شعار قسم ميدان

ما بعد فوز روحاني.. إيران على فوهة بركان

ميدان - حسن روحاني
مقدمة المترجم

قبل أسابيع صوت الإيرانيون لروحاني، لكن برغم لغة الرجل الدبلوماسية وإنجازاته الاقتصادية والسياسية للبلاد، يأتي روحاني في ظل ظروف اقتصادية عصيبة تشهدها إيران، إثر تأخر تحقق وعود الاتفاق النووي مع الدول الغربية، وفي ظل وجود رئيس أميركي يتبنى خطاب ما قبل أوباما ووضع إقليمي مترد.

 

نص المادة

صوت الإيرانيون، بفارق كبير، لصالح إبقاء الرئيس حسن روحاني في السلطة بعد حملة انتخابية شديدة التنافس والانقسام. وبينما أشاد معتدلون بإعادة انتخاب روحاني بوصفها رفضا للعزلة والشعبوية، تظل الانتخابات مقدمة لمعركة أوسع للقائد المعتدل، وهي معركة تتطلب من روحاني الموازنة بين الإيفاء بوعود قديمة وإيجاد طريقة للمساومة مع أولئك الذين يحتاج اصطفافهم إلى جانبه في الوقت الحالي.   

 

جرت الانتخابات الرئاسية في وقت تمر فيه البلاد بأشد فتراتها السياسية حرجا منذ ثورة 1979. حيث ثمة اضطراب إقليمي غير مسبوق ورئيس أميركي جديد، دعا عند أول جولة خارجية له، إلى مواجهة صريحة مع الجمهورية الإسلامية. في خضم هكذا واقعٍ إذا، يعدُ فوز روحاني المدوي بأن يكتسب أهمية خاصة في تحديد مستقبل البلاد، لا سيما وإن كان المجتمع العالمي يسهم في تحديد مصير ذلك المستقبل.  

 

المرشحون الآخرون الذين كانوا في مواجهة روحاني، بعضهم من المعسكر المعتدل والبعض الآخر من معسكر المبادئيين، أو المعسكر المحافظ. حصد خصمه الرئيسي، ابراهيم رئيسي، ثاني أكبر نسبة تصويت بنسبة 38.5 بالمائة. وكان من الممكن لإيران في حال فوزه أن تكون أشد محافظيَّة. لكنها إمكانية تم تأجيلها، للوقت الحالي.

 

إن كان روحاني يريد النجاح في فترته الثانية كرئيس، سيكون عليه متابعة تنفيذ وعوده السابقة، مع إقناع المبادِئيين المعتدلين والقائد الأعلى آية الله خامنئي، والقوى الأجنبية بالأسباب التي قد تدفع العالم لمخاطبة إيران بنبرة إيجابية (رويترز)
إن كان روحاني يريد النجاح في فترته الثانية كرئيس، سيكون عليه متابعة تنفيذ وعوده السابقة، مع إقناع المبادِئيين المعتدلين والقائد الأعلى آية الله خامنئي، والقوى الأجنبية بالأسباب التي قد تدفع العالم لمخاطبة إيران بنبرة إيجابية (رويترز)

 

وكان الناخبون الإيرانيّون أمام خيارين: إما شد عرى المجتمع المدني ومخاطبة العالم، أو الانكفاء إلى الداخل بشعبَوية اقتصادية وسياسة خارجية منتجة للأزمات. لكن الإيرانيين اختاروا الديبلوماسية والاعتدال، في تصويتهم الحاسم لروحاني. لتكون البلاد في مواجهة رئيس أميركي، نادى في جولته الخارجية الأخيرة بتصعيد التوترات مع إيران معتنقا سياسة خارجية انعزالية.  

 

تمثل الخطوة التالية بعد الانتخابات، الامتحان الحقيقي لِروحاني.  لكن رغم عدد الناخبين شبه القياسي، وأداء روحاني الانتخابي القوي، يظل البلد منقسما لعدم تحقق وعود الانفراجات في الحقوق المدنية الداخلية والاستقرار الاقتصادي الذي مُنِّي به بعد الصفقة النووية التي أبرمها روحاني نفسه.

 

إن كان روحاني يريد النجاح في فترته الثانية كرئيس، سيكون عليه متابعة تنفيذ تلك الوعود، مع إقناع المبادِئيين المعتدلين -بمن فيهم أولئك الذين اتجهوا لتفضيل خصمه رئيسي- والقائد الأعلى آية الله خامنئي، والقوى الأجنبية بالأسباب التي قد تدفع العالم لمخاطبة إيران بنبرة إيجابية. لكن ماضيه ما يزال يلوح في نفس الأفق الذي يتطلع إليه.   

 

هشاشة روحاني

صحيح أن لدى روحاني سلطات سياسية بصفته رئيسا للبلاد. لكن من يتخذ القرارات المؤثرة في الدولة هو آية الله خامنئي رفقة المعتدلين، والمحافظين المنفتحين على العمل مع روحاني دون دعمه بالضرورة، وهم من يعتبرون مركز السلطة في البلاد. وقد انتقد كلا المعسكرانِ المفاوضات مع أميركا عقب الاتفاق النووي. وبذلك، يعتمد الكثير من قدرة روحاني على إجراء الإصلاح هذه المرة، على مدى المصداقية التي سيكون قادرا على استرجاعها ضمن هذه الدوائر الداخلية وبمدى استعدادهِ استرضاء قادة رئيسيين.  

 

أثناء المفاوضات النووية، نال روحاني تبريكات آية الله خامنئي ودعم غالبية الشعب الإيراني. وقد تمكن من تعزيز هذا الدعم من خلال النجاح في استرجاع البلاد من على شفير انهيار اقتصادي، حيث أجرى تعديلات انتشلت إيران من الركود إلى نمو اقتصادي قُدِّر بـ 7% سنويا، فضلا عن تخفيضه نسبة التضخم من 40% إلى أرقام فردية، واستعادته مستويات صادرات النفط إلى الحال الذي كانت عليه ما قبل العقوبات وجذب قرابة 12 مليار دولار أميركي في الاستثمار الخارجي.   

 

وزراء الخارجية الأميركي جون كيري  والإيراني محمد جواد ظريف والبريطاني فيليب هاموند والألماني فرانك والتر شتاين ماير والفرنسي لوران فابيوس ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني ومساعد الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ونظيره الصيني في مؤتمر صحفي لقراءة نص البيان المشترك لاتفاق لوزان 2015 (مواقع التواصل)
وزراء الخارجية الأميركي جون كيري  والإيراني محمد جواد ظريف والبريطاني فيليب هاموند والألماني فرانك والتر شتاين ماير والفرنسي لوران فابيوس ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني ومساعد الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ونظيره الصيني في مؤتمر صحفي لقراءة نص البيان المشترك لاتفاق لوزان 2015 (مواقع التواصل)

 

لكن، على مدار ولايته الرئاسية الأولى، واجه روحاني جمهورا شديد الاستقطاب، وانحسارًا في دعم القائد الأعلى إثر فشل الاتفاق النووي في إنتاج العوائد المتوقعة. وإن كان روحاني راغبا في استعادة هذا الدعم، سيكون على سياساته أن تجد منفذا نحو التحقق المستدام.

 

غطى فشل روحاني في البناء على مكتسبات الاتفاق النووي على إنجازاته الأخرى، فالتّحدي الأكبر الذي واجهه أثناء محاولة إعادة انتخابه كان حالة اقتصاد البلاد بعد مرور عامين تقريبا على تلك المفاوضات. خاب أمل الإيرانيين بالنتائج البطيئة للاتفاق التاريخي مع الولايات المتحدة وقوى العالم الأخرى. كما وينظر الكثير من الإيرانيين إلى بصمة روحاني الفارقة في السياسة الخارجية -ألا وهي خطة العمل الشاملة المشتركة- على أنها أقل بكثير من قيمتها الفعلية. ويرجع هذا في جزء كبير منه إلى الفترة القصيرة ما بين إمكانية تنفيذ بنود الاتفاق وهذه الانتخابات، بالإضافة إلى العقبات التي تفرضها أميركا أمام تخفيف أكبر للعقوبات.  

 

لأول مرة، تلتف أقلية إيران السنية حول مرشح واحد، بفضل الدعم الذي ناله روحاني من زعيم إيران السني الروحي مولوي عبد الحميد. ويمكن النظر للأمر على أنه رسالة إيجابية للسعودية ودول عربية سنية أخرى لتعدّل سياستها تجاه إيران

استثمر خصوم روحاني في الصعوبات التي واجهها في رئاسته لا سيما المتعلق منها بحصد ثمار الاتفاق النووي. متهكمين بشكل كبير على إستراتيجيته في السياسة الخارجية التي قامت على حوار دبلوماسي مع القوى العالمية، بما فيها محادثات مباشرة على أعلى المستويات مع الولايات المتحدة، معتبرين الأمر علامة ضعف، واسترضاءً للقوى الغربية.

 

اتهمَ رئيسي -وهو القاضي الذي أصبح أكبر خصوم روحاني في الانتخابات-  خصمه بالسعي وراء "دبلوماسية متوسلة". بينما عُرِف كاظم صديقي وهو رجل دين كبير، حتى فترة التصويت، باتهامه معسكر المعتدلين بأنهم "كانوا جبناء" عند العمل مع قادة أجانب، بالأخص، الغربيين منهم.     

 

يمثل فوز روحاني الساحق، إذا، زجرا جماهيريا لتلك الانتقادات. ومع ذلك، سيكون على الرئيس الاستمرار في تحقيق توازن بين سياسة خارجية براغماتية وحقوق إيران وكرامتها. وهو فارق دقيق لم يغفله روحاني من خطاب انتصاره، عندما قال بأنه أراد مخاطبة العالم على "أساس الاحترام المتبادل ومصالح إيران القومية" لكنه لن يركن لـ "التهديدات والإذلال".    

 

إحدى الطرق الرئيسية لهذا التوازن ستظهر في الطريقة التي يختار فيها روحاني التقارب مع خصم إيران الإقليمي، المملكة العربية السعودية. وقد أثارت رغبة روحاني في درء التوتر مع المملكة تحت ظروف معينة، ازدراء خصمه رئيسي، وجدالات واسعة أيضا خلال الحملة الانتخابية. في مناظرة رئاسية، تهكم رئيسي من أن السعودية تتصرف وحسب، بحسب التفضيلات الإستراتيجية الأميركية، واصفا الحكومة السعودية بـ"الورم السرطاني" الذي أصاب المنطقة.

 

في تلك الأثناء، استنكر روحاني هجوم عام 2016 على السفارة السعودية في طهران واعتنق نبرة جامعة في قضايا داخلية، بالأخص فيما يتعلق بالأقليات الإيرانية. وهو ما بدا أنه عاد عليه بالنفع في الانتخابات الأخيرة. لأول مرة، تلتف أقلية إيران السنية حول مرشح واحد، بفضل الدعم الذي ناله روحاني من زعيم إيران السني الروحي مولوي عبد الحميد. ويمكن النظر للأمر على أنه رسالة إيجابية للملكة العربية السعودية ودول عربية سنية أخرى لتعدّل سياستها تجاه إيران.

 

ترمب والسعودية

سيكون علينا انتظار ما تأتي به الأيام، لكن، إن كانت القمة العربية الإسلامية الأميركية في السعودية مع دونالد ترمب لتدل على شيء فهو، أن بانتظار روحاني الكثير من تحديات السياسة الخارجية في الأفق. فبينما ذهب الإيرانيون إلى التصويت لتحديد سياسات إيران، ردت بعض الدول العربية التي كان في وسعها النظر بإيجابية إلى انفتاح روحاني على الدبلوماسية بالرفض. وكذلك فعل دونالد ترمب.

 

خلال فترة مكوث الرئيس الأميركي في المملكة العربية السعودية، أعلن ترمب ملاحظته الرئيسية بأن
خلال فترة مكوث الرئيس الأميركي في المملكة العربية السعودية، أعلن ترمب ملاحظته الرئيسية بأن "على كل الدول ذات الضمير العمل يدا بيد لعزل إيران"

 

بعد ساعات على إعلان روحاني انتصاره في إيران، وقع ترمب صفقة أسلحة مع المملكة العربية السعودية بلغت قيمتها 100 مليار دولار أميركي، وهو ما يعني المزيد من عسكرة المنطقة. الصفقة، وفقا لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، كانت مصممة بهدف مساعدة السعودية على التصدي لـ "التأثير الإيراني الخبيث". في السياق ذاته، أشارت كل من الولايات المتحدة، وإسرائيل والسعودية إلى أنها ستتخذ خطوات لتشكيل تحالف مضاد لإيران يُدعى "الناتو العربي".  

 

هذا التعاون المناهض لإيران كان قد تعزز خلال فترة مكوث الرئيس الأميركي في المملكة العربية السعودية، حيث أعلن ترمب ملاحظته الرئيسية بأن "على كل الدول ذات الضمير العمل يدا بيد لعزل إيران".  

 

يمثل ترمب عقبة حقيقية. فإما أن يستجيب لمطالب الإيرانيين بالحوار السلمي، أو يعود إلى عداء أميركا المعلن مع إيران في فترة ما قبل باراك أوباما

توق ترمب الواضح لتصعيد التوترات السعودية الإيرانية، على النقيض من توجهات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي رأى بأن على كلا البلدين "تشارك" المنطقة، سيفاقم الاضطرابات الإقليمية. ويشجع السعودية على إبداء تعنت في الاستجابة لمفاتحاتِ روحاني. إن مناداة ترمب "كل الدول ذات الضمير" لـ "عزل" إيران لن تفشل أو تضع إيران وأميركا على طريق مواجهة أعمق وحسب، وإنما ستبرهن أيضا على كونها سياسة خاسرة لواشنطن، وطهران، والرياض ودول إقليمية أخرى. الأكثر من ذلك، أن قرار الرئيس الأميركي محاربة الاتفاق النووي يحرمُ الإيرانيين من حقوقهم التي تعهد هو والملك سلمان بتقديرها.

 

يتم هذه الأثناء تداول قانون في مجلس الشيوخ الأميركي يقف بالمرصاد لانتهاك بنود الاتفاقية الشاملة المشتركة، بدعم حثيث من الديمقراطيين. وبرغم تجديد إدارة ترمب الجزاءات المترتبة عن فسخ الاتفاقية الشاملة المشتركة، مؤخرا، إلا أنها ما تزال متشككة حيال الصفقة، وهو الأمر الذي يثير شكوكًا واسعة حول مدى استمراريتها. في خضم هذا كله، ما تزال إيران غارقة في مستنقع الصراعات في الدول المجاورة، مع غياب أي بارقة أمل في الحروب الجارية في اليمن، وسوريا، والعراق وأفغانستان.  

 

لكن الأمل يظل موجودا. تكتسب الانتخابات أهميتها من فرادتها في المنطقة. حيث عقدت أول انتخابات ديمقراطية في إيران قبل 100عام، لكن الطاقة والأجواء التنافسية خلال هذه الحملة كانت منقطعة النظير. لقد كانت الانتخابات أشبه بتلك التي تعقد في الغرب عن انتخابات حلفاء أميركا الإقليميين. ما يزال الناس راغبين في بقاء روحاني وإن كان محاصَرًا بالانتكاساتِ التي حملتها السياسات الداخلية والخارجية. ولعل أصعب معركة تنتظره عقب التفويض الانتخابي، هي التصرف حيال الرئيس ترمب أكثر من مسألة حصوله على دعم آية الله خامنئي.

 

ويمثل ترمب عقبة حقيقية. فإما أن يستجيب لمطالب الإيرانيين بالحوار السلمي، أو يعود إلى عداء أميركا المعلن مع إيران في فترة ما قبل باراك أوباما. وإن اختار الأول فإنه سيجد تعاونا كبيرا من طهران. أما إن اختار الثاني، كما أشار خطابه في المملكة العربية السعودية، فَلن ترضخ إيران بل إنها ستصطفُّ خلف رئيسها المنتخب في مواجهة السياسات الأميركية، كما فعلوا في حرب العراق عام 1980.  

 

 ====================================

هذا المقال مترجم عن: هذا الرابط

المصدر : الجزيرة