شعار قسم ميدان

أذرع طهران العابثة في حدائق واشنطن الخلفية

Midan - Iran flag

"على مدار العقود الثلاثة الماضية أنشأت إيران بنجاح شبكة من القواعد الاستخباراتية والمراكز السرية في ما لا يقل عن ثمانية بلدان في أميركا اللاتينية هي: البرازيل وتشيلي وكولومبيا وغيانا، وباراغواي وسورينام وترينيداد وتوباغو وأورغواي". (من تقرير المدعي العام الأرجنتيني السابق ألبرتو نيسمان الصادر عام 2013)


في شقته الفاخرة في الطابق الـ13 بأحد مباني حي الميناء الراقي بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، وفي أحد صباحات شتاء يناير/كانون الثاني الباردة من 2015 عثر على جثة المدعي العام الخمسيني مقتولا في ظروف غامضة برصاصة في الرأس، وبجواره تم العثور على مسدس صغير الحجم، كانت الشقة مغلقة تماما من الداخل، لذلك رجحت روايات معظم المسؤولين الرسميين -بمن فيهم رئيسة البلاد- فرضية الانتحار، ورغم ذلك كان هناك العديد من الأسباب التي تدفع للتشكيك في هذه الفرضية.

 

مسؤولون أميركيون سابقون أكدوا أن العلاقات بين حزب الله وعصابات المخدرات المكسيكية تعززت في السنوات القليلة الماضية، وهو ما تؤكده المذكرة الصادرة عن قسم شرطة أريزونا عام 2010

جاء مصرع نيسمان قبل يوم واحد فقط من موعد إدلائه بشهادة خطيرة أمام الكونغرس الأرجنتيني، وقبل مقتله بأربعة أيام فقط شن نيسمان هجوما حادا على رئيسة البلاد آنذاك كريستينا كيرشنر ووزير خارجيتها هيكتور تيمرمان، متهما كليهما بعرقلة التحقيقات في قضية تفجير جمعية الصداقة الأرجنتينية اليهودية، وهو التفجير العائد إلى ما قبل 21 عاما، وأودى بحياة 85 شخصا، ملمحا إلى صفقة سرية عقدتها الحكومة الأرجنتينية مع إحدى الدول الأجنبية للتستر على تورطها.

 

في الأرجنتين ما يمكن أن يسترعي الانتباه أكثر من نتائج منتخب كرة القدم وأخبار لاعبيها الأفضل عالميا، فقد شهدت هذه البلاد ستة انقلابات عسكرية أثناء القرن الماضي، والعديد من التفجيرات وأعمال العنف الدموية، وتحيا في أزمة اقتصادية طاحنة أيضا.

ورغم أن بيونس آيرس التي شهدت مظاهرات الأمهات والجدات الشهيرة المطالبة بحقوق أبنائهن المختفين قسريا على أيدي النظام العسكري في السبعينيات والتي تصلح أن تكون محورا للكثير من الحكايات فإنها اليوم لا تعدو أن تكون محطة عابرة لقطار الأحداث.

في الواقع، نحن الآن على بعد أكثر من 23 ساعة من الملاحة الجوية عن المركز الرئيسي للأحداث عن طهران العاصمة المركزية لدولة الملالي.

 

سفراء غير رسميين
معمم إيراني يدعو بأحد مساجد العاصمة الإيرانية
معمم إيراني يدعو بأحد مساجد العاصمة الإيرانية
 
يدير حجة الإسلام محسن رباني اليوم مؤسسة أنديشة شرق الثقافية في قم حيث الحوزة العلمية الشهيرة معقل رجال الدين الإيرانيين، وتلعب هذه المؤسسة دورا رئيسيا في جهود "التبشير الإيراني" بأميركا اللاتينية، وتصدر مطبوعات مترجمة بالإسبانية والبرتغالية تشمل بعض رسائل خامنئي، وأيضا ترجمة إسبانية للقرآن الكريم.

 

يليق هذا الدور الثقافي برجل دين متقدم في العمر، ولكن الأمور كانت مختلفة في الثمانينيات حين كان رباني يعمل ملحقا ثقافيا في سفارة الجمهورية الإسلامية في بوينس آيرس، ومن قبلها إماما لمسجد التوحيد، ومفتشا للرقابة على اللحوم الحلال في البرازيل، وسط كل ذلك كانت مهمة رباني الحقيقية هي تشكيل شبكة تخدم المصالح الإيرانية في منطقة الحدود الثلاثية بين البرازيل والأرجنتين وباراغواي، إحدى المناطق التي تعاني فراغا أمنيا كبيرا في أميركا الجنوبية.

 

يصف تقرير "نيسمان" المدعي العام رباني بأنه العقل المدبر لعملية تفجير جمعية الصداقة الأرجنتينية اليهودية عام 1994، ومن قبله تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1992، والذي أودى بحياة 29 شخصا، في وقت أظهرت فيه التحقيقات أن رباني استخدم مستطلعين شيعة لرصد أهداف يهودية وأميركية في العاصمة الأرجنتينية منذ عام 1983، وأنه استقبل أموالا من إيران عبر ثلاثة مصارف أرجنتينية مختلفة، كما قام بتوفير الشاحنة التي استخدمت في تفجير المركز اليهودي.

 

أدانت تحقيقات "نيسمان" رباني وعددا من المسؤولين الإيرانيين، في مقدمتهم الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وفي نهاية المطاف أصدر الإنتربول الدولي أمرا بالقبض على رباني في عام 2007. ورغم أن الرجل يقيم في قم في الوقت الراهن فإن مصادر برازيلية أكدت أنه سافر في أكثر من مناسبة إلى البرازيل عبر فنزويلا التي قامت بإخفاء بياناته عن الإنتربول الدولي باستخدام هوية مزورة من أجل تجنيد المزيد من العملاء.

إضافة إلى ذلك، فإن شقيق رباني "محمد باقر رباني رضوي" هو الأب المؤسس للجمعية الإسلامية الإيرانية في البرازيل، والمصنفة بطبيعة الحال إحدى المنظمات الداعمة للإرهاب من قبل وزارة الخزانة الأميركية.

 

لفترة طويلة مثلت البرازيل بؤرة الاهتمام الإيراني غير الرسمي في أميركا اللاتينية، واستخدمت طهران رجل دين آخر ذكر أيضا في تقرير نيسمان يدعى طالب حسين الخزرجي للقيام بدور مماثل في البرازيل.

كان الخزرجي موظفا سابقا في الحكومة الإيرانية، وكانت مهمته تكمن في توسيع دائرة الدعم الإيراني بين المهاجرين الشيعة، كما لعب سهيل الأسد تلميذ رباني دورا مماثلا في تشيلي، إضافة إلى عشرات الأسماء الأخرى.

كل هذا بخلاف الجيل الجديد من رجال الدين المحليين المتحولين إلى المذهب الشيعي، رجال يتم إرسالهم إلى قم للالتحاق بالمعاهد الإيرانية المخصصة للناطقين بالإسبانية والبرتغالية.

 

يذكر أن هذه الجهود الإيرانية لم تكن تهدف فقط إلى تعزيز تأثيرها الثقافي، أو حتى مجرد القيام بعمليات تستهدف المصالح الإسرائيلية كما حدث في الأرجنتين. في الحقيقة فإن كل ما يحدث هو جزء من اللعبة الكبرى لإيران في مواجهة القوة الكبرى عالميا، وهي الولايات المتحدة، ولكن الفارق الجوهري هو أن إيران كانت تخوض هذه الجولة من المباراة على الملاعب الأميركية، في الباحات الخلفية التي تعتبرها واشنطن عمقا أمنيا خاصا لها.

 

تحالف المناهضين
صورة أرشيفية تجمع الرئيس الإيراني الأسبق نجات والزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز
صورة أرشيفية تجمع الرئيس الإيراني الأسبق نجات والزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز
 
مكانيا نحن الآن في بوليفيا، وتحديدا في سانتا كلوز العاصمة الصناعية للبلاد، أما الزمان فهو مارس/آذار 2011، حيث يصطف الآن وزراء دفاع دول التحالف البوليفاري لشعوب أميركا (ألبا)، وهو تحالف يشمل 11 دولة من دول أميركا الجنوبية والوسطى، في مقدمتها كوبا وفنزويلا، لحضور مبادرة تدشين مدرسة الدفاع الجديدة للتكتل.

تحمل الأكاديمية الجديدة مشروعا مناهضا للإمبريالية، وتدرس مجموعة من الدورات المرسخة لمبادئ مواجهة الوجود الإمبريالي الأميركي في العالم النامي، عناوين تقليدية مفهومة ومتوقعة في سياقها إلا أن المراسم تُجرى هذه المرة بحضور ضيف غير تقليدي.

 

يلقي الضيف كلمة أمام الحضور، ويهدد بأنه في حال قيام أي مواجهة بين بلاده والولايات المتحدة فإن بلاده مستعدة للرد بقسوة على أي سلوك عنيف وغير منطقي من قبل واشنطن، وقد تبدو الكلمات عادية إن خرجت من فم أحد وزراء دفاع أميركا اللاتينية إلا أن الرجل لم يكن أحد وزراء دفاع دول التحالف، ولم يكن أميركيا بالأساس، وإنما كان وزير الدفاع الإيراني آنذاك أحمد وحيدي، رجل كان هو الآخر ضمن المتورطين الذين شملتهم لائحة نيسمان، حيث كان يعمل قبل ذلك قائدا للحرس الثوري الإيراني.

 

من أجل أن نفهم سر إقدام وزير الدفاع الإيراني على إطلاق تهديد للولايات المتحدة أثناء زيارة لحضور مناسبة لا يبدو أن له أي دور رئيسي فيها ينبغي لنا العودة بدفة الأحداث إلى الوراء قليلا، حيث تمتلك إيران اليوم 12 سفارة في أميركا الجنوبية مقارنة بخمس سفارات فقط حتى عام 2005، ويعود الفضل في هذه الطفرة بالتمثيل الدبلوماسي الإيراني في القارة إلى رجل واحد هو الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز.

 

كان شافيز مهتما بشكل رئيس بتشكيل تحالف مناهض للولايات المتحدة، ودفعته هذه الرغبة إلى توثيق علاقاته مع جميع القوى المناهضة للولايات المتحدة، والخاضعة لعقوبات واشنطن حتى خارج البلدان الأميركية، فأسس التحالف البوليفاري (ألبا) عام 2004، وتزامن ذلك مع صعود محمود أحمدي نجاد إلى رئاسة إيران في عام 2005، وتزايد حدة الخطاب العدائي بين إيران والولايات المتحدة حينها، وفرض العقوبات على إيران بسبب البرنامج النووي والصاروخي عام 2006، ومساعي إيران للبحث عن طرق خلفية للالتفاف على العقوبات الأميركية.

 

سمح شافيز لإيران بالتنقيب عن اليورانيوم في فنزويلا، كما ساعد شافيز في الترويج لإيران لدى حلفائه وعلى رأسهم رئيس الإكوادور رافاييل كوريا، ورئيس بوليفيا إيفو موراليس، ونتيجة لذلك توطدت علاقات إيران مع دول التحالف البوليفاري، وتعزز نفوذها في أميركا الجنوبية.

زار أحمدي نجاد أميركا الجنوبية سبع مرات خلال سبع سنوات متتالية، بخلاف زيارات سائر المسؤولين الإيرانيين، ووجدت إيران طريقها للالتفاف على العقوبات الأميركية ولو بشكل جزئي، وشرعت في تعميق نفوذها هناك بشكل أكبر إلا أن طموحات إيران كانت تفوق ذلك، وكان عليها في ذلك التوقيت أن تنتقل إلى المرحلة التالية من اللعبة التي تجيدها طهران أكثر من أي أحد آخر.

 

طريقتنا التي نجيدها
"ما نشاهده اليوم هو اندماج لخط إرهاب الجماعات الثورية البوليفارية مع خط الجماعات الإسلامية الراديكالية بدعم من النظام الإيراني". (الصحفي دوغلاس فرح في شهادة له أمام لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأميركي)

 

تستخدم إيران الدين والتشيع بشكل أساسي كغطاء للتوسع السياسي
تستخدم إيران الدين والتشيع بشكل أساسي كغطاء للتوسع السياسي
 
في عام 2007 جندت إيران مواطنا من جوايانا –وهي إحدى الدول الأعضاء في تحالف ألبا- للقيام بتفجير خزانات الوقود تحت محطة جون كيندي إلا أن العملية أحبطت في الساعات الأخيرة

تعشق إيران الطرق الخلفية، وترى أنها أكثر نجاعة وأقل تكلفة في تحقيق أهدافها السياسية، وبينما كانت العقوبات الدولية المتتالية تقوض القدرات النظامية التقليدية للعسكرية الإيرانية تعلمت طهران عبر تجربتها التاريخية الطويلة كيفية تجنيد الوكلاء والمليشيات وتوظيفهم لتحقيق أهدافها، وكلاء هم الطريق الأمثل للتغلب على حواجز الجغرافيا، بينما لا تعبأ إيران كثيرا بتقديمها للعالم على أنها "دولة مارقة" بالتعريفات الدولية الرسمية طالما أنها في نهاية المطاف سوف تحقق أهدافها.

 

يعرف اللبنانيون منطقة 25 مارس/آذار في مدينة ساو باولو البرازيلية جيدا، في هذه المنطقة بدأ اللبنانيون أنشطتهم التجارية في السبعينيات، أنشطة تطورت من المتاجر الصغيرة إلى مصانع متطورة، بدأت هجرة اللبنانيين إلى أميركا الجنوبية منذ عهد العثمانيين إلا أن الحرب الأهلية اللبنانية تسببت في موجات من تدفقهم إلى هناك.

 

تضم أميركا الجنوبية اليوم أكثر من 17 مليون مهاجر من أصل عربي، معظمهم من اللبنانيين والسوريين، ويعتقد أن البرازيل وحدها تحوي سبعة ملايين مهاجر، مما يمكن تبينه في الرئيس البرازيلي الحالي ميشيل تامر ذي الأصول اللبنانية.

 

تأسس حزب الله في لبنان مطلع الثمانينيات بعد ثلاثة أعوام من قيام الثورة الإيرانية، وأعلن الحزب ولاءه للثورة الإيرانية في وقت مبكر، ومع الاهتمام الإيراني المبكر أيضا بأميركا الجنوبية وولعه الفطري بتجنيد الوكلاء كان حزب الله هو الذراع المثالية لنظام الثورة الإيرانية، في ظل قدرته على اختراق البلدان اللاتينية من خلال الجاليات اللبنانية.

 

بخلاف أنشطة التبشير وجمع التبرعات بدأ الحزب منذ منتصف الثمانينيات بإرسال عناصره إلى منطقة الحدود الثلاثية، منطقة استخدمها ملاذا آمنا لغسيل الأموال من خلال أنشطة غير شرعية شملت تجارة المخدرات والأسلحة، وتزوير وثائق السفر وقرصنة البرامج الإلكترونية وبيعها.

بحلول عام 2000 كان عدد وكلاء إيران في المنطقة يقدر بنحو 460 عميلا، بينما قدرت تدفقات الأموال من منطقة الحدود الثلاثية إلى الشرق الأوسط بما بين ثلاثمئة وخمسمئة مليون دولار سنويا، وهو رقم يفوق مبلغ الدعم المباشر الذي يتلقاه الحزب من إيران سنويا والمقدر بنحو مئتي مليون دولار.

 

أصبح من المعتاد أن نقرأ عن أنباء الكشف عن شبكات لتهريب المخدرات يديرها حزب الله في أميركا الجنوبية أو حتى في أوروبا، لعل آخرها هي عملية سيدر التي كشفت السلطات الفرنسية عنها منتصف 2015، وهي عملية استهدفت شبكة تهريب يديرها حزب الله بين كولومبيا وأوروبا.

بعض هذه الشبكات كانت تدير أنشطتها بتسهيل من الحكومات الحليفة لإيران في أميركا الجنوبية، لكن أشهرها الشبكة التي صارت تعرف فيها بعد باسم شبكة "نصر الدين" نسبة إلى الدبلوماسي الفنزويلي اللبناني الأصل غازي نصر الدين أحد المطلوبين على قائمة الشرطة الفدرالية الأميركية مع شقيقيه.

 

يتمتع نصر الدين بعلاقة جيدة مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو منذ أن كان نائبا لشافيز، وعمل غازي ضمن البعثة الدبلوماسية الفنزويلية في سوريا، وكان مسؤولا عن تسهيل أنشطة شقيقه عبد الله نصر الدين في جزيرة مارغريتا الفنزويلية بالبحر الكاريبي إحدى أبرز بؤر التهريب التي ينشط فيها حزب الله، بينما كان شقيقهما الثالث عدي مسؤولا عن تأسيس مراكز تدريب شبه عسكرية في الجزيرة.

 

الأمر الأهم في السياق السياسي هو نجاح الحزب في نسج علاقات مع عصابات المافيا في هذه الدول، ونجح الحزب في نسج علاقات مع أخطر عصابة في البرازيل، ومساعدتها في الحصول على أسلحة في سوق السلاح الدولية مقابل أن تؤمن له التنقل بمنطقة الحدود الثلاثية.

الحرس الثوري حاول اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في مطعم بواشنطن عام 2011، وهذه المرة باستخدام أعضاء من عصابة لوس زيتاس إحدى أقوى عصابات المخدرات المكسيكية

وتصبح الأمور أكثر حساسية وخطورة لواشنطن كلما اتجهنا إلى الشمال مقتربين من الحدود الأميركية، فتشير شهادة أدلى بها إيلان بيرمان نائب رئيس مجلس السياسات الخارجية الأميركية أمام لجنة الأمن الداخلي في البرلمان الأميركي عام 2007 إلى نجاح حزب الله في إدخال نشطاء إلى داخل الولايات المتحدة من خلال الحدود الجنوبية الغربية عبر الحدود المكسيكية.

 

في عام 2006 حكم على سالم بوغادر مشرفي بالسجن ستين عاما بعد القبض عليه من قبل السلطات المكسيكية، وهو مكسيكي ذو أصول لبنانية اتهم بأنه قام بتهريب مئتي شخص، منهم بعض أنصار حزب الله إلى الولايات المتحدة.

وأكد مسؤولون أميركيون سابقون أن العلاقات بين حزب الله وعصابات المخدرات المكسيكية تعززت أثناء السنوات القليلة الماضية، وهو ما تؤكده المذكرة الصادرة عن قسم شرطة أريزونا عام 2010، والتي تزعم وجود روابط حزب الله وعصابات تهريب المخدرات المكسيكية بعد أن تم القبض على بعض أفراد العصابات، حيث وجد أنهم يحملون وشوما فارسية ومقتنيات تشير إلى العلاقة مع الحزب، وأيضا بعد أن طورت هذه العصابات تكتيكاتها لتستخدم السيارات المفخخة، وحتى أنفاق التهريب التي تم رصدها مرارا عبر الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة.

 

مبدأ مونرو جديد
الرئيس الفنزويلي في لقاء يعكس الحميمية مع وزير الخارجية الإيراني
الرئيس الفنزويلي في لقاء يعكس الحميمية مع وزير الخارجية الإيراني
 
قبل قرنين من الزمان -وتحديدا في عام 1832- دشن الرئيس الأميركي جيمس مونرو ما صار يعرف في السياسة الأميركية لاحقا باسم مبدأ مونرو، وبموجب هذا المبدأ أعلنت الولايات المتحدة أن أي تدخل أوروبي في الأميركتين سوف تعتبره الولايات المتحدة تدخلا في شؤونها الداخلية.

 

لا يحب الإيرانيون تضييع الكثير من الوقت، ورغم ذلك فإن نظام الملالي يتمتع بقدر مثير للإعجاب من البراغماتية السياسية، فعلى مدار 2014 و2015 كانت إيران تتفاوض مع الولايات المتحدة على اتفاق بشأن برنامجها النووي يتم بموجبه رفع العقوبات عنها، اتفاق دخل حيز التنفيذ بالفعل مطلع 2015، وهو ما دفعها إلى تقليص ظهورها الرسمي في الدول المعادية للولايات المتحدة في فنائها الخلفي، ولكن بمجرد توقيع الاتفاق واستقراره -وتحديدا في أغسطس/آب الماضي- كان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف على متن طائرته يخوض جولة مكوكية في أميركا اللاتينية شملت ست دول، هي : بوليفيا، وتشيلي، وكوبا، والإكوادور، ونيكاراغوا، وفنزويلا.

 

تذكرنا جولة ظريف الأخيرة بالعصور الذهبية لأحمدي نجاد، وقد جاءت الزيارة بعد أشهر قليلة من تخفيف العقوبات على إيران، ولذا فقد حملت عناوين اقتصادية تجنبا لإثارة الجدل، ولكن المفارقة أن محطات جواد ظريف اللاتينية لم تشمل أيا من القوى الاقتصادية في القارة، فالدول الست التي زارها ظريف -بلا استثناء تقريبا- تعاني أزمات اقتصادية طاحنة، وبعضها يقف على حافة الإفلاس فعليا، ولا تمثل فرصا اقتصادية حقيقية لطهران، أما المفارقة الأخرى فهي أن الزيارة جاءت تزامنا مع افتتاح مدرسة الدفاع البوليفاري التي تم الإعلان عن تدشينها عام 2011 بحضور وزير الدفاع الإيراني.

 

أتت جولة ثعلب السياسة الخارجية الإيرانية في أعقاب فترة قصيرة حولت فيها إيران أنظارها نحو العلاقات مع القوى الاقتصادية الكبرى في أميركا اللاتينية، مثل البرازيل والأرجنتين والمكسيك، ونأت فيها نسبيا عن الدول الصغيرة المعادية للولايات المتحدة.

 
غير أن هناك العديد من الأسباب المفسرة للاهتمام الإيراني بهذه الدول، بداية من تجاوز عزلتها الإقليمية التي يفرضها عليها جوارها العربي السني، وانتهاء باشتراك إيران مع العديد منها في العقيدة الثورية. كان الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو أول رئيس يعترف بالجمهورية الإسلامية بعد تأسيسها عام 1979 في خطاب له بحضور آية الله الخميني أكد فيه أنه لا يوجد تعارض بين الثورة والدين، كما قامت كوبا بتدريب علماء البرنامج النووي الإيراني في التسعينيات فأدركت طهران منذ اللحظة الأولى إذاً حجم المشتركات التي تجمعها مع الأنظمة المناهضة للولايات المتحدة في القارة.

 

طهران قررت بعد الاتفاق النووي أن عليها أن تستأنف علاقاتها التقليدية مع الدول المناهضة لواشنطن، وربما بذات الأساليب التقليدية، لذا ربما تعيد واشنطن النظر في صياغة عقيدة مونرو جديدة

تاريخيا، استغلت إيران أيضا نفوذها الرسمي وغير الرسمي في المنطقة لتدبير عمليات تستهدف المصالح الأميركية وصولا إلى قلب الولايات المتحدة نفسها، ففي عام 2007 جندت إيران مواطنا من جوايانا -وهي إحدى الدول الأعضاء في تحالف ألبا- للقيام بتفجير خزانات الوقود تحت محطة جون كيندي إلا أن العملية أحبطت في الساعات الأخيرة.

كما حاول الحرس الثوري اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في مطعم بواشنطن عام 2011، وهذه المرة باستخدام أعضاء من عصابة لوس زيتاس إحدى أقوى عصابات المخدرات المكسيكية، كما خططت فنزويلا وإيران في نفس العام لتجنيد قراصنة مكسيكيين من أجل اختراق منشآت الدفاع والمخابرات والمنشآت النووية الأميركية.

 

ورغم ذلك غالبا تميل المدرسة السياسية التقليدية في واشنطن إلى النظر للتواجد الإيراني في الأميركتين لكونه مصدر إزعاج أكثر من كونه يمثل خطرا حقيقيا، وقد أشار تقرير لوزارة الخارجية الأميركية صدر في عام 2013 إلى أنه هناك حالة من التراجع الواضح في النفوذ الإيراني داخل دول القارة الجنوبية.

وقد تسببت هيمنة هذه السردية في تجاهل الولايات المتحدة التحركات الإيرانية بين دول أميركا الجنوبية أثناء الأعوام الماضية، حيث خفتت وتيرة هذه التحركات على المستوى الدبلوماسي الرسمي، ولكن جولة ظريف الأخيرة -وفقا لإيلان بيرمان- تشير إلى أن طهران قررت بعد الاتفاق النووي أن عليها أن تستأنف علاقاتها التقليدية مع الدول المناهضة لواشنطن، وربما بذات الأساليب التقليدية، لذا ربما تعيد واشنطن النظر في صياغة "عقيدة مونرو جديدة"، للدفاع عن باحاتها الخلفية في مواجهة التمدد الإيراني المنظم والذكي.

المصدر : الجزيرة