شعار قسم ميدان

هل ستشكل الحرب الإلكترونية خطرا على إيران؟

ميدان - النووي الإيراني
مقدمة المترجمة

مع تهديد الرئيس الأميركي ترمب بإلغاء الصفقة الإيرانية بقي أمام إدارته اختبار صعب في هذه الخطوة العدائية ضد إيران، فهل ما عجزت عنه الاتفاقيات الدولية والتهديدات الرئاسية يمكن أن تنفذه "دودة إنترنت"؟ أم أن لإيران كلمة أخرى؟
 

نص التقرير

يتعرض الاتفاق النووي الإيراني لخطر متزايد، حيث يهدد الرئيس ترمب بإطاحة كبار مستشاريه في مجال الأمن القومي، وتحدى تقييم المراقبين الدوليين بإعلان عدم امتثال إيران لأحكام الاتفاق. لكن مشكلة الإدارة هي أنه لا يوجد بديل -قابل للتطبيق- أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة، فإذا قام ترمب بتمزيق خطة العمل المشتركة فإن الولايات المتحدة سوف تبدد القيود الصارمة المفروضة على أنشطة تخصيب إيران، وسوف يفقد المجتمع الدولي الشفافية غير المسبوقة في البرنامج النووي الإيراني.
 
 بل إن الولايات المتحدة ستصبح معزولة أكثر فأكثر في نهجها تجاه إيران، مع معارضة أوروبا وروسيا والصين وكثير من بقية دول العالم. ولعل الشاغل الأكثر واقعية هو احتمال قيام الإدارة بالتمسك اسميا بالصفقة، مع القيام بعمل عدواني سري ضد إيران. وعندما تبدو الخيارات العسكرية والدبلوماسية التقليدية مكلفة للغاية فإن الدول تتحول إلى الحرب السيبرانية.

ليست القوة السيبرانية فعالة جدا كأداة مستقلة للضغط. فالضغط الناجح يتطلب أن تعرف الدولة المستهدفة هوية المهاجم والرسالة المقصودة، وغالبا ما يكون ذلك صعبا في الفضاء السيبراني
ليست القوة السيبرانية فعالة جدا كأداة مستقلة للضغط. فالضغط الناجح يتطلب أن تعرف الدولة المستهدفة هوية المهاجم والرسالة المقصودة، وغالبا ما يكون ذلك صعبا في الفضاء السيبراني
 

 ومن غير المرجح أن يؤدي الهجوم السيبراني ضد إيران إلى نتائج مرغوبة، وليس من غير المحتمل أن يكون فعالا في أهدافه المباشرة فحسب، بل إنه يخاطر باستعداء إيران بالشكل الذي يريد الصقور في الإدارة تلافيه.

وتندرج الهجمات السيبرانية في فئتين أساسيتين: استغلال شبكة الحاسوب، وهجمة شبكة الحاسوب. والأولى تعني التجسس، وهي ببساطة أحدث طريقة للانخراط في واحدة من أقدم أنشطة الدول: التطفل على الأعداء. والثانية من ناحية أخرى هي ممارسة مهاجمة الأنظمة أو الهياكل الأساسية الأجنبية من أجل تدمير شبكات العدو أو تعطيلها.

ويمكن أن تكون للأسلحة السيبرانية فائدة تكتيكية عالية جدا عندما تكمل استخدام القوة التقليدية، كما حدث عندما استخدمت إسرائيل هجمة شبكة الحاسوب لتعطيل أنظمة الدفاع الجوي السورية قبل أن تقصف منشأة مشبوهة للتخصيب النووي في عام 2007.

ومع ذلك، ليست القوة السيبرانية فعالة جدا كأداة مستقلة للضغط. فالضغط الناجح يتطلب أن تعرف الدولة المستهدفة هوية المهاجم والرسالة المقصودة، وغالبا ما يكون ذلك صعبا في الفضاء السيبراني لأن هوية المهاجم غالبا ما تكون محجوبة ولأن الهجمات الإلكترونية المعزولة لا توصل بوضوح الرسائل المقصودة، مما يجعل من غير المحتمل امتثال الهدف. وهناك عوامل أخرى تقوض فائدة هجمة شبكة الحاسوب، فغالبا لا يمكن تجنب الأضرار الجانبية والآثار غير المباشرة.

"جون بومغارنر" كان رئيس قسم التكنولوجيا في وحدة تبعات الإنترنت البحثية الأميركية، يدعي أنه من قام بتوصيل فيروس ستوكسنيت الذي هاجم البرنامج الإيراني عام 2010 (رويترز)

 
والأسلحة السيبرانية هي أدوات فعالة كذلك للاستخدام لمرة واحدة للسياسة الخارجية، لأن الخصم المستهدف يمكن أن يشخص ويعالج نقاط الخلل التي سمحت بالهجوم. كما أنها تحمل احتمالا كبيرا بالرد، حيث يمكن للدول المستهدفة عكس الهندسة البرمجية الخبيثة، ونسخها، ومن ثم استخدامها بنفسها، وهو يزيد فقط من احتمال استجابة الخصوم لهجوم سيبراني، لا بالاستسلام بل بالتصدي والهجوم المضاد.

غالبا ما نظر لفيروس ستوكسنيت باعتباره نجاحا رائعا، وبوصفه جزءا من جهد أميركي إسرائيلي أكبر لتخريب المنشآت النووية الإيرانية، فإن ستوكسنيت هو على الأرجح السلاح الإلكتروني الأكثر تعقيدا وقوة على الإطلاق. ووفقا لمجلة وايرد كان ستوكسنيت "على عكس أي فيروس آخر أو دودة إنترنت سابقة، فبدلا من مجرد اختراق أجهزة الكمبيوتر المستهدفة أو سرقة المعلومات منها فإنه يهرب من عالم الرقمية لإثارة الدمار المادي على المعدات التي تسيطر عليها أجهزة الكمبيوتر".
 
وبالغت التقديرات الأولية في تقييم الأضرار التي سببها ستوكسنيت، مدعية أنه قد أرجع البرنامج النووي الإيراني من ثلاث إلى خمس سنوات وراء. وفي وقت لاحق قالت التقييمات إن الدودة قد دمرت 980 جهاز طرد مركزي (أي خمس ما في  محطة ناتانز لتخصيب اليورانيوم حينها)، وأخرت البرنامج النووي الإيراني العام محض أشهر.
 
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه خلال هجمة ستوكسنيت من 2009 إلى 2010 زادت إيران عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، كما رفعت إنتاج اليورانيوم المنخفض التخصيب من 80 كيلوغراما في الشهر إلى 120 كيلوغراما في الشهر. وهذا يشير إلى أن إيران قد تحمست لتعزيز الإنتاج في مواجهة الهجمات السيبرانية.

في الفترة من 2008 إلى 2013 نما مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب بزيادة عشرة أضعاف تقريبا. ويقول جون ليندساي:
في الفترة من 2008 إلى 2013 نما مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب بزيادة عشرة أضعاف تقريبا. ويقول جون ليندساي: "في أفضل الأحوال لم ينتج ستوكسنيت إلا تباطؤا مؤقتا في معدل التخصيب نفسه"
 

وفي أعقاب ستوكسنيت، وفي الواقع حتى خطة العمل المشتركة المؤقتة في (نوفمبر/تشرين الثاني) 2013 التي وافقت فيها إيران على تجميد أجزاء من البرنامج النووي مؤقتا مع استمرار المفاوضات مع مجموعة الخمسة زائد واحد، استمرت زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، كما استمر مخزون اليورانيوم المخصب في النمو.
 
في الفترة من 2008 إلى 2013 نما مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب من 839 كيلوغراما إلى 8271 كيلوغراما، أي بزيادة عشرة أضعاف تقريبا. ويقول جون ليندساي الأستاذ في جامعة تورونتو: "في أفضل الأحوال لم ينتج ستوكسنيت إلا تباطؤا مؤقتا في معدل التخصيب نفسه". وهناك خبراء آخرون أكثر تشككا، حيث تقول إيفانكا بارزاشكا، الباحث المساعد في كينغز كوليدج لندن وزميلة في ستانفورد، إن "الدليل على تأثير الدودة ظرفي وغير حاسم"، ويؤكد كل من براندون فاليريانو وريان مانيس في كتابهما "الحرب السيبرانية مقابل الحقائق السيبرانية": "أنه من غير الواضح تماما إذا ما كان لدودة ستوكسنيت في الواقع تأثير كبير على ايران". 

وتضيف الصورة الدبلوماسية الأوسع وزنا لهذه التحليلات، إلى حد فشل هدف ستوكسنيت في عرقلة إنتاج التخصيب وإجبار إيران على تقديم المزيد من التنازلات في المفاوضات الدبلوماسية أكثر مما كانت لتفعل.  والواقع أن إيران أبدت استعدادها للانخراط في الدبلوماسية البراغماتية مع الولايات المتحدة، وتقديم التنازلات بشأن البرنامج النووي قبل ستوكسينت بفترة طويلة، ففي اقتراح دبلوماسي سري أرسل لإدارة بوش عبر السفارة السويسرية في عام 2003 عرضت إيران فتح برنامجها النووي إلى عمليات التفتيش الدولية التدخلية والتوقيع على البروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مقابل نهاية سياسة أميركا العدائية ضد إيران.
 

ووفقا لتريتا بارسي، رئيسة المجلس الوطني الإيراني الأميركي، فإن إيران كانت تضاعف الرهان عمدا على برنامجها النووي من أجل التوضيح للغرب أن أسلوب الضغط لن يعمل في غياب التنازلات الدبلوماسية. (رويترز)
ووفقا لتريتا بارسي، رئيسة المجلس الوطني الإيراني الأميركي، فإن إيران كانت تضاعف الرهان عمدا على برنامجها النووي من أجل التوضيح للغرب أن أسلوب الضغط لن يعمل في غياب التنازلات الدبلوماسية. (رويترز)

 
في ذلك الوقت كان لإيران 164 جهاز طرد مركزي يعمل بالمقارنة مع 5060 التي امتلكتها تحت خطة العمل المشتركة الشاملة. ومجددا في عام 2010، وبعد مفاوضات من مستوى أدنى مع الولايات المتحدة الأميركية حول اتفاق مؤقت تم تأخيره، وافقت إيران، بمساعدة من المفاوضين التركي والبرازيلي، على معايير اقتراح إدارة أوباما بشحن اليورانيوم المنخفض التخصيب في إيران إلى بلد طرف ثالث لتبديد المخاوف بشأن التسلح.
 
وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد تزامن مع فترة الهجوم ستوكسنيت فإنه لم يتم الكشف عن الفيروس حتى وقت متأخر جدا. وليس هناك ما يشير إلى أن أجهزة الطرد المركزي المتضررة دفعت إيران فعلا إلى الموافقة على اتفاق مبادلة الوقود. إن رغبة إيران في تقديم تنازلات مقابل تسوية أميركية تجعل من فائدة ستوكسنيت أمرا مشكوكا فيه
 

ووفقا لتريتا بارسي، رئيسة المجلس الوطني الإيراني الأميركي التي أجرت مقابلات مع مسؤولين إيرانيين بشأن هذه المسألة، فإن إيران كانت تضاعف الرهان عمدا على برنامجها النووي من أجل التوضيح للغرب أن أسلوب الضغط لن يعمل في غياب التنازلات الدبلوماسية. وبالإضافة إلى تأثير ستوكسنيت الهزيل، على البرنامج النووي الإيراني، تسبب الهجوم الإلكتروني غير المسبوق في نتائج سلبية أخرى. أولا، كان له آثار غير مباشرة ملحوظة. فعلى الرغم من أن دودة ستوكسنيت كانت لا تهدف إلى "الانتشار إلى غير أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية… فقد أصابت أكثر من 100 ألف جهاز كمبيوتر في جميع أنحاء العالم قبل أن يتم إيقافها"، وفقا لعلماء ويست بوينت إريكا دي بورغارد وشون دابليو لونيرغان.

إذا كان الرئيس الأميركي
إذا كان الرئيس الأميركي "ترمب" سيوفي بتهديداته بإلغاء الصفقة "الاتفاق النووي" أم لا، فشيء واحد مؤكد: لن تؤدي الحرب السيبرانية السرية إلى فائدة تذكر
 

ثانيا، جذب أثرا رجعيا، فقد دفع إيران إلى إطلاق موجات متعددة من الهجمات الإلكترونية ضد البنوك الأميركية وشركة أرامكو السعودية للنفط. وقال وزير الدفاع آنذاك ليون بانيتا في مبالغة معتادة من التصريحات الرسمية عن الأمن السيبراني إن هجمات إيران السيبرانية الانتقامية كانت "على الأرجح من أكثر الهجمات التي شهدها القطاع الخاص تدميرا حتى الآن".

لدى إدارة ترمب خيارات محدودة فيما يتعلق بسياستها مع إيران خارج خطة العمل المشتركة، وما إذا كان الرئيس سيوفي بتهديداته بإلغاء الصفقة أم لا، فشيء واحد مؤكد: لن تؤدي الحرب السيبرانية السرية إلى فائدة تذكر. إن مثل هذا النهج لن يؤدي إلا إلى عداء إيران وتعزيز دافع النظام مجددا إلى السعي للحصول على أسلحة نووية.

المصدر : الجزيرة