شعار قسم ميدان

سوق العالم القادم.. لماذا أصبح الاستثمار في إفريقيا هدف العالم الأول؟

ميدان - سوق العالم القادم.. لماذا أصبح الاستثمار في إفريقيا هدف العالم الأول؟
 
لو أننا صدقنا وسائل الإعلام العامة لصعب علينا التصديق بأن أفريقيا قارة غنية بالفرص في قطاع الأعمال؛ لكن خبراء الأعمال الدوليين يقدمون القارة منذ فترة على أنها السوق الواعدة القادمة، ويشيرون كثيرًا إلى استعدادها لتسلم الشعلة من آسيا، حيث بدأت عجلة النمو هناك في التباطؤ والأسواق في الازدحام وما تزال المنافسة المحلية تزداد حدة.

 

 لقد سبقت الصين إلى استغلال هذه الفرصة بالاستثمار الهائل في أفريقيا، ليتضاعف إجمالي الاستثمارات الصينية بين عامي 2003 و2011  ثلاثين ضعفًا، من 491 مليون دولار إلى 15 مليار دولار، فبينما تَخلَّف الشركاء التجاريون التقليديون للقارة السمراء (وهم بريطانيا وفرنسا) أصبحت الصين هي الشريك التجاري الأول، بحجم معاملات تجارية يتعدى 166 مليار دولار.

أفسح النمو الاقتصادي الاستثنائي في نيجيريا المجال أمام مزيد من الاستهلاك، خاصة للمنتجات التي تمثل
أفسح النمو الاقتصادي الاستثنائي في نيجيريا المجال أمام مزيد من الاستهلاك، خاصة للمنتجات التي تمثل "بطاقات عضوية في الطبقة المتوسطة

وفي ما يلي إثبات لقدرة التركيبة السكانية الجديدة لأفريقيا على تقديم الكثير:

– تحوي القارة نحو 40% من الاحتياطي العالمي من الموارد الطبيعية.
– 60% من الأراضي الزراعية غير المستغلة.
– مليار شخص من ذوي القوة الشرائية المتصاعدة.
– قوى عاملة ضخمة.
    

إضافة إلى ذلك تضم أفريقيا عديدًا من الاقتصادات الأسرع نموا في العالم، والتركيبة السكانية الأكثر شبابًا، كما تتمتع هذه الاقتصاديات مجتمعة بطبقة متوسطة أكبر من مثيلتها في الهند، ولا تعتمد كثير من هذه الأمم -الأكثر توسعًا- على الموارد الطبيعية، حيث كان الإنفاق الاستهلاكي القوي هو صاحب الفضل في 66% تقريبا من حجم النمو الاقتصادي عام 2015، ويسكن نحو 50% من المواطنين في المدن.
 

إن الدول تخسر كثيرًا لتخلفها عن الموسم الجديد من "التدافع على أفريقيا" (Scramble for Africa)، وهو تدافع تجاري هذه المرة.
 

الفرص في أفريقيا

ولا تقتصر الفرص التي توفرها القارة على الموارد الطبيعية والأراضي والقوى العاملة، فلن نحتاج إلى إمعان النظر لرؤية العدد الكبير من الأسواق سريعة النمو ومناطق التميز داخل القارة، كما يعتبر قطاع التجزئة أحد هذه الفرص، فوفقًا لتقرير حديث توفر عديد من الدول الأفريقية مساحة سوق واسعة لتجارة التجزئة.

 

 ولو اتخذنا الغابون مثالًا سنجد أن التقرير يستخدم وصول الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى 21600 دولار، للتدليل على الفرص النفيسة التي توفرها الطبقة المتوسطة حديثة التشكل للشركات الأجنبية، خاصة مع التشظي الكبير لقطاع التجزئة المحلي، وكذلك توفر بلاد أصغر حجمًا مثل بوتسوانا وأنغولا فرصًا أكثر وأكثر. يمكننا رؤية الصورة نفسها على نطاق أوسع في أماكن أخرى، مثل سوق التجزئة المتخلف بعض الشيء في نيجيريا، التي يبلغ تعداد سكانها 178 مليون نسمة؛ حيث لا تجذب المتاجر الحديثة سوى 1% من إجمالي الإنفاق التسوقي، في سوق تهيمن عليه المتاجر غير الرسمية ومحلات البقالة.

 

 كما تعتبر طريقة تغير الثقافات والعادات مصدرًا آخر للفرص بالنسبة للشركات الأجنبية، فقد أفسح النمو الاقتصادي الاستثنائي في نيجيريا المجال أمام مزيد من الاستهلاك، خاصة للمنتجات التي تمثل "بطاقات عضوية في الطبقة المتوسطة". والشمبانيا المستوردة مباشرة من فرنسا طبقًا لبحثنا، هي إحدى المنتجات التي تشهد إقبالًا متزايدًا، بصورة غير متوقعة، فقد نما الإنفاق بمتوسط 26% في الفترة ما بين عامي 2007 و2012، وإن كانت الفترة الأخيرة قد شهدت تباطؤا هبط بالمؤشر إلى 12% تقريبًا.

     

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المنتجات المرتبطة بالطعام والشراب الفاخر تدل على تحول ثقافي هام باتجاه نمط استهلاكي أكثر تعقيدًا.
   

undefined

    

أهمية فهم الأسواق المحلية
أشار المدير التنفيذي لوكالة اتصالات رائدة في حديث قريب إلى أن النيجيريين خاصة الأغنياء منهم، لا يتسوقون لأنفسهم فحسب؛ إنهم يتسوقون لأفراد آخرين في عائلاتهم كطريقة للتأكيد على علو مكانتهم، ومع تحسن الحالة الاقتصادية للدولة، يمكننا توقع ظهور مزيد من المنتجات الراقية غالية الثمن في السوق، تلبية لاحتياجات طبقة متوسطة تزداد متطلباتها كما يتزايد أعضاؤها.
لطالما نظرت شركة آبل إلى نيجيريا باعتبارها سوقا أفقر من أن يجذب انتباه ها، وهو ما سمح لها بأن تصبح أهم شركات الهواتف المحمولة في نيجيري
لطالما نظرت شركة آبل إلى نيجيريا باعتبارها سوقا أفقر من أن يجذب انتباه ها، وهو ما سمح لها بأن تصبح أهم شركات الهواتف المحمولة في نيجيري
 

لطالما نظرت شركة آبل إلى نيجيريا باعتبارها سوقا أفقر من أن يجذب انتباه ها، وهو ما سمح لسامسونج بأن تصبح أهم شركات الهواتف المحمولة في نيجيريا. كيف نجحت سامسونج في ذلك؟ لقد أدركت الشركة أن هناك أفرادا في داخل الأسرة يمكنهم جمع الأموال من أفراد آخرين بكل سهولة، رغم فقر الدولة النسبي والناتج المحلي الإجمالي للفرد الذي يبلغ 3000 دولار فقط، بهذه الطريقة يستطيع المراهقون المفلسون أنفسهم توفير مبالغ كافية من الأقارب الأغنياء، لشراء الهواتف المحمولة غالية الثمن، ونتيجة لذلك بيع أكثر من 70% من الهواتف الفاخرة إلى أشخاص من أسر منخفضة الدخول.

 

كذلك تحوي قصة لوكوزيد كثيرًا من الفائدة، فقد أصبحت الشركة البريطانية رائدة سوق المشروبات في نيجيريا، بعدما أحسنت استغلال الوقت والمكان المناسبين، الذين سيحتاج إليها المستهلك ويقدرها فيهما، فقد باعت لوكوزيد مشروبات الطاقة المنعشة على جانبي الطريق، مما أكسبها شعبية بين الموظفين الذين كثيرًا ما ينفقون الساعات الطويلة في الزحام، وصار المشروب مرتبطًا باللحظات المنعشة.
 

ربما تكون هذه الملاحظات أقرب إلى الحكايات الشعبية؛ لكنها تؤكد على نقطة هامة هي أنه ليس من الحكمة الاقتصار على الإحصائيات الاقتصادية وحدها، كمؤشر كاف لتجاهل الأسواق الأفريقية، ويبقى الحل هو السعي إلى فهم الأسواق المحلية والعمل مع ذوي الاختصاص المحليين.
 

الابتكار

undefined

   

المصدر الثالث للفرص هو قدرة البلاد الأفريقية على أن تكون مصدرًا للابتكار أيضًا، وإحدى أشهر الابتكارات وأنجحها هي "إم-بيسا" (M-PESA).
 

ففي عام 2007 أطلق أكبر مشغلي شبكات المحمول في كينيا خدمة إم-بيسا، التي تمكن العملاء من تحويل الأموال بينهم باستخدام الهاتف المحمول، كما يمكنهم استخدام الهاتف لسحب النقود من داخل المتاجر المتواضعه.
 

اكتسبت هذه الخدمة شعبية هائلة بسبب ارتفاع تكلفة نقل الأموال، إضافة إلى توفيرها طريقة آمنة لحفظ النقود، لكن فوائد هذه الخدمة لم تقتصر على الراحة أو تيسير الحياة، فقد كشفت إحدى الدراسات عن زيادة دخل الأسر الريفية الكينية ما بين 5% و30% نتيجة لاستخدام إم-بيسا.
 

كما ظهرت مجموعة من الشركات الناشئة في العاصمة نيروبي، تقدم تنويعات جديدة على خدمات إم-بيسا ومع الاختلاف الشديد في الجوانب الثقافية والديناميكية للمستهلكين في أفريقيا، يمكننا القول بشيء من الثقة إننا سنشهد خروج مزيد من الابتكارات من هذه المنطقة من العالم.
 

وبينما كان من السهل تجاهل أفريقيا -في الماضي- باعتبارها في أفضل الأحوال مجرد مصدر للسلع الأساسية والأراضي والعمالة؛ فإن نظرة أكثر تدقيقًا اليوم ستكشف لنا تنوع ووفرة الفرص التي تقدمها هذه القارة.

______________________________________________

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن ميدان.
المصدر : الجزيرة