شعار قسم ميدان

ميناء غوادر.. صراع الموانئ الصامت بين باكستان والإمارات

ميدان - غوادر
اضغط للاستماع
 
مقدمة المترجمة

بِتَحَرُّكِ أمواج الخليج.. تتغير اللعبة الاقتصادية في المنطقة فهي بين مدٍّ وجزر، ومع ظهور وجهٍ اقتصاديٍّ جغرافيٍّ جديد في اللعبة تقف الدول جميعها لتنظر من سيكون الخاسر الأكبر.

 

نص التقرير

تُعدُّ توسعة ميناء غوادر في باكستان مشروعًا مُغيِّرًا لقواعد اللعبة، من شأنه أن يعيد صياغة الأجندة الاقتصادية للمنطقة بأسرها. ويعتقد العديد من المحللين الاقتصاديين أن غوادر هي دبي أخرى ناشئة على خريطة العالم، والأمر المقلق هنا هو أنَّ القوة الاقتصادية تعني تهديد التأثير الإستراتيجي لدبي في المنطقة، وقد تسببت هذه القضية المثيرة للجدل -في الآونة الأخيرة- في حربٍ اقتصادية صامتة في خليج عمان بين مجموعتين من البلدان؛ هم باكستان، والصين، وقطر من جانب، والهند والإمارات العربية المتحدة من جانب آخر.

تقع مدينة دبي على الساحل الجنوبي الشرقي للخليج، وتعد هي أكبر المدن وأكثرها اكتظاظا بالسكان في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد وضعت دبي استثمارها في البنية التحتية للتغلب على قلة مواردها الطبيعية، فأصبحت مركزا عالميا للأعمال والتجارة والسياحة. وهكذا، برزت دبي باعتبارها مدينة متعددة الثقافات تتمتع باستقبال الملايين من الزوار سواء كان ذلك للترفيه أو الأعمال من جميع أنحاء العالم كل عام.

يعد ميناء غوادر منافسا خطيرا لدبي، كما يعتبر الميناء موقعا إستراتيجيا يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط
يعد ميناء غوادر منافسا خطيرا لدبي، كما يعتبر الميناء موقعا إستراتيجيا يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط
 

وتأتي إيرادات دبي الرئيسية من السياحة والطيران والعقارات والخدمات المالية. ومن وسائل دخلها الأخرى أيضا: مشاريع البناء الكبيرة، وناطحات السحاب الشهيرة واستضافة الأحداث الرياضية، كما يقع أطول برج في العالم وهو برج خليفة في هذه الإمارة.

من الجلي إذن أن المنطقة التي تقع فيها دبي يمكن أن تقدم ميزة جغرافية متميزة للشركات، حيث يوجد ميناءان تجاريان رئيسيان في دبي وهما ميناء راشد وميناء جبل علي. ويعد الأخير أكبر ميناء صنعه الإنسان في العالم والأكبر كذلك في الشرق الأوسط، وهو موطن لأكثر من 5000 شركة من 120 بلدا.

ومع ذلك، يعد ميناء غوادر منافسا خطيرا لدبي، كما يعتبر الميناء موقعا إستراتيجيًا يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، ولا ريب أنه سوف يصبح البوابة الرئيسة البحرية لآسيا الوسطى. وسيجعل بلا تأكيد الأمر أسهل في إرسال المنتجات من شينجيانغ ودول آسيا الوسطى إلى مناطق أخرى.

وقال ليو ياندونغ نائب رئيس مجلس الدولة الصينى إن "الممر سيُسهم في تقليل الوقت المستغرق لنقل البضائع من ميناء غوادر إلى غربي الصين وأيضا إلى مناطق آسيا الوسطى بنسبة تبلغ حوالى 60 أو 70%".

"السفير الإماراتي لدى الهند صرَّح بأن استثمار الصين في توسيع ميناء غوادر الواقع في باكستان سوف يكون له تأثير سلبي على مصالح دولته" (رويترز)

وفي 10 (نيسان/أبريل) 2016، قال تشانغ باو تشونغ، رئيس مجلس إدارة شركة الصين للموانئ الخارجية القابضة، إن شركته يمكنها أن تنفق ما قد يصل مجموعه إلى 4.5 مليار دولار على الطرق والطاقة والفنادق وغيرها من البنى التحتية للمنطقة الصناعية في غوادر، كما أضاف أن الشركة تخطط كذلك لبناء مطار دولي ومحطة لتوليد الكهرباء في منطقة الميناء.

وفي شهر (أكتوبر/تشرين الأول) القادم سيُعقد منتدى دبي للاستثمار -الذي يهدف إلى جذب وإقناع المستثمرين المحليين والدوليين- تحت رعاية ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم. وبلا شك، يعتبر هذا المنتدى أمرا بالغ الأهمية لمستقبل دبي لكي تتمكن من مواصلة تطورها؛ خاصة مع بزوغ هذا المنافس القوي الذي يدعى غوادر في الأفق.

والهند هي لاعب رئيسي آخر في هذه المعركة الإقليمية، حيث تعود خصومة تشابهار وغوادر إلى حقيقة أن الموانئ تقع على مسافة تقدر بحوالي 72 كم من بعضها البعض؛ وقد حاولت كل من الهند وباكستان تقويض قوة الأخرى في المنطقة، ومن المؤكد أن تطوير الموانئ لا بد أن يضيف مزيدًا من الحطب في نار هذا العداء.

وكذلك ينبغي النظر إلى العلاقات الأميركية الهندية في هذا السياق؛ حيث تؤكد الاتفاقات الأخيرة الموقعة بين الولايات المتحدة والهند على حقيقة أن صعود الصين يشكل تهديدا على توازن القوى الإقليمية، كما تشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء صعود القوة الاقتصادية الصينية فى المنطقة.

وقد أعلن الدكتور أحمد البنا، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الهند أن استثمار الصين في توسيع ميناء غوادر الواقع في دولة باكستان سوف يكون له تأثير سلبي على مصالح دولته.

بينما تمتلك المملكة العربية السعودية والكويت موارد طبيعية من النفط، ولقطر مواردها للغاز الطبيعي، ليس الأمر ذاته إذا ما نظرنا للإمارات، حيث لا تملك أي موارد خاصة بها وتعتمد في الغالب على عائداتها من السياحة والنقل
بينما تمتلك المملكة العربية السعودية والكويت موارد طبيعية من النفط، ولقطر مواردها للغاز الطبيعي، ليس الأمر ذاته إذا ما نظرنا للإمارات، حيث لا تملك أي موارد خاصة بها وتعتمد في الغالب على عائداتها من السياحة والنقل
 

ومن ناحيتهم يدرك المسؤولون القطريون أهمية غوادر كمغير كبير للعبة في المنطقة، ولذا يعتزمون استثمار 15٪ من "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني" -وهو عبارة عن مجموعة من مشاريع البنية التحتية قيد الإنشاء حاليا عبر باكستان- للضغط على دبي والإمارات العربية المتحدة مع اشتداد العداء بين البلدين مؤخرا واتخاذه شكلا أكثر قسوة.

والخلاصة أن الحالة الجغرافية الاقتصادية وكذلك الحالة الجغرافية السياسية في جنوب آسيا آخذة في التغير بسرعة فائقة. ويمكن أن يعزى ذلك إلى حقيقة أن القوى الناشئة في المنطقة تعيد تحديد وجودها؛ وتقوم كل من الصين وباكستان وقطر بتشكيل الأجندة الاقتصادية للمنطقة استنادًا إلى الاقتصاد الجيولوجي لميناء غوادر، في حين أن الهند والإمارات العربية المتحدة تعارضان بشدة هذا الاحتمال وتحاولان عرقلة هذه الخطة بإقناع الولايات الأميركية المتحدة والدول الأوروبية بالاستثمار في دبي.

وبينما تمتلك المملكة العربية السعودية والكويت موارد طبيعية من النفط، ولقطر مواردها للغاز الطبيعي، ليس الأمر ذاته إذا ما نظرنا للإمارات، حيث لا تملك أي موارد خاصة بها وتعتمد في الغالب على عائداتها من السياحة والنقل.

ولذلك، في وجود استثمار المملكة العربية السعودية الكبير لجذب السياحة من خلال تحويل 50 جزيرة في البحر الأحمر إلى منتجعات سياحية فاخرة، وهذه الحرب الاقتصادية الصامتة في خليج عمان، تبقى الإمارات العربية المتحدة هي الخاسر الأكبر من هذه اللعبة العظيمة؛ حيث لن يبقى لدبي أية امتيازات في السياحة ولا في النقل بعد مضي عشر سنوات من الآن.

________________________________________________

مترجم عن: (أوبن ديموكراسي)
المصدر : الجزيرة