شعار قسم ميدان

الأزمة الليبية بأوروبا.. ما السبيل للحد من تدفق المهاجرين؟

midan - refugee

في (يوليو/تموز) أعلن المارشال اللّيبي خليفة حفتر؛ الذي عيّن نفسه زعيمًا على الجيش الوطني الّليبي، وهو أحد الجماعات المسلّحة الرئيسية في المعركة اللّيبية، أنّ قوّاته حرّرت بنغازي من المقاتلين الجهاديّين. وعلى الرغم من أنّ الكثيرين ينظرون إلى تحرير بنغازي على أنّه تطوّر يستحقّ الترحيب، إلّا أنّه لم يحدّ كثيرًا من العدد الهائل من المهاجرين الّذين يمرّون عبر ليبيا، كما لم يحدّ من الانتهاكات العديدة التي تُرتكب بحقّهم.

 

وصل ما يقارب الـ 11,000 مهاجر إلى الشواطئ الإيطالية، فقط في الأيّام الخمسة الأخيرة من (يونيو/حزيران)، بعد وصول ما يقرب من 80,000 مهاجر في النصف الأوّل من عام 2017. وقد لقي أكثر من 2000 شخص حتفهم في البحر، منذ بداية هذا العام. وكانت الغالبية العظمى قادمةً من جنوب الصحراء الأفريقيّة الكبرى، لتبدأ رحلتها من الساحل اللّيبي.

 

في غضون ذلك، كان الاتّحاد الأوروبي يبحث عن طريقةٍ للحدّ من تدفّق المهاجرين، والتعامل مع عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا بشكلٍ يوميّ. وتهدف السياسة الحالية للاتّحاد الأوروبي، إلى إغلاق الطريق عبر البحر الأبيض المتوسّط، وتعزيز الدوريّات الساحليّة اللّيبية وزيادة أطواق النجاة في البحر. ولكن من غير المرجّح أن يكون ذلك فعّالًا، نظرًا لعدد المهاجرين الهائل، وعدد المجموعات التي تنتفع بالاتّجار بهم، ناهيك عن ضعف البحريّة اللّيبية وغيرها من الهياكل الأمنية الرسمية.

 

قبل عام 2011، استغلّ الزعيم اللّيبي السابق معمّر القذّافي بدهاءٍ قدرته على استخدام بلاده كصمامٍ للهجرة، ليحصل بذلك على مئات الملايين من الدولارات، وغيرها من الامتيازات (مثل الزيارات رفيعة المستوى وزيادة التجارة والتعاون) من قادة الاتّحاد الأوروبي، مقابل تنفيذ حمايةٍ أكثر صرامةٍ على الحدود من قِبل السلطات الليبيّة.

  
أعادت البحرية الإيطالية المهاجرين إلى ليبيا دون أن تنظر بدقّة إلى أحقيّتهم للجوء السياسي من عدمه، فألقت تلك السياسة المسؤولية على عاتق نظام القذافي القمعي، ممّا يعرّض حقوق المهاجرين الإنسانية للخطر
أعادت البحرية الإيطالية المهاجرين إلى ليبيا دون أن تنظر بدقّة إلى أحقيّتهم للجوء السياسي من عدمه، فألقت تلك السياسة المسؤولية على عاتق نظام القذافي القمعي، ممّا يعرّض حقوق المهاجرين الإنسانية للخطر
    

في الواقع، فإنّ الاتّفاق الأخير بين الاتّحاد الأوروبّي ومجلس الرئاسة اللّيبي المعترف به دوليًّا، يُحيي من جديد اتّفاق عام 2008 بين ليبيا وإيطاليا، الذي عُقد حينها للسيطرة على الهجرة غير الشرعية آنذاك. وساعدت تلك السياسة على إبطاء حركة الأفارقة إلى أوروبا، عن طريق إبقاء المهاجرين المحتملين في ليبيا، حيث تعرضوا لظروفٍ سيّئة وسوء معاملة، وعن طريق تثبيط عزم الآخرين للقيام بالرحلة. ووردت تقارير عن قيام دوريّات خفر السواحل اللّيبية بإطلاق النار على قوارب المهاجرين، وعن ممارسات قاسية حدثت في مراكز الاحتجاز التي تديرها ليبيا، وعن ترك المهاجرين لإعالة أنفسهم في مناطق الحدود الصحراوية القاسية. كما أعادت البحرية الإيطالية المهاجرين إلى ليبيا دون أن تنظر بدقّة إلى أحقيّتهم للجوء السياسي من عدمه. وباختصار، ألقت تلك السياسة المسؤولية على عاتق نظام القذافي القمعي، ممّا يعرّض حقوق المهاجرين الإنسانية للخطر.

 

تتشابه الاتّفاقية الجديدة في العديد من بنودها مع الاتّفاقيات السابقة، من حيث إلقاء مسؤولية المهاجرين على عاتق ليبيا. وطبقًا للمعاهدة، فإنّ الاتّحاد الأوروبي سيدعم إقامة مخيّمات للاجئين داخل ليبيا، كما سيدعم العودة الطوعيّة للاجئين الذين يرغبون في العودة إلى بلادهم. كما يوفّر التدريب والمعدّات لخفر السواحل اللّيبي. ومع ذلك فهو لا يذكر الاتّفاقيّات الدوليّة لحقوق الإنسان، ولا هو يفوّض الرصد الدولي للتأكّد من أنّ الظروف الإنسانية للمهاجرين في ليبيا على ما يرام.

 

ويرجع ذلك جزئيًّا إلى عدم وجود سلطة مشروعة في ليبيا بإمكانها تنفيذ هذه التدابير. أصبحت ليبيا مجزأة بعد ثورة عام 2011، مع وجود مليشيات مختلفة تمثل المناطق والقبائل والمدن والأيديولوجيات المختلفة، التي تقاتل من أجل السيطرة على الأراضي والموارد النفطيّة القيّمة. وبحلول عام 2016، برزت ثلاث هيئات رئاسية متميزة، ولكن لم يتمكّن أيٌّ منها من اكتساب الشرعيّة بين غالبيّة الليبيين. كما لم تتمكن أيّ سلطة مركزية من العمل باعتبارها شريكًا لأوروبا، فضلًا عن العديد من المليشيات التي تستفيد من الاتّجار بالبشر. إلّا أنّ هذا الوضع الفوضوي لم يردع المهاجرين اليائسين من شقّ الطريق اللّيبي نحو البحر.

 

تُعتبر المصالحة السياسية بين الفصائل الليبيّة، شرطًا أساسيًا للمعالجة الفعّالة مع قضية الهجرة. وكان هذا هو الهدف من اتّفاقيّة السلام في الصخيرات، التي لم تتوصّل بعد إلى إرضاء جميع الأطراف (ناهيك عن اتّفاقٍ دائم)، على الرغم من أنّها لا تزال تتقدّم تحت رعاية حكومات أجنبية مختلفة. وقد لا تتحقّق المصالحة الكاملة إلّا بعد سنوات، ولكن ثمّة العديد من السبل، لتحسين أوضاع المهاجرين الذين يعبرون ليبيا، حتى ذلك الحين.

 

undefined

    

أمّا على الصعيد المحلّي (في ليبيا وجيرانها، ولا سيّما النيجر)، فإنّه قد ينبغي توفير فرص اقتصاديّة أخرى، للمهرّبين والجماعات الإجراميّة، الذين يحتجزون المهاجرين ويستفيدون منهم أثناء العبور. إنّ المجتمعات المحليّة هي الأفضل تأهيلًا للقضاء على المهرّبين، وتثقيف المهاجرين حول مخاطر الهجرة عبر ليبيا. كما يمكن للجهات المانحة الدوليّة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والمنظمات غير الحكومية، أن تشرك القبائل لإقناعهم بأنّ تهريب المهاجرين وإساءة معاملتهم لا يصبّ في مصلحتهم. في أواخر عام 2000، أطلقت الولايات المتّحدة ما يسمّى بالـ "صحوة" في العراق، لإقناع القبائل السنيّة بالتحوّل ضدّ القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرّفة. وكانت "الصحوة" حينها تعمل بشكلٍ جزئي نظرًا لتواجد مئات الآلاف من القوّات الأميركية في العراق.

 

ولكن إقناع ودفع الجهات الفاعلة للتخلّي عن الاتّجار غير المشروع بالبشر، يمكن أن يطبّق بسهولة أكبر في ليبيا، مع وجود البعثة المنسقة. كما يمكن أن يساعد تمويل مراكز الاحتجاز في البلديّات الليبية، كما هو منصوص عليه في الاتفاقيّة بين الاتّحاد الأوروبي وليبيا، ولكن ثمّة حاجة لبذل الجهود لضمان إدارة هذه المراكز بشكلٍ إنساني، والسماح بتوثيق ومنع الإساءات، والتأّكد من توفير مستويات المعيشة الصحية والإنسانية، والرعاية الطبيّة الكافية، كما أنّ هناك حاجة لمزيد من التمويل لتلك البلديّات.

 

وعلى الصعيد المحلي يمكن حثّ الحكومات الثلاث المتنافسة للالتقاء حول مسألة الهجرة. وقد يخلق التعاون بشأن قضيّة الهجرة مظهرًا من الوحدة يمكن أن يعطي بدوره مصداقية لعملية المصالحة. وبرغم كل شيء، تمكنت هياكل الحكم الثلاثة المتنافسة، من التعاون لأجل إنتاج النفط، الذي ازداد في الأشهر الأخيرة، على الرغم من الانقسامات والفوضى الداخلية في ليبيا. وقد لعب المجتمع الدولي دورًا في تشجيع الفصائل الليبية، على إبقاء الشركة النفطية الوطنية على حالٍ جيّدة، واستمرار تدفق النفط. وليس هناك سببٌ يمنعها من فعل الشيء نفسه حول ما يخصّ مكافحة الاتّجار، إذ تستهلك حاليًا مراكز الاحتجاز سيئة السمعة التي تديرها مراكز السلطة؛ كثيرًا من الموارد القيّمة التي يمكن استخدامها بشكل أفضل في أماكن أخرى، مثل البرامج التي ترمم البنية التحتية، وتعزز الروابط المجتمعية.

 

وستكون بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتي تحمل تفويضًا برصد حقوق الإنسان والإبلاغ عنها، بالغة الأهمية في هذا الصدد. ويجب على غسان سلامة، الممثل الخاصّ الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، أن يجعل التعامل الجادّ مع انتهاكات حقوق الإنسان ضدّ المهاجرين، أولوية قصوى في سياساته. كما يجب على الاتّحاد الأوروبي أن يرفق شروطًا محددة بدقة للاتّفاقات القادمة مع الحكومة الليبية، لحماية حقوق الإنسان، وتدعيم الإشراف على حرس السواحل الليبي.

  

يجب على الدول صاحبة الاستثمارات في ليبيا استغلال نفوذها لوضع حد للجماعات المسلحة داخل ليبيا وإجبارها على التفاوض بشأن الهجرة ضمن اتفاق سياسي جديد
يجب على الدول صاحبة الاستثمارات في ليبيا استغلال نفوذها لوضع حد للجماعات المسلحة داخل ليبيا وإجبارها على التفاوض بشأن الهجرة ضمن اتفاق سياسي جديد
  

أمّا على الصعيد الدولي، فيجب على مختلف الجهات الخارجية الفاعلة (مصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) ذات المصالح والوكلاء والاستثمارات في ليبيا، أن تدرك مركزية قضية الهجرة، وأن تستغلّ نفوذها لتجبر الجماعات المسلحة الليبية على التفاوض بشأن الهجرة ضمن مفاوضاتها بشأن اتفاقٍ سياسيٍّ جديد. كما يمكن للولايات المتحدة أن تعمل، مع شركائها الأوروبيين، على الضغط على دول الخليج ومصر للتغلب على خلافاتها (ويشهد على ذلك الأزمة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر)، لاعتبار قضية الهجرة قضية مركزية في الاتّفاق.

 

وكما أشار بعض الخبراء، فإنّ التعاون بشأن ليبيا يمكن حتّى أن يعيد الصلح إلى الأطراف الخليجية المتنازعة. تمتلك قطر والإمارات العربية المتحدة الموارد الماليّة الكافية للمساعدة في تمويل مراكز الهجرة الإنسانية. فضلًا عن أنّ الاهتمام الدولي المتزايد بمحنة المهاجرين في ليبيا قد يحرج تلك الدول ويدفعها لفعل ذلك. علاوةً على ذلك، تمتلك البلدان التي تشتري النفط اللليبي القدرة المحتملة للتأثير على الاقتصاد الوطني، من خلال تكييف مشترياتها مع التوزيع العادل للإيرادات النفطية داخل ليبيا، ممّا يقلّل من إغراء التجّار.

 

وأخيرًا، يجب على الجهات الدولية الفاعلة، أن توازن بين عوامل الدفع الضخمة التي تدفع المهاجرين للهجرة، وأن تخلق المزيد من طرق الهجرة القانونية، بما في ذلك تأشيرات العمل المؤقتة. وقد أعاد الاتحاد الأوروبي التشريع المقترح مؤخرًا من قبل إيطاليا، والذي يضع معاييرًا للمنظمات غير الحكومية التي تحاول إنقاذ المهاجرين في البحر. بيد أن هذا التشريع انتقد نفسه من قبل منظمات حقوق الإنسان. قد يشكل التركيز على حماية حقوق المهاجرين وأرواحهم قبل مغادرة ليبيا نقطة انطلاق لاجتماع جميع الأطراف، التي تتمثل في: الحكومات الأوروبية التي ترغب في منع دخول المهاجرين، والمنظمات الدولية غير الحكومية التي تسعى لمساعدتهم في رحلتهم، وصنّاع القرار داخل الحكومات المتنافسة في ليبيا، والراغبون في الفوز على المجتمعات المحليّة.

 

ومع وجود مئات الآلاف معرضين للخطر كل عام، ومع وجود أزمة سياسية طويلة الأمد في ليبيا، يجب أن يكون هذا النهج جزءًا من الحل. ففي عام 2011، اجتمعت الجهات الدولية الفاعلة في ظل إظهار صورة متميّزة من الاتحاد لمنع الذبح الجماعي من قبل قوّات القذّافي. وينبغي في يومنا هذا أن تظهر نفس حالة الاتحاد المتميزة لحماية حقوق المهاجرين الإنسانية.

 

_____________________________

 
التقرير مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة