شعار قسم ميدان

قيادي بحماس: لم نفهم عدونا ولا الإقليم من حولنا

midan - حماس
في بداية أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وتحت وطأة أشعة شمس الصباح، اصطف المئات من سكان قطاع غزة على طول الطرقات والأزقة لاستقبال وفد حكومة التوافق الفلسطيني الجديدة، وعلى رأسه رئيس الحكومة "رامي الحمد لله"، مشهد احتفالي بدا وكأنه بدد بعضا من مخاوف المستقبل المجهول في أذهانهم لفترة مؤقتة، ولكن سرعان ما انتهى الاحتفال بخيبات الماضي، وغياب رؤية حاضرة حتى اللحظة للخروج من جملة الأنفاق المظلمة.

          

قبيل الاستقبال الجماهيري الحاشد لحكومة "الحمد لله" وقيادات أمنية مصرية رفيعة المستوى عبر معبر "إيرز" الإسرائيلي، بسويعات قليلة، من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية كافة، وقيادات سياسية وأمنية من داخل حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ابتلع عدد لا بأس به من أهالي القطاع في صمت ظهور لافتة ضخمة تبارك المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، تحمل صورة الرئيس المصري الآتي بانقلاب عسكري "عبد الفتاح السيسي"، شعارها الرئيس "تحيا مصر"، وكتب عليها "مصر لن تكل ولن تمل من العمل من أجل أن يكون الشعب الفلسطيني بأفضل حال". لافتة نظر إليها أولئك الأهالي المحاصرون بالقطاع لفترات غير معلومة على أنها بروتوكول اضطراري بالتزامن مع حالتهم المستعصية، في ظل خيارات شبه غائبة لدى صناع القرار، وعلى أمل أن تحمل المصالحة التي رعتها المخابرات العامة المصرية نافذة وسط تلك الأسوار الأمنية الراسخة.

        

مضت أشهر قليلة على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية وتسليم "حماس" إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية بـ"رام الله"، بما فيها المعابر ذات العلاقة المباشرة مع مصر والكيان المحتل، مقابل أن تمسك الحكومة بزمام أمورها السياسية والأمنية والاقتصادية لغزة. كانت تلك التفاهمات حتى اللحظة حبرا على ورق، لم يلمس المواطن الغزاوي أي تغيير ملحوظ بعد إقرارها، سوى أن مصطلح "تمكين الحكومة" بات الأكثر لفظا على ألسنة مسؤولي السلطة، وهو ما يعني تمكين "سلطة رام الله" سياسيا وعسكريا من القطاع.

            

      

في ظل رفع أهالي القطاع لشعار ضمني يتردد خفية وعلنا «نحو نفق مجهول»، طرقنا في "ميدان" أبواب القيادي بحركة "حماس" أحمد يوسف، ووضعنا أمامه جملة من تساؤلات حول المشهد الفلسطيني في وقتنا الحالي ومستقبلا من وجهة نظر الحركة، فهو عضو مجلس الشورى داخلها، ومستشار سياسي سابق لرئيس الوزراء "إسماعيل هنية" في الحكومة الفلسطينية العاشرة عام 2007، يعرف عنه داخل الأوساط الفلسطينية بتغريده شبه الدائم "خارج السرب"، ذو خلفية أكاديمية سياسية حملت في طياتها تأليفه وإصداره لما يزيد عن العشرين كتابا.

           

من يدير الحفلة؟

سيد أحمد، ببساطة وبشكل مباشر، من يدير القطاع الآن؟

كان ذلك سؤالنا الأول له، ارتأينا البدء به للوقوف على أرضية لا يعرف لها أحد من الغزاويين -وربما الفلسطينيون أكملهم- إجابة قاطعة، وكان رده بسيطا أيضا بإفهامنا بأنه «عمليا غزة تديرها اليوم وزارة الداخلية والأمن الوطني للمحافظة على تماسك أمنها، رغم أن رهان المكتب السياسي للحركة لا يزال قائما على تحقيق المصالحة».

          

في رأي "يوسف"، فإن الحركة رغم الأزمات العاصفة من حولها، ترى الحفاظ على نوع ما من التوازن ولو قليلا في القطاع اليوم، لقطع الطريق على أي انفجار شعبي محتمل قادم، وترى أنه حال تخليها عن إدارته سيصبح الانفلات الأمني لغة غزة الرسمية، وهي رؤية ربما لا يمكن التشكيك فيها باتفاق المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية "مسارات"، الذي يرى أيضا أن الحركة «تراهن على أن تراجعها خطوة للوراء سيفتح طريقا أمامها من أجل التقدم خطوات إلى الأمام، بمساعدة مصر التي باتت تتحدث عن تحالف إستراتيجي معها، وكونها في إطار الشرعية الفلسطينية، من خلال الاعتراف بدورها إسرائيليا وإقليميا ودوليا". (1)

      

ينظر المركز أيضا، خلال ورقة أعدها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي معنونة بـ"آفاق المصالحة عشية حوار القاهرة"، إلى أن "حماس" تملك أوراقا قوية؛ أولاها أنها الطرف العسكري الأقوى بالقطاع، ولا بديل عنها لضبط الأمن والاستقرار سوى الفوضى والجماعات السلفية والمتشددة، على الأقل لبعض الوقت، وثانيها أن السلطة غير جاهزة لتسلم الوزارات والأجهزة الأمنية والحدود والمعابر، وإلى حين اشتداد عودها ستعتمد على موظفي "حماس"، بمن فيهم قادة وأفراد الأجهزة الأمنية.

      

الحديث عن دور الأجهزة الأمنية والعسكرية لم تغفله كذلك مراكز الأبحاث الغربية، إذ لفت معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى النظر لهذا التعقيد في مقال عنونه بـ"كيف يهدد الجناح العسكري لحماس المصالحة مع فتح؟"(2)، إلا أن التقرير ذهب لوجهة نظر ربما تعد أكثر حدة وانحيازا غربيا، قائلا إن «تفاقم الأوضاع على الأرض في غزة هو الذي دفع بحركة حماس للتفاوض في المقام الأول مع نقيضتها فتح. وفي وقت تفتقر فيه الحركة لحلفاء يهبّون لنجدتها ودعمها، قد تشعر بالحاجة لإثارة صراع جديد مع تل أبيب لتصرف النظر عن فشلها، ولتبرر مطالباتها بالاحتفاظ بسلاحها لحماية سكان القطاع من الاحتلال».

           

من وجهة نظر
من وجهة نظر "صالح النعامي"، السعودية أكثر الدول اهتماما بوضع العراقيل أمام تطور العلاقة بين إيران وحماس؛ باعتبار أنها ستقلّص قدرتها على محاصرة التوسع الإيراني في المنطقة
      

أما من زاوية "يوسف"، فيذهب إلى "أن هذا الضغط على الحركة سيدفعها لمسارات إجبارية، فـ«حماس ليست في ترف من خيارات كثيرة، فهناك ممرات إجبارية تضطر الحركة للسير بها رغما عنها، وفي حال توسعت هذه الممرات تتضرر الحركة في علاقاتها مع دول أخرى، وهو ما جرى بالفعل في الآونة الأخيرة». ولأنه لا يخفى على أحد أن متغيرات المنطقة حاليا أضرت بالقضية الفلسطينية، يرى "يوسف" أن القرب من حزب الله اللبناني وإيران بالتبعية، خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد تعثر العلاقة بينهما بسبب موقف الحركة من الثورة السورية المخالف لطهران، -يراه- تقاربا «أضر بالحركة إلى حد ما، لكننا بحاجة للحفاظ على توازن الوضع الداخلي الفلسطيني، لذا نريد بناء علاقات مع الكل ضمن مسافات متساوية، قضيتنا القدس، هي بوصلتنا، هل أضر الدعم الإيراني بسمعتنا؟ نعم، لكننا مضطرون لإبقاء العلاقات مع الجميع، كون القضية قضية الجميع أيضا، لا قضيتنا وحدنا».

      

هذا التقارب المدروس الذي أكده "يوسف" لنا، ربما كان الدافع للمصالحة ككل، ولبدء نظام الجنرال المصري "عبد الفتاح السيسي" في انتهاج سبيل مغاير والاقتراب من حماس عن طريق مخابراته العامة، فمن وجهة نظر محلل الشؤون الإسرائيلية "صالح النعامي"، فإن هذا التقارب «يأتي في ذروة تحرك أميركي خليجي لإعادة صياغة المنطقة بشكل يفضي لمحاصرة إيران وتقليص نفوذها، والدفع بها للانكفاء، ويبدو أن هناك قناعة متجذرة لدى إدارة الرئيس الأميركي "دونالد ترمب" والعائلة المالكة السعودية بأن أحد متطلبات تقليص النفوذ الإيراني، يتمثَّل في وضع حد لتأثير إيران على الساحة الفلسطينية، من خلال تجفيف بيئة العلاقات بينها وبين حماس». (3)

      

وهذا ما لفت النظر إليه "النعامي" في ورقته البحثية حول العلاقة مع إيران من منظور حماس، إذ أشار إلى أن السعودية هي «أكثر الدول اهتماما بوضع العراقيل أمام تطور العلاقة بين إيران وحماس؛ باعتبار أن عودة الدفء لهذه العلاقة يقلِّص قدرة السعودية على محاصرة التوسع الإيراني في المنطقة»، لا سيما أن واشنطن والرياض رأتا في اتفاق المصالحة خلخلة، ومن ثم إنهاء مستقبليا للعلاقة الحمساوية الإيرانية، لأن تطبيق الاتفاق في نظرهما سيفضي لإضعاف مكانة حماس بعد خسارة نفوذها في غزة بانتقال صلاحيات الحكم فيها للسلطة الفلسطينية، كما تنص المصالحة.

       

الاحتضار
تحكي المؤشرات الجارية على الأرض حكاية غير يسيرة ملخصها أن القطاع يحتضر، وأن اقتصاده يقترب من الانهيار، خاصة وأن غالبية سكان غزة أصبحوا بحاجة لمساعدات إنسانية سواء من الحكومة أو الفصائل أو المؤسسات الإغاثية العاملة في المدينة (4)، بجانب أن الكثير من المنشآت الاقتصادية متوقفة عن العمل، بشكل كلي أو جزئي، بسبب سياسة الحصار الإسرائيلي المانعة لإدخال المواد الخام، واستمرار أزمة الكهرباء ووصول ساعات وجودها لأربع ساعات فقط يوميا، واستمرار أزمة صرف الرواتب، وهي أزمة تطال رواتب موظفي غزة والسلطة على حد سواء، مما أدى لفقدان السيولة النقديّة بأيدي المواطنين، وبالتالي انخفاض قدراتهم الشرائية لحدها الأدنى.
  
لا تزال تخوض الحركة منذ عقد ونيف معركة بقاء سياسي بالتزامن مع التغيرات الإقليمية، وبجانب «إخفاقاتها»، فإن أبرز إنجازاتها على الصعيد السياسي هو إصدارها
لا تزال تخوض الحركة منذ عقد ونيف معركة بقاء سياسي بالتزامن مع التغيرات الإقليمية، وبجانب «إخفاقاتها»، فإن أبرز إنجازاتها على الصعيد السياسي هو إصدارها "وثيقة المبادئ والسياسات العامة"
   

وفي إحصائيات سردناها على مسامع القيادي الحمساوي "أحمد يوسف" تتمثل في أن نسبة البطالة وصلت ل46.6% من إجمالي سكان القطاع ب 175 ألف خريج من دون وظائف بمعدلات هي الأعلى عالميا، وقد وصلت معدلات الفقر كذلك ل65%، ووفقا لهذه الغحصائيات طلبنا تعليقه، فصمت ثم قال: «تسير الأمور بنا نحو المجهول، نحن نتحرك داخل نفق مظلم»، وهو مجهول أقر به مؤخرا القائد العام لحماس في غزة "يحيي السنوار" بعد مرور أكثر من عقد على الانقسام السياسي وفقا لما أورده معهد واشنطن نقلا عن المونيتور بقوله: «لقد أخطأنا، نحن نفتقر للقدرة والوسائل اللازمة لحكم ما يقرب من مليونَي شخص». (5)

        

بعد إدارة الحركة للقطاع لأكثر من عقد كامل، يعترف "يوسف" أن تنبؤاتهم بمستقبل غزة والقضية الفلسطينية لم تكن موفقة في كثير من الأيام، وتم بناء الكثير منها على معلومات خاطئة، موضحا «نحن لم نفهم عدونا، ولم نفهم الإقليم من حولنا، ولم نفهم أننا كإسلاميين غير مرغوب بنا في المنطقة، كانت لدينا تصريحات وردية عن "العمق العربي الإسلامي" تعطي انطباعا بأن المستقبل وردي بالكامل، ثم اصطدمنا بالواقع وتعقيده، لكن لو تم التمكين الفعلي للربيع العربي لحققنا ما وعدنا به الناس قبل الدخول في معترك السياسة».

         

وقد عزى "يوسف" وجود حواجز كثيرة أمام أعضاء الحركة لأسباب غير مألوفة لم نسمعها قبلا من منتم قديم لحماس، موضحا أن آلية اختيار نواب المجلس التشريعي، وبعض القيادات التي لا تعرف شيئا عن العمل السياسي والنقابي وحتى القانوني، «خاطئة»، مردفا: «الخبرة السياسية لدى بعض من أداروا غزة محدودة جدا، واختياراتهم لم تكن وفقا لمعيار الكفاءة، وهو خطأ وقعت فيه قيادات فتح من قبلهم بالاختيار بالتزكية، وتقديم الولاء على الكفاءة».

       

كان السؤال التالي منا بديهيا: ما الذي ستفعله الحركة بالضبط بعد إخفاقات إدارة القطاع؟ فأجاب: «ما زال صدر قيادات الحركة ضيقا فيما يخص المراجعات، لكن هناك مراجعات تحدث داخل الحركة، إلا أنها ليست على المستوى الرسمي، وإنما تقتصر على مجموعات صغيرة ترسل ملاحظاتها بين فترة وأخرى، وبالتالي حينما طرحت الحركة برنامجها السياسي، انطلقت من كونها حركة تحرر وطني، إلا أنها صدمت بالواقع، وفشلنا في الوقت نفسه في استشراف المستقبل»، وهي إجابة بدت في نفس الفلك أيضا، قبل أن يضيف «لو تعاملت حماس بأوراق قوتها فستبدو في نظر الجميع أنها تستقل بالقطاع، أو تحوله لدولة منفصلة، وهو خيار لو عملت به حماس لخفف عنها الكثير من الضغوط، لكنه خيار سيعني شطبنا للقضية من على أجندة نضالنا، خيار "دولة غزة" هو الخيار الأسهل والأكبر تكلفة ولن تلجأ الحركة إليه».

       

لا تزال تخوض الحركة منذ عقد ونيف معركة بقاء سياسي بالتزامن مع التغيرات الإقليمية، وبجانب «إخفاقاتها»، فإن أبرز إنجازاتها على الصعيد السياسي وإن كانت متأخرة هو إصدارها "وثيقة المبادئ والسياسات العامة" (6)، بعد مراجعات ومشاورات وتقييمات شاملة، وثيقة تَزامن خروجها مع التوجه السياسي للإدارة الأميركية الجديدة حول استئناف عملية السلام المعطلة بين الفينة والأخرى، خاصة أنها مثلت تبدلا نوعيا على صعيد مواقف الحركة من الملف الفلسطيني والصراع مع إسرائيل، إذ إنها تقر للمرة الأولى بقبول فكرة قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، في المقابل فإنها لا تحمل أي تعديل على موقف الحركة لجهة الاعتراف بـ«دولة إسرائيل»، واصفة إياها بـ«العدو الصهيوني». (7)

         

رائحة الحرب
undefined
          
على أرض الواقع، وخلال الفترة القريبة الماضية، لا تزال رائحة حرب رابعة قريبة محتملة بشدة -أو اعتداء رابع بالأحرى على القطاع- في أنوف الغزاويين بأكملهم تقريبا، وككلمات على ألسنة قيادات سياسية وعسكرية داخل تل أبيب، وحتى بعض المحللين العرب والغربيين، وهي رائحة لا تشبه نظيرتها في صيف 2014. شواهد يؤكدها كاتب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية "جاكي خوجي"، قائلا إنه «بعد مرور ثلاث سنوات ونصف على انتهاء حرب غزة الأخيرة، لم يجر في إسرائيل أي نقاش علني حول مستقبل الوضع في القطاع كما حدث في الأسبوع الأخير، نقاش شهد صدور تصريحات متتالية عن وزراء، جنرالات، مراسلين عسكريين، ومحللين للشؤون الفلسطينية، كلهم طرحوا أسئلة حول كيفية حل الكارثة المتحققة في غزة، لكن، قليل من أولئك من حاول طرح حلول جدية». (8)

               

أشار "جاكي"، خبير الشؤون العربية بإذاعة الجيش الإسرائيلي، لوجود ثلاثة خيارات تواجه إسرائيل للتعامل مع الوضع القائم في غزة: أولها احتلال القطاع كاملا، وثانيها احتواء المشكلة، وثالثها الذهاب لمبادرة واسعة، لكنها خيارات تحمل ألغاما وعقبات في كل منها، حتى إن التقديرات العسكرية الاحتلالية تنظر للمعارك المحتملة في القطاع حال السير مع الخيار الأول لإسقاط سلطة حماس، بأنها ستتسبب بمقتل 200-400 جندي احتلال إسرائيلي، وهي أخبار ليست سارة لتل أبيب، لأنه وبعد قرابة عقدين على انسحاب لازم من لبنان، فإن جيش الاحتلال لا يرغب في التورط  بحرب استنزاف أخرى على أرض غزة.

     

أمام هذه الرؤية الإسرائيلية، فإن الحركة لا ترغب في أي مواجهة قادمة مع إسرائيل، يؤكد "يوسف" على ذلك مضيفا: «مبرر الاحتلال لضرب غزة حاليا غير موجود، وإذا ما توافر سنكون ضمن حرب شرسة، لذلك حماس -برغم عدم رغبتها في أي حرب باعتقادي-  لديها الاستعداد لأن تصد أي عدوان قادم، كونها تدرك تماما حجم الوضع المأساوي في غزة، أما إسرائيل فهي دولة مؤسسات، ولن يقدموا على حرب بدون مبررات تحمي رقاب السياسيين والعسكريين هناك من المساءلة، أما السلطة فتتحمل جزءا بالتأكيد مما يحدث ومعها المجتمع الدولي، تاركين بإهمالهم للقطاع مساحة فارغة لإسرائيل».

      

تزامن سيناريو الحرب بقوة مع أحاديث متواترة إعلاميا بكثافة ومنذ فترة عن تفعيل مشروع «توطين الفلسطينيين في سيناء"، بعد أن ظهرت تسريبات إسرائيلية حول انعقاد مؤتمر قمة سرِّي، مصري إسرائيلي أردني بمدينة العقبة الأردنية، وبمشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قبل عامين في فبراير/شباط 2016، رافقتها تسريبات وشائعات حول عرض قدمه الرئيس المصري "السيسي" لتوطين الفلسطينيين في أجزاء يتم اقتطاعها من سيناء بين رفح والعريش، وبالرغم من نفي رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" لذلك، إلا أنه أقر بانعقاد مؤتمر العقبة، في حين نفت مصر وجود المقترح بأي حال. (9)

         

يؤكد القيادي الحمساوي
يؤكد القيادي الحمساوي "أحمد يوسف" أنه إذا أرادت حماس أن تنجح في منع انهيار غزة، فليس أمامها سوى طريق واحد، وهو التعايش مع أزمات القطاع وهمومه
     

هذه الأحاديث عن المشروع، المتجسد حتى الآن في تسريبات هنا وهناك، أعاد للأذهان مجددا مشروع مستشار الأمن القومي الصهيوني "جيورا أيلاند" عام 2004، والذي دعى لتنازل مصر عن 600 كم2 من سيناء بغرض توطين الفلسطينيين، مقابل تنازل الاحتلال عن 200 كم2 من أراضي صحراء النقب لصالح مصر، ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية، فضلا عن خطة "يوشع بن آريه" عام 2013، والتي تنص على أن تُمدَّد حدود قطاع غزة لحدود مدينة العريش، لتضم مدينتي رفح والشيخ زويد للقطاع، ومن ثم توطين الفلسطينيين فيهما.

        

يمكن حدوث هذا المشروع -إن صح- وفقا لسيناريوهين محتملين فقط؛ الأول هو قيام جيش الاحتلال بشن حرب مدمرة على القطاع تؤدي لتهجير أعداد كبيرة من سكانه لسيناء بالقوة، أما الثاني فيكمن في حدوث قبول مصري عربي بفكرة التوطين بما يوفر التسهيلات والمغريات اللازمة لذلك، والتمهيد الشعبي العربي أيضا.

      

يقول القيادي الحمساوي "أحمد يوسف" إن احتمالا ثالثا على الأرجح سيحدث، «حيث نجحت غزة في إفشال مشروع توطين 60 ألف فلسطيني في سيناء في عهد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، عن طريق مشروع "آلون" الإسرائيلي للتوطين تحت مبرر عجز السلطة المصرية عن فرض سيطرتها الأمنية على سيناء»، لكن "يوسف" يخشى من تمرير المشروع بعد أن فشلت المصالحة، وتخلت السلطة الفلسطينية عن غزة، وفي ظل انشغال القادة الإقليميين بهمومهم الداخلية كما قال، مضيفا: «وحدة القوى السياسية والفكرية والإخوان مع اليسار والبعثيين يمكن أن يمنع تمرير هذه المشاريع»، وهي أمنية تبدو وردية كرؤية حماس لمشروعها وللقطاع على كل حال، بينما يبدو الواقع أكثر تعقيدا من ذلك.

         

«يعتمد قطع الطريق أيضا أمام تمرير هذا المشروع على تنسيق أمني رفيع المستوى»، كما يقول "يوسف"، وهو تنسيق كان سيستمر على الأغلب بين الحركة وقيادة المخابرات العامة المصرية قبل أن يعصف "السيسي" بقائد الجهاز ذي التفاهمات الحمساوية المشتركة "خالد فوزي"، في ظل انتعاش عمليات تنظيم الدولة "داعش" في سيناء، وإعلانه الشهر الماضي الحرب على حركة "حماس".

       

تخشى الحركة من تمدد التنظيم وأفكاره «الإرهابية»، بعد جملة الاعتقالات داخل غزة، كما يعلق "يوسف"، فإن «حماس لا تريد أن تظهر على الساحة الفلسطينية وكأنها في صدام مع هذا الفكر، فهو لم يعد تيارا مقبولا في غزة والعراق وليبيا وغيرها، وباتت أجندتهم واضحة وهي خدمة الاحتلال وأعوانه»، ما يعني أن قادة الحركة في مواجهة ملفات أكثر سخونة من أي وقت مضى: "داعش"، "مشروع سيناء" المحتمل، وحرب طاحنة محتملة على القطاع.

         

        

يمكن القول إن "حماس" أمام حقول ملغمة قادمة؛ حرب اقتصادية "باردة" تدور رحاها بين قطاعات التجارة والصناعة والسلطة الفلسطينية، فرض المزيد من الضرائب، فضلا عن غياب أي رؤية سياسية قادمة فيما يتعلق بملفات المصالحة المتفق عليها ورقا، الغائبة بنودها واقعا، وتحذيرات إسرائيلية ومن قبلها أممية بأن غزة في انتظار الأسوأ فالأسوأ، لتعلق الحركة رهانها حتى اللحظة على متغيرات قد تطرأ فجأة في المنطقة العربية، فيما يشبه لعبة بوكر غير محسوبة.

          

أثناء حوارنا مع القيادي "أحمد يوسف"، وتأكيده بأن القادم «لا يبشر بخير»، قال: «إذا أرادت حماس أن تنجح في منع انهيار غزة، فعليها أن تتعايش مع أزمات القطاع وهمومه، هناك شعور عام بوجود طبقية داخل الحركة، وجود طبقة معينة تحيا في مستوى مختلف تماما غير معنية بأي شيء آخر، نريد أن نشعر الناس بأننا نحيا معهم، ما يعني بالضرورة الحفاظ على الحاضنة الشعبية للحركة»، وهو قول بات اليوم دارجا ومتداولا عبر منصات التواصل الاجتماعي من قبل قيادات سياسية كانت تفكر ألف مرة قبل نقد سياسات الحركة والحكومة سابقا، ما يعني أن الأزمة في القطاع ليست من أطراف خارجية فقط، بل ربما تقبع داخله أيضا.

        

«أنا ابن الحركة، لا أمتلك الحقيقة كاملة أو أدعي احتكارها، ولكني أمتلك جزءا منها، أحترم كل من حمل المشروع، وأقدم التوصيات مكتوبة سرا وعلنا، لكني في النهاية مع تجديد الدماء والانفتاح على الآخرين».

المصدر : الجزيرة