اليسار وسوريا.. أسئلة الثورة والموقف العالمي وجذور الديكتاتورية
وكان اليسارُ، بأطيافه المختلفة والمتعدّدة في واقع الأمر، شأنه شأن تيّارات أخرى، يطرح سؤالاً مطّلاً طوال الوقت فيما يخصّ موقفه وعلاقته وتصويره للمسألة السوريّة بعد الانتفاضة. وبالتالي، فإنّ إشكاليّة العلاقة بين اليسار والثورة السوريّة، وسوريا بالأعمّ، هي إشكاليّة ملحّة دائماً، وتتفرّع بنا إلى أسئلة مركزيّة أخرى سينقلنا هذا الحوار المطوّل إليها: من مسألة الإمبرياليّة، إلى مسألة اللاجئين السوريين الذين صار عددهم تشيبُ له الرؤوس، إلى قضيّة التدخّل الخارجيّ في سوريا، لا سيّما التدخّل الإيرانيّ المبكّر والرّوسيّ المتأخّر، ودور الولايات المتحدة وتركيا والخليج العربيّ في الثورة السوريّة؛ ومن ثمّ، علاقة كلّ ذلك بتشكيل صورة ‘معيّنة‘ عن الثورة السوريّة عالميّاً وإقليميّاً.
يأخذ منيف الموقف اليساريّ تجاه الثورة السوريّة على محمل الجدّ والنّقد. فلطالما صوّر قطاعٌ لا يُستهان به من اليسار الثورةَ السوريّة على أنّها "حربٌ جهاديّة ضدّ دولة معادية للإمبرياليّة"، كما هو الكلاشيه المُعتاد. ويفنّد منيف هذا الموقف، موضّحاً كيف أنّ الفهم اليساريّ للثورة السوريّة لا ينطوي فحسب على مغالطات فهم لما يجري، وجرى منذ بداية الانتفاضة، بل، والحال كذلك، يؤدّي إلى تعزيز قوّة نظام إجراميّ وشرعنة فعليّة، حتى ولو لم يُقَل ذلك صراحةً، لما يرتكبه في حقّ الشعب السوريّ من تهجيرٍ وقتلٍ وتشريدٍ داخليّ. وهكذا، يجري اختزال المشهد السوريّ برمّته، يساريّاً، باعتباره حرب عصابات ضدّ دولة لطالما ادّعت أنّه قوّة مناوئة للإمبرياليّة.
كما ينقلنا الحوار إلى موقف الولايات المتحدة، وكيف أنّها كانت تصدّر بروباغندا لا أكثر حول إسقاط النّظام السوريّ والإطاحة به، وكيف يجب على الأمريكيين الداعمين للثورة وللسوريين عموماً أن يقوموا بممارسات ضاغطة وتشكيل ائتلاف للضغط على الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبّا.
وأخيراً، فإنّ هذا الحوار موجّه لأطراف عديدة: لليسار بأنْ يتواضعَ ويفهم الثورة السوريّة في تشكّلها وجذورها ومحاولة الاشتباك مع الفاعلين على الأرض من الحركات الشعبيّة لإدراك طبيعة الموقف أكثر؛ وإلى الدّول الغربيّة التي تتعامل مع المهاجرين باعتبارهم "إرهابيين محتملين" ومن ثمّ يشتّتون فيما بينهم، متعاملين معهم من منطلقٍ استشراقيّ، ومن ضوء تابوهات "صراع الحضارات"، بحيث يدعو منيف إلى فهم لا-استشراقيّ وإلى دحض هذه النزعات البلاهاء لصراع الحضارات؛ كما إنّه موجّه أيضاً للقوى والحركات العالميّة للتضامن دوليّاً لحصار هذا النّظام السوريّ المجرم ومعاونيه لا سيّما الرّوس الذي يقصفون سوريا أيّما قصف. إنّه حوار يجمع بين الفهم، والثوريّة، ومعاداة الإمبرياليّة، وفي الوقت ذات لا يقع في الكلاشيهات التي آنَ لجزءٍ كبيرٍ من اليسار أن يتخلّى عنها.
______________________________________________________________________