شعار قسم ميدان

لماذا يرفض ترمب انتقاد بوتين حتى الآن؟

midan - trump

يجد الرئيس ترمب راحته في الهجوم الكلامي على أحد ما، يحب الحروب اللفظية سواء كان خصمه عدوا خارجيا أو حليفا أجنبيا أو منافسا جمهوريا أو حتى روزي أودونيل. وفقا لإحصاء النيويورك تايمز هاجم ترمب 351 شخصًا ومكانًا وشيئًا على تويتر منذ (يوليو/تموز) 2015. أظهر الرئيس نزعته هذه في هذا الأسبوع بتهديده المرتجل والمتصاعد ضد كوريا الشمالية وهجومه الموازي على ميتش مكونيل حليفه الأهم في واشنطن.  تسلط هذه الخلافات الضوء على رفض ترمب انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 

في 30 من (يوليو/تموز) أعلن بوتين أن روسيا أجبرت وزارة الخارجية الأميركية على تقليل عدد موظفيها في روسيا بمقدار 755 شخصا (معظم من فُصلوا من عملهم كانوا موظفين روس يعملون في السفارة الأميركية وليسوا دبلوماسيين أميركيين). ترمب الذي لا يدع أي استفزاز له على قنوات الأخبار يمر مرور الكرام لأكثر من ساعات قليلة حل عليه صمت غريب.

 

قطع صمته أخيرًا بعد مدة في الثالث من (أغسطس/آب) موقّعا على تشريع يزيد من العقوبات المفروضة على روسيا ردًّا على تدخلها في انتخابات 2016. عارَضَ ترمب التشريع، لكن الكونغرس أقره بأغلبية كبيرة حمته من الفيتو الرئاسي مما لم يدع له خيارا سوى التوقيع عليه. هناك العديد من الأسباب لتوتر العلاقات الروسية الأميركية: الغضب الروسي من توسع الناتو، والمنافسة الدولية الممتدة بين الطرفين، وضم روسيا لجزيرة القرم، وتدخلها في أوكرانيا، وأعوام من انتهاك حقوق الإنسان في روسيا، وتلاعب الروس بالانتخابات الأميركية. اختار ترمب أن يلقي باللوم في تصلب العلاقات ليس على أي من هذه الأسباب، وليس على بوتين بالتأكيد، لكنه ألقاه على الكونغرس بشكل مباشر، فقد وجه ترمب نقدا في غير محله من خلال الحديث عن أثر فشل الكونغرس في إعادة صياغة واستبدال برنامج أوباما كير للرعاية الصحية قائلا:

 

"علاقتنا بروسيا وصلت إلى مرحلة خطيرة من التدني. بإمكانكم شكر الكونغرس الذي لم يستطع حتى أن يمنحنا قانون رعاية صحية"

   

الأمر الغريب بشأن تعليقات ترمب حول بوتين ليس مجرد أنها خالية من النقد، بل أنه يغيّر أسلوبه وطريقته لتفادي هذا النقد
الأمر الغريب بشأن تعليقات ترمب حول بوتين ليس مجرد أنها خالية من النقد، بل أنه يغيّر أسلوبه وطريقته لتفادي هذا النقد
   

لم يرد بين كلماته أي نقد لبوتين الذي أجبر السفارة الأميركية على تقليل موظفيها. أخيرا يوم الخميس الماضي ذكر ترمب الموضوع، لكن المفاجئ أنه لم يتجنب نقد بوتين فقط بل شكره أيضا: أريد أن أشكره لأنه قلّل من حجم الرواتب التي ندفعها. بالنسبة لي فأنا شاكر له لأنه فصل العديد من الناس، أصبحنا نمتلك كشف رواتب أصغر الآن. ليس هناك سبب لعودتهم. على المستوى الشخصي أقدّر فكرة أننا تمكّنا من تخفيض النفقات على الولايات المتحدة الأميركية. سنوفر الكثير من المال.

 

هل قال ترمب ذلك مازحا؟ ربما، لكنه لم يبتسم حين قال ما قال (حاول الرئيس مرارا تمرير تعليقاته الجادة باعتبارها نكاتا بعد ظهور الحقائق، لتفادي تأزم الموقف). يناسب تعليقه هذا محاولته تقليل تكاليف وزارة الخارجية وازدراءه الدبلوماسية التقليدية. لكن حتى إن كان الأمر مجرد مزحة، لا يستطيع المرء إلا أن يندهش من أن رد ترمب على الخطوة الروسية كان شكرهم عليها. لا يعني هذا أن الخيار الوحيد هو رد الصفعة بالصفعة، الإدانة العلنية البسيطة أمر معتاد في الحالات الدبلوماسية مثل هذه (يكمن جزء من المشكلة أن ترمب لا يبدو أن في جعبته سوى خيارين: إما مراضاة خصومه أو التصعيد. فكرة النقد دون تصعيد لم تصله بعد).

 

الأمر الغريب بشأن تعليقات ترمب حول بوتين ليس مجرد أنها خالية من النقد، بل أنه يغيّر أسلوبه وطريقته لتفادي هذا النقد. تغريدته بشأن العلاقات الروسية وتعليق يوم الخميس لم يكونا المرة الوحيدة التي سلك فيها ترمب هذا السلوك، ناهيك عن مدح ترمب المتكرر للزعيم الروسي أثناء حملته الانتخابية، عندما امتدح قدرة بوتين القيادية قائلا إنه يوافق على ضم القرم لروسيا، وطالب موسكو باختراق البريد الإلكتروني لمنافسته هيلاري كلينتون.

 

لنرسم خطا بين ما قاله ترمب أثناء حملته الانتخابية وبين ما قاله منذ الانتخابات، برغم أنه اطلع على الأمر في الثامن من (نوفمبر/تشرين الثاني) فإنه بدأ في تلقي تقارير استخبارية كاملة عن التدخل الروسي بعد الانتخابات. من حينها شهدت البلاد اهتماما متصاعدا بهذا التدخل بين العامة والصحفيين وأعضاء الكونغرس، بعبارة أخرى: كان لترمب العديد من الفرص لإبعاد نفسه عن روسيا، لكنه بدلا من ذلك استمر في الاحتفاظ بموقفه.

  undefined

 

في الرابع من (فبراير/شباط) قال ترمب لبيل أورايلي: "أنا أحترم بوتين، حسنا أنا أحترم العديد من الناس لكن لا يعني هذا أني أتوافق معهم" حاول أورايلي الضغط على ترمب بإخباره أن بوتين يقتل المعارضين والصحفيين. لم ينتقد ترمب بوتين على هذه الجرائم، بل قال إن الولايات المتحدة ليست أفضل من ذلك، وأضاف قائلا: "هناك العديد من القتلة، نحن لدينا العديد من القتلة، حسنا هل تظن حقا أن بلدنا بريئة إلى هذه الدرجة؟"

 

رفض ترمب كذلك بشكل متكرر القبول بفكرة التدخل الروسي في الانتخابات رغم أن هذا ما توصلت إليه كل وكالات الاستخبارات الرئيسة في البلاد، ورغم أن عددا من كبار مساعديه قالوا إنهم يلومون روسيا على هجمات الاختراق. في (يونيو/ حزيران) وصف ترمب هذه الهجمات بأنها "نكتة سخيفة كبيرة". وفي وقت مبكر من (يوليو/تموز)، وأثناء رحلته إلى بولندا، قَبِل بأن روسيا ربما تقف خلف هذه الهجمات، ثم تراجع عن التصريح وحاول التعمية عليه. إذ قال: "أظن أن روسيا هي المسؤولة، وأظن كذلك أنه ربما من فعلها أناس آخرون في بلاد أخرى، الاحتمالات تشمل أشخاصا كثر. قلتها ببساطة، أعتقد أنه من الممكن جدا أن تكون روسيا لكنني أعتقد أنه من الممكن أيضا أن تكون دول أخرى هي المسؤولة. لن أكون دقيقا، أظن أن العديد من الناس يتدخلون. لا أحد يعلم، لا أحد يعلم على وجه اليقين"

  

اجتمع ترمب لاحقا في نفس الأسبوع ببوتين وجها لوجه لأول مرة في قمة العشرين في هامبورغ بألمانيا، تعارضت التصريحات الأميركية والروسية حول اللقاء، حيث قالت الولايات المتحدة إن ترمب ضغط بشدة على بوتين في مسألة الاختراق الإلكتروني، بينما قالت روسيا إن ترمب قَبِل إنكار بوتين لهذه التهم. بعدها بيومين وضّح ترمب المسألة بتغريدتين أكدتا ببساطة الرواية الروسية: "ضغطت على الرئيس بوتين مرتين بشأن التدخل الروسي في انتخاباتنا، أنكر هو هذه الاتهامات بشدة. رأيي في المسألة معلوم مسبقا"

  

بالنظر إلى أن ترمب عبر عن شكوكه إزاء التدخل الروسي، تقرأ التغريدة باعتبارها قبولا لإنكارهم، لكن حتى لو لم يكن الأمر كذلك، أوضحت تغريدة ترمب التالية أنه ليس في نيته تحميل روسيا المسؤولية: "تفاوضنا حول تطبيق وقف إطلاق النار في أجزاء من سوريا وهو ما سينقذ العديد من الأرواح. حان الوقت للمضي قدما والبدء في التعاون البنّاء مع روسيا". السؤال هو: لماذا يبذل ترمب كل هذا الجهد لتفادي انتقاد بوتين، خصوصا في الوقت الذي يحمل فيه التقارب مع روسيا تكاليف سياسية مرتفعة؟

  

أفعال ترمب تظهره بمظهر الضعيف، فرفضه انتقاد بوتين حتى في حالة الأزمة الدبلوماسية يعطي انطباعا بأنه خائف من الكرملين ولا يمكنه أن يكون قويا في هذه المسألة
أفعال ترمب تظهره بمظهر الضعيف، فرفضه انتقاد بوتين حتى في حالة الأزمة الدبلوماسية يعطي انطباعا بأنه خائف من الكرملين ولا يمكنه أن يكون قويا في هذه المسألة
 

هناك فائدة صغيرة بالنسبة للسياسة الخارجية، خلال الحملة الانتخابية وفي أوائل فترة رئاسته قال ترمب إن على الولايات المتحدة أن تطلق حملة ود وصداقة لتحسين علاقاتها مع روسيا، وسواء كان هذا خطأ أم صوابا، وسواء كان الكونغرس هو المُلام أو أحد غيره فإن هذه المقاربة قد عفا عليها الزمن، واعترف ترمب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون وروسيا بأن العلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها.

 

حتى وإن اعتقد ترمب أن بوتين زعيم مثير للإعجاب يُتهم ظلما بالعديد من الجرائم فسيكون في صالحه خلق بعض المسافات مع روسيا، إذ تمثل مسألة مثل طرد الدبلوماسيين فرصة جيدة لترمب للدفاع عن بلده. يدرك بوتين -مثل أي زعيم أجنبي- أن رئيس أي دولة يجب عليه تأمين نفسه على المستوى المحلي، وسينظر إلى بعض الكلمات العدائية من ترمب على ضوء هذه الحقيقة (حتى لو صدق الاعتقاد بأن ترمب مجرد دمية يتلاعب بها الكرملين، لماذا لا ينتقد بوتين علانية ليؤمن لنفسه مساحة للمناورة؟).

 

بالنظر إلى ولع ترمب بالقادة السلطويين وتركيزه على إظهار القوة فإن التفسير البسيط لمسألة رفض ترمب انتقاد بوتين هي أنه لا يريد أن يظهر بمظهر من أُجبر على تغيير وجهة نظره، ربما يفكر أنه إذا انصاع لنقاده ووجه كلمات قاسية إلى بوتين سيظهره هذا بمظهر الضعيف، وإذا اعترف بالتدخل الروسي في الانتخابات يهدد هذا الأمر من شرعية فوزه في 2016. في الحقيقة فإن أفعاله تظهره بمظهر الضعيف ولكن ليس بالطريقة التي يفكر بها، رفضه انتقاد بوتين حتى في حالة الأزمة الدبلوماسية يعطي انطباعا بأنه خائف من الكرملين ولا يمكنه أن يكون قويا في هذه المسألة. قطع الرئيس أنفه للدفاع عن ماء وجهه وهو مستعد لقطع أذنه أو شفته إذا تطلب الأمر.

 

خلال مؤتمره الصحفي الوحيد بين انتخابه وتنصيبه في الحادي عشر من (يناير/كانون الثاني) رد ترمب على أسئلة حول إعجابه بالزعيم الروسي: "إذا كان بوتين معجبا بترمب يعتبر هذا أمرا ثمينا وليس عائقا. الآن لا أدري إن كنت سأنسجم مع فلاديمير بوتين، أتمنى أن أفعل، لكنّ هناك احتمالا ألا يحدث ذلك، حتى لو لم أفعل هل تظنون حقا أن موقف هيلاري تجاه بوتين سيكون أشد من موقفي؟ هل يصدق أحد ما في هذه الغرفة ذلك حقا؟" بعدها بسبعة أشهر من ذلك الحين أصبح من الواضح أنها لم يكن بإمكانها أن تكون أقل تشددا من هذا.

 

_________________________

 

مترجمٌ عن: (ذا أتلانتيك)

المصدر : الجزيرة