شعار قسم ميدان

اليسار وسوريا.. أسئلة الثورة والموقف العالمي وجذور الديكتاتورية

midan - syria
طرحت الثورة السوريّة منذ بدء اشتعالها أسئلةً تتعلّق بالسياسيّ، محليّاً ودوليّاً، وبالأخلاقيّ على مستوى التضامن العالميّ، ربّما كما لم تطرحه ثورةٌ عربيّة أخرى، في مصر وتونس وغيرها من بلدان ما يُسمّى "الرّبيع العربيّ". فكما إنّه لا يمكن فهم الانتفاضة السوريّة إلّا في ضوء الانتفاضة العربيّة برّمتها، كما سيحاجج ياسر منيف في هذا الحوار الشامل والطويل والمهمّ، فإنّه أيضاً لا يمكن استيعاب مشاكلها وأسئلتها التي طرحتها إلّا في ضوء خصوصيّة الحدث السوريّ، وتحت ظلّ الديكتاتوريّة السوريّة التي يرزح السوريّون تحت أسرها منذ عقود.

 

وكان اليسارُ، بأطيافه المختلفة والمتعدّدة في واقع الأمر، شأنه شأن تيّارات أخرى، يطرح سؤالاً مطّلاً طوال الوقت فيما يخصّ موقفه وعلاقته وتصويره للمسألة السوريّة بعد الانتفاضة. وبالتالي، فإنّ إشكاليّة العلاقة بين اليسار والثورة السوريّة، وسوريا بالأعمّ، هي إشكاليّة ملحّة دائماً، وتتفرّع بنا إلى أسئلة مركزيّة أخرى سينقلنا هذا الحوار المطوّل إليها: من مسألة الإمبرياليّة، إلى مسألة اللاجئين السوريين الذين صار عددهم تشيبُ له الرؤوس، إلى قضيّة التدخّل الخارجيّ في سوريا، لا سيّما التدخّل الإيرانيّ المبكّر والرّوسيّ المتأخّر، ودور الولايات المتحدة وتركيا والخليج العربيّ في الثورة السوريّة؛ ومن ثمّ، علاقة كلّ ذلك بتشكيل صورة ‘معيّنة‘ عن الثورة السوريّة عالميّاً وإقليميّاً.

 

أهمية الحوار حول اليسار
 يأخذُ بنا ياسرُ منيف في هذا الحوار الذي فاقَ الثلاثين صفحةً إلى رحاب تلك الأسئلة، وفضاءات هذه الإشكاليّات. ولا تتأتّى أهميّة هذا الحوار من كون صاحب الحوار نفسه يساريّاً ينتقدُ الموقف اليساريّ بعامّة حيال الثورة السوريّة، وإنّما أيضاً من أنّ منيف ينقلنا في رحلة متعرّجة وطويلة إلى محطّات الثورة السوريّة، ويدرس جذور الاستبداد السوريّ الذي يراه، كما سيوضّح في الحوار، مختلفاً عن الاستبداد في دولةٍ كمصر مثلاً. وعليه، يدرسُ الثورةَ السوريّة، وحركتها الشعبيّةَ، والفاعلين الثوريين فيها، ودور الجهاديين… كلّ ذلك في ضوء ماضي سوريا وحاضر، والمستقبل الغامض الذي يجثم في الأفق، ولا أحد يعرف ما هو (أو مَن، لنقل!).

 

يأخذ منيف الموقف اليساريّ تجاه الثورة السوريّة على محمل الجدّ والنّقد. فلطالما صوّر قطاعٌ لا يُستهان به من اليسار الثورةَ السوريّة على أنّها "حربٌ جهاديّة ضدّ دولة معادية للإمبرياليّة"، كما هو الكلاشيه المُعتاد. ويفنّد منيف هذا الموقف، موضّحاً كيف أنّ الفهم اليساريّ للثورة السوريّة لا ينطوي فحسب على مغالطات فهم لما يجري، وجرى منذ بداية الانتفاضة، بل، والحال كذلك، يؤدّي إلى تعزيز قوّة نظام إجراميّ وشرعنة فعليّة، حتى ولو لم يُقَل ذلك صراحةً، لما يرتكبه في حقّ الشعب السوريّ من تهجيرٍ وقتلٍ وتشريدٍ داخليّ. وهكذا، يجري اختزال المشهد السوريّ برمّته، يساريّاً، باعتباره حرب عصابات ضدّ دولة لطالما ادّعت أنّه قوّة مناوئة للإمبرياليّة.

 

الديكتاتورية العربية واللاعبون الدوليون
 يفصّل الحوار  في طبيعة اللاعبين الإقليميين والدوليين في الساحة السوريّة، وينظر كيف ساعدت "الديكتاتوريّة العربيّة"، كما سمّاها منيف، في نشوء الحركات القتاليّة الجهاديّة مثل داعش، بل إنّه ليعودُ بها إلى أفغانستان، والحرب الرّوسيّة الأمريكيّة هناك. كما ينظر الحوار أيضاً في دور الأكراد، ومطالبهم، وموقفهم حيال الثورة السوريّة، والتواطؤ الموجود والضمنيّ بينهم وبين النظام، رغم اعترافه بتقدميّة جزء من تجربة "كردستان السوريّة" التي أقاموها، ولكنّه يعرّضها للنقد، بسبب الممارسات الإجراميّة لحزب الاتّحاد الديمقراطيّ.

 

كما ينقلنا الحوار إلى موقف الولايات المتحدة، وكيف أنّها كانت تصدّر بروباغندا لا أكثر حول إسقاط النّظام السوريّ والإطاحة به، وكيف يجب على الأمريكيين الداعمين للثورة وللسوريين عموماً أن يقوموا بممارسات ضاغطة وتشكيل ائتلاف للضغط على الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبّا.

 

وأخيراً، فإنّ هذا الحوار موجّه لأطراف عديدة: لليسار بأنْ يتواضعَ ويفهم الثورة السوريّة في تشكّلها وجذورها ومحاولة الاشتباك مع الفاعلين على الأرض من الحركات الشعبيّة لإدراك طبيعة الموقف أكثر؛ وإلى الدّول الغربيّة التي تتعامل مع المهاجرين باعتبارهم "إرهابيين محتملين" ومن ثمّ يشتّتون فيما بينهم، متعاملين معهم من منطلقٍ استشراقيّ، ومن ضوء تابوهات "صراع الحضارات"، بحيث يدعو منيف إلى فهم لا-استشراقيّ وإلى دحض هذه النزعات البلاهاء لصراع الحضارات؛ كما إنّه موجّه أيضاً للقوى والحركات العالميّة للتضامن دوليّاً لحصار هذا النّظام السوريّ المجرم ومعاونيه لا سيّما الرّوس الذي يقصفون سوريا أيّما قصف. إنّه حوار يجمع بين الفهم، والثوريّة، ومعاداة الإمبرياليّة، وفي الوقت ذات لا يقع في الكلاشيهات التي آنَ لجزءٍ كبيرٍ من اليسار أن يتخلّى عنها.
 

الحوار كاملاً
 
______________________________________________________________________
هذه المادة مترجمة عن موقع (الجاكوبين)
المصدر : الجزيرة