شعار قسم ميدان

الدولة الحديدية.. كيف اخترقت تصورات لينين نموذج الدولة الصينية؟

ميدان - الحزب الشيوعي الصيني
مقدمة المترجم

في تقريره بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية، يتناول نيك فريش، الزميل المُقيم بكلية القانون بجامعة ييل، الأثر العميق الذي تركته ثورة البلاشفة في روسيا في فِكر التقدميين الصينيين، والذي ما زال جليًا إلى اليوم، في ضوء انعقاد المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني قبل عدة أيام.

نص التقرير

بعد أشهرٍ من الصراعات الحزبية، يعقد الرئيس الصيني "شي جين بينغ" وزملاؤه المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني. وسيدخل شي، في نهاية الاجتماع المغلق، غرفة فسيحة في قاعة الشعب الكُبرى بالعاصمة بكين، يُحيط به قادة الصين الجُدد.

يتربع شي وزملاؤه على رأس الأجهزة البيروقراطية المسؤولة عن إدارة اقتصاد الصين وجيشها وآلتها الإعلامية وأجهزتها الأمنية. لكنَّهم سيحضروا هذه المناسبة بصفتهم الأهم على الإطلاق: أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي بالحزب، الجهة العُليا الصانعة للقرار في الصين. ستحكم هذه المجموعة الصين حتى ميعاد المؤتمر العام القادم، في 2022.

يُتِم قادة الحزب خمس سنوات في السلطة هذا الأسبوع، لكنه يشهد ذكرى أخرى ستمر على بكين دون احتفالات صاخبة. يتزامن ميعاد المؤتمر العام التاسع عشر مع عشية مئوية الثورة البلشفية الروسية، الحركة التي أدَّت إلى قيام الاتحاد السوفياتي.

الرئيس الصيني
الرئيس الصيني "شي جين بينغ" (رويترز)

 
قادة الصين من تلاميذ التاريخ السوفياتي النُجباء، والحزب الشيوعي الصيني يتَّخذ من البلاشفة والدولة السوفياتية نموذجًا وعِبرة. ذكريات تفكك الاتحاد السوفياتي، وما صاحبها من صدمة هدم التماثيل، وخسارة رفاق الحزب أموالهم، وإتاحة سجلات الوثائق السرية للفحص العام، تدفع قادة الحزب إلى الاحتفاظ بالسلطة بقبضة فولاذية.

في 2009، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ رئيس مدرسة الحزب المركزية، وهو منصب أسهم في ترقِّيه إلى المناصب العُليا. أصدر شي أوامره حينها بإجراء دراسة موسَّعة لتفكك الاتحاد السوفياتي، خلُصت إلى أن فشل الحزب الشيوعي السوفياتي في الهيمنة على مؤسسات الدولة المعززة لنفوذه، مثل الجيش، كان السبب في هلاكه. سأل شي الجمهور في اجتماعٍ مغلق لأعضاء الحزب قبل ثلاثة أعوام "لِمَ ينبغي علينا تثبيت سيطرة الحزب على الجيش بصرامة؟ لأن هذا هو الدرس المستفاد من تفكك الاتحاد السوفياتي. تم نزع التسيُّس والتحزُّب عن الجيش الأحمر السوفياتي ليصير مؤسسة وطنية، وهكذا سلَّم الحزب الشيوعي السوفياتي أسلحته. وحين تحرَّك الراغبون في إنقاذ الاتحاد من التفكك، كانت أداة الدكتاتورية قد أفلتت من قبضتهم بالفعل".

تُساعد هذه التقييمات للتاريخ السوفياتي في تفسير تحركات شي الشرسة لترسيخ نفوذه الشخصي وتثبيت سيطرة الحزب على جوانب متزايدة من الحياة الصينية. فقد شنَّ شي حملة لمكافحة الفساد على مدار الأعوام الخمسة الماضية، تهدف إلى الإطاحة بقادة عسكريين وأمنيين كانوا من قبل في مكانة لا يُمكن المساس بها، وأسَّس لجان "فحص الانضباط" التي تحتجز كوادر الحزب وتستجوبهم خارج إطار النظام القضائي، وصرَّح بأن الحزب لا يمكن أن تحدُّه "سلطة الدستور" أو "حكم القانون"، المستمدتان من مؤسسات الدولة بدلًا من مؤسسات الحزب. وتؤكد لجان الحزب وخلاياه في المصانع والجامعات ومكاتب الشركات سلطتها بخيلاءٍ مُستحدث. وسيوطِّد الحزب هذه الامتيازات هذا الأسبوع، عبر تغيير دستوره، واختيار لجنة دائمة جديدة لمكتبه السياسي. إن شي وزملاءه يقبعون على قمة أكبر وأنجح منظمة ماركسية-لينينية في العالم، وهُم عازمون على ضمان استمراريتها.

 

أكتوبر الأحمر
الزعيم السياسي والمفكر الشيوعي الروسي فلاديمير لينين: مؤسس الدولة السوفياتية والمنظر الأساسي للثورة البلشفية في بلاده. يعد من أهم زعماء الحركة الشيوعية العالمية، ومن أهم صناع التاريخ العالمي المعاصر (مواقع التواصل)
الزعيم السياسي والمفكر الشيوعي الروسي فلاديمير لينين: مؤسس الدولة السوفياتية والمنظر الأساسي للثورة البلشفية في بلاده. يعد من أهم زعماء الحركة الشيوعية العالمية، ومن أهم صناع التاريخ العالمي المعاصر (مواقع التواصل)


لم تبدُ الصين الإمبريالية في أواخر عهدها، بصغر حجم قاعدتها الصناعية ومساحاتها الريفية الشاسعة، أرضًا خصبة لثورة البروليتاريا الحضرية التي تنبأ بها كارل ماركس في غرب أوروبا. اعتبرت الماركسية التقليدية الصين ملكوتًا للاستبداد الباهت الذي لا نهاية له، غير جاهزٍ للثورة. وبالكاد كان ماركس وفلاديمير لينين معروفين في الصين حتى عام 1917.

سُرعان ما اجتذبت الثورة البلشفية انتباه التقدميين الصينيين الساخطين على ثورة 1911 القومية، التي أطاحت بحكومة الصين الإمبريالية ووعدت بإرساء ديمقراطية جمهورية، لكنها أرست حكم أمراء الحرب. قدمت البلشفية طريقًا مُغايرًا، بفضل تحسينات لينين على الماركسية لتلائم واقع البلاد غير الصناعية. كانت أغلب مناطق روسيا القيصرية ريفية، يحكمها مستبدون من العائلة الحاكمة، وتطبق عليها القوى الخارجية. ولاقت فرضية لينين، التي تقضي بأن الاستغلال الاستعماري يمثِّل أعلى مراحل الرأسمالية، صداها عند الصينيين الغاضبين من "مناطق الامتياز الأجنبية" والمعاهدات الظالمة. كذلك استحسنوا تعهد الحكومة السوفياتية بإعادة الممتلكات التي استحوذ عليها القيصر في منشوريا إلى الحكومة الصينية. زار الشباب التقدميون الصينيون موسكو أفواجًا، وأتت المجموعات الدراسية في أنحاء الصين على الأدبيات الماركسية اللينينية المتنامية، المُترجمة إلى الصينية.

ارتأت اللينينية أن طليعة من الثوار المحترفين تمتلك القدرة على تغيير مجرى التاريخ، بتوليهم سُلطة الدولة واستنهاض المجتمع في مراحل تطوره إلى اليوتوبيا الشيوعية، أو "المستقبل المشرق" وفق تعبير الدعاية البلشفية، الذي تتلاشى فيه الدولة ويسيطر العمال على وسائل الإنتاج. اعتقد البلاشفة أن هذا يقتضي سلطة مركزية والتزامًا كاملًا بخط الحزب، وتحررًا كاملًا من قيود اللباقة أو التقاليد أو الدين أو حكم القانون أو الكرامة الفردية، بصفتهم عملاء للتاريخ. دشن مفوضي لينين برامج مكثفة لمحو الأمية، ودعم حقوق المرأة، وتوصيل الكهرباء، وتحسين الصحة العامة. صادروا الممتلكات بالقوة، وروعوا أعداء الطبقة المزعومين، وحرَّضوا على قيام الثورات بالخارج، إيمانًا منهم بتحرر البروليتاريا الوشيك.
 

في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، ضغط ماو ورفاقه من أجل تنفيذ برنامج مُستلهم من السوفيات لإعادة توزيع الأراضي الزراعية، ودعم حقوق المرأة، ومحو الأمية، والعنف بلا رحمة ضد أعداء الطبقة
في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، ضغط ماو ورفاقه من أجل تنفيذ برنامج مُستلهم من السوفيات لإعادة توزيع الأراضي الزراعية، ودعم حقوق المرأة، ومحو الأمية، والعنف بلا رحمة ضد أعداء الطبقة
 

وفي 1921، عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره العام التأسيسي في شنغهاي، بتوجيهٍ من عميل بعثته موسكو. حضر المؤتمر محرِّض شاب يُدعى ماو تسي تونغ. وفي غضون أعوام، أسس ماو ورفاقه قطاعات أسموها Su-wei-ai (سوفيات) في مناطق الصين النائية، حيثُ كانت سُلطة الحكومة القومية ضعيفة والسخط منتشرًا. في البداية، كان يُمكن بالكاد تمييز الشيوعيين عن طوائف الألفية الثانية التي تشكلت في فترات أخرى من الاختلال الوظيفي للدولة في التاريخ الصيني. توجَّه ماو وزملاؤه بممارسات التبشير الدينية المحلية إلى الفلاحين. سعى عملاء الشيوعية إلى اجتذاب عمال المناجم في المناطق الجبلية الداخلية، وساروا في قرية أنيوان في موكب حاملين تمثالًا لماركس على محفة لا يُحمل عليها سوى آلهة المعبد.

وفي أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، ضغط ماو ورفاقه من أجل تنفيذ برنامج مُستلهم من السوفيات لإعادة توزيع الأراضي الزراعية، ودعم حقوق المرأة، ومحو الأمية، والعنف بلا رحمة ضد أعداء الطبقة، تخللته فترات من المصالحة مع القوميين. وكانت أول موجة تطهيرٍ شيوعية صينية تحت قيادة ماو في عام 1930، وعرفت باسم "سحق الزمرة المناهضة للشيوعية". حصدت الموجة آلاف الأرواح، من ضمنهم بضع مئاتٍ من ضباط الجيش الأحمر الصيني "الخونة". كان هذا ثمن التقدم، إذ يشرح أحد كوادر الحزب في مقالٍ نُشر في دورية "البلشفي" عام 1927 أن الانضباط الحديدي والقوة المركزية كانا عاملين حاسمين من عوامل انتصار الثورة.

وفي الثلاثينيات والأربعينيات، حين كانت قوات القوميين والمُحتلين اليابانيين تُطارد الشيوعيين في أراضي الصين الشاسعة، تشبث ماو بالسلطة بثبات، واستغل بدهاء الهُدنات قصيرة الأمد وأساليب حرب الشوارع، وعُرف بكونه استراتيجيًا محنكًا ومنظرًا سياسيًا مُبدعًا. وفي 1945، اتخذ الحزب من فكر ماو تسي تونغ، "الماوية" التي زاوجت بين النظرية الماركسية اللينينية وممارسات الثورة الصينية، دليلًا مرشدًا. لم يدرُس ماو في الخارج أبدًا، ولم تكُن له أي خبرة مباشرة مع الاتحاد السوفياتي، على عكس الكثير من رفاقه. همَّش ماو خصومه المُدرَّبين في موسكو وطهَّر الحزب منهم، واستقطب من اكتسبوا مهاراتٍ تقنية أو سياسية نافعة. وصمد الشيوعيون أمام الغزو الياباني، ونجوا من حربٍ أهلية مع الحزب القومي، ليخرجوا منفردين بحكم البر الصيني في 1949.
 

الاتكاء على جانب
رغم أن الصين الماوية استعارت الكثير من السوفيات، إلا أنها لم تكن أبدًا دولة تابعة، وانحرفت في الأسلوب والمضمون عن مثال موسكو. (رويترز)
رغم أن الصين الماوية استعارت الكثير من السوفيات، إلا أنها لم تكن أبدًا دولة تابعة، وانحرفت في الأسلوب والمضمون عن مثال موسكو. (رويترز)

 
تعلَّم الشيوعيون الصينيون الثورة من لينين، ثمَّ تعلَّموا بناء الأمة من جوزيف ستالين. تدفَّق المستشارون السوفيات في خمسينيات القرن إلى وزارات الحكومة الصينية ومدارسها ومصانعها، تاركين علامتهم على واجهات مباني بكين الفخمة، ومزودين الحكومة بقوالب لكل شيء، من شكل بيادات الجيش إلى أفضل طرق التعامل مع الاحتجاجات باستخدام البوليس السري. دشَّن ماو نسخة مكررة من برنامج ستالين المكثف للتحول إلى التصنيع، مُصادرًا كميات هائلة من القمح من الفلاحين استنادًا إلى أرقام إنتاجٍ وهمية، وأعدم مُخزِّني القمح بصفتهم أعداء للطبقة. وتمخض مشروع "القفزة الكبرى إلى الأمام" عن أكثر المجاعات فتكًا في التاريخ، مُعيدًا إلى الأذهان "الهولودومور"، التجويع السوفياتي لأوكرانيا في عامي 1932 و1933.

ثمَّ أعلن ماو في عام 1949 أن الصين ستتكيء على "أخيها الأكبر"، كما كان كثيرٌ من الصينيين يسمون الاتحاد السوفياتي آنذاك. غير أنَّ ماو انزعج من الوصاية السوفياتية، وانتهى شهر العسل بين موسكو وبكين في غضون عقدٍ من الزمان. وكان شجب نيكيتا خروتشوف لموجات التطهير الستاليني وتقديس الفرد في 1956 صادمًا لماو، وساءت العلاقة أكثر وأكثر على إثر خلافات حول مشاركة الأسرار النووية والصاروخية مع علماء الصين. نبذ قادة السوفيات ماو باعتباره مختلًا، في حين اتهم ماو موسكو بالتخلي عن الماركسية الحقة والانقياد وراء المراجعات الفكرية. وكادت الصدامات على الحدود الصينية مع سيبيريا في أواخر الستينيات أن تتطور إلى حربٍ بين البلدين.

ورغم أن الصين الماوية استعارت الكثير من السوفيات، إلا أنها لم تكن أبدًا دولة تابعة، وانحرفت في الأسلوب والمضمون عن مثال موسكو. فمجزرة ماو المميزة، "الثورة الثقافية"، كانت فوضى صاخبة من العنف تختلف اختلافًا شاسعًا عن تطهير ستالين الأعظم ومحاكماته الصورية المرسومة بعناية في ثلاثينيات القرن الماضي.

بفعل صدمة الثورة الثقافية،  تحطم التسلسل الهرمي للحزب الشيوعي الصيني وأيدولوجيته، ووجد مساحة أكبر للبدء من جديد
بفعل صدمة الثورة الثقافية،  تحطم التسلسل الهرمي للحزب الشيوعي الصيني وأيدولوجيته، ووجد مساحة أكبر للبدء من جديد
 

غير أنَّ لينين وستالين وماو، على اختلافاتهم، انتهت حياتهم في السلطة، ووضعهم الموت في النعش البلوري نفسه، في الميدان المركزي بعاصمة بلد كل منهم، تُحيط بهم مُعسكرات العمال ومقار الأجهزة الأمنية الساهرة. ثلاثتهم وحَّد وطنًا ممزقًا، وزعم أنَّه حرر مظلوميه بتكلفة صاعقة في أرواح البشر.

 

المستقبل المشرق

بعد وفاة القائد المُلهم لكل منهما، سلكت الثورتان الصينية والسوفياتية طريقين مختلفين. صمد الاتحاد السوفياتي، الأكثر تحولًا إلى التصنيع من الصين، بفضل بحرٍ من الاحتياطي النقدي الأجنبي المتولد عن صادرات الطاقة، حتى جاء التصلب الاقتصادي وتبعات الإصلاحات الاقتصادية في الثمانينيات التي آذنت بسقوطه. أمَّا الحزب الشيوعي الصيني، فقد تحطم تسلسله الهرمي وأيديولوجيته بفعل صدمة الثورة الثقافية، ووجد مساحة أكبر للبدء من جديد. شوَّه قادة الصين ملامح الماركسية في إطار مبادرة دينغ شياو بينغ لبناء "اشتراكية بشخصية صينية".

غير أن الطليعة المتكتمة التي تجلس على قمة الهرم السياسي الصيني اليوم تظل لينينية بوضوح، وكذلك الأجهزة الحزبية والأمنية والإعلامية التي تُنفذ إرادتها. ورغم أن الأعضاء الجدد باللجنة الدائمة للحزب أكثر ميلًا إلى التلاعب بمعدلات الفائدة أو تعديل واردات الصويا من إصدار الأوامر بتصفية ممتلكات أصحاب الأراضي، فإن حس الحزب بالقدر، وبالحق المطلق في تغيير مجرى التاريخ الصيني، ما زال قائمًا. ورفضه الديمقراطية الليبرالية لا ينبع فقط من الشوفينية الصينية، بل أيضًا من الاحتقار اللينيني للباقات البرجوازية مثل حكم القانون وحرية الوعي والكرامة الفردية. هذه الأيديولوجيا في عيني الحزب هي أداة، مثلها مثل السكك الحديدية والجيش، اصطبغت بصبغة الثقافة الصينية، وتقدم للصين الآن أكثر بكثير مما قدمته للاتحاد السوفياتي.

 

undefined
 
بالنسبة لشي جين بينغ، المؤسسي الذي كان والده من كبار كوادر الحزب، تمثِّل استعادة سيطرة الحزب على المجتمع عودة طبيعية إلى جذوره اللينينية. وقد عيَّن شي نفسه، على مدار الأعوام الخمسة الماضية، رئيسًا للجان الحزب المُشرفة على العديد من الملفات الرئيسة، ومن ضمنها الأمن والإصلاحات الاقتصادية، مهمِّشًا مسؤولي الحكومة الذين يتولون هذه المناصب في المعتاد. وطاف بغرف صناعة الأخبار واستوديوهات التلفاز، مذكرًا الأجهزة الإعلامية بوضوح بأنَّ الحزب هو الأب، وبضرورة الولاء التام. وشنَّت الأجهزة الأمنية أشدَّ حملات القمع على المجتمع المدني التي شهدها هذا الجيل، باعترافاتٍ متلفزة وإداناتٍ منمقة للمتآمرين على صفحات جريدة الشعب اليومية التابعة للحزب. وعلى مدار الأسبوع التالي، سيُسهم شي في اختيار الجيل الجديد من قادة الحزب، وربما يكتب "فِكرًا" خاصًا به في دستور الحزب كما فعل ماو في عام 1945. وقد تكشف خياراته عما إن كان ينوي البقاء في السلطة متجاوزًا مدة العشرة أعوام المُتعارف عليها للقادة الصينيين.

على الناحية الأخرى من ميدان تيانانمين الشاسع، في مواجهة قاعة الشعب الكُبرى، يقع المتحف الوطني الصيني. وكان معرضه الدائم الرئيس، "طريق التحديث"، هو مكان أول ظهور علني لشي بعد توليه السلطة في المؤتمر العام الماضي في 2012، حيثُ أعلن عن شعاره المميز، "الحلم الصيني". تبدأ رواية المعرض للتاريخ الصيني بالعظمة العريقة، وتمضي نحو التراجع والإذلال الاستعماري، ثم تصعد صعودًا حتميًا إلى الأعلى، صعودًا يميزِّه أي بلشفي بسهولة. لكن الوجهة تغيرت، من الجنة البروليتارية متماهية الحدود، إلى حلم شي الصيني الذي يتعهد باستعادة الحضارة الصينية العريقة مجدها المستحق في عهد الحزب. هذا المزيج من القومية المحلية والانضباط الحديدي هو بديلٌ جذاب عن الديمقراطية التمثيلية يسعى إليه الحكام السلطويين الطموحين في أنحاء العالم، من تركيا إلى الفلبين. كثيرون يرون، في النموذج الصيني، مستقبلهم المشرق.

———————————————————-

مترجمٌ عن: (فورين أفيرز)

المصدر : الجزيرة + فورين أفيرز