شعار قسم ميدان

بخلاف ما يتم ترويجه.. هكذا ساهم اللاجئون السوريّون في حماية الاقتصاد الألماني

ميدان - بخلاف ما يتم ترويجه.. هكذا ساهم اللاجئون السوريّون في حماية الاقتصاد الألماني
اضغط للاستماع
    
مقدمّة الترجمة
تتناول المادّة التالية من مجلة "فورين أفّيرز" التأثيرات الإيجابية للعمالة اللاجئة على الاقتصاد الألماني، الذي كان يواجه انكماش اليد العاملة الماهرة وغير الماهرة على حدٍّ سواء. في هذا السّياق، لا تبدو ادعاءات اليمين المتطرف الألماني أنها تستند إلى أية مصداقية، لكن بعض الأخطاء الفرديّة للاجئين من حين لآخر كفيلة بإشعال الوقود. 

    

نص المادّة
على الحدود بين اليونان وتركيا، دقّت ناقوسَ الخطرِ مشاهدُ عنيفة لشرطة مكافحة الشغب وهي تحاول أن تمنع آلافا من اللاجئين من العبور إلى الاتّحاد الأوروبي؛ فزعا من أن تضرب موجة لجوء كتلك التي وقعت عامِيْ 2015 و2016 أوروبا من جديد، فترهق قطاع الخدمات العامّة وتؤدّي إلى الدفع بمزيد من أحزاب اليمين المتطرّف إلى مقاليد السلطة. وفي مؤتمر صحفي عُقِد في برلين خلال هذا الشهر، قال وزير الدَّاخلية الألماني هورست زيهوفر: "إننا لا نريد تكرار تلك السنة"، في إشارة إلى تدفّق 1.4 مليون طالب لجوء للاتحاد الأوروبي تلك السنة والسنة التي تلتها. في هذه المسألة، يتفق زيهوفر مع قادة الاتحاد الأوروبي في أن هذه الموجة من اللاجئين لن تجد لنفسها موطئ قدم على الأراضي الأوروبيّة. 

   

    

بين صيف 2015 وربيع 2016، وصل مئات آلاف اللاجئين من اليونان عبر البحر مرتحلين شمالا عبر ما يُسمّى طريق البلقان إلى شمال وغرب أوروبا، ألمانيا تحديدا. ولم تكن أوروبا مستعدة لهذا التدفق، فقد عانت الكثير من البلدان لتسجيل وإيواء اللاجئين القادمين من سوريا بصورة رئيسية، لكن كان بينهم أيضا أفغان وعراقيّون، وبأعداد أقلّ من ذلك إرتيريّون وإيرانيّون وبلقان من بين جنسيّات أخرى. وأصبح الوافدون الجدد، والفوضى التي رافقت قدومهم، وقودا لكارهي الأجانب وأحزاب اليمين المتطرّف التي حققت مكاسب انتخابية في النمسا وألمانيا واليونان والسويد من بين أماكن أخرى. 

  

بينما أوروبا تُسارع في التصدّي للموجةِ الأخيرة من اللاجئين، فلا بد من التساؤل عمّا حدث لـ 1.4 مليون لاجئ وصلوا الاتّحاد الأوروبي في 2015 و2016، وبالأخص لـ 1.2 مليون لاجئ قدّموا طلبات لجوئهم إلى ألمانيا؛ هل ولَّدت أرقامهم قدر الدَّمار الذي يدّعيه عديد من سياسيي الاتّحاد الأوروبي؟ 

    

واقع الحال، مع أنَّ إدماجهم كان تدريجيّا ومكلفا، فإن اللاجئين، على عكس مزاعم اليمينيين وغيرهم، لم يُشكِّلوا عبئا على نظام دولة الرعاية الألمانيّ، أو يُثقلوا كاهل الكليّات والميزانيّات العامّة، أو يحرموا السكّان المحليين من الوظائف. كما أنّ ثقافات وأديان اللاجئين، أو الإسلام بصورة رئيسية، لم تكن عائقا أمام الإدماج ولا هي قوّضت التلاحم الاجتماعيّ في ألمانيا، ولم يحدث أن كان هؤلاء الوافدون الجدد أكثر احتمالا لارتكاب الجرائم عن الألمان تحت ذرائع اقتصاديّة من الفئة نفسها. 

 

طلّاب مجتهدون وعمّال مُجِدُّون

undefined

  

من بين 1.2 مليون لاجئ سعوا لطلب اللجوء في ألمانيا في 2015 و2016، وهو أكبر عدد من اللاجئين يصل البلاد في عام واحد، ظلَّ مليون لاجئ منهم في البلاد، وتمكّنوا من الحصول إمّا على الحماية الرسمية أو الإقامة المؤقَّتة. وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، مع اندماج هؤلاء الوافدين الجدد بالتدريج في نسيج المجتمع الألماني، شهد الاقتصاد الألماني طفرة وازداد حجم مخزونه من الاحتياط النقدي. لقد تراجعت نسبة البطالة في ألمانيا إلى 3% فقط خلال العام الماضي، وهو أدنى معدّل بين اقتصادات أوروبا الكبرى، كما أنّه تراجع بنسبة 1.6% عن معدّل عام 2015. 

  

شارك اللاجئون وساهموا في ازدهار ألمانيا المتزايد خلال هذه السَّنوات، في كل عام منذ 2016، وكان عدد اللاجئين في السلك الوظيفي الذين أتقنوا اللغة الألمانية أو المندرجين في التعليم الحكوميّ أو التدريب المهنيّ يتزايد بوتيرة ثابتة بفضل سياسات الإدماج الألمانيّة، التي تحسّنت مع اكتساب الخبرة. يُسمّي ديتريش ترانهاردت، الخبير بشؤون الهجرة بجامعة مونستر، لاجئي 2015-2016 بـ "النّجاح المتصاعد"، في مقارنة إيجابية بين مسار الفوج الحالي وبين موجات سابقة من اللجوء والهجرة. 

  

يجدُ المزيد فالمزيدُ من الوافدين الجدد أماكن في سوق العمل سنويّا، وإن كنا لا نملك إحصائيات دقيقة لفوج 2015-2016، فإن 49% من اللاجئين الذين وصلوا بين عامَيْ 2013 و2018 يعملون حاليا إما بوظائف دوام كامل أو دوام جزئيّ: 55% منهم في العمالة الماهرة و44% منهم في العمالة غير الماهرة، مقارنة بـ 66% من المواطنين الألمان الذين يعملون إما بدوام كامل أو دوام جزئي. هذه الأرقام مثيرة للإعجاب بشكل خاص عندما نأخذ في الحسبان أن 17% من اللاجئين البالغين فقط في 2015 و2016 كانت لديهم شهادات لقب أول أو لقب ثانٍ، وأن 76% منهم لم ينالوا أي تدريب مهنيّ على الإطلاق. 

    undefined

     

هذا النجاح يعكس استثمارا هائلا في التعليم والتدريب، حيث التحق نحو 23% من اللاجئين البالغين بنظام التعليم العام، وخضع نحو الثلث منهم للتدريب المهنيّ، وأُلحِق 98% من أبناء اللاجئين بالمدارس. بحلول النصف الثاني من 2018، كان 85% من اللاجئين يرتادون دورات تعليم اللغة الألمانيّة، وتمكَّن ثُلثا هؤلاء من اجتياز الامتحان النهائي، وكان 60% منهم إما في سلك العمل أو منخرطين في برنامج تعليميّ ما. في حين كان الـ 40% الباقون إمّا يبحثون عن عمل، أو في إجازة حمل أو أمومة أو أبوّة. لكنَّ هذه الأرقام ليست على القدر نفسه من إثارة الإعجاب في حالة النساء، حيث وُظِّف منهنّ 13% فحسب. غير أن هذا التفاوت يعكس جزئيا حقيقة أنَّ 75% من النساء اللواتي حصلن على الحماية الاجتماعية هنَّ أمّهات، وأن متوسط الأطفال لكل عائلة هو 2.7، مقارنة بمعدّل 1.4 للألمان المحليين المولودين في ألمانيا. 

  

يقول الاقتصاديون إن هذه النتائج أفضل من المتوقَّع، حيث إن نسبة نحو 50% من اللاجئين الذين قضوا خمس سنوات في العمل بعد وصولهم هو أعلى بنسبة 5% من وتيرة إدماج سوق العمل التي مرّ بها اللاجئون القادمون من يوغوسلافيا في التسعينيات، وفقا لهربرت بروكر، الذي يُدير "معهد الإدماج التجريبي وأبحاث الهجرة" بجامعة هومبولت في برلين. 

 

تزداد عظمة هذه الزيادة بالنظر إلى أنَّ أحدث فوج من اللاجئين كان لديه أدنى المعدلات لحمل الشهادات التعليمية وكانت لديه عوائق لغويّة أكبر، دع عنك المستويات المتقدّمة من الصدمة النفسية. يقول بروكر: "إن الظروف الاقتصاديّة المواتية كانت مفيدة في حالة اللاجئين، لكن الحقيقة هي أننا تميَّزنا في إدماج اللاجئين أكثر من ذي قبل". ويشير إلى التعليم اللغوي المتزايد، وأساليب التوظيف المُحسَّنة، والتدريس الأمثل في الكليّات، ويُضيف: "إننا نُجري مزيدا من التدريب المهني وتعليم اللغة مع اللاجئين قبل دخولهم سوق العمل، وهو ما يعود بنتائج جيّدة لاحقا لأنه يُمكِّن اللاجئين في النهاية من القيام بالمزيد وقطع مسافات أبعد". 

    undefined

   

من بين أولئك الأكثر رضا عن إدماج اللاجئين كانت شركات القطاع الخاص، التي عانت من نقص حاد في العمالة خُفِّف جزئيا بفضل اللاجئين. كان في ألمانيا 1.4 مليون وظيفة بلا موظّفين منتصف العام الماضي، ووفقا لدراسة أجرتها غرفة التجارة والصناعة الألمانية عام 2019، كان 56% من الشركات الألمانية عاجزا عن إيجاد العمالة التي يحتاج إليها، وكان هُناك نحو 207.000 شاغرا للتدريب المهنيّ. ومن بين شواغر التدريب المهنيّ التي شُغِلت، كان 15% منها يعود للاجئين وصلوا البلاد في 2015 و2016. 

 

في ضوء هذه الشواغر، كان ثلث الشركات الألمانيّة يبحث سلفا عن موظّفين في الخارج لملء الفجوة في قوّة العمل لديهم، عبر توظيف جنسيّات أجنبيّة من الاتحاد الأوروبي ومناطق أخرى. كما أنَّ نقص العمالة الحاليّ مُلِحٌّ إلى درجة أنّ وكالة التوظيف الفيدرالي تراه عائقا رئيسيا أمام النموّ المستقبليّ، وتُظهِر المسوحات أن 80% من الشركات الألمانيّة كانت عازمة على تدريب وتوظيف اللاجئين الذين لم يكونوا يواجهون خطر التَّرحيل، لكنَّ المشكلة هي عدم وجود كفاية منهم. 

 

وهذا لا يعني أن ألمانيا لن تكون بحاجة إلى الأجانب من ذوي المهارة الفائقة الذين يتكلّمون الألمانية أو الإنجليزية، فتوظيف هذه الفئة كان أمرا عانت منه ألمانيا طيلة عقود. لكن مع الانكماش السكاني المتوقع في ألمانيا خلال السَّنوات القادمة، فإنّ الوفادة الجديدة من اللاجئين وذريّتهم ستكون مهمّة بشكل واضح لكلٍّ من سوق العمال واستمرار دولة الرّعاية، وفي الواقع إن ألمانيا ستحتاج إلى المزيد من المهاجرين في السنوات القادمة. 

     

     

وفقا لمعهد أبحاث التوظيف التابع لوكالة التوظيف الفيدرالي، بدون مزيد من المهاجرين، فإنّ قوة العمل الألمانيّة، التي يبلغ تعدادها حاليا 45.5 مليون موظّف، ستتقلّص إلى 42.0 مليون موظف في 2030، و37.8 مليون في 2040، و30.0 مليون موظّف فقط بحلول 2060، وهو ما سيؤدّي إلى انكماش الاقتصاد درامتيكيّا. وستواجه ألمانيا الشرقية، بحصّتها الضئيلة جدا من الوافدين من جنسيّات أخرى، ضربة موجعة حقا بسبب التناقص الديموغرافي. وفي الحقيقة، بحسب معهد أبحاث التوظيف فإن ألمانيا ستحتاج إلى 400.000 عامل سنويا لكي تحافظ على ثبات قوّة العمل لديها. وكان صافي أعداد المهاجرين في 2018 هو 400.000، من بينهم 186.000، من الأطفال الذين تقدَّموا بطلب اللجوء السياسي. 

    

استثمارات كبيرة.. عائدات بعيدة المدى

على الرغم من أن جهود ألمانيا في إدماج الموجة الأخيرة من اللاجئين كانت ناجحة نسبيا، فإنَّها جاءت بكلفة باهظة: 20 مليار يورو في 2015 وحدها، ما يكافئ ميزانيّة الدّفاع من السنة ذاتها، ونحو 15 مليار يورو سنويّا على مدار السنوات الأربعة التالية. في النهاية، يقول الاقتصاديّون إن مساهمة اللاجئين في الاقتصاد ستفوق استثمار الدَّولة، لكن ما من استشراف مؤكّد بشأن موعد حدوث ذلك. 

 

كما أن نحو 40% من لاجئي 2015-2016 يعتمدون على الخدمات الاجتماعيّة، وتتضمن تلك النسبة أغلبية من النساء، ومع أنَّ المخاوف من معدَّلات جرائم مرتفعة برهنت عن عدم جديّتها، حيث يرتكب اللاجئون جرائم بمعدّل قريب إلى معدّل جرائم الألمان المحليين المولودين في ألمانيا، فإنّ ذلك لم يمنع سياسيي اليمين الألماني من استنهاض مشاعر معادية للمهاجرين. التضحية بالوافدين الجدد ساهمت في التآكل التدريجي للدعم الشعبي لطلبات اللجوء، حيث قال ثلثا المواطنين الألمان أنهم سيرحّبون باللاجئين في 2015، لكنّ أقلّ من نصفهم يقول الشيء نفسه اليوم. 

   

   

لعلّ أسوأ نتيجة لتدفق اللاجئين عامَيْ 2015-2016 هي التأثير الدَّافع باتجاه اليمين المتطرف، حيث دفعت كراهية الأجانب بحزب البديل من أجل ألمانيا إلى البلديات الألمانية في أرجاء البلاد ومن ثمّ إلى البوندستاغ بنسبة مذهلة بلغت 12.6% من الأصوات، أي نحو ثلاثة أضعاف نتيجة عام 2013. مع تناسُخ حزب البديل من أجل ألمانيا في كل بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي، استفاد الحزب أيضا من جرائم بارزة ارتكبها اللاجئون، كالاعتداءاتِ الجنسية التي ارتكبها رجال من شمال أفريقيا والعالم العربي في كولونيا في أمسية رأس السنة عام 2015، في تحصيل الدَّعم. 

  

لقد صدمت هجمات كولونيا الرأي العام الألماني وساعدت في الدَّفع بالبديل من أجل ألمانيا إلى الخطاب السياسي الجماهيري. وقد بلغت قوّة التأثير السياسية التي يمتلكها حزب البديل من أجل ألمانيا اليوم حدَّ أن ترفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي إعلان الإدماج التدريجي للاجئين على مدار السنوات الخمس الماضية نجاحا، برغم تأثيره الإيجابي على سوق العمل. 

 

لقد غذّت المشاعر المعادية للمهاجرين أيضا صعود أحزاب اليمين المتطرّف في بلدان أوروبية أخرى شهدت وفادة أعداد ضخمة من اللاجئين في 2015 و2016. وفي حين أن ألمانيا قبلت بالغالبية القصوى من اللاجئين بشروط مطلقة غير نسبية، ضمَّت السويد، وهي بلد يتألف من 10 ملايين نسمة فقط، اللاجئين بحسب نصيب الفرد، أي ضعف الرقم الألماني. 

  

   

كما أنَّ فورة المهاجرين لم تؤدِّ إلى ازدهار اليمين المتطرف فحسب، لكنّها أدّت إلى تقييد حادّ في قوانين طلب اللجوء ولم شمل العائلات في السويد، حيث وجد اللاجئون الذين وصلوا إلى السويد في 2015 و2016 وظائف بوتيرة أقلّ بدرجة طفيفة عن تلك التي كانت في ألمانيا، لكنّهم كانوا قد اندمجوا على نطاق أوسع بالقوّة العاملة، ويقول واكيم رويست أخصّائي شؤون الهجرة بجامعة غوتنبرغ: "الطريقة التي ينظر بها المرء إلى مصير لاجئي 2015-2016 أكانت نظرة سلبيّة أو إيجابية، تعتمد على ميوله الثقافية، فإن كنت ترى بلادك مكلّفة بمهمة إنسانية، عندها سيكون ردّ الحكومة إيجابيا، وستكون السويد قد قامت بعمل جيد، أما إن كنت لا ترغب بأُناس أجانب ضمن مجتمعك وأولئك الذين يثقلون كاهل دولة الرّعاية، فإنّ الرد سيكون خاطئا". 

 

يُشير رويست إلى أنَّ مساعدة لاجئي 2015-2016 كانت لتكون أسهل بكثير لو أن أوروبا قامت بتوزيعهم بشكل متكافئ على 28 بلدا أوروبيا، معظمها يواجه تحديات ديموغرافية شبيهة بتحدّيات ألمانيا وكان يمكن أن يستفيد من الهجرة. لكن معظم دول الاتّحاد الأوروبي رفضت الفكرة في 2015، ومعظمها لا يزال يرفض الفكرة اليوم مع السويد في طليعة الرافضين. التجربة الألمانية تؤكد أن بوسع أوروبا إيواء اللاجئين، وبأعداد كبيرة حتّى، وأن الوافدين الجدد يمكنهم الاندماج في المجتمع وتعبئة الثغرات في سوق العمل، لا سيما في أوقات الرخاء الاقتصادي. لكن بالإضافة إلى برامج إدماج متقدّمة، فإنَّ الترحيب باللاجئين يتطلب الصبر، والمال، والتعاطف من السكّان المحليين، ولسوء الحظ، فإنَّها جميعا تبدو نادرة هذه الأيام. 

————————————————————-

هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان. 

المصدر : الجزيرة