شعار قسم ميدان

كيف ستستفيد روسيا من الحرب اللبنانية الإسرائيلية القادمة؟

ميدان - بوتين ونتينياهو
مقدمة المترجم

مع تسارع وتيرة التغيرات الإقليمية، وتزايد الدلالات حول تحالف إسرائيلي عربي غير مسبوق، واستقالة الحريري المفاجئة، تدور أحاديث حول إمكانية نشوب حرب إسرائيلية جديدة مع حزب الله في لبنان. التقرير التالي من موقع فورين أفيرز يسلط الضوء على الطريقة التي سوف تتصرف روسيا وفقًا لها في حالة نشوب هذه الحرب.

 

نص التقرير

بدأت القوات العسكرية الجوية الإسرائيلية تخطط لحرب جديدة ضد الميليشيات الشيعية الموالية للنظام السوري (حزب الله)، بعد أن أحرز الأسد تقدم في عدة مناطق جغرافية مهمة في سوريا. أتى هذا القرار بعد 10 سنوات على اندلاع الحرب الأولى بين الطرفين، قام بها حزب الله بالتغلغل السياسي في لبنان وتحسين قدراته العسكرية. لكن ما الأسباب التي قد تقف وراء اندلاع حرب أخرى بين إسرائيل وميليشيات لبنان الشيعية بعد مرور عقد على السلام الأمني بينهما؟ ثمة عدة أسباب رئيسة، من ضمنها: تصعيدات أمنية سببها سوء تفاهم بين الطرفين، أو استغلال أحد أطراف النزاع لحظة ضعف للآخر، أو تعدي أحد الفريقين على الآخر.

 

لا يشكك الإستراتيجيون الإسرائيليون باحتمال اندلاع الحرب بين دولتهم وحزب الله. لكنهم يتساءلون عن موقف روسيا، شريكة إيران وحزب الله، من هذه الحرب المستقبلية. فبالرغم من تكثيف الغارات الجوية على حزب الله في لبنان وسوريا، إلا أن إسرائيل استطاعت أن تعقد وفاقًا أمنيًا مع الكرملين عن طريق محادثاتها السرية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

  

الرئيس الروسي
الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين" و رئيس الوزراء الإسرائيلي " نتينياهو" (رويترز)

 
لكن هذا الوفاق الأمني قد لا يدوم طويلًا، لا سيما إن كانت الحرب بين إسرائيل وحزب الله مناهضة لمصالح روسيا. حينها سيحاول قصر الكرملين تخفيف النزاع بين الطرفين وإنهاء الأزمة بينهما، سعيا منه لاستغلال الحرب كوسيلة لتوسيع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط.

 

اهتمامات روسيا

بعد استقرار الوضع في سوريا، زاد التنافس بين روسيا وإيران في المنطقة؛ تريد روسيا الاحتفاظ بمكتسباتها سواء رحل الأسد أم أصبحت سوريا دولة فيدرالية. بينما تريد إيران، على الناحية الأخرى، إحكام قبضتها على منطقة شرق البحر المتوسط. لكن بالرغم من اهتمام روسيا وإيران بتحقيق نفوذ عسكري في سوريا وتأثير جيوسياسي في المنطقة، لن تتسع المناطق التي استعادها نظام الأسد للطرفين معًا.

 

فطموحات إيران أصبحت مصدر قلق لروسيا. وبالرغم من سعي روسيا لإفشال سيطرة إيران على المنطقة إلا أنها لا تريد قطع العلاقات مع حليفها الأول في الشرق الأوسط. فهي تفضل أن يكون نفوذ إيران وحزب الله موجودًا بما لا يوفر لهما المزيد من التوسع.

 

ذهاب إسرائيل إلى الحرب سيخدم روسيا إلى حد ما. فمع أن روسيا ستمنع إسرائيل من إحراز نصر كامل إلا أنها لن تتدخل حتى تَضعف إيران وحليفها (حزب الله) في هذه الحرب المُنتظرة. ومن خلال إيقافها للصراع بين الطرفين، ستُثبت روسيا أنها وجودها أصبح أقوى من وجود الولايات المتحدة في المنطقة.

 

لأن روسيا تريد أن تكون حليفة لحزب الله فهي لا تفضل انتصار ميليشياته على إسرائيل، لأن ذلك سيزيد من ثقة الحزب بنفسه
لأن روسيا تريد أن تكون حليفة لحزب الله فهي لا تفضل انتصار ميليشياته على إسرائيل، لأن ذلك سيزيد من ثقة الحزب بنفسه
 

في أفضل الحالات ستندلع حرب صغيرة محصورة في لبنان وسيعلن فيها الطرفان النصر بعد تطرقهما إلى روسيا لوقف الصراع. أو ستصبح لبنان ساحة جهاد، مثل العراق، ممتدة إلى أطراف الجولان، الأمر الذي سيعرقل مساعي روسيا في تحقيق الأمن والأمان في سوريا والمنطقة.

 

ولأن روسيا تريد أن تكون حليفة لحزب الله فهي لا تفضل انتصار ميليشياته على إسرائيل، لأن ذلك سيزيد من ثقة الحزب بنفسه. ولا تريد أيضًا أن يتضرر الحزب من الحرب، لأن ذلك سيجعلها حليفًا لا يُعول عليه. ما تريد أن تحققه روسيا هو صراع يضمن تدخلها لحله دون أن يهدد وجود حلفائها في المنطقة. حينها ستلجأ جميع أطراف النزاع إلى روسيا، الأمر الذي سيجعل تواجدها أقوى بكثير في المنطقة.

 

أقصى حالات الخطر

في الحرب الثانية ستظهر نبوءات النصر التي أعلن عنها كل من إسرائيل وحزب الله منذ صراعهم الأول. فحزب الله سيعتمد على أسلحة أقوى من الصواريخ التي كان يطلقها على المدنيين الإسرائيليين قديمًا. وسيستطيع أن يستهدف مواقع مهمة في إسرائيل، مثل: القاعدة الإسرائيلية الجوية، أو منشآت جمع المعلومات الاستخبارية، أو حتى تجمعات قوات الجيش الإسرائيلي بعد أن زادت عدد ودقة ونطاق صواريخه في السنوات الماضية. ويعتقد المخططون الإسرائيليون أن حزب الله سيرسل عددا قليلا من قواته إلى الحدود الإسرائيلية ليسيطر على بعض المنشآت الحدودية وينتشر داخل المستوطنات الإسرائيلية.

إن حدثت الحرب في لبنان بين إسرائيل وحزب الله فإنها ستهدد مصالح روسيا، خاصة إذا أرادت إسرائيل أن تؤذي حزب الله أكثر مما يريده الروسيون، نظرا لحاجة موسكو لحزب الله في سوريا
إن حدثت الحرب في لبنان بين إسرائيل وحزب الله فإنها ستهدد مصالح روسيا، خاصة إذا أرادت إسرائيل أن تؤذي حزب الله أكثر مما يريده الروسيون، نظرا لحاجة موسكو لحزب الله في سوريا
 

أما إسرائيل، فستمتنع عن التردد في شن حملاتها العسكرية ضد حزب الله، مثل ما حدث في الحرب الأولى. بدلًا من محاولة اختبار قوى حزب الله، ستشن حربًا ضروسا لإنهاء الصراع بنصر ساحق لا جدال فيه دون أن تقضي على ميليشياته بشكل كامل.

 

حرب ضروس كهذه ستهدد مصالح روسيا، خاصة إذا أرادت إسرائيل أن تؤذي حزب الله أكثر مما يريده الروسيون. فتدمير حزب الله سيضعف الأطراف الممولة له، وإيران، وروسيا ويضطر الأخير أن يضغط على إسرائيل لتهدئة الحرب. لكن نوايا حزب الله في التصعيد ستشجع التواجد الإسرائيلي في سوريا وإيران، مسببة بذلك فوضى كبرى لا تريدها روسيا أن تحدث في الشرق الأوسط.

 

مع ذلك، فإن محاولة روسيا لتقييد كل من إسرائيل وحزب الله ستعتمد على وضع الحرب في سوريا. فإذا احتاجت روسيا قوات حزب الله لمقاومة المعارضة السورية، ستضطر لحمايتها من إسرائيل بشكل أكبر. وفي المقابل، ستكون فرصة إسرائيل أكبر في الحرب اللبنانية إذا كان تواجد روسيا أكثر ثباتا في سوريا.

  

تصعيد من أجل وقف التصعيد

إذا لم تستطع موسكو إيجاد حل سياسي للحرب اللبنانية، فستضطر حينها لإقناع الطرفين بإيقاف الحرب بالطريقة التي يريدانها. لكن موسكو قد تقوم بعمليات إلكترونية ضد مواطني إسرائيل في السواحل ومعامل تكرير البترول، لأنها تريد الخروج بأكبر فائدة ممكنة من أقل احتكاك سيحدث في الحرب اللبنانية. هذه العمليات ستكون أسهل بكثير من الهجوم على ثكنات عسكرية إسرائيلية، خاصة أن روسيا ستعزي هذه العمليات إلى حزب الله وإيران؛ لتظهر بموقف مشرف وتبتعد عن التصادم المباشر مع إسرائيل. وإذا لم تتراجع إسرائيل عن رد هذه الهجمة الإلكترونية، ستهددها روسيا بهجمة أخرى على مناطق حساسة في البنية التحتية الإسرائيلية. حينها، ستقوم روسيا أيضًا بنشر معلومات سرية أو خاطئة لنشر الفوضى بين الشعب الإسرائيلي.

 

إسرائيل قد تعول على روسيا إن حدثت حرب في لبنان لمواجهة حزب الله؛ نظرا لضعف الإدارة الأميركية وقوة علاقة روسيا العسكرية والسياسية بالمنطقة، وإسرائيل خاصة. (الجزيرة)
إسرائيل قد تعول على روسيا إن حدثت حرب في لبنان لمواجهة حزب الله؛ نظرا لضعف الإدارة الأميركية وقوة علاقة روسيا العسكرية والسياسية بالمنطقة، وإسرائيل خاصة. (الجزيرة)

 
أما أثناء الحرب، فستحاول روسيا إيهام إسرائيل بوجود موظفين روسيين بالقرب من قوات حزب الله، الأمر الذي سيجبر إسرائيل على تفكير مرارًا وتكرارًا قبل إلحاق الضرر بهؤلاء الموظفين. إذا لم تنجح هذه الخطة، ستضع روسيا نظام حماية عسكري لتمنع إسرائيل من استهداف قوات حزب الله في لبنان وسوريا. وفي مراحل التصعيد الأخرى، ستحاول روسيا تخريب غارات إسرائيل الجوية، أو استهداف طائراتها الحربية. وإذا لم تستجب إسرائيل لذلك، ستشن روسيا عملية إلكترونية ضد بطاريات الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية"، الأمر الذي سيُحدث خللا في صافرات إنذار الغارات الجوية أو أنظمة التحذير الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي. وأخيرًا ستنشر روسيا خبر ضعف نظام الحماية المدني الإسرائيلي للمواطنين الإسرائيليين لنشر الذعر بينهم.

 

لكن روسيا ستكون واقعية أيضًا في التعامل مع الصراع اللبناني-الإسرائيلي عن طريق الضغط على حزب الله بشكل مباشر. فبعد سنتين من خوضها الحرب مع قوات عسكرية عدة في سوريا، أصبح لدى موسكو المعرفة الكافية بقيادة هذه القوات، ونظام تواصلها، والتكنولوجيا التي تستخدمها. وقد تحاول روسيا إضعاف أنظمة حزب الله العسكرية إلكترونيا، إذا ما قام الحزب بتصعيد غير مناسب ضد إسرائيل. وفي نفس الوقت ستستغل روسيا وضع قوات حزب الله بعدما أنهكتها الحرب السورية لإقناع قادتها بشكل مباشر لوقف الحرب مع إسرائيل.

 

عناق الدببة

سيكون تدخل روسيا في الحرب اللبنانية-الإسرائيلية أكبر مما كان عليه من قبل، ولذلك فإن إسرائيل ستلجأ إلى طلب المساعدة الأميركية. لكن إسرائيل قد تعول على روسيا هذه المرة؛ لضعف الإدارة الأميركية وقوة علاقة روسيا العسكرية والسياسية بالمنطقة، وإسرائيل خاصة.

 

حرب الأيام الستة 1967 (رويترز)
حرب الأيام الستة 1967 (رويترز)

قد تكون هذه المرة الأولى التي ستلجأ إسرائيل إلى روسيا منذ حرب الأيام الستة، عام 1967. وإذا ما حدث ذلك، فإن هذا قد يكون مؤشرا على أن بوتين استعاد مكانة روسيا القديمة في الشرق الأوسط بعد أن تدخل في الحرب السورية. في النهاية، إذا اندلعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله فإن لدى روسيا الفرصة للفوز في المنطقة. 

_________________________________________
مترجم عن: (فورين أفيرز)
المصدر : الجزيرة