شعار قسم ميدان

كيف تطورت التكنولوجيا النووية لكوريا الشمالية بهذه السرعة؟

ميدان - كوريا الشمالية
مقدمة المترجم
 يستعرض التقرير المترجم من موقع ذا أتلانتيك التطور السريع للترسانة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، في حين لم  تكن المؤشرات تدل على هذا التسارع في عملية التصنيع العسكري، وهذا بالتحديد ما شكل علامة تعجب واستفهام حول الكيفية التي تحققت بها كل تلك التطورات بهذه السرعة.
 
نص التقرير
 
"لقد قُلِّلَ من شأنهم بشكل مستمر لسنوات طويلة"

بعد فترة وجيزة من إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ هواسونغ-12 في (مايو/أيار) الماضي، تم تكريم العلماء الذين طوروا هذا الصاروخ البالستي متوسط المدى في شوارع بيونغ يانغ كأبطال قوميين.

وقد صرحت وكالة الأنباء الكورية المركزية (KCNA)، التي تديرها الدولة في ذلك الوقت، أن "الحافلات التي كانت تقل هؤلاء العلماء، طافت شوارع العاصمة التي امتلأت بالورود لتحيتهم". وأضافت الوكالة أن "المواطنين الذين احتشدوا في شوارع العاصمة، هنئوا العلماء بحرارة بالغة، ولوحوا لهم بأعلام كوريا الشمالية، وبالأعلام الحمراء وباقات الزهور". وكان من بين المهنئين، زعيم البلاد كيم جونغ أون. ذكرت وكالة الأنباء الكورية (KCNA) أيضًا، أن الزعيم الكوري الشمالي البالغ من العمر 33 عامًا "احتضن المسؤولين العاملين في مجال أبحاث الصواريخ، وقال إنهم عملوا بجد لتحقيق غاية عظيمة".

رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون أثناء حفل تكريم العلماء  (رويترز)
رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون أثناء حفل تكريم العلماء  (رويترز)

يبدو أن هذا المشهد سوف يتكرر مرارًا وتكرارًا وفقًا للتطورات التي حدثت خلال الأشهر القليلة الماضية. فمنذ مطلع عام 2017 وحتى الآن، أجرت كوريا الشمالية عشرات التجارب الصاروخية الناجحة، ومع استمرارها على هذا النهج، فهي في طريقها لتخطي حاجز الأربع عشرة تجربة إطلاق صاروخية ناجحة، التي أطلقتهم العام الماضي. وكانت اثنتان من التجارب الصاروخية التي أُجريت هذا العام، تجارب صاروخية بالستية عابرة للقارات "آي سي بي إم" (ICBM)، قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية. وفي غضون ذلك، أُعتبرت كوريا الشمالية أنها دولة تمتلك رؤوسًا نووية مُصغرة يمكن تركيبها على صواريخ بالستية عابرة للقارات.

وفي الأسبوع الماضي، استيقظ العالم على صدمة جديد، فقد أجرت كوريا الشمالية تجربة لما تُسمى "القنبلة الهيدروجينية"، والتي تفوق في قوتها القنابل التي أسقطتها الولايات المتحدة فوق هيروشيما وناجازاكي. تأتي كل هذه الإنجازات بمزيد من الدهشة باعتبار أن كوريا الشمالية تُعد واحدةً من أكثر دول العالم تعرضًا للعقوبات، ومن أكثر دول العالم عزلة، بالإضافة إلى زعيمها الذي كان يبدو في معظم الأحيان شخصية ساذجة، إلى أن صدم العالم بصواريخه وتجاربه النووية.

يمكن فهم مكانة البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية التي تحتلها في الضمير الوطني بشكل جزئي من خلال التقدير الذي يحظى به العلماء في البلاد. فهناك العديد من مشروعات الأبنية السكنية رفيعة المستوى المعدة خصيصًا لهؤلاء العلماء وأسرهم. وقد عرضت وكالة الإعلام الحكومة مدى التكريم الذي يتلقونه بعد إجراء التجارب النووية والصاروخية، وتجارب صواريخ الفضاء. إذ تُقام لهم المواكب الشرفية مثلما حدث في شهر (مايو/أيار).

قدرة كوريا الشمالية على إجراء التجارب الصاروخية تشير إلى أنهم غير قلقين من نقص الموارد (رويترز)
قدرة كوريا الشمالية على إجراء التجارب الصاروخية تشير إلى أنهم غير قلقين من نقص الموارد (رويترز)

أكد لي جوشوا بولاك، الباحث المساعد البارز في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية في مونتيري، قائلًا "أكاد أُجزم أن هذه هي أرقى وظيفة في البلاد حاليًا". وأضاف "لقد جرت العادة على التأكيد على أهمية الجيش في الحياة السياسية للكوريين. أما الآن، فقد ازداد التشديد على هذا الأمر، بالإضافة إلى التأكيد على دور العلماء في المجتمع، من أجل النهوض باقتصاد البلاد، وتعزيز تكنولوجيا الأسلحة النووية والصواريخ".

على الرغم من التكريم والمكافأة التي يحصل عليها هؤلاء العلماء، إلا أنهم واقعون على الدوام تحت ضغط تحقيق نتائج أفضل. يقول فيبين نارانغ، أستاذ العلوم السياسية المساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "إم آي تي" (MIT)، إن هناك احتمالًا كبيرًا أن يكون كيم مثل والده كيم جونغ إل، عندما "هدد هؤلاء العلماء بإنهاء حياتهم إذا لم يحرزوا التقدم المطلوب. وهو ما قد يمثل حافزًا قويًا لهم".

التكنولوجيا الصناعية المتقدمة أصبحت متاحة بشكل أكثر سهولة في جميع أرجاء العالم، ويصبح الحصول عليها أسهل مع مرور الوقت

بغض النظر عن نوعية هذا التحفيز، فإن النتائج مثيرة للإعجاب بالفعل. فبالنظر إلى أن كوريا الشمالية فقد أجرت خلال عام 2016، 26 تجربةً صاروخية، نجحت في 16 تجربة، وأخفقت في 10 تجارب، وذلك حسب قاعدة بيانات أعدتها مبادرة التهديد النووي. فإن ذلك يمثل نجاحًا بنسبة 62% تقريبًا. كما أجرت كوريا الشمالية حتى الآن منذ بداية العام الحالي 18 تجربة صاروخية، نجحت في 12 منها وأخفقت في خمس، بينما لم يعرف مصير واحدة من هذه التجارب. أي أن معدل نجاح تجاربها الصاروخية خلال العام الجاري 67%. وتؤكد هذه الأرقام ما قاله بولاك عن كوريا الشمالية، أنها "مُصَممة على التقدم بسرعة". كما يجب أن نأخذ في الحسبان أيضًا عدد التجارب التي أجريت هذا العام حتى الآن.

يقول نارانغ: "إن فكرة قدرتهم على إجراء هذه التجارب الصاروخية تشير إلى أنهم غير قلقين على الإطلاق من نقص الموارد". ويضيف "إذا لم تكن لديك القدرة على إنتاج أعداد كبيرة من الصواريخ، سوف تكون حريصًا بعض الشيء في إجراء مثل هذه التجارب".

هناك أدلة تشير إلى أن كوريا الشمالية تسارع الزمن من أجل تصنيع الأجزاء اللازمة لصواريخها وبرنامجها النووي محليًا، والابتعاد تدريجيًا عن السوق الدولية السوداء التي طالما اعتمدت عليها في توفير احتياجاتها. صرحت أندريا بيرجر، الباحثة المساعدة البارزة في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية، خلال مقابلة أجرتها الأسبوع الماضي، أن التصنيع المحلي في كوريا الشمالية يتزايد بالتدريج، وقالت "بعض الأغراض التي كانوا يحتاجونها من الخارج في وقت من الأوقات، أصبحوا قادرون الآن على تصنيعها محليًا، ما يخلق سلسلة إمداد محلية للصواريخ على سبيل المثال".

لا يعني ذلك أن التكنولوجيا النووية والصاروخية التي لدى كوريا الشمالية هي تكنولوجيا متقدمة. فكثير من هذه التصاميم تعود إلى حقبة الحرب الباردة، عندما كانت كوريا الشمالية تتلقى التكنولوجيا النووية من الاتحاد السوفيتي. بالإضافة إلى ما حصلت عليه كوريا من تكنولوجيا الأسلحة على مر السنين من الصين، وإيران، وباكستان، وغيرهم، وهو ما يمكن وصفه "بالترقيع المتقن وفق برنامج ناجح".

قال نارانغ: "أعتقد أن هذا ما يثير الإعجاب حقًا – الابتكار بما توفر لديهم من معطيات". ويضيف "إنها بلد تحت العقوبات، إنها بلد تحت التهديد". إن التكنولوجيا والتدريب والمساعدة التي تلقتها كوريا الشمالية قد تكون قديمة، لكن "عندما يكون لديك مجموعة من العلماء والمهندسين واسعي المعرفة بهذه الأمور، ليس من المستغرب أن يصلوا إلى كل هذا التقدم".

وأشار بولاك إلى أن التكنولوجيا التي لدى كوريا الشمالية ليست متطورة، إلا أنها تتناسب مع إمكانياتها، ومع حجم الجهد المبذول فيها. وقال إن الصناعة الدفاعية في البلاد متينة، وهناك توسع في الأدب العلمي والمنشآت الصناعية. وقال إن صور المنشآت والمعدات الإنتاجية، تُظهر أن لديهم معدات "متطورة بشكل كبير". كما أشار إلى أن التكنولوجيا الصناعية المتقدمة، أصبحت متاحة بشكل أكثر سهولة في جميع أرجاء العالم، "ويصبح الحصول عليها أسهل مع مرور الوقت".

نارانغ: سرعة تطور برنامج كوريا الشمالية، يفوق تطور البرامج المشابهة في الهند، وباكستان وجنوب أفريقيا، وإسرائيل وحتى فرنسا (رويترز)
نارانغ: سرعة تطور برنامج كوريا الشمالية، يفوق تطور البرامج المشابهة في الهند، وباكستان وجنوب أفريقيا، وإسرائيل وحتى فرنسا (رويترز)

أكد الخبراء الذين تحدثت معهم أنهم غير مندهشين من وصول كوريا الشمالية لهذا النوع من التقدم التكنولوجي، إلا أن ما فاجأهم حقًا، السرعة التي حققت فيه كوريا الشمالية هذا التقدم. وقد تساءل روجر كيمبل، المدير التنفيذي لرابطة الحد من انتشار الأسلحة، أنه "لغزٌ" كبير، كيف حققت بيونغ يانغ كل هذه المكاسب السريعة، بحيث يُنظر إليها الآن على أنها تمثل تهديدًا للولايات المتحدة؟ يقول بولاك "لقد قُلل من شأن كوريا الشمالية على مر السنين". وقد أخبرني نارانغ أن سرعة تطور برنامج كوريا الشمالية، يفوق تطور البرامج المشابهة في الهند، وباكستان، وجنوب أفريقيا، وإسرائيل، وحتى فرنسا، ويعكس التكنولوجيا المعدنية والهندسية في البلاد.

وقال نارانغ: "إنه أمر مثير للدهشة الشديدة". وأضاف "يشير ذلك أيضًا إلى تمكنهم من فعل كثير من الأشياء، واستعدادهم الكبير للتغاضي عن الإخفاق والدقة المتواضعة". في نهاية المطاف، قد تكون هذه هي أكبر ميزة لكوريا الشمالية في ظل مواجهتها الحالية مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

وأشار نارانغ إلى احتمالية قدرة كوريا الشمالية على إطلاق صاروخ يحمل رأس نووي يصل إلى سان فرانسيسكو، أو شيكاغو، أو أي مدينة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، إلا أنه يظل احتمالًا غير مؤكد بنسبة 100% لأن التكنولوجيا التي لدى كوريا الشمالية، لا تتمتع بذلك القدر من الدقة. ويقول نارانغ "أما بالنسبة لإثارة حفيظة الولايات المتحدة، أو تعريضها لخطر حقيقي، فما هي النسبة المئوية اللازمة قبل أن تتخذ واشنطن إجراءً حاسمًا؟ هل 5% نسبة مقبولة؟ وهل أنت مستعد لفقدان حياة عدد يتراوح بين 5 آلاف و50 ألف أميركي في المتوسط؟ ربما لا، أليس كذلك؟"

ويضيف نارانغ أخيرًا: "أما إذا كنت تتحدث بالفعل عن رأس نووي حراري، يجب أن تفكر حينها في ملايين الضحايا. يجب أن نتخطى فكرة توافر الدقة والكفاءة. فكلما كان الرأس الحربي أكبر، تقل أهمية دقته في اصابة الهدف".
==============================

مترجم عن: (ذا أتلانتيك)

المصدر : الجزيرة