شعار قسم ميدان

أرواح معذبة.. الرواية الأميركية لأحداث أبو غريب

midan - أبو غريب
أحد السجناء يمد يده عبر فتحات زنزانته بسجن أبو غريب (رويترز)
توطئة المترجمة

"تشكِّل هذه المادّة فرصة للتعرف على أحداث حربيّ العراق وأفغانستان من منظور الجنود العائدين من ساحات المعارك، وبالأخصّ من منظور المتعهدين الذين وُظّفوا للتحقيق في معتقل أبو غريب سيء السمعة. سيتضح أثناء القراءة، أن من أشرفوا على التحقيق، ومن ابتدعوا وسائل التعذيب، كانوا متعهدين مبتدئين ومتعاقدين مع الجيش الأميركي جنت منهم شركات التعهد أرباحًا طائلة. فهل كانت حرب العراق من هذا المنظور أكثر من تربّح للشّركات الناشئة؟ وهل يغفر لهُم ندم البعض منهم الفظائع التي ارتُكبت في حق العراق والعراقيين؟"

نص المقال

أوضح الرئيس الأميركي  دونالد ترمب بأنّه ينبغي على الولايات المتحدة أن تأخذ التعذيب في الحسبان لاسيما عندما يتعلق الأمر بالإرهابيين الذين يشتبه بهم. في (فبراير/شباط) الماضي، وخِلال حملة الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، تعهد ترمب أنه سيصرّح  في حال تم انتخابه، باستخدام تقنيات "أسوأ بكثير من الإيهام بالغرق". بعد ذلك، تفاخر قائلا "لن يزعجني الأمر أدنى إزعاج حتى".

 

أصر ترمب على أن "التعذيب يأتي بنتيجة" – وأنه حتى وإن لم يكن كذلك، فإن الإرهابيين "يستحقونه على أي حال". لكنه فورا بعد تنصيبه رئيسا، أشار إلى أنه في صياغة سياسة للتحقيقات، يختلف مع مشورة وزير الدفاع، جنرال قوات مشاة البحرية المتقاعد جيمس ماتيس المعارض لاستخدام التعذيب. وقال ترمب  في مقابلة مع ديفيد موير "سأتفق مع الجنرال ماتيس، لكن هل ما أزال أشعر أنه يأتي بنتيجة؟ بالطبع، أشعر بذلك".

 

بعد تسريب ما أصبح يُعرف بـ
بعد تسريب ما أصبح يُعرف بـ"تقرير تاغوبا" وتصدره العناوين الإخبارية، عرف الجميع كم تعاند الحكومة الأميركية في الترفع عن تحمل مسؤوليتها عن الجرائم المرتكبة والاتعاظ من الأخطاء
 

استمرت  الإدارة الأميركية بإرسال إشارات مختلطة حول الموضوع. في أواخر (يناير/كانون الثاني)، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن وجود مسودة أمر تنفيذي1 كان من شأنه نقض  قرار إدارة أوباما في 2009 إغلاق "المواقع السوداء" السرية حيث عذبت الاستخبارات الأميركية المحتجزين والحد من استخدام المحققين التقنيات غير المسيئة الواردة في الدليل الميداني للجيش الأميركي. أنكرت إدارة ترمب تقرير التايمز وسرعان ما عممت مسودة قرار مختلفة حول المحتجزين، والتي لم تنادي بتغييرات كتلك في السياسة المتبعة.. لكن الواقعة تركت انطباعا ملحوظا بأنه على الرغم من إمكانية رفض ماتيس ومسؤولين كبار آخرين في الإدارة مسألة التعذيب، إلا أن ترمب يكاد يكون المناصرَ الوحيد للأمر في البيت الأبيض.

 

أن يكون التعذيب مرة أخرى موضوع نقاش على أعلى المستويات في الحكومة الأميركية هو تطور مقلق للبلاد2 – ولنا بشكل خاص [الكاتب مجند سابق خدم في معتقل أبو غريب]. وقد أصدر أحدنا، وهو أنطونيو تاغوبا، بصفته  لواء في الجيش الأميركي، في 2004 تقريرا داخليا للجيش عن الإساءة لمعتقلين في مركز الاحتجاز الأميركي "أبو غريب"، في العراق. في غربلة الأدلة التي توثق الأساليب المثيرة للاشمئزاز التي أساء من خلالها موظفون في الجيش الأميركي ومتعاقدُون معه إلى العراقيين المحتجزين، أصبح أليفًا مع أسوأ ما في الطبيعة الإنسانية والبشاعة التي يمكن أن تنتجها الحرب في نفوس أولئك الذين يشنّونها.
 

 وبعد تسريب ما أصبح يُعرف بـ"تقرير تاغوبا" وتصدرِّه العناوين الإخبارية، عرف الجميع كم تعاند الحكومة الأميركية في الترفع عن تحمل مسؤوليتها عن الجرائم المرتكبة  والاتعاظ من الأخطاء. لقد ألقت  إدارة جورج بوش اللوم في فظائعِ أبو غريب على ذوي الرتب المنخفضة من الجنود والموظفين، بينما تملص من تحمل اللائمة  قادة عسكريون وزعماء مدنيون ابتدعوا التكتيكات المسيئة وصرحوا بها وشجعوا بيئتها  الوحشية.

 

صور لمعتقلين عراقيين في أبو غريب نشرت ضمن دعوى حرية المعلومات ضد وزارة الدفاع الأميركية (رويترز)
صور لمعتقلين عراقيين في أبو غريب نشرت ضمن دعوى حرية المعلومات ضد وزارة الدفاع الأميركية (رويترز)

 

لاحقا، تراجعت إدارة أوباما إلى مقاضاة أي شخص يتهم بإصداره أوامر بالإساءة أو المشاركة فيها، مع أن الرئيس باراك أوباما ذاته قد اعترف بأن الولايات المتحدة "عذبت بعض الأُناس". إلا أن نقص المحاسبة ذاك قد يكون أحد الأسباب التي تقف وراء عودة موضوع  التعذيب إلى الواجهة مرة أخرى.  لكنه عاد ليصبح من جديد  مستساغا سياسيا. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة الواشنطن بوست بالتعاون مع  قناة أنباء "أيه بي سي" بأن غالبية الأميركيين اعتقدوا بأن استخدام الولايات المتحدة الأميركية للتعذيب كان مبررا3. ولماذا قد لا يقولون ذلك؟ فبِرفض تحميل المسؤولية لأحدهم، بعثت واشنطن إشارة واضحة للأميركيين بأن الإساءة كانت، في الحقيقة مبررة – وحتى أنها كانت قانونية، أخلاقية، وعلى الأرجح غير مجدية.
 

لكن سواء "نجح" التعذيب من عدمه، ثمة اعتراض ضئيل يفيد بأنه  قد أضر بمصالح الولايات المتحدة الأميركية. كما أورد دوغلاس جونسون، وألبيرتو مورا، وأفريل شميدت مؤخرًا4"إن لجوء واشنطن للتعذيب قد تسبب بضرر جسيم للأمن القومي. فقد حرّض على التطرف في الشرق الأوسط، وعرقل تعاون الولايات المتحدة مع حلفائها، وعرض مسؤولين أميركيين للمساءلة القانونية، وقوض دبلوماسية الولايات المتحدة. ووفر تفسيرا مؤاتيا لحكومات أخرى لكي ترتكب تجاوزات حقوق الإنسان".
 
إن السياسات الخاطئة التي نجمت عنها  أثمان باهظة كهذه كانت قد طُوّرت من قبل عشرات من المسؤولين ونُفّذت من قبل بيروقراطية واسعة نالت إزالة آمنة من خطوط المواجهة. ومن تعين عليهم تحمل مسؤوليتها كانوا أفرادًا. وقد نشر اثنان من هؤلاء كتبا مؤخرًا تستعرض ما عاشوه  أثناء تنفيذهِم تلك الأمور. "إريك فير" كان محققا تعاقد معه الجيش الأميركي في العراق. ومذكراته، "عاقبة" 5 (Consequence)، هي سعي منه  لمواجهة شياطينه.

 

أما  جيمس ميتشل فهو عالم نفس وظّفته الاستخبارات الأميركية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر للمساعدة في ابتكار أساليب جديدة لاستخراج المعلومات من المعتقلين. الكتاب الذي ساهم في تأليفه مع متحدث سابق باسم "السي آي أيه" هو بيل هارلو معنون بـ "تحقيق مُعزَّز"6 (Enhanced Interigation)، هو دفاع عن النفس.. يريد منه، ميتشل، بدوره مواجهة شياطينه، وهو ما يرى أنه الدافع من كتابة أي شخص  بشكل انتقادي عن الإساءة التي أنزلها وغيره بالمعتقلين.

 

صورة فنية تُوضح بعض طرق التعذيب في معتقل أبو غريب (الأوروبية)
صورة فنية تُوضح بعض طرق التعذيب في معتقل أبو غريب (الأوروبية)

بالمجمل، يشكل الكتابان تذكِرةً بأهمية الخيار الفردي  والوعي الشخصي، حتى ضمن البنية التوسعية المعقدة للأمن القومي الأميركي. وإن كان ترمب يرغب في إعادة الولايات المتحدة إلى أعمال التعذيب، فإنه سيحتاجُ إلى تجاوب الأفراد على العديد من المستويات الحكومية التي تنوي تجاوز القانون. في مناظرة خلال الحملة التمهيدية للحزب الجمهوري العام الفائت، سأل مدير المناظرة ترمب عما سيفعله إن رفض مسؤولون تعذيب المعتقلين أو "النيل من عائلاتهم"، كما اقترح ترمب أنه قد يكون ضروريا.  فردّ ساخرا "إنهم لن يردّوني، صدقني.  إن قلت لهم افعلوا، فإنهم سيفعلون".
 

 نأمل بأن يكون ترمب مخطئا. لكي نحول دون الرجوع إلى أظلَمِ أيام ما يسمى الحرب على الإرهاب7 وحرب العراق. سيكون على ضباط الجيش، وضباط الاستخبارات، والأفراد المتطوعون، والمتعاقدون رفض تنفيذ أي أوامر غير قانونية يتلقونها – حتى من الرئيس نفسه. القيام بذلك سيخدم المصلحة الوطنية ومصلحتهم الذاتية. لأنه وكما يُظهر ذانك الكتابان-عمدا في قضية فاير وسهوا في قضية ميتشل- فإن الضرر الذي تسبب به التعذيب لم يقتصر على الضحايا؛ بل إنه يمتد أيضا إلى أرواح المعذَِّبين.
 

اتباع الأوامر
ولد فاير في 1972 وترعرع كمَشْيَخِيّ (مذهب مسيحي) ورِع. انضم إلى الجيش في 1995 وسُرِّح بشرف في 2000.بعد هجمات 11/9، تاق إلى خدمة بلاده، وجد سبيلا إلى ساحات الحرب كمتعاقد مدني. وُظِّف فاير من قبل "سي أيه سي آي" (CACI)، وهي شركة أميركية تحصلت على عقد من وزارة الدفاع لتوفير موظفين للاستخبارات من أجل العمل في العراق8.
 
وظفت الشركة فاير كمحقق مع أنه لم يسبق أن تلقى تدريبا عسكريا في التحقيق أو تحليل المعلومات الاستخبارية. وضاعف مسألة افتقاره للخبرة، كما يزعم، حقيقة أنه بالإضافة إلى أنه لم ينل تدريبًا قبل وصوله العراق في (ديسمبر/كانون الأول) 2003، فإن "سي أيه سي آي" لم تدربه، أيضا. لكن برنامج التأهيل البدائيّ الخاص بالشركة كان كفيلا بإقناع فاير بأمر واحد، وهو أن الحكومة الأميركية قد وافقت على التحقيقات الوحشية وَأجازتها.

 

في فقرة ينبغي على كل صانع سياسة أن يقرأها ويحفظها، يقول "لقد عذّبنا الناس على النحو الصحيح، متبعين الإجراءات السليمة، واستخدّمنا تقنيات تمت الموافقة عليها. ليس ثمة عواقب قانونية". تلتقط تلك العبارات الأخلاقيات التي أرشدت العديد من المحققين في الصراع ضد الإرهاب، سواء عملوا لدى الجيش، "السي آي أيه"، أو كانوا متعاقدين مدنيين.
 

لقد كان من أشرف على التحقيق، ومن ابتدع وسائل التعذيب متعهدين مبتدئين ومتعاقدين مع الجيش الأميركي جنت منهم شركات التعهد أرباحًا طائلة
لقد كان من أشرف على التحقيق، ومن ابتدع وسائل التعذيب متعهدين مبتدئين ومتعاقدين مع الجيش الأميركي جنت منهم شركات التعهد أرباحًا طائلة
 

وكانت النتيجة مساحة خالية من القواعد جوهريا، كان المحققون ضمنها في حلِّ من التقييدات والإجراءات المعتادة في ساحات المعارك. وصف فاير لما يسميه شبه الفوضى التي كانت تقع داخل غرف التحقيق في العراق يتطابق مع ما ورد في التحقيق في انتهاكات سجن أبو غريب. حيث تلقى معظم العسكريين والمحققين المدنيين ما لا يكاد يتجاوز تدريبا في أثناء العمل ولم يتم الإشراف عليهم على نحو صحيح.

 

وقد تركهم هذا مشوشين إزاء حدود  مسؤولياتهم، وفي بعض الأحيان، غير واثقين إن كانوا خاضعين حتى للسلطة القانونية للولايات المتحدة من عدمه. في نثره، الحزين الحذِر، يفصّل فاير سلوكه الشخصي ضمن هذه البيئة، التي أصبحت أشدّ تعسفا بمرور الوقت. ويتذكر المرة الأولى التي جَلب فيها محتجزًا [للتحقيق]؛ واستخدامه لما أسماه زملاؤه "الكرسي الفلسطيني"، وهي تقنية قيل لهم أن المحققين الإسرائيليين يستخدمونها بحيث يُقعِدون المعتقلين [الفلسطينيين]  بطريقة مؤلمة بشكل لا يُحتمل، والطريقة التي بكى فيها بعض المعتقلين عندما سُئلوا عن زوجاتهم وعائلاتهم.

على ما يبدو أن إلحاق الأذى بالآخرين دمغ أثره في نفس فاير. بعد عودته إلى موطنه، انهار زواجه. وأفرطَ في شرب الكحول. ويعتقد أنه لن يتمكن أبدً من نيل الخلاص لكنه "مُلزم بالمحاولة". لقد كان يمتثل لأوامر بلده؛ كان يتّبع القواعد. لكن ما فعله كان خاطئا، ولا زال يصارع للتصالح مع تصرفاته ولكي يجد سبيًلا للتعويض.
 

رجال أشداء

ميتشل، من جهة أخرى، لا يشعر بأي إحساس بالذنب ولا يسعى للغفران. إنه يذكّر القراء أنه، في بواكير هجمات الحادي عشر من سبتمبر، قادت مخاوف مبررة من اعتداء آخر سياسة الولايات المتحدة، ورأت "السي آي أيه" التحقيقات القهرية وسيلة لمنع إراقة المزيد من الدماء.
 

لقد لجأت الوكالة إلى ميتشل ورفيقه بروس جيسين، الذي خدم كمحلل نفسي في القوات الجوية الأميركية وأشرف على برنامج تدريب النجاة، المراوغة، المقاومة، والفرار"سيري" (SERE) للموظفين الذين في حال تعرضهم لخطر الإمساك بهم من قبل العدو. لقد صمم ميتشل وجيسن وأشرَفا على بعض التحقيقات التدريبية التي مر بها أولئك المُدرجون تحت برنامج "سيري" لتحضيرهِم لما قد يكابدونَه فيما لو وقعوا في أيدٍ معادية.

 

لجوء واشنطن للتعذيب وفر تفسيرا مواتيا لحكومات أخرى لكي ترتكب تجاوزات حقوق الإنسان
لجوء واشنطن للتعذيب وفر تفسيرا مواتيا لحكومات أخرى لكي ترتكب تجاوزات حقوق الإنسان
 

لكن أيا من  الرجلين لم يجرِ أي تحقيقات فعلية من قبل مع معتقَلي العدوّ. وبرغم ذلك، فقد تمكنا من إقناع "السي آي أيه" أن في وسعهم تكييف تكتيكات سيري في العالم الحقيقي، وسرعان ما أصبحا عضوين مكمِّلَين في برنامج التحقيق والاحتجاز الجديد التابع للـ"سي آي أيه". على مدار الأعوام الثمانية التالية، حصدت شركتُهما، ميتشيل جيسن وشركاؤه، 81 مليون دولار على عملها.

 

ويواجهان الآن  دعاوى قضائية رُفعت في المحاكم الفيدرالية بولاية واشنطن على يد ممثلي اثنين من محُتجزي "السي آي أيه" السابقين بالإضافة إلى ممثلي شخص ثالث، مات وهو في عهدتهم، متهمين المحللين النفسيين بانتهاكات حقوق الإنسان وساعين إلى التعويضات المالية والتأديبية على حد سواء.

يعيد كتاب ميتشل إلى الأذهان اقتباسًا لا نعرف منشأهُ لكنه يُنسب أحيانا إلى ونستون تشرشل "إننا ننام بأمان في أسرّتنا لأن رجالا أشدّاء يتأهبون في عتمة الليل لإنزالِ الأذى  بأولئك الذين قد يؤذوننا". يصوغ ميتشل نفسه  في صورة الرجل الشديد ويتفاخر بالأذى الذي أنزله بمعتقلين أمثال مخطط هجمات الحادي عشر من سبتمبر خالد شيخ محمد، الذي أوهِم بالغرق 183 مرة.

 

 "لقد نظرت في أعين أسوأ الأشخاص على الكوكب"، يكتب ميتشل. "لقد جلست معهم ووصلني إحساسهم بالشغف أثناء حديثهم عن  واجبهم المقدس لتدمير نمط عيشنا". هو وجيسن، كما يتابع "فعلنا ما في وسعنا لردعهم". يرسم ميتشل لنفسه صورة "الشرطي الجيد" في غرفة التحقيق؛ تقنيّاته المُقترحة، كما يزعم، كانت في الحقيقة أقل وحشية عن "تقنيات غير مُثبَتَة فعاليتها وأقسى ابتُكرت في عُجالة وكان من الممكن لها أن تكون أسوأ بكثير". 

 

صورة من كتاب
صورة من كتاب "تحقيق مُعزَّز" الذي كتبه كُلٌّ من جيمس ميتشل وبيل هارلو (مواقع التواصل)

  

يؤكد ميتشل أيضا أن جهوده استخلصت معلومات استخبارية ساعدت الإرهابيين على تنفيذ هجماتهم وأدت إلى الإمساك بأهداف بارزة واغتيالها، بمن فيهم أسامة بن لادن. لقد أنفقت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ  خمس سنوات و40 مليون دولار للتحقيق في مزاعم كهذه. ويظل تحقيقها ذو 6,300 صفحة سريا. لكن في 2014، نشرت الأغلبية الديمقراطية للجنة ملخصا تنفيذيّا منقّحا يتألف من 500 صفحة9 ينكر فكرة أن التعذيب الذي نفذه ميتشل وآخرون قد أفضى إلى استخلاص معلومات ذات فائدة.

 

 وقد كشف الملخص التنفيذي أيضا أن "السي آي أيه" قد ضخمت مرارًا من نجاح "التحقيق المعزَّز" وأن الكثير من المعلومات الاستخبارية التي جمعتها الوكالة من التعذيب كانت إمّا أنها مغلوطة أو أنها في الحقيقة (أو يمكن أنها) التُقطت باستخدام وسائل أخرى. يفند ميتشل هكذا استخلاصات ويؤكد على أنه غير مهتم بالندم حيال الأثمان الأخلاقية أو الاستراتيجية للتعذيب.

 

في نهاية كتابه، يقول أن "الأميركيين لن يتسامحُوا لفترة طويلة مع التفريط بحريّاتنا لأجل الطبطبة على ضمائر بعض القادة السياسيين". كآخرين قضوا حياتهم المهنية في القوات المسلحة أو الوكالات الاستخباراتية، فإننا لطالما سعينا لمحاكاة القادة العسكريين الذين لديهم ضمير، من أمثال دوايت أيزنهاور وجورج مارشال، وتطلعنا لقادة سياسيين يكون الذين لديهم ضمير للتصرف لا بحكمة أو شعور استراتيجي وحسب وإنما أيضا بأهلية أخلاقية. لكن يبدو أن لدى ميتشِل فهما مختلفا لدور الضمير في الحرب والسياسة.

 ————————————————–

المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة