شعار قسم ميدان

القصة اللبنانية.. دولة تحت سطوة المليشيات

midan - lebanon
في شارع رئيسي ببيروت وفي وضح النهار كان شابٌ من تيار المستقبل الحاكم حينها في لبنان ممددٌ على الأرض، مكتف اليدين ومغطى الرأس يركله ملثمٌ مدجج بالسلاح مرفقًا ذلك بالشتائم والأسئلة، وقبل ساعات فقط كان هذا اليوم السابع من مايو/أيار لعام 2008، يوماً عادياً تسرد فيه الحياة سيرتها اليومية كما اعتادت بيروت، هادئة على السطح.

قبل يومين من ذاك التاريخ كان فؤاد السنيورة رئيس الوزراء السني وابن تيار المستقبل يدرك أن تطوراً ما سيحدث نحو الأسوأ، وصاحب إدراكه ذاك محاولته إمساك بلاده الهشة بيدين سياسيتين ناعمتين، حتى أنه تردد كثيراً قبل أن يوافق على إصدار قرارين مهمين متعلقين بـالمليشيا اللبنانية الأكبر والأكثر تأثيراً حزب الله.


أولهما اعتبار شبكة اتصالات حزب الله السرية التي أقامها على امتداد الأراضي اللبنانية وتم اكتشافها، غير شرعية ولا قانونية وتشكل اعتداءً على سيادة الدولة والمال العام، والقيام بتفكيكها وملاحقة المتهمين باستغلالها للتجسس، وثانيهما هو إقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت العميد وفيق شقير المقرب من حزب الله، إثر اكتشاف كاميرا مراقبة غير رسمية ترصد طوال الوقت المدرج الرسمي للمطار.


بعد أيام معدودة، تراجعت حكومة فؤاد السنيورة تحت الضغط عن قرارتها المهمة، خطوة أكدت من جديد وبما لا يدع مكاناً للشك أنه مهما تبدلت الأيام فلا صوت يعلو على صوت المليشيات في لبنان

صدرت القرارات وأُعلنت ومع إصدارها صدرت الأوامر لمسلحي حزب الله المدربين جيداً على سيناريوهات الانتشار الداخلي المفاجئ أن يستعدوا للمواجهة، وتترست الأجساد بذخائر الأسلحة الخفيفة والمتوسطة واختفت الوجوه تحت اللثم لتبدأ الحرب.

 

في السابع من مايو/أيار لم تعد بيروت هادئة كما كانت، وانتشر مسلحو حزب الله وحركة أمل في شوارع المدينة الرئيسة خاصة في بيروت الغربية السنية، والتي يتمركز فيها نفوذ تيار المستقبل وأنصاره وكذلك في جبل لبنان، وبدأت الاشتباكات العنيفة ولم يستطع أنصار تيار المستقبل الصمود لفترة طويلة أمام المليشيات التي كان تسليحها وتدريبها يضاهي أو يتفوق على الجيش اللبناني نفسه.
 

وبسط مقاتلو الحزب سيطرتهم على بيروت وحاصروا منزل سعد الدين الحريري واجتاحوا محطته التلفزيونية، في مشاهد رعب أعاد لذاكرة اللبنانيين أحداث الحرب الأهلية الدامية التي كان قد مر حتى حينه 18 عامًا على انتهائها.

 

وبعد أيام معدودة تراجعت حكومة فؤاد السنيورة تحت الضغط عن قرارتها المهمة، في خطوة أكدت من جديد وبما لا يدع مكاناً للشك أنه مهما تبدلت الأيام فلا صوت يعلو على صوت المليشيات في لبنان.

 

مصنع المليشيات
undefined

في يوم الأحد 13 أبريل/نيسان لعام 1975 كانت بيروت على موعد مع احتفالين مختلفين الأول لتدشين كنيسة "سيدة الخلاص" للروم الكاثوليك، والآخر سياسي حماسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وشاءت الأقدار أن يكونا الاحتفالان مقدمة لسنوات سوداء قادمة من تاريخ لبنان.

 

فعلى إثر محاولة اغتيال بيار الجميل الزعيم الماروني وزعيم حزب الكتائب والذي كان مخططاً حضوره حفل الكنيسة، خرج مسلحو الحزب الغاضبون وأطلقوا الرصاص على حافلة مزينة بالشعارات الفلسطينية، وتصدح منها أغاني الفدائيين إذ كانت عائدة لتوها من الاحتفال، نجى بيار الجميل، لكن مجزرة ارتكبت لتعلن بداية الحرب الأهلية اللبنانية التي ستستمر لسنوات طويلة من الدم والخراب.
 

بعد عامين على اتفاق الطائف الذي جمع المتصارعين في الحرب،  صدر قانون العفو عن كل الجرائم التي ارتكبت منذ عام وبذلك دفنت الحرب الأهلية اللبنانية  لكن بقيت بذورها وجذورها كامنة تنتظر أن تنمو في أي لحظة

ومع مرور الوقت تورطت جميع الأطراف السياسية والمليشياتية في لبنان بالصراع المعقد، واشتعلت المعارك وتخندقت الأحزاب في الجبهات، وانقسمت بيروت إلى بيروت شرقية وتُسيطر عليها المليشيات المسيحية، وأخرى غربية تُسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية والمليشيات المسلمة، واتخذت الحرب طابع المجازر الجماعية وحوادث الانتقام والتطهير الطائفي، وكان أبرز تلك المجازر مذبحة مخيم صبرا وشاتيلا ومخيم تل الزعتر.
 

لعبت الحسابات الإقليمية والدولية دورًا مباشرًا في الحرب تمثل في تدخل الجيش السوري عسكريًا، واجتياح إسرائيل لجنوب لبنان وحصار بيروت الغربية، كما لعبت دورا غير مباشر تمثل في دعم الأطراف الإقليمية والدولية لمليشيات صارت تقاتل عنها بالوكالة.
 

ولم تعرف هذه الحرب قانونًا ولا رادع ولم تستقر فيها بين المليشيات صراعات ولا تحالفاتها، فقاتل الجميع ضد الجميع، كما تقال باللاتينية (bellum omniu contra omens) أو حارب الجميع ضد الجميع، بنفس القدر الذي تحالف فيه الجميع مع الجميع.

 

وفي مارس/آذار 1991 وبعد عامين على اتفاق الطائف الذي جمع المتصارعين في هذه الحرب، ومع إقصاء آخر الرافضين للاتفاق صدر قانون العفو عن كل الجرائم التي ارتكبت منذ عام 1975، وبذلك دفنت الحرب الأهلية اللبنانية بعد 15 عامًا من اندلاعها، ونحو 150 ألف قتيل ومليون مهجر من أصل ثلاثة ملايين لبناني.
 

لقد دفنت الحرب لكن بقيت بذورها وجذورها كامنة تنتظر أن تنمو في أي لحظة، بينما أتاح قانون العفو لـ "مجرمي الحرب" ورموزها أن يظلوا حاضرين في الحياة السياسية اللبنانية، بنفس أحزابهم وميليشياتهم وسلوكياتهم كذلك.

تكريس الطائفية وشرعنتها جاء فيما صار يعرف بـ
تكريس الطائفية وشرعنتها جاء فيما صار يعرف بـ "الميثاق الوطني" والذي هندسه الرئيس اللبناني المسيحي بشارة الخوري، ورئيس الوزراء السني رياض الصلح عام 1943

تركز اتفاق الطائف –الذي تم بوساطة سعودية وباهتمام شخصي من العاهل السعودي فهد بن عبد العزيز، وبعرض قدمه رجل المملكة النافذ في لبنان رفيق الحريري-، على أربع مواد تتعلق بتركيبة لبنان الداخلية وعلاقاتها الخارجية، وتعاملت المباحثات مع الطائفية السياسية اللبنانية، والتي أنتجت المليشيات وحربها الأهلية كحالة أصيلة في لبنان، فأبقت على جوهرها مع تعديلات طفيفة أعادت محاصصة البلاد بين طوائفها الرئيسية.

 

بعد أتفاق الطائف تصافح أعداء الأمس القريب وصمتت أفواه المدافع وعُلقت البذلات العسكرية ونياشينها ليحل محلها بذلات رسمية أنيقة

وتعود جذور الطائفية السياسية في لبنان إلى أوائل القرن إبان حكم الدولة العثمانية وما تبعه من استعمار فرنسي عام 1920، لكن تكريسها وشرعنتها جاء فيما صار يعرف بـ "الميثاق الوطني" والذي هندسه الرئيس اللبناني المسيحي بشارة الخوري، ورئيس الوزراء السني رياض الصلح عام 1943.
 

وبالرغم من أنه لم يكتب بشكل نهائي، لكن "الميثاق الوطني" حدد أن تقاسم السلطة في لبنان سيكون بالمحاصصة بين طوائفه، وأن من يشغل منصب الرئيس سيكون مارونيًا، مقابل رئيس وزراء سني ورئيس برلمان شيعي ونائب رئيس برلمان من الأرثوذوكس، وأن يكون مقابل كل خمسة برلمانيين مسلمين ستة من المسيحيين، على شرط أن يتخلى المارونيون عن الهوية الغربية، وأن يتخلى المسلمون عن حلم "لبنان الكبرى" والوحدة مع سوريا.

 

لم يتغير جوهر "الميثاق الوطني" كثيراً حتى اليوم، وظلت المحاصصة الطائفية القائمة على ميثاق غير مكتوب تدفع الأطراف في لبنان إلى التمترس خلف طوائفها، طوائف متمثلة في أحزاب ومتصلبة في مليشيات تحمي مصالح الطائفة، فيما ظل مفهوم المواطنة هو الغائب الرئيس في لبنان.

 

وبحسب جوزيف باحوظ الباحث في مركز كارينغي، فإن اتفاق الطائف وما يخص الطائفية السياسية فيه كان يتعلق بإعادة التنظيم أكثر منه بالتغيير، وبأنه وإن كان قد أنهى التفوق الماروني ووازنه مع المسلمين، لكنه أحل محله في المقابل التفوق المتصاعد والتنافسي بين السنة والشيعة داخل المسلمين أنفسهم.

 

في النهاية تصافح أعداء الأمس القريب إذن في الطائف، وصمتت أفواه المدافع وعُلقت البذلات العسكرية ونياشينها ليحل محلها بذلات رسمية أنيقة ولائقة، وبعد أن كان العسكري في الميليشيا يرسم حدوده بالنار والبارود والأسلاك الشائكة، تراجع مفسحًا لنفسه مساحة تحول فيها لسياسي يحاور ويناور، لكن خلفه بندقية مُلقمة معدة للاستخدام.

undefined

أذرع إقليمية ودولية
 
«من أعلم بالحالة السياسية في لبنان؟

الأعلم هو الإمام الخميني،  لماذا؟ لأني سابقًا ذكرت بأن الحالة السياسية في لبنان ليست حالة معزولة عن المنطقة»

 (الشاب حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، في أحد لقاءاته المتلفزة القديمة)


 undefined

ربما كان ممكنًا للبنان أن تجد حلاً لميليشياتها وأن تعيد تشكيل حياتها السياسية على غير المحاصصة الطائفية، لولا تدخل ونفوذ الأطراف الإقليمية والدولية المتعددة ومصالحها في لبنان.

 

حتى أن مسألتي اختيار رئيس الجمهورية أو تسمية رئيس الوزراء لم يكن من الممكن حسمهما بدون موازنات دولية، كذلك مسألة السلاح الفلسطيني أو سلاح حزب الله أو تشكيل الحكومة، أو عقد المواثيق الوطنية واتفاق الفرقاء كما حدث في اتفاق الطائف 1989 واتفاق الدوحة 2008، باختصار لقد انحسرت سيادو لبنان على لبنان لصالح الآخرين سواء كانوا أصدقاء أم أعداء.

العلاقة الوثيقة بين نظام بشار الأسد وحزب الله، والتي بدأت كعلاقة شخصية حولت لتحالف إقليمي شهير تحت عنون "تيار المقاومة والممانعة"، ثم تمظهرت أخيرًا بشكل أكبر مع الدور البالغ لحزب الله في معارك الجيش السوري في سوريا

 

على الحدود الشمالية والشرقية تمتد سوريا جارة لبنان الودودة، وصاحبة النفوذ الأكبر فيها لعقود منذ أن تدخل الجيش السوري عسكريًا في يناير/كانون الثاني 1976، بعد أقل من عام على بدء الحرب الأهلية اللبنانية، تحت غطاء رسمي من جامعة الدول العربية.

 

لم يتفق اللبنانيون على موقف واحد من التدخل السوري، ولا على أماكنهم منه متحالفين كانوا أو محايدين أو أعداء له، ولذا لم يمر التدخل السوري بهدوء أو سهولة، وتمدد النفوذ السوري في لبنان عسكريًا وأمنيًا حتى صار معقولًا التعبير عن لبنان كـ "محافظة سورية"، ولم يعد من الممكن الحديث عن أي شأن يخص لبنان دون الاتفاق مع الرئيس السوري وقتها حافظ الأسد، أو مع رجله النافذ في لبنان غازي كنعان.

 

وبعد عشر سنوات من التدخل وفي عام 1986 صدر أول طلب رسمي لبناني طالبًا من سوريا أن تنسحب، إلا أن دمشق تجاهلت الطلب ولم تنسحب حتى 26 أبريل/نيسان 2005، بعد قرار دولي على إثر تداعيات اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري وهو اغتيال أشير فيه إلى سوريا كمتهم رئيس، ومن ثم غادرت آخر الآليات السورية المدرعة حاجز المصنع الحدودي.
 

لكن النفوذ السوري لم يغادر لبنان حتى اليوم، مع العلاقة الوثيقة بين نظام بشار الأسد وحزب الله، والتي بدأت كعلاقة شخصية ثم تحولت لتحالف إقليمي شهير تحت عنون "تيار المقاومة والممانعة"، ثم تمظهرت العلاقة أخيرًا بشكل أكبر مع الدور البالغ لحزب الله في معارك الجيش السوري في سوريا هذه المرة حيث تبادل الحلفاء الأدوار.

عززت إيران نفوذها في لبنان من خلال حزب الله بشكل رئيس، وعملت على تمويله وتدريبه وتوجيهه وتوظيفه أداة لتوسعة مدى نفوذها وقدرتها على السيطرة
عززت إيران نفوذها في لبنان من خلال حزب الله بشكل رئيس، وعملت على تمويله وتدريبه وتوجيهه وتوظيفه أداة لتوسعة مدى نفوذها وقدرتها على السيطرة
 

"إيران تليكوم تسيطر على البلاد" هذا قال وزير الاتصالات اللبناني مروان حمادة في برقية دبلوماسية سربها موقع ويكيليكس عام 2008، كشفت عن أسرار شبكة اتصالات سرية ضخمة تابعة لحزب الله، الذراع الإيراني في لبنان، وكان ذلك مؤشرًا مهمًا على كيف أن النفوذ الإيراني صار متغلغلًا وحاكمًا في لبنان.

 

فمنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عمل الإيرانيون على تصدير الثورة، وكان من ذلك تشكيلهم لأذرع عسكرية وسياسية وأمنية فعالة خارج إيران، وكان على رأسها حزب الله الذي ظل يعلن وبشكل متكرر التزامه بأوامر ولاية الفقيه، وفي خطاب شهير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أعلن أنه لولا ولاية الفقيه لما قام حزب الله. وعززت إيران نفوذها في لبنان من خلال حزب الله بشكل رئيس، وعملت على تمويله وتدريبه وتوجيهه وتوظيفه أداة لتوسعة مدى نفوذها وقدرتها على السيطرة.

 

ولم تغب الرياض عن المشهد اللبناني بالطبع، ومع نجاح المملكة العربية السعودية في جمع اللبنانيين في الطائف عام 1989، بعد جهود استثنائية ومستمرة بذلها رفيق الحريري المستثمر اللبناني الحاصل على الجنسية السعودية، ومالك "سعودي أوجيه" واحدة من أضخم الشركات العقارية التي تتولى صفقات حكومية في المملكة حفرت الرياض مكانتها ومكانها في لبنان.

 

عاد رفيق الحريري إلى لبنان بعد اتفاق الطائف، وأدار مرحلة "إعمار لبنان" كما أطلق عليها، وصار رئيس وزراء حكومتها عام 1992، وبعد اغتيال الحريري عام 2005 نشأ "تيار المستقبل"، وتكون فريق قوى الـ14 من آذار بزعامة التيار الذي يترأسه سعد الحريري، وريث ثروة وسلطة وعلاقات والده رفيق، واستمر دعم الرياض للبنان من خلال مساندة قوى الـ14 من آذار ماليًا وسياسيًا، في نفوذ مبني على تزاوج بين السلطة والمال والمصاهرة في الوقت نفسه.

قاتلت إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية والمتحالفين معها حتى أجبرتهم على الخروج من لبنان، وتمددت في ظلها مليشيات على حساب غيرها مثل حزب
قاتلت إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية والمتحالفين معها حتى أجبرتهم على الخروج من لبنان، وتمددت في ظلها مليشيات على حساب غيرها مثل حزب "الكتائب اللبنانية"
 

ولا تتخلى تل أبيب عن مشهد بيروت أبدًا، فهي تعتبر لبنان دومًا عمقا أمنيا واستراتيجيا لها، وتجلى ذلك باجتياح دبابات الميركافا الإسرائيلية الحدود اللبنانية في يونيو/حزيران 1982، حيث قاتلت إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية والمتحالفين معها حتى أجبرتهم على الخروج من لبنان، وتمددت في ظلها مليشيات على حساب غيرها مثل حزب "الكتائب اللبنانية"، الذي هيمن من جهة على أماكن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي ومن جهة أخرى تفوق على أعدائه الدروز بعدما نزعت إسرائيل سلاحهم.
 

وأثمر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عن نشوء حزب الله بدعوى المقاومة، وظلت مواجهته مع إسرائيل تعطيه شرعية وسلاحًا خصوصًا بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، واشتعال مواجهة أخرى بينها وبين الحزب عام 2006. وطوال الوقت حافظ الحزب على ترسانته العسكرية وعلاقاته ونفوذه تحت غطاء مقاومة إسرائيل.

 

تدخلت الدول في لبنان لتضمن مصالحها فيها عبر وكلائها من المليشيات، لكن الأسوأ أن هذه المليشيات كانت تتوظف لتحقيق مصالح الدول حتى خارج حدود لبنان، كحالة إيران مع حزب الله وحروبه مع إسرائيل في البداية وداخل سوريا لاحقًا، وكحالة سوريا مع تنظيم فتح الإسلام في مخيم نهر البارد.

 

وأخيرا فرغم انتهاء الحرب الأهلية وعقد اتفاق الطائف لم تتغير الخارطة الميليشياتية داخل لبنان كثيرًا، لكن ما أثر عليها بشدة هو انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، والذي مع إتاحته المساحة والدعاية والشرعية لحزب الله كشف عملاؤه وحلفاؤه تاركًا إياهم عرضة للسحق والانتقام.
 

ومن ثم جاءت تأثيرات اغتيال الحريري عام 2005 والذي أدى إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، وإلى إحلال نفوذه في حزب الله الحليف الدائم والقوي، كما أدى لتضرر موقع الطائفة السنية ومركزيتها ونفوذها في البلاد، مع هذا وذاك كانت الخريطة الميليشياتية داخل لبنان تتغير بشكل دراماتيكي وحاد وبلا عودة.

المصدر : الجزيرة