شعار قسم ميدان

لماذا يتفاقم الإرهاب في روسيا؟

Russian President Vladimir Putin (R) shakes hands with Syrian President Bashar al-Assad during a meeting at the Kremlin in Moscow, Russia, in this October 20, 2015 file photo. To match Insight MIDEAST-CRISIS-SYRIA/PUTIN REUTERS/Alexei Druzhinin/RIA Novosti/Kremlin/ Files ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. TPX IMAGES OF THE DAY
يوم الاثنين 3 أبريل 2017، كان نظام الغواصات في مدينة سان بطرسبرغ، ثاني أكبر المدن الروسية، مسرح انفجار قنبلة هائل خلف 14 قتيلا وأكثر من 50 جريحا آخرين -بعد الانفجار على الفور، عثرت السلطات على جهاز لم ينفجر بعد وعطلته-. كان هذا الهجوم أهم حادث إرهابي يضرب الأراضي الروسية منذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2013، عندما قامت انتحارية بتفجير نفسها في محطة القطارات الرئيسية في المدينة الروسية الجنوبية فولجوجراد قبيل الألعاب الأوليمبية الشتوية قرب سوشي. لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير؛ فتفجير يوم الاثنين هو أقل إشارة على أزمة الإرهاب المتفاقمة في روسيا، من بين أمور أخرى. 

 

ضرائب سوريا

من الواضح، أن هجوم يوم الاثنين في سان بطرسبرغ، يمكن أن يستعرض كارتداد للتدخل الروسي الجاري في سوريا؛ فمنذ سبتمبر/ أيلول 2015، أصبح الكرملين لاعبا أساسيا في الحرب السورية الطاحنة، مؤسسا لحضور عسكري بارز -ومفتوح-  في دعمه لنظام بشار الأسد. تدخل روسيا عاد عليها بأرباح استراتيجية ملموسة، مكنتها من تحصين قاعدتها البحرية التاريخية في طرطوس، وتأسيس قاعدة عسكرية جوية جديدة في اللاذقية، وبسط قوات بحرية موسعة شرقي البحر المتوسط، من بين مكاسب أخرى. لكنها أيضًا جعلت موسكو محط غضب إسلامي، بتوعد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وجبهة النصرة، ذراع القاعدة في سوريا، بالقصاص في عقر الديار الروسية. 

 undefined

قد يرسم هجوم الاثنين بداية تنفيذ الهجمات. فقد تعرفت السلطات الروسية إلى المشتبه الرئيسي في التفجير أكبر زون خليلوف (22عاما)، وهو مواطن روسي من مواليد قرغيزستان، وتربطه صلات بإسلاميين متطرفين. من جانبه، أشاد داعش بالتفجير "على الرغم من تريثه قليلا قبل الإعلان عن مسؤوليته"، ما يشي -على أقل تقدير- بأن أفعال خليلوف تتفق مع مخططاته في روسيا.
 

جحافل جهاديي روسيا

تفجير الاثنين يسلط الضوء أيضا على أزمة أكبر يواجهها الكرملين، وهي اتجاه مسلمي روسيا للتطرف والتعبئة. اليوم، يشكل المسلمون القطاع الأسرع نموا في المجتمع الروسي. قد يظلون أقلية بنسبة 16%، وفقا للإحصاء السكاني للبلاد عام 2010. لكن بفضل حالات طلاق أقل، وشرب كحول أقل، ومعدّلات تناسل أعلى، يشكل مسلمو روسيا قوة ديموغرافية.
 

أفادت توقعات أن مسلمي روسيا سيشكلون، بنهاية هذا العقد، خمس مجموع السكان. لكن هذا لا يعني أن المسلمين مدمجون جيدا في المجتمع الروسي. إذ عزز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هوية متعصبة أقصت مسلمي روسيا من ميدان السياسات المعاصرة والمجتمع، ما جعلهم عرضة إغراءات الإيديولوجيات البديلة -من بينها الزعامة الإسلاموية [الخلافة]. قد يُلحظ ذلك من التأثير المتنامي لجماعات مثل داعش على جماعات متطرفة كإمارة القوقاز الإسلامية، وهي المزود الجهادي الأول في البلاد، (في  2015، بايعت فصائل من الجماعة، كانت فيما مضى تابعة للقاعدة، داعش وأميرها، أبو بكر البغدادي). موقف بوتين أدى أيضا إلى انضمام أعداد متزايدة من الجهاديين الروس في القتال الجاري في العراق وسوريا.
 

undefined

 

الحجم الفعلي للتواجد الروسي في سوريا مثار جدل. لكن في خطاب عمومي ألقاه مؤخرا، ذكر بوتين، أن جهاز الاستخبارات العسكرية، يقدر مشاركة 4,000 جندي روسي، إلى جانب 5,000 مقاتل من جمهوريات سوفيتية سابقة أخرى، في الحرب الأهلية الجارية هناك. إعلان بوتين اكتسب أهمية، من حيث كونه يفيد بوجود نسبة أعلى لمقاتلين من جمهوريات سوفيتية سابقة في سوريا عن تلك التي يخمّنها الغرب. في المجمل، قدرت دراسة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في أبريل/ نيسان 2016  أن داعش نجح في جذب أكثر من 31,000 مجند منذ إنشائه عام 2014 ويشكل المسلحون من آسيا الوسطى وروسيا حوالي ثلث المقاتلين الأجانب الفاعلين اليوم في دولة الخلافة المزعومة. ولا عجب أن يقدر خبراء مثل يفينيا ألباتس صعود الروسية لتصبح ثالث أكثر اللغات تحدثا في أوساط مقاتلي التنظيم.
 

القادم أسوأ

لمدة طويلة، بدت حالة العلاقات هذه ملائمة للكرملين. عوض إعاقة تدفق المقاتلين إلى الشرق الأوسط، تقوم السلطات الروسية بتسهيل رحيلهم كوسيلة لتجفيف أزمة الإرهاب الداخلية في البلاد. في نفس الوقت، أصدرت حكومة بوتين حزمة قرارات قاسية جديدة -تتضمن تعريفا أشمل لما يعنيه التطرف، وفرض تصاريح رسمية لإقامة الأنشطة الدينية، وتشديد الرقابة على الإنترنت- صُممت بهدف إبقاء مراقبة حثيثة على مقاتلين محتملين ظلوا في البلاد (وأي شخص آخر كذلك). ظاهريا، يبدو وأن هذه الاستراتيجية قد أتت أكلها. فقد أشاد مسؤولون في الكرملين علنا بنجاح حكومتهم في مكافحة الإرهاب بغرض إقناع العالم أن روسيا تكسب معركتها في مقارعة الإرهاب الداخلي.

هجوم الاثنين في سان بطرسبرغ، قد يكون البداية وحسب، مع كل ما يحمله ذلك لأمن وحرية الروس العاديين (الجزيرة)
هجوم الاثنين في سان بطرسبرغ، قد يكون البداية وحسب، مع كل ما يحمله ذلك لأمن وحرية الروس العاديين (الجزيرة)

 في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مثلا، أشاد ييفني سيسوييف، نائب مدير جهاز الأمن الداخلي الروسي الصُّلب (FSB)، بحقيقة نجاح روسيا في تقليص النشاطات الإرهابية "أكثر بعشر مرات" عن 2010. لكن هجوم الاثنين الفائت يشي بما هو عكس ذلك – فضلا عن أنه دليل دامغ على هشاشة روسيا في مواجهة الإرهاب الداخلي. من المتوقع للأزمة، علاوة على ذلك، أن تزداد تفاقما. إذ لطالما توجس خبراء في مواجهة الإرهاب من أن ينجم عن الصراع السوري عودة مقاتلين سابقين إلى أوطانهم الأم للانخراط في أعمال إرهابية فيها. وقد أضحت هذه المخاوف أشد حدة في ضوء انتكاسات المعركة الأخيرة التي مُني بها داعش في العراق وسوريا، وفي ضوء إشارات بأن التنظيم يصب تركيزه على ساحات أخرى.
 

بالنظر إلى حجم الوجود الروسي الحالي ضمن داعش، لا بد وأن تكون روسيا هدفا رئيسيا لهذه الموجة. هجوم الاثنين الفائت في سان بطرسبرغ، بكلمات أخرى، قد يكون البداية وحسب، مع كل ما يحمله ذلك لأمن وحرية الروس العاديين.

________________________________
المقال مترجم عن: الرابط التالي
المصدر : الجزيرة