شعار قسم ميدان

الانقلاب الصامت.. كيف يهدد صراع المؤسسات ديمقراطية جنوب أفريقيا؟

ميدان - جاكوب زوما
ورد في تقرير نشر مؤخرًا من قبل مجموعة من الباحثين الاجتماعيين الجنوب أفريقيين بعنوان "خيانة الوعد"، يتناول السيطرة الواسعة على مؤسسات الدولة من قبل شبكة مرتبطة بالرئيس جاكوب زوما وهو ما اعتبره التقرير "انقلابًا صامتًا".

 

الإشارة إلى "انقلاب" قد تبدو غريبة بالنظر إلى أن الرئيس المنتخب بطريقة ديمقراطية هو من يوصف باعتباره المدبر لهذا الانقلاب. لكن مأزق جنوب أفريقيا الحالي ليس عن أشخاص معينين يشغلون مناصب معينة، بل هو بالأساس يعبر عن أزمة تضرب بجذورها في ديمقراطية البلاد نفسها.

 

يرسم التقرير الذي كتبه أكاديميون خطًا فاصلًا بين الملتزمين بالتحول الاجتماعي كما نص عليه في دستور البلاد، ومن هم ليسوا كذلك. المعسكر الموالي لزوما يقع منفردًا في الجانب الأخير من هذا الخط. لكن كل التحالفات والأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية قد لا تتشارك شيئًا آخر سوى أنها تحمل ما أسميه رؤى ساذجة عن الدولة. يعتقدون أن مؤسسات الدولة يجب أن يتم السيطرة عليها من قبل قطاع أو آخر لتتمكن الدولة من تحقيق الهدف المنشود.

 

الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما (رويترز)
الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما (رويترز)

  

هذا طريق مسدود على مستوى التحليل والسياسة على السواء. الأزمة الديمقراطية لجنوب أفريقيا هي محصلة المشروع غير المنتهي لإعادة تشكيل المؤسسات التي نشأت في ظل الحكم الكولونيالي ومن بعده نظام الأبارتايد. التحدي الآن هو إعادة تشكيلها لتحقق الشرعية الشعبية وكذلك امتلاك القدرة على تحقيق الشعار الذي وعد به دستور البلاد: خلق مجتمع أكثر عدلًا ومساواة.

 

أصف هذه الرؤية المهيمنة على الدولة بالساذجة، لأنها تعامل المؤسسات وكأنها مساحات للسيطرة والتلاعب من قبل مجموعة أو أخرى. في الحقيقة تظهر الأزمة أن جنوب أفريقيا لا تمتلك مؤسسات فعالة تستجيب للمجتمع الأوسع رغم حاجتها لذلك.

 

رؤى متعددة

حلفاء زوما السياسيين في المؤتمر الوطني الأفريقي يصرون على أنه بهدف الحد من قوة "احتكار رأس المال الأبيض"، يجب على الدولة أن تدعم الصناعيين السود عبر نقل الأصول العامة.

 

يتصورون أن يتم هذا بالأساس عبر منح امتيازات مثل المناجم وكذلك العقود مع الشركات المملوكة للدولة مثل شركة الطاقة اسكوم ومجموعة النقل ترانسنت. هذا بالإضافة إلى إعلانات غامضة بشأن إعادة توزيع الأراضي.

 

مقاتلو الحرية الاقتصادية المعارضون (EFF) يتخذون موقفاً طليعيًا مطالبين بتسخير قوة الدولة لأجل الطبقة العاملة عبر تأميم الممتلكات الخاصة وإعادة توزيع الأراضي.

 

إحدى مظاهرات مقاتلي الحرية الاقتصادية المعارضين (رويترز)
إحدى مظاهرات مقاتلي الحرية الاقتصادية المعارضين (رويترز)

 

الاتحاد الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، يدعم خصخصة الممتلكات العامة ويصر على أن هذا الأمر سيدعم المشاريع العامة بالرغم من عدم وضوح كيفية حدوث هذا الأمر.

 

من جانبها يبدو أن منظمات المجتمع المدني تدرك أن مؤسسات الدولة المتحررة من سلطة المصالح الخاصة الضيقة، أساسية وضرورية لأجل حكومة أكثر كفاءة. بدأوا بالتركيز أكثر فأكثر على استقلال ونزاهة مؤسسات الدولة. بعضها يركز على قضية شفافية الحكومة والخصوصية، آخرون يركزون على مقاومة المحاولات الأخيرة لزعزعة الوزارات السيادية خصوصًا المالية.

 

لكن المجتمع المدني له تأثير ضعيف وروابط هزيلة بالسياسة الرسمية. اتحادات العمال منقسمة، ومهنيو الطبقة الوسطى في المجال المدني فقدوا صلاتهم باتحادات العمال وحركات الضواحي الاجتماعية والتي أظهر اتحادها قوة كبيرة لصالح الديمقراطية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي. المظاهرات في ضواحي المدن متكررة لكنها محلية، نادرًا ما تكون مرتبطة بأي خطة حراك على مستوى المدينة.

 

ديمقراطية فاشلة

السيطرة على المؤسسات هي عرض ونتيجة لأزمة ديمقراطية أوسع، إذ يضم الدستور أوسع مجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم. لكن انعدام المساواة زاد بشكل كبير.

 

التحدي الأبرز الذي تواجهه الديمقراطية في جنوب أفريقيا هو كيفية إعادة تشكيل المؤسسات لتضمن أن الحقوق المنصوص عليها في الدستور متحققة بالفعل؟
التحدي الأبرز الذي تواجهه الديمقراطية في جنوب أفريقيا هو كيفية إعادة تشكيل المؤسسات لتضمن أن الحقوق المنصوص عليها في الدستور متحققة بالفعل؟
 

الآن يتعرض الدستور نفسه لهجمات متواصلة. هذا الأمر ليس مفاجئًا بالنظر إلى أن العديد من مؤسسات الدولة خصوصًا على المستويات المحلية ليست فعالة ولا تستطيع توفير هذه الحقوق المنصوص عليها في الدستور. ويكمن التحدي الأبرز الذي تواجهه الديمقراطية في جنوب أفريقيا هو كيفية إعادة تشكيل المؤسسات لتضمن أن الحقوق المنصوص عليها في الدستور متحققة بالفعل؟

 

التجربة البرازيلية: نظرة مقارنة

في هذا الإطار لدى جنوب أفريقيا ما تتعلمه من البرازيل التي تمتلك ضمانات دستورية مماثلة. لكن رغم التحديات السياسية القائمة حاليًا، تمكنت البرازيل من إضفاء الطابع اللامركزي على أجزاء مهمة من برامج توزيع الإدارة والحكم. أدى هذا إلى مؤسسات أكثر قدرة، خصوصًا على مستوى المحليات.

 

منذ 1988 عندما بدأ العمل بالدستور الجديد، كانت المدن البرازيلية تستعمل تحويلات عائدات الحكومة الفيدرالية الكبيرة لإنفاقها على الخدمات النهائية مثل الصحة والتعليم والإسكان.

 

بالإضافة إلى هذا لدى المدن البرازيلية تاريخ طويل من المجالس التشاركية، ابتداءً من تحديد الميزانية إلى تحديد سياسة قطاعات معينة مثل الصحة أو الإسكان. في المدن الكبيرة مثل سان باولو، ظلت الحركات الاجتماعية في مجال الإسكان والتي ساعدت في دفع الحراك الديمقراطي في الثمانينات فاعلًا سياسيًا واجتماعيًا مهمًا. ساعدت هذه الحركات في إعادة بناء المؤسسات المحلية للدولة والتي كانت مثالًا عالميًا على الضعف والمحسوبية السياسية.

 

undefined

 

تمتلك مدن مثل ساو باولو الآن مؤسسات قادرة على تحقيق مكاسب هائلة للفقراء في قطاعات مثل النقل والإسكان والصرف الصحي. وتقدم هذه التجربة درسًا مهمًا في كيفية التعامل مع أزمة جنوب أفريقيا الديمقراطية.

 

استعادة الشرعية المؤسسية

الخلاصة الإيجابية هي أن السياسة التوزيعية هي وعد مركزي في الدستور الجنوب أفريقي. وهي أيضًا أمر ضروري لنجاح أي حوار بين كل قطاعات المجتمع الجنوب أفريقي كما يقترح مؤلفو دراسة "خيانة الوعد".

 

النقاش حول الإجراءات السياسية سيكون صعبًا جدًا في الوقت الذي تخسر فيه المؤسسات شرعيتها باستمرار. يعني هذا أن التركيز على محاولات السيطرة على المؤسسات يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع إعادة تشكيلها لتكون أكثر استجابة للمجتمع.

 

جنوب أفريقيا في حاجة لحركات وأحزاب بأفكار وخطط تنظيمية للمضي قدمًا في هذه الرؤية. وحتى يحين ذلك الوقت، ستعاني البلاد في محاولات تفادي الانهيار الحالي للديمقراطية.

================================= 

هذا التقرير مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة