ومن ثم فإن إحضاره إلى البلاد بدون إذن سابق، ولا سيما عندما يكون بكميات كبيرة (جلبت لورا بلومر معها 290 حبة من الدواء)، سيكون سببًا في جلب المشاكل. تمارس السلطات المصرية إجراءات مشددة مع أي شخص يكون في حوزته كمية كبيرة من الترامادول، كما أن المحاكم تشدد العقوبات على مثل هذه الممارسات، حتى أن العقوبة قد تصل إلى الإعدام.  

      

  

على الرغم من هذا، يعتبر الترامادول شائعًا في مصر ويساء استخدامه على نطاق كبير. فمن المؤكد أن الأشخاص يتعاطونه لأسباب أخرى بخلاف كونه عقارًا ترفيهيًا – خاصة بين أبناء الطبقات الفقيرة العاملة – تتمثل في أنه يمنحهم مزيدًا من الطاقة كي يعملوا لساعات أطول أو يعملون في وظيفتين.

 

فيما تسبب العقار في مشاكل خطيرة بمناطق محددة مثل قطاع غزة، حيث تسبب إدمان الترامادول في الاتجار غير المشروع فيه، والذي يتم في الغالب عن طريق التهريب عبر الأنفاق. أدى هذا إلى لجوء الحكومة إلى تطبيق إجراءات مشددة في هذا الصدد. لذا إن كان أحد الأشخاص في حاجة إلى اصطحاب أدوية خلال سفره إلى الخارج، حتى إن كانت هذه الأدوية وُصِفت وفقًا لإرشادات الطبيب، فينبغي التحقق من تعامل سلطات وجهة السفر مع هذه الأدوية. فربما يكون أحد الأدوية القانونية في بلد ما سببًا في دخول السجن لفترة طويلة -أو حتى عقوبة الإعدام -في بلد آخر.

——-

 

نُشر هذا المقال بموقع The Conversation للكاتب سايمون كوتون، وهو محاضر بارز في الكيمياء بجامعة برمنغهام (الرابط الأصلي)