شعار قسم ميدان

"التعجيل بالخلاص".. أسرار كهنوتية تدفع الإنجيليين لدعم ترمب

ميدان - ترمب
مقدمة المترجم

يسلط المقال الضوء على سبب دعم الإنجيليين لقرار ترمب وسعادتهم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من وجهة نظر دينية وتاريخية تتعلق بمعتقداتهم.

  

نص التقرير

استُقبل إعلان الرئيس ترمب يوم الأربعاء الموافق لـ 6 (ديسمبر/كانون الأول) بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بموجة كبيرة من الانتقادات. وسرعان ما اعترف المراقبون بأن القرار لا يرتبط بشواغل الأمن القومي بقدر ارتباطه بالسياسات المحلية الأمريكية والوعود الانتخابية التي أصدرها ترمب لمؤيديه الإنجيليين، الذين رحبوا بهذا الإعلان.

 

نشرت المؤرخة ديانا بتلر باس تغريدة على موقع تويتر، قالت فيها:

"من بين كل الأشكال الممكنة للصفير اللاهوتي الذي يُطلقه لقاعدته الإنجيلية، يعتبر هذا "الإعلان" هو الأكبر. يذكرهم ترمب بأنه يحمل مشيئة الله لهذه الأيام الأخيرة".

 

 

 صحيح أن الإنجيليين أشاروا كثيرًا إلى أن دعمهم لترمب ينبع من قناعتهم بأن الله يمكن أن يستخدم أبغض الرجال لإنفاذ مشيئته. ولكن كيف أصبح المسيحيون الأمريكيون المحافظون مفوضين في وجهة نظر جيدة من سياسات الشرق الأوسط مثل هذه القضية التي تتعلق بوجود السفارة الأميركية في تل أبيب أو في القدس؟

 

ينظر كثير من مؤيدي الرئيس ترمب الإنجيليين إلى هذا الإعلان باعتباره خطوة رئيسية في تقدم الأحداث التي تؤدي إلى الظهور الثاني للمسيح. وثمة قصة مثيرة حول مآلات الوضع الحالي.

  

التبشير بمملكة الله

تلعب أمة إسرائيل ومدينة القدس دورًا محوريًا في المعتقدات اللاهوتية لـ "آخر الزمان"؛ وهي شكل من أشكال ما يُعرف بـتأويلات "ما قبل الملك الألفي"، التي اعتنقها عديد من المسيحيين الأميركيين المحافظين من البروتستانت.

 

على الرغم من أن هذا الاعتقاد اللاهوتي ينبع من قراءة "حرفية" للإنجيل، فهو في الوقت ذاته يبدو تأويلًا جديدًا منطقيًا يعود إلى القرن التاسع عشر ويرتبط بأعمال إحدى الشخصيات الإنجيلية المؤثرة، وهو جون نيلسون داربي.

  

من أجل أن يحدث هذا، وفقًا لداربي، يجب أن يسيطر اليهود على القدس وأن يبنوا معبدًا يهوديًا ثالثًا لهم في موقع بناء المعبد الأول والثاني، الذي دمره البابليون والرومان منذ قرون. يرى داربي أن هذا كان بشارة ضرورية لما يُعرف بـ "الصعود إلى السماء" (The Rapture) الذي سيعقبه، عندما "يصعد" المسيح بالمؤمنين هربًا من أسوأ سبع سنوات على الأرض ستمتلئ بالمعاناة والاضطراب: وهي المحنة الكبرى. ويعقب هذا معركة ملحمية بين الأخيار والأشرار تسمى "هرمجدون"، سوف يُهزم فيها الشيطان، وسوف يؤسس المسيح ملكه الأرضي. ازدادت احتمالات حدوث هذه التنبؤات عندما تأسست دولة إسرائيل المعاصرة في الأربعينات.

 

undefined

 

ولكن لكي نفهم قوة هذه النظرة إلى العالم، من الضروري سبر أغوار أكثر من فكرة تتعلق بالمبادئ اللاهوتية. إن نشرهم لهذه الأفكار عبر الثقافة هو ما يقرر أي من الأنظمة الفكرية تصمد وأيها تُفقد بين غياهب التاريخ.

 

باعتباري مؤلفة كتاب "تأسيس مملكة الله" (Building God’s Kingdom)، فإنني أركز على عديدٍ من جوانب البروتستانتية الأميركية المحافظة في الثقافة والسياسات الأميركية. فقد شهدت في بحثي كيف فُقدت بعض من الأنظمة الفكرية عبر التاريخ وكيف صمدت أخرى. إليكم ما حدث مع روايات آخر الزمان التي جعلتها تيارات رئيسية تتعلق بالكيفية التي ينظر بها هؤلاء المسيحيون إلى العالم والتاريخ.

  

أصول هذه الرواية

شاع الإطار الذي دارت فيه معتقدات آخر الزمان في السبعينات عبر كتيب انتشر على نطاق واسع للمبشر والمؤلف المسيحي هال ليندسي، والذي حمل عنوان "كوكب الأرض العظيم الأخير" (The Late Great Planet Earth). جادل ليندسي بأن تأسيس دولة إسرائيل في الأربعينات أرسى سلسلة من الأحداث التي قد تؤدي إلى عودة المسيح. فقد أشار وفقًا لحساباته إلى تاريخ في الثمانينات سيعود فيه المسيح إلى الأرض. وقد جادل ليندسي، مثل كثير من المتنبئين بنهاية الزمان الذين سبقوه، بأنه عاش "لأول مرة في التاريخ" عندما كان من الممكن تحقق النبوءات الإنجيلية. كما اعتقد أن جانبًا كبيرًا من هذا يعزى إلى إعادة تأسيس دولة إسرائيل.

 

على الرغم من ادعاءاته بشأن قراءته الحرفية للإنجيل، كانت تأويلات ليندسي بعيدة كل البعد عن الحرفية. فقد قال على سبيل المثال إن الجراد المتنبأ به في أحد الأوبئة التي ذُكرت في سفر رؤيا يوحنا هي "في الواقع" الطائرات المروحية. ولما كان البالغون يقرأون كتاب ليندسي، كان جيلٌ من الصغار يشاهدون فيلمًا "إنجيليًا"، وهو "لصٌ في الليل" (A Thief in the Nigh)، في القُداسات واجتماعات الشباب.

 

undefined

 

بدءًا من دقات الساعة المشئومة، يبدأ الفيلم بالصعود إلى السماء. إذ يُظهر كيف أن جميع المسيحيين المؤمنين اختفوا فجأة. أما الآخرون الذين بقوا على الأرض، كان هناك فرصة أخرى لقبول الخلاص. إلا أن هذه الفرصة تطلبت المرور بحالة شديدة من الاضطهاد.

 

أخاف الفيلم الشباب كي يهتدوا عن طريق تصوير هؤلاء المسيحيين الصغار الذين يعانون لأنهم رفضوا بعجرفة تحذيرات أصدقائهم وعائلاتهم والكنيسة حتى يتوبوا، فلم يلحقوا بـ "الصعود إلى السماء". تقول الباحثة إيمي فريخولم إن التقديرات تشير إلى أن 50 إلى 300 مليون شخص شاهدوا فيلم "لص في المساء".

 

نهاية الزمان وحروب الثقافة

استمر استخدام الإعلام الشعبي لنشر الرؤية المخيفة المتعلقة بنهاية الزمان من أجل اجتذاب الشباب للتوبة في الثمانينات من خلال الروايات المخيفة التي يكتبها فرانك بيريتي. صورت روايات بيريتي عالمًا روحيًا نشطًا ونابضًا بالحياة حيث تتنافس القوى الكونية للخير والشر فيما حولنا من أجل السيادة. وفقًا لما يعرضه الكتاب، يلتزم كل شخص بلعب جزءٍ من الأدوار في أحد الجانبين بالطرق الحرفية. ينطبق هذا على جميع الأشخاص: كان من المفترض أن يحارب "المسيحيون الحقيقيون" في جانب الله، فيما يحارب الباقون في جانب الشيطان. كان عنوان أول هذه الكتب "هذا الظلام الحاضر" (This Present Darkness).

 

على الرغم من أنها اعتُبرت قصصًا خيالية صريحة، فقد كان يُنظر إليها أيضًا على أنها "حقيقية". على سبيل المثال، بينما كان التدبير الشيطاني ممثلًا في كلية محلية خيالية وكان العدو الأكبر أستاذ جامعي خيالي، لم يغب عن القراء تصور الكلية والأساتذة الجامعيين بأنهم أعداء محتملون.

 

undefined

 

يظهر التصوير الحرفي "للأخيار" و"الأشرار" بأنهم يسيرون على درب الله ودرب الشيطان، على التوالي، ظهورًا متزايدًا في المعارك الثقافية في الوقت الحالي. كانت هذه الكتب قوية ومؤثرة حتى عقد لاحق عندما استبدل بها في الثقافة الشعبية المسيحية سلسلة "الباقون في الخلف" (Left Behind)، التي شارك في تأليفها أحد المحاربين الثقافيين، وهو الكاتب الإنجيلي تيم لاهاي، المعروف بمعاركه الثقافية.

 

تقتفي هذه الكتب الـ 16 والأفلام الأربع، التي نُشرت على مدى عقد من زمان، أثر حياة المؤمنين المتأخرين الذين لن يلحقوا بالصعود إلى السماء، وهم الآن جزءٌ من "قوة المحنة" "Tribulation Force"، لأنهم تحملوا عالم ما بعد الصعود وحاولوا أن يظلوا مؤمنين رغم الاضطهاد. تضمن هذا النجاح تحقيق إحدى الروايات الأعلى مبيعًا بقائمة نيويورك إضافة إلى تحقيق مجموعة أخرى مبيعات قياسية. بيعت أكثر من 65 مليون نسخة من السلسلة. 

 

يستحيل المبالغة في التأكيد على آثار هذا الإطار على هؤلاء الموجودين داخل هذه الدوائر الإنجيلية حيث تبدو شائعة. تخلت أعداد كبيرة من الشباب عن الفكرة الإنجيلية المتعلقة بالمعتقد اللاهوتي لآخر الزمان باعتبارها مكون رئيسي للثقافة الفرعية التي هجروها. يُطلق هؤلاء على أنفسهم "الإنجيليين السابقين"، ويصفون تعاليمًا كهذه بأنها فاسدة.

 

يصعب الابتعاد عن استدعاء الروايات الأسطورية في السياسات الأميركية. إذ يجري استخدامها في الغالب واختلاقها وإعادة اختلاقها من أجل نشرها في أوقات مختلفة من التاريخ. على الرغم من أن المؤيدين والمعارضين لإعلان الرئيس ترمب يتفقون على أن النتائج قد تكون كارثية، فإن بعض المؤيدين يعبرون عن فرحتهم. يعود السبب في هذا إلى أنهم يقرأونها عبر عدسة تعدهم بعودة المسيح وتأسيس مملكة الله.

============================================== 

مترجم عن (the conversation)

المصدر : الجزيرة