شعار قسم ميدان

"ميدان" يحاور "ليف وينار": كيف حكم وجود النفط بالإعدام على الشعوب العربية؟

midan - رئيسية لالا
اضغط للاستماع

لا يمكن لعيني أي أميركي تحديدا ألا تلتقط إشارات "ليف وينار" بالغة الوضوح. يخبر الرجل الأميركيين بما يفترض أن يصدمهم تماما: من خلال ملء خزانات وقود سياراتكم فقط، فأنتم ترسلون (كل أسرة أميركية) ما يُقدّر بـ 275 دولارا سنويا للأنظمة الاستبدادية في العالم، أي مليارات الدولارات في المجمل، ويخبرهم أيضا أن حياتهم قائمة على النفط الدموي قبل كل شيء، يقودون به، وقد يدخل فيما يلبسونه، وحتى في حياتهم الجنسية، فبالأساس: كل ما هو بلاستيكي هو نفطي ببساطة، وهذا النفط، "نفط الدم" كما يسميه، يأتي من الشرق الأوسط بشكل خاص.

 

يشير بروفيسور كلية الملك اللندنية بوضوح تام إلى بؤرة النفط والدم والقمع، ويخبرنا أن هناك قوسا جغرافيا يمتد حول أفريقيا والشرق الأوسط وروسيا، وكل ما علينا فعله بشكل شبه مضمون أن نشير لأي مكان على امتداد هذا القوس لنصل لحالة استبدادية أو فاشلة، وبينما تقاتل شعوب هذه المناطق لنيل حريتها، فإن شراء النفط يضع "عالم الحريات" الأول (الغرب بتعبير الكاتب المتكرر) في الجانب الخطأ من المعركة، جانب الأنظمة الاستبدادية تماما.

   

البروفيسور ليف وينار (مواقع التواصل)
البروفيسور ليف وينار (مواقع التواصل)

   

لكن "وينار" هنا، وعلى مدار كتابه "نفط الدم" كاملا، يخبرنا باللعنة التي أصابت العالم منذ قرون، ولم يتخلص منها الشرق الأوسط تحديدا للآن، وهي "لعنة المورد" (Resource Curse)، فنجد أن معظم الكوارث قد انبثقت من بلدان غنية بالموارد الطبيعية، حيث يبتاع الغرب النفط والمعادن والمجوهرات، ويرسل أموالا طائلة بمنزلة جمر نيران الاستبداد والحروب الأهلية والفساد والإرهاب، وهنا يوجد خلل ما في أسلاك سياسات هذه البلدان، المصابة باللعنة، يظل متسببا بانقطاع الدارات ومن ثم الانفجارات والحرائق، داخلها وخارجها سواء بسواء.[1] 

 

لا تقف هذه اللعنة في بلدان المصدر والمصدّرين، بل تنتقل وترتبط عبر سلاسل الإمداد وأنابيب النفط إلى المستوردين والمستهلكين، إلا أن المفاجأة أن هذا الانتقال محكوم وممنهج، بقاعدة دولية تسمّى "الفعالية" (effectiveness)، والتي تنصّ باختصار على أن: القوة تصنع الأحقية، أي إن الحكم القهري لمجتمع ما يمنحه سيطرة قانونية على موارد هذا المجتمع "بشكل محق"، أي إن خيمياء الفعالية تحوّل حديد القهر إلى ذهب الملكية القانونية، فمن يستطيع أن يصبح حاكما قهريا يمكنه أن يرسل الموارد عبر سلاسل البيع إلى المستهلكين، ويرسل المستهلكون بالمقابل الأموالَ للفاعلين القهريين لتعزيز حفاظهم على السلطة.

  

لا يمكن فهم هذا "الخلل" السياسي-الاقتصادي دون الرجوع إلى التاريخ، لنجد أن "الفعالية" هي الامتداد الأخير للحكم السياسي من القرون الوسطى، حيث كانت "الفعالية" في القرن السابع عشر هي الحكم القانوني الأساسي لكل الشؤون الدولية، فمن يستطيع أن يسيطر على إنسان بالقهر هو الذي يملك الحق القانوني لبيعه (تجارة العبيد)، ومن يستطيع أن يحتل شعبا آخر هو الذي يملك الحق القانوني بحكمه (الاستعمار)، ومن يستطيع أن يحتل أرضا ما بالقوة هو الذي يملك الحق لحكمها (التوسع) قبل أن تنجح الحركات الانتقالية الكبيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين بإزالة "الفعالية" من كل هذه المجالات، وجعلت تجارة العبيد والاستعمار والاحتلال والعنصرية والمجازر وانتهاكات حقوق الإنسان، كلها، ممنوعة بالقانون الدولي.

    

undefined

   

إلا أن "الفعالية" ما زالت هي القاعدة العالمية في عالم الموارد الطبيعية وحسب، كما يرى "وينار"، أستاذ مقعد الفلسفة والقانون، بكتابه الضخم: "نفط الدم: الطغاة والعنف والقواعد التي تحكم العالم" (Blood Oil: Tyrants, Violence, and the Rules that Run the World)، الصادر عن "مطبعة جامعة أكسفورد" عام ٢٠١٦، والذي صدرت ترجمته العربية عام ٢٠١٧ عن "جسور للترجمة والنشر"، بترجمة كاتب هذه السطور.

  

يعالج وينار هذه الأسئلة والقضايا وغيرها على امتداد صفحات كتابه الخمسمئة، ضمن موضوعات السياسة والاقتصاد والفلسفة والتاريخ والاجتماع، إذ إنه يُشخّص بدقة الطبيب الجراح إشكالات "لعنة الموارد"، مكانيا (في القسم الأول: هم ضد هم)، في بلدانها الأصلية وكيفية وآثار انتقال هذه اللعنة إلى البلدان الموردة والمستهلكين، وزمانيا (في القسم الثاني: هم ضد نحن ضد نحن[2] )، بالرجوع في رحلة ممتعة بالتاريخ إلى جذور "الفعالية" والرحلة الملحمية غير المكتملة للقانون الدولي لتجاوزها، وصولا إلى "حقوق الشعب" (القسم الثالث) الذي يُشخّص إشكالات الواقع، مع مقترحات عملية لحل كل هذه الإشكالات (في القسم الرابع) بما يسميه "التجارة النظيفة" التي يتصدّر وينار مع عدد من السياسيين والاقتصاديين والمنظرين مبادرتها عالميا، سعيا إلى مستقبل نكون به "متحدين جميعا"، كما يعنون وينار القسم الأخير وينظر لـ"فلسفة الوحدة"، التي يختتم بها فصول كتابه الثمانية عشر، المكتوبة بلغة ممتعة سلسة مليئة بالأحداث والتفاصيل والمعلومات.

  

تواصلنا في "ميدان" مع بروفيسور "وينار"، وسألناه عن كل ذلك وما يتعلق به من قضايا راهنة متصلة تحديدا بالشرق الأوسط، وفيما يلي نص المقابلة:

 

– بداية أود أن أسأل عن مصطلحين رئيسين استخدمتهما في كتاب "نفط الدم" وهما: لعنة الموارد، وقانون الفعالية. هل يمكن أن توضحهما لنا بشكل مختصر؟

لننظر إلى أكبر القصص التي سمعناها ونسمعها بالأخبار. صدام، القذافي، القاعدة، داعش؛ كل هذه القصص جاءت من دول نفطية، حيث يمثل النفط اليوم المصدر الأكبر للسلطة المطلقة في عالمنا اليوم، مما يجعله سببا في الحروب الأهلية والعنف والفساد وفشل الدول.

    

undefined

   

هذه هي لعنة الموارد، وسبب وجود لعنة الموارد هو قانون "الفعالية" هذا، فالفعالية قاعدة بقيت في النظام العالمي من قبل ثلاثمئة عام، والفعالية قانون تطبقه كل البلدان، وينص على أنه "من القانوني شراء الموارد الطبيعية من أي أحد يستطيع السيطرة عليها بالقوة في البلدان الأخرى".

  

على سبيل المثال، في الماضي، عندما سيطر بعث صدام حسين على العراق بانقلاب عسكري؛ أصبح من القانوني لكل بلد بالعالم أن يشتري نفط العراق من صدام، وبعد ذلك بسنوات، عندما سيطر "تنظيم الدولة الإسلامية" على بعض من هذه الآبار ذاتها؛ أصبح من القانوني لكل بلد في العالم أن يشتري نفط العراق من تنظيم الدولة الإسلامية.

  

"الفعالية" هي ما يرسل أموال العالم إلى الأنظمة السلطوية والتنظيمات المسلحة والمسؤولين الفاسدين ولهذا نرى لعنة الموارد، فأي أحد يسيطر على هذه الموارد سيحصل على كميات هائلة من النقود من العالم، ويستطيع استخدام هذا المال للبقاء في السلطة أو بدء حرب أو للثراء الشخصي وحسب.

  

– تناقش في كتابك "نفط الدم" بأن "الفعالية" هي القاعدة الوحيدة التي بقيت لنا من حكم "ويستفاليا" في القرون الوسطى، إذ إننا كنا قادرين على تجاوز قواعد تلك الحقبة لكن "الفعالية"، خصوصا على الموارد الطبيعية، بقيت موجودة، وهي تجعل التجارة الدولية "تجارة مسمومة" أو "قذرة" إذا لم أكن مخطئا. هل يمكن أن توضح لنا كيف يحدث ذلك؟ لماذا وكيف بقيت لدينا تلك "الفعالية" من الحقبة الويستفالية؟

أنت محق. كانت "الفعالية" هي القاعدة الحاكمة، ليس على الموارد الطبيعية وحسب، ولكن على كل شيء تقريبا. قبل ثلاثمئة عام، كانت "الفعالية" هي قاعدة العالم التي تحكم البشر، ولذلك أي بلد كان لديه قانون أن من يستطيع الحصول على الأفريقيين بالقوة يستطيع بيعهم لنا، وتحت هذا القانون تم بيع ١٢ مليونَ أفريقي للعالم الجديد كعبيد.

    

undefined

   

وحتى قبل مئة عام، قاعدة الفعالية هي التي جعلت الحكم الاستعماري قانونيا. كانت قاعدة العالم: إذا استطاعت دولة ما حكم شعب ما بالقوة، فإنها تستطيع أن تحكمهم على أنها الدولة ذات السيادة. وحتى قبل خمسين عاما، جعلت "الفعالية" الفصل العنصري قانونيا. كانت قاعدة العالم هي: أي حكومة تستطيع الحفاظ على الحكم القهري على الشعب فإنها يمكن أن تضع نظاما عنصريا أبيض. فالفعالية جعلت التطهير العرقي قانونيا، حتى إنها جعلت الإبادة الجماعية قانونية.

  

لكن الأخبار الجيدة هي أن كل هذه الأشياء التي ذكرتها أصبحت الآن تُمثّل انتهاكات للقانون الدولي: تجارة العبيد، الحكم الاستعماري، الأبارتهايد، التطهير العرقي، الإبادة الجماعية، تمثل جميعا انتهاكات دولية، إلا أن الفعالية على الموارد الطبيعية هي القاعدة القديمة السيئة الوحيدة المستمرة، وهي مستمرة لأنها تقع بمصلحة كل من البلدان المستهلكة وحكومات البلدان المنتجة للنفط، ولكنها ليست لصالح شعوب البلدان المنتجة للنفط، خصوصا في الشرق الأوسط. الفعالية على الموارد الطبيعية هي ضدُّ مصالح الكثير من الشعوب في الشرق الأوسط، ولذلك يجب تغييرها.

  

– ما تأثيرات وجود الفعالية في القانون الدولي والعلاقات السياسية الدولية؟

فكر بكل المشاكل التي أحاطت بالنفط على مدى سنوات طويلة. دعني أبدأ بالقول إن الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، ارتكب الكثير من التصرفات الظالمة، وخصوصا في الشرق الأوسط، لأجل النفط، وإن الشركات النفطية الغربية كذلك مارست نشاطات مختلفا حولها جدا للوصول للنفط في العديد من البلدان وعلى مدى سنوات طويلة. ولذلك لا يوجد من قد يرغب بتبرير ما فعله الغرب للوصول للنفط. ولكن على الجانب الآخر، وبسبب الفعالية، تستطيع أن ترى مال النفط يمكّن فاعلين سلطويين فاسدين وخطيرين حول العالم.

    

      

انظر لما يشهده العالم الآن. لدينا حكومة مدعومة بالنفط في روسيا وإيران والسعودية والجزائر وأنغولا. هذه البلدان مختلفة جدا بتاريخها ودينها ولكنها تشترك جميعا بوجود النفط، وتشترك بوجود حكومات سلطوية مدعومة بأموال النفط. وبالطبع، وعندما تنظر لأسوأ الحروب الأهلية في العالم، ستفكر بالعراق وسوريا حيث موّل النفط الجيوش وكل أطراف الصراع. النفط يتسبب بالكثير من المشاكل، وبسبب وجود قاعدة الفعالية، سيشتري العالم النفط من ذلك الذي يملك سلاحا أكثر.

  

– لنتحدث بشكل مفصل أكثر من منظور الشرق الأوسط، محلِّ اهتمامنا بهذه المقابلة. كيف يرتبط "نفط الدم" بالحرب الباردة بالشرق الأوسط بين إيران والسعودية؟ كيف يفسر "نفط الدم" هذه الحرب؟ وما تأثيراته على هذين البلدين وعلى الشرق الأوسط بشكل عام؟

  

الحقيقة الكبرى حول النفط بهذا العالم هي أن النفط هو القوة، وهو يُمثّل نوعا خاصا من القوة. بسبب قاعدة الفاعلية، يُمثّل النفط اليوم المصدر الأكبر للسلطة التي لا يمكن مساءلتها (بلا حسيب). ما أعنيه هو أنه بسبب الفاعلية، فإن من يستطيع السيطرة على آبار النفط بالقوة، سيحصل على الكثير من الأموال من العالم. وهذا المال يأتي بلا محاسبة، وبلا تبعات، ولا يجب أن يتم إرجاعه، وبالطبع فإن شعوب تلك البلدان لا يرون مال هذا النفط أبدا، إلا من وراء السياج بينما يتم بيع مواردهم الطبيعية خارج سيطرتهم. النفط سلطة لا يمكن مساءلتها، وتستطيع أن ترى كيف تعمل هذه السلطة المطلقة في هذه الحرب الباردة.

      

فكر بإيران والسعودية: كلا الحكومتين تملكان سلطة بالكثير من الأموال وكلاهما يمول مليشيات على طول المنطقة: حزب الله من جهة، والمليشيات الممولة من السعودية على الجانب الآخر في سوريا والعراق وفي حرب الوكالة التي تجري باليمن.

       

   

بعد الربيع العربي، كلا البلدين كانا يرسلان الأموال إلى دول شمال أفريقيا، وحرب الوكالة هذه تمول بمال النفط وليس واضحا أين ستنتهي، بينما يسعى كلا الطرفين لنشر الفوضى في الشرق الأوسط، بطريقة لا تؤدي لحرب شاملة ومباشرة. ولكن ما نعلمه عن الحرب الباردة هو أن أي حساب خاطئ قد يحولها لحرب ساخنة بسرعة. إذًا، فالسلطة المطلقة للنفط لديها القدرة على نشر المزيد من الفوضى بشكل خطير في الشرق الأوسط، أكثر حتى مما هي عليه الآن.

    

– تفسيرك في "نفط الدم" للحروب يختلف عن الخطاب السائد في الشرق الأوسط بأن هذه الحروب حروب دينية أو حروب طائفية بجوهرها، وهو ما تدعمه دلائلُ تثبت هذه الفكرة؛ مثل طقوس العنف الطائفية المتمثلة بقطع الرؤوس، أو الأغاني والرموز الطائفية. كيف نستطيع التعامل مع هذا التناقض؟ من ناحيتين اثنتين: من ناحية فلسفية، ومن ناحية سياسية واقتصادية.

  

أنت محق إلى حد ما. الطبيعة الطائفية للصراع واضحة جدا، والعديد من الذين يخوضون هذه الصراعات مدفوعون بدوافع طائفية، والأسباب الدينية واضحة إلى حد ما. ولكن؛ ما الذي يوفر القوة لاستمرار القتال؟ من أين يأتي مال السلاح؟ في غالب الوقت إنه يأتي من النفط. النفط هو القوة الدافعة التي تُحرّك هذه الأيديولوجيات الطائفية المتصارعة ضد بعضها البعض، وعادة ما يكون جائزة هذا الاقتتال كذلك.

   

تنظيم الدولة كان له أيديولوجيته الخاصة بالطبع، والعديد من مقاتليه كانوا مدفوعين بهذه الأيديولوجيا، لكنه لم يكن ليستطيع أن يكون تهديدا بهذا الحجم بدون آبار النفط التي سيطر عليها لتدخل له ١-٢ مليون دولار ما بين أعوام ٢٠١٤- ٢٠١٥. النفط كان القوة الدافعة لتنظيم الدولة الإسلامية وسمح له بنشر أيديولوجيته على مساحة كبيرة من الأراضي.

  

دعني أنطلق من هنا لنقطة أكبر. كما تعلم، على مدى أربعين عاما، نشر النظام السعودي نسخته الخاصة من الإسلام، ليس عبر الشرق الأوسط، ولكن عبر العالم، وكما ترى فإن السلفية الوهابية السعودية موجودة في كل مكان تذهب إليه وليس في الشرق الأوسط فقط، ولكن في تونس وبلجيكا والولايات المتحدة.

    

      

لا نريد أن ننكر أن الدين يُمثّل جزءا كبيرا مما يجري في هذه البلدان، ولكن مال النفط هو الذي سمح للسعوديين بنشر نسختهم الخاصة من الإسلام، والتي قد تكون أكبر حملة أيديولوجية بالتاريخ.

 

– لنتحدث عن السعودية. أرى ومعي الكثيرون أن المملكة ليست دولة ديمقراطية، بل ربما تعد دولة استبدادية بخطابها وتعاملها مع شعبها، لكنها، في الوقت نفسه، حليف إستراتيجي للولايات المتحدة والغرب بشكل عام. كيف يمكن أن نفسر ذلك، في الوقت الذي تدّعي به الولاياتُ المتحدة تعزيز الأفكار الديمقراطية والعلمانية، أي وجه آخر تماما غير السعودية؟

  

كما تعلم، رأت الولايات المتحدة أن في مصلحتها دائما أن يبقى النفط متدفقا للعالم، والسعودية، أكبر دولة نفطية، كانت أساسية بهذه الإستراتيجية. ولذلك سمحت بتصدير النفط من السعودية لأصدقائها وحلفائها لأن أميركا تعتقد أن امتلاكها لأصدقاء وحلفاء أقوى سيجعلها أقوى كذلك. إذن أنت محق بذلك. الولايات المتحدة كانت صديقة النظام السعودي لسبعة أجيال حتى الآن، وهذا سيستمر.

 

– على الجانب الآخر، لا يقل العراق كثيرا بمخزونه النفطي عن السعودية، لكننا لم نره حليفا إستراتيجيا أو حتى صديقا للولايات المتحدة، بل العكس تماما: احتلال، وحرب ما زالت آثارها حتى اليوم، وتريليونات لا مليارات الدولارات التي أُنفقت لإسقاط النظام العراقي. ما الذي حصل في العراق ولم يحصل بالسعودية؟

 

بداية دعني أرجع لتلك النقطة الكبيرة بأن النفط يُمثّل سلطة مطلقة، فذلك الذي يملك النفط سيحصل على قوة كبيرة لصالحه. إذا نظرت للأمر من هذا الإطار سترى أن الغرب كان يحاول على مدى خمسين عاما السيطرة على السلطات المطلقة للنفط من خارج بلدان الشرق الأوسط. واستخدم ثلاث إستراتيجيات رئيسة لهذه السيطرة:

    

      

(1)- في بعض الأحيان، كان الغرب يحاول أن يصنع تحالفا مع ذلك السلطوي الذي يموله النفط. على سبيل المثال، شاه إيران كان حليفا أميركيا. صدام حسين كان حليفا أميركيا. معمر القذافي كان حليفا أميركيا. والسعوديون، كما قلت، حليف قديم للأميركيين. وكما تستطيع أن ترى، فهذه الإستراتيجية لم تُجدِ نفعا. تم إسقاط الشاه. صدام احتل الكويت والسعودية. القذافي كان يمول التنظيمات "الإرهابية". والسعوديون نشروا نسختهم "المتطرفة" غير المتسامحة من الإسلام حول العالم. لم تكن إستراتيجية التحالف مؤثرة بشكل كبير.

  

(2)- في أحيان أخرى كان الغرب يحاول السيطرة على سلطة النفط من خلال الغزو والتحرك العسكري. حرب الخليج الأولى والثانية وليبيا وتغطية المنطقة بالدرونز، ومجددا كان واضحا أن هذه التحركات العسكرية لم تنشر الاستقرار بالمنطقة، بل على العكس من ذلك.

  

(3)- وفي أحيان أخرى كان الغرب يحاول فرض العقوبات على البلدان لمحاولة السيطرة على سلطة النفط. روسيا والعراق وإيران والسودان وسوريا؛ كل هذه البلدان كانت خاضعة لعقوبات، إضافة إلى دول أخرى، ولكن، مجددا بدا أن إستراتيجية الغرب فشلت بتعزيز الاستقرار بهذه البلدان.

  

وبالتالي، فإن الغرب لا يستطيع السيطرة على سلطة النفط من خارج البلدان مهما كان راغبا وساعيا لذلك، وسيتورط بحروب مكلفة وسيستمر بإسقاط حلفائه، وعليه تجربة إستراتيجية أخرى مختلفة عن كل تلك التي كان يجربها على طول هذه الأعوام.

   

     

– إذًا ما الذي تقترحه لحل هذه الأزمات؟

بالطبع، ما يحصل في الشرق الأوسط هو رهن لشعوب الشرق الأوسط لتقرره، وعلى الغرب ألا يحاول تقرير النتائج. على الغرب أن يغير موقفه بالكامل، وبدلا من استخدام قاعدة الفعالية التي تُبقي مسار الغرب في إرسال أمواله للسلطويين والمجموعات المسلحة والمسؤولين الفاسدين، يجب أن يتمسك هو بمبدأ العالم بأن: "كل بلد ينتمي لشعبه"، وهذا يتضمن النفط، أي إن النفط ينتمي لشعبه، فهذا يعني أنه لا يجب أن يشتري أحد نفط هذه البلاد بدون موافقة مباشرة من شعب هذا البلد.

  

يجب أن يكون من غير القانوني على الغرب أن يشتري النفط من سلطويي السعودية أو إيران، ويجب أن يكون من عدم القانوني على أي أحد شراء النفط من المجموعات المسلحة والمسؤولين الفاسدين. على الغرب أن يقول إن من يحكم السعودية ليس من شأننا، ولكن حتى يصبح النظام أكثر قابلية للمحاسبة أمام شعبه، فلن نصادق على حقنا بشراء النفط من حكومة الشعب، لأنهم يبيعونه بدون موافقة الشعب.

  

– إذا فعلنا هذا، ألن نشهد أزمة استهلاك بحكم أن الشرق الأوسط هو المورد الأكبر للنفط؟ خصوصا على المدى الإستراتيجي؟ كيف يمكن أن نحل المشكلة العملية التي قد تواجهنا؟

  

بالطبع، الإستراتيجية التي أقترحها يجب أن تطبق بشكل مسؤول وتدريجي. نحن لا نريد أن نفسد الاقتصاد العالمي بفعل هذا، ولكن ليس هناك سبب يدفعنا للاعتقاد بأن هذه الإجراءات ستكون مشكلة اقتصادية كبرى.

    

هناك الكثير من النفط في العالم. كل أميركا الشمالية تستطيع أن توقف شراء النفط السلطوي بمدة قصيرة بدون صعوبات اقتصادية. حتى أوروبا، بإنفاقها قدرا قليلا إضافيا من المال يمكن أن توقف استيراد النفط والغاز السلطوي. إذن ليس الاقتصاد هو جوهر المشكلة، ولكنها السياسة.

   undefined

   

أود منك أن تفكر ما الآثار التي قد تحدث إذا قرر الرئيس الأميركي أو رئيس الوزراء البريطاني أو ممثلو الاتحاد الأوروبي أن يقولوا: من الآن، نحن نقف بجانب شعوب الشرق الأوسط، ولأنهم يملكون حق التحكم ببلادهم، فلن ندخل بصفقات مع أي أحد لا يملك إذن الشعب لبيع النفط. وبالحد الأدنى والأساسي من الحريات المدنية والحقوق السياسية، يجب على كل المواطنين أن يعرفوا ما الذي تفعله الحكومة بالنفط، ويجب على المدنيين جميعا أن يكونوا قادرين على قول "لا" لما تفعله الحكومة بالنفط ومال النفط. ألن يكون يوما عظيما إن وقفت دول الغرب -بدلا من الاحتلال وفرض العقوبات والتحالف مع السلطويين- جنبا إلى جنب مع شعوب الشرق الأوسط وهي تسعى للتحكم بنفطها؟

  

– سيكون هذا أكثر من رائع نظريا، ولكن ألم يحدث ذلك بعد الربيع العربي، متضمنا أبرز رؤساء الغرب وقتها بما فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس وزراء بريطانيا ورئيس فرنسا والبلدان الكبرى، عندما قرر الغرب الوقوف لجانب الشعوب العربية للحظة؟ هل كانت الإستراتيجية المتبعة هي التي أدت إلى فشل هذا الموقف الأخلاقي والسياسي بجانب الشعب؟

بالطبع، ما يفعله الغرب هو جزء مما حصل في الشرق الأوسط، وهو جزء صغير عادة. لكنني كنت محبطا إلى حد ما من استجابة زعماء الدول الغربية للربيع العربي. وكان الغرب يستطيع فعل أكثر من ذلك بالوقوف بجانب الشعوب وهي تسعى للحرية.

  

دعني أقول إن ما فعله الغرب خلال الربيع العربي كان ليكون أكثر جدوى الآن لو أنه توقف عن شراء النفط بشكل علني، لأننا نعتقد أن النفط ينتمي للشعب. وقول ذلك بشكل علني والوقوف لجانب الشعوب في الشرق الأوسط، خصوصا الشباب، الذين كانوا محبطين وغاضبين لغياب الفرص الاقتصادية والسياسية. ألن يكون من الأفضل لو أنهم وقفوا لجانب الشباب وقالوا: نعتقد أن بلادكم تنتمي لكم ولن نشتري النفط ما لم يكن محاسبا أمامكم؟

    

    

– هذه الفكرة لا تخطر حتى ببال شباب الربيع العربي، الذين كان كل ما يريدونه من الغرب هو تدخل الناتو، وهو ما لم يُجدِ نفعا بالدليل المشهود. ألا تعتقد أن التدخل العسكري، حتى لصالح الشعوب، لا يجدي نفعا؟

هذا صحيح عادة، وهذا ما رأيناه بالعراق. على الغرب ألا يحاول استخدام آليةِ بناء الدولة، وعليه أن يتوقف عن تفكيك سلطة الشعب بالاستمرار بإرسال أموالهم للأنظمة والمجموعات المسلحة التي تقمع وتهاجم الشعوب. وعلى الغرب أن يتوقف عن إرسال أمواله للزعماء والمليشيات في هذه البلدان. ثم سنرى احتمالية حقيقة لإمكانية تحكم هذه الشعوب بمواردها.

  

– لماذا لا يحدث هذا؟

هناك سببان. السبب الأول هو أن قاعدة الفعالية موجودة منذ مدة طويلة لدرجة أنها أصبحت من المسلّمات، بالطريقة نفسها التي كان الناس ينظرون بها لتجارة العبيد والحكم الاستعماري والفصل العنصري. هذه كانت أجزاء طبيعية من العالم ولا أحد يتحدث عنها كثيرا. وبالتالي فشراء النفط من أي أحد يسيطر عليه بالقوة هو شيء من المسلّمات الآن. والفعالية موجودة منذ وقت طويل وليست من المنطقي، من منظور اعتيادي، حتى لو أوضحت أنها غير منطقية للسياسيين، فمن الصعب جدا دفع السياسيين للتفكير على المدى الطويل.

  

وهذا ما يوصلنا للسبب الثاني، وهو أن السياسيين، خصوصا في الغرب، يفكرون على المدى القصير جدا، على مدى الأسبوع والشهر. إذًا من الصعب دفعهم لتغيير طريقة عقدهم الصفقات بالطريقة التي اعتادوا عليها. إذا كانت حكومتك متحالفة مع السعودية لـ٧٥ سنة، فمن السهل جدا إبقاء الأمور على ما هي عليه، حتى وإن كانت الأمور تبدو كارثية على المدى الطويل.

  

– كيف يمكن أن نحول الفلسفة المقترحة في كتابك "نفط الدم" إلى إستراتيجيات عملية، من جهتين مختلفتين: غربية، وشرق أوسطية؟

أعتقد بشدة أن الشعوب يجب أن تعمل بشكل أساسي ببلدانها لتحقيق تغيير مؤثر. ولذلك فأنا أعمل ببلدي، مع الحكومة البريطانية ومع الحكومة الأميركية، لإيقاف شراء النفط من الأنظمة التي قد تتجاوز حقوق الشعوب.

     

undefined

   

يسعدني القول إنه بعد الذهاب للبرازيل في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي؛ أصبحت البرازيل هي أول دولة تضع تشريعا يمنع الواردات من السلطويين. إذًا فالبرازيل هي الدولة التي أخذت الخطوة الأولى وهذا واعد جدا.

  

سأكون مترددا كغربي في اقتراح أي إجراء محدد للشعب في الشرق الأوسط، ولكن كل ما سأقوله إنكم تعلمون، كما أعلم، أن بلدكم ينتمي لكم، أنتم وأقرانكم المواطنون المالكون لبلادكم. أي أحد يبيع النفط بدون موافقتكم يسرق ملكيتكم بالمعنى الحرفي وينفق المال بالطريقة التي يريدها. والشعب الذي يشتري نفطكم بدون موافقتكم يشتري بضائع مسروقة، وعليكم أن تقلقوا من أن أولئك الذين يحكمونكم قد يكونون سارقين مواردكم منكم، ويستخدمون هذا المال لأغراضهم الشخصية، بدل أغراضكم أنتم.

  

إذا دخل لص لمنزلي وسرق ممتلكاتي، فأنا أملك أكثر من خيار للتصرف. إذا كنت في دولة قانون فسأطلب من الشرطة أن تقبض عليه وتحاكمه وتستعيد ملكيتي. ولكن لسوء الحظ، إذا لم أكن أؤمن بقانونية دولتي، فإنني سأتصرف من تلقاء نفسي.

  

– هل يمكن توسيعُ هذا التناظر على الدول بالشرق الأوسط؟ ما الذي يمكن فعله إذا كانت هذه الدول نفسُها لا تؤمن بالقانون؟

كما تعلم وأعلم فهذه الدول مختلفة جدا وظروفها مختلفة جدا. هناك فرق كبير بين السعودية وسوريا. ولكن دعني أؤكد على أهمية هذه الفكرة: تنظيم الناس حول الإيمان بأن البلدان تنتمي لشعوبها. هذه الفكرة ليست غربية. كانت هذه فكرة الدول المستعمرة لتحرير نفسها من الهيمنة الغربية. كانت هذه فكرة تشيلي والهند وغيرها من الدول التي تحاول تحرير مواردها من الغرب. وحتى "آية الله خامنئي" قال إن النفط ينتمي للشعب. إذًا، فقوة هذه الفكرة هي القوة التي يمكن أن تقف في وجه قوة الأنظمة التي تستخدم عبادة الشخصيات والأيديولوجيا الدينية لتبعد السلطة بعيدا عن الشعوب.

    

مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي (وكالة الأنباء الأوروبية)
مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي (وكالة الأنباء الأوروبية)

   

– كنت على وشك سؤالك حول السلطة والسلطة المضادة التي تحدثت عنها في كتابك. هل يمكن أن ننظر للربيع العربي بهذه الطريقة، على أنه سلطة مضادة لسلطة دول الشرق الأوسط؟

بكل تأكيد. لا أعلم كيف تشعر. أستشعر أن هناك مزيدا من الاضطرابات في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط، وخصوصا من الشباب، مجددا بسبب عدم تلبية القيادات لوعودها. ولذلك أشك أنه سيكون هناك سلطة مضادة حقيقية سيمارسها الشباب في الشرق الأوسط، لعدم رغبتهم بالمزيد من المسايرة للقيادات الفاسدة والجشعة التي كانت مستمرة على مدى قرون تسرق ثروات الشعوب لتحقيق أهدافها الشخصية، بدلا من أهداف الشعوب.

   

– مع الأسف، فما رأيناه في الدول العربية لاحقا لم يكن السلطة المضادة، بل الثورات المضادة، برأيك، ما الذي حدث؟ وكيف يرتبط نفط الدم بكل هذه الفوضى؟

سأقول شيئين عن الثورات المضادة. أولا: التقنية. اعتقدنا أن أدوات التقنية ستكون أدوات للتحرر، لكن الأحداث كشفت في الحقيقة أن التقنية أكثر تأثيرا على زيادة قمع السلطويين. اعتقدنا أن التقنية ستحرر الشعوب، لكن اتضح أن القائمين على الثورات المضادة كانوا أقدر على استخدام التقنية لمراقبة الشعوب بشكل أكبر، وسحق المعارضة، وهذا محبط جدا.

  

الشيء الآخر هو، مجددا، النفط، ومال النفط. فإذا نظرت إلى مصر، تستطيع أن ترى مال النفط يدعم الثورة المضادة. دور السعودية والإمارات في الثورة المضادة في مصر واضح جدا. إذن، النفط لا يُبقي السلطويين بالسلطة وحسب، بل يمكنه أن يُبقي السلطويين بالسلطة ببلدان أخرى كذلك، عندما يتم تمويلهم من نظام نفطي، مثل السعودية.

  

ولكن إذا قررنا على سبيل المثال السعي لاستعادة السلطة في الدول النفطية، فإن العديد من السياسيين يقولون إن أصعب حالات الانتقال السياسي والديمقراطي، والتي يصفونها أحيانا بالمستحيلة، هي بحالة الدول الريعية والبتروقراط. من أين يمكن أن نبدأ العمل بهذه بالدول؟

    

        

هنا سنرجع مجددا للفاعلين المختلفين الذين يمكن أن يقوموا بالتغيير. كما قلت، الدول التي تشتري النفط من الدول الريعية عليها التوقف عن ذلك. الشركات التي تقوم بصفقات يجب أن تتوقف عن توقيع صفقات جديدة. المستهلكون في كل البلدان يجب أن يطلبوا من حكومتهم الخروج من الصفقات مع الأنظمة الريعية. ولكن بالطبع، الدافع الرئيس للتغيير في هذه البلدان يجب أن يكون الشعوب نفسها. الشعوب يجب أن تكون قادرة على هذا الطلب، بنقطة ما، بأن على الحكومات أن تغير الصفقات.

  

الآن، في السعودية كما ترى، هناك بعض التغييرات الحاصلة، ورأيي أن هذه التغييرات لن تكون إعادة تشكيل جوهرية للحكومة. إذًا، يجب أن يكون هناك شيء أكثر جذرية بالدول مثل السعودية، ويجب على التغيير أن يأتي من الشعوب نفسها.

  

– ولكن كما ناقشت في "نفط الدم" فإن السعودية وغيرها ليست قهرية فقط، بحيث أنها تستخدم العنف لقهر شعبها كما كان الحال في العراق وليبيا وغيرها من دول أفريقية، ولكنها تستخدم آلية أكثر تعقيدا وصعوبة، هو الزبائنية (clientelism)، مما يجعل الشعب في حاجة إلى الحكومة للخدمات والمال والرواتب، والدولة تستخدم هذه الزبائنية بشكل جيد، وعندما يكون هناك أي محاولة للتغيير ترفع الدولة الرواتب، مما يجعل الناس تتناسى ما يجري. من أين يمكن أن نبدأ بتفكيك هذه الآلية؟

  

هذا ما قلته بأن هناك حاجة إلى تغيير جوهري بالعقلية. إذا كنت فردا في السعودية وتحصل على مكاسب زبائنية من الدولة، فقد تكون سعيدا بما يكفي، ولكن إذا كنت تعتقد أن البلد تنتمي للشعب، والنفط ينتمي للشعب، فلن تكون راضيا بالحصول على أي مال تسعى الدولة لإعطائك إياه بعد أن تُلبي إنفاقها حاجاتها الشخصية. لأن كل مال النفط ينتمي للمواطنين. كل قرش ينتمي لشعب السعودية، ولا يمكن لأي حاكم للسعودية أن يحصل على أي قرش منه ما لم يوافق الشعب على استخدام الحكومة لهذا المال.

 

      

هذا تغير جوهري بالعقلية أن تُفكّر: أنا وأقراني المواطنون نملك نفط هذه البلاد، وأنا لا أطلب مكاسب من الحكومة، وإنما أطالبها أن تستخدم مالي بالطريقة التي أراها مناسبة.

 

– إذًا فهي فكرية وعقلية بجوهرها؟

نعم، إنها كذلك. قد يبدو من البسيط الاعتقاد أن النفط ينتمي للشعب، لكنها فكرة قوية جدا، وعندما يفكر الشعب بهذه الطريقة سيجد طرقا للمطالبة بمزيد من التحكم عليه أمام الحكومات.

 

– لكنه يصبح أكثر صعوبة بالدول التي تستخدم الدين، بقولها إن كل الأفكار والتحركات وحتى العقلية يجب أن تمر من تحت سلطتي، لأنني أُمثّل الدين هنا.

أوافق، ولكن انظر، النظام السعودي يقوم بتغييرات كبرى الآن حول ما يقول إنه الواجبات الدينية، وأعتقد أنه يقوم بهذه التغييرات ليصطف بشكل أفضل مع اعتقادات وتوقعات الشباب، الذين لم يعودوا يؤمنون بالواجبات الدينية القديمة. إذًا، يمكن للجميع أن يرى أن الحكومة السعودية تغير تأويلها للواجبات الدينية. وفي الوقت نفسه، يقال إن الوقت الأخطر للحكومة هو عندما تبدأ بالإصلاح، وكل الأصابع تشير إلى الثورة الفرنسية. عندما تبدأ الحكومة بالإصلاح، تبدأ بتقديم وعود هائلة لشعبها، ولا يمكن إخفاء هذه الوعود. عندما ترفع هذه التوقعات ثم تفشل بتحقيقها، فإن المقابل الأولي قد يؤدي عادة إلى تغييرات ثورية بالشعب.

  

إذًا، لا أعتقد أن الأيديولوجيا الدينية ستكون قوية بما يكفي لإخماد الشعب للأبد، وأعتقد أن التوقعات المرتفعة للشباب في المنطقة ستؤدي في النهاية إلى إلهامهم للمطالبة بقدر أكبر من التغييرات من حكوماتهم.

  

    

– هل كان هذا ما شهدناه في مظاهرات إيران الأخيرة مثلا؟

أعتقد ذلك، أعتقد أن هذا ما حدث تماما. فالحالة الإيرانية مثال آخر على خطورة رفع الحكومات للتوقعات. بعد رفع العقوبات عن إيران، كان على الحكومة الإيرانية القيامُ بالوعود التي قطعتها، لكنها فشلت في ذلك، مما جعل الشعب يشعر باستياء، وكان هناك بعض المظاهرات.

  

الشعب يقول: نحن نعلم أن الحكومة تحصل على الكثير من المال من النفط، ونحن لا نرى المكاسب، حتى بعد كل هذه الوعود بعد رفع العقوبات. إذًا، فالشعب يشعر بالغضب، وأعتقد أنه سيشعر بمزيد ومزيد من الغضب إذا استمرت الحكومة بتحقيق وعودها. دعني أقول هذا مجددا: آية الله خامنئي أعلن بنفسه أن "النفط ينتمي للشعب"، وأعتقد أن الشعب الإيراني يؤمن بذلك، بأن النفط ينتمي له، وهم متعبون فقط من هذه الحكومة القمعية الفاسدة بأخذ الكثير من مكاسب النفط ومنحها قليلا جدا من هذه الثروة للشعب.

  

– هل يمكن أن تكون هذه المظاهرات، بجانب "إصلاحات" السعودية إن تمت، بداية لنهاية الحرب الباردة في الشرق الأوسط؟

نعم. قد يبدو من المدهش أن يأتي يوم بالشرق الأوسط وتكون بلدانه محكومة من حكومات محاسبة وتكون به الدول بسلام مع بعضها البعض. ولكن لا أعتقد أن ذلك من المستحيل. ما ينبغي حدوثه هو أنه يجب التحكم بالقوة القمعية المفرقة للنفط، وهناك مصدر واحد نعرفه لهذا التحكم، بحيث يكون جيدا بما يكفي بوجه القوة الهائلة للنفط، وهو شعب هذا البلد.

      

إذا نظرت إلى بلدان مثل النرويج أو كندا بالنفط الذي لديها، أو إلى بوستوانا وماسها، سترى بلدانا تُحاسَب بها الحكومات أمام شعوبها، وبهذه البلدان النفط أو الألماس ليسا لعنة، والموارد ليست لعنة. إنها نعمة. لأن الحكومة مجبرة من الشعب على استخدام مال الموارد لصالح الشعب.